عندما شنت السعودية -مع من حشدت ممن وصفتهم بأنهم حلفاؤها تحت عنوان «التحالف العربي»- عدوانها على اليمن، روّجت هي ومن تتبع أو يتبعها بأن الحرب لن تدوم أكثر من أيام معدودة قد لا تتعدى الأسبوعين في أبعد تقدير، وظنت أنّ كمًّا محددًا من طلعات جوية أو إذا احتاج الأمر لأيام معدودات من حصار وإغلاق وتضييق على شعب اليمن سيؤدي إلى انهيار أهل اليمن واستسلام شعبه؛ لتكون السعودية الحاكم بأمر أميركا لهذا البلد المميز في موقعه الاستراتيجي، وثرواته الطبيعية التي لازال معظمها حبيس الأرض لم يكتشف أو لم تصل يد الإنسان إليه.
انطلق العدوان السعودي الخليجي موجها من أميركا، ونقول: أميركا؛ لأن أميركا في الحقيقة هي من كان يقود العدوان من الخلف، وهي مع حلفائها الأوربيين وجدوا في حرب اليمن مبررا أو سببا أكثر من كافٍ؛ لتنشيط سوق السلاح المتعدد الأنواع و العناوين؛ ولتحويل كل من السعودية والإمارات إلى بقرة حلوب تملأ من ضرعها خزائن المال الأميركية والأوروبية؛ لذلك سخرت أميركا مجلس الأمن بشكل وقح، و جعلته يرعى العدوان، ويؤيد المعتدي، ويدين المعتدى عليه الذي»يرتكب جريمة الدفاع عن النفس « ضد معتدٍ ظالم منتهك لحقوق الإنسان، ومرتكب لأفظع جرائم بحق الإنسانية، وفيها جرائم حرب و جرائم الإبادة الجماعية، وغيرها من الجرائم الأخلاقية و الهمجية التي تعاقب على ارتكابها كل الشرائع والقوانين قديمها و حديثها.
بَيد أن التصور والتوقع العدواني اصطدم بما لم يكن في الحسبان، ووجد المعتدون أن الشعب الأعزل إلا من إيمانه عازم على الدفاع عن أرضه حتى بالأنياب والأظافر مع بعض ما يتوفر من بنادق وأسلحة خفيفة ومتوسطة لا يمكن مقارنتها بترسانات الأسلحة وتجهيزات الجيوش التي سخرت للعدوان على اليمن.
وعلى الرغم من أن العدوان سارع إلى إغلاق أجواء اليمن و حدوده، وفرض حصارا خانقا عليه يكاد يمنع حتى الماء و الهواء عن شعب اليمن الذي قرر الدفاع عن أرضه، فإن الجيش اليمني الوطني مع اللجان الشعبية اليمنية عرفوا كيف ينضوون تحت قيادة سياسية حكيمة يحضنها، ويدعمها «أنصار الله «، و عرفوا كيف يخططون لدفاعهم داخل اليمن، وكيف يثبتون في مراكزهم و قواعدهم، ثم كيف يرسمون حدود المناطق التي منعوا العدوان من دخولها، ثم كيف يوسعون هذه المناطق، ثم عرفوا كيف ينقلون النار إلى حدود السعودية ثم إلى عمقها، إلى حد وصلوا معه إلى تأكيد واقع لا يمكن لأحد إنكاره، واقع يقول: إن القوى اليمنية الوطنية رقم لا يمكن أن يكسر، و طرف لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، وإن أي حل في اليمن لا يمكن إلا أن يكون بين طرفين أساسيين أحدهما الفريق الوطني المتمثل بأنصار الله و حلفائهم الوطنيين.
واليوم وبعد ست سنوات من العدوان الإجرامي الوحشي نستطيع تأكيد حقائق لا يمكن أن يتجاوزها أحد، منها:
1) أن العدوان السعودي – الإمارتي وعلى الرغم من كل ما زج في ميدانه من قدرات فشل في تحقيق شيء من أهدافه، وباتت المناطق التي يوجد فيها مناطق انعدام استقرار واضطراب خلاف اللمناطق التي تسيطر عليها القوى الوطنية اليمنية من جيش ولجان شعبية، حيث الأمن والاستقرار الذي لا يفسده إلا العدوان الجوي الذي ترتكبه طائرات التحالف الإجرامي المسمى «تحالفا عربيا».
2) أن أميركا التي كانت تؤمل الكثير من حرب العدوان على اليمن اعترفت أخيرًا بالهزيمة، وتراجعت عن تصنيف أنصار الله جماعة إرهابية، وفرضت حظرًا على السلاح على السعودية والإمارات؛ من أجل أن تغسل يديها من المسؤولية عن الهزيمة أولًا، وتتنصل من الجرائم التي ارتكبها المعتدون، وانتهكوا فيها حقوق الإنسان، وكلها جرائم حرب وجرائم ضدالإنسانية.
3) أكد الشعب اليمني مرة أخرى صحة مقولة تاريخية قديمة: إن جبال اليمن وأهله لا يخضعون لمستعمر أو غازٍ، ولا يتمكن منهم أجنبي، وبالتالي فشلت السعودية في عدوانها الذي رمى إلى جعل اليمن حديقة خلفية لها تنهب ثرواتها، وتذل شعبها.
4) صعَق شعب اليمن محور العدوان عليه وحلفاءه المستترين والظاهرين، وأكد بوضوح كلي شدة التزامه بالقضايا القومية العربية، وفي طليعتها قضية فلسطين، وعمله في إطار محور المقاومة؛ وبهذا يكون هذا الشعب المميز قد قلب الأهداف من العدوان إلى عكسها، وبدلاً من أن يكون أو يتخذه الأعداء خنجرا في ظهر محور المقاومة يقطع طرقها أكد بأنه سيف من سيوف المقاومة التي تواجه إسرائيل.
5) أما على الصعيد الداخلي فقد أدى صمود اليمن وإفشاله للعدوان إلى كشف حقيقة المعتدين، وهيأ الظرف لصراعهم وتشتتهم وتنصل الخارج من أفعالهم، ونفض يده من هزائمهم وأفعالهم.
وفي استنتاج أخير: نستطيع القول بأن هزيمة قوى العدوان- خاصة السعودية وحلفاءها وسادتها ومرتزقتها- في اليمن ستلقي بثقلها وظلها على مستقبل الصورة السعودية في العالمين العربي والإسلامي، وستؤثر بشكل أكيد في إظهار المشهد الاستراتيجي العام في الجزيرة العربية وغربي آسيا بشكل لم تكن تتوقعه إسرائيل، ولا تستسيغه هي وحلفاؤها القدامى -الجدد.