مصادر خاصة كشفت عن فحوى "رسائل الليلة الأخيرة"، وأكّدت أنّ طهران أبلغت من يعنيه الأمر بأن ردّها سيكون عبر 3 قرارات مدوية
على غير العادة، طغت أجواء الربيع المبكر على حالة الطقس في العاصمة الإيرانية طهران، ومعها خفتت حدة الاشتباك الإيراني الأميركيّ حول الطرف الّذي سيعود أولاً إلى الاتفاق النووي. كان موعد الخامس من آذار/مارس الحالي حاسماً ومفصلياً في التخفيف من حدة هذا الجدل الذي تخلَّت فيه الأطراف الأوروبية الرئيسية على نحو مفاجئ عن مشروع قرار قدَّمته إلى مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي كاد يؤدي إلى انفجار هائل، وذلك بإعادة ملفّ إيران إلى مجلس الأمن، وردّ طهران المحتمل بتمزيق ما تبقى من أوراق الاتفاق النوويّ.
قبل ذلك، توعّد الأوروبيون بموقف صارم سيصدر عن الاجتماع الدوري لمجلس حكام الوكالة يوم الجمعة الماضي. حينها، ارتفعت نبرة التهديدات من الجانب الإيراني الذي حذّر من قساوة الردّ إذا ما صدر بيان عن مجلس الحكام.
الوعيد الإيراني لم يكن يقتصر على التلاسن الإعلامي، وإنما جرت ترجمته في رسائل تم تداولها في ساعات الليل التي سبقت اختتام أعمال مجلس الحكام، إذ أعلن الأوروبيون عن سحب مشروع قرارهم "وإعطاء فرصة للدبلوماسية، وذلك بالاتفاق على إرسال مسؤول كبير في الوكالة إلى طهران مطلع الشهر المقبل لبدء مرحلة من الحوارات الهادئة".
مصادر خاصّة كشفت عن فحوى "رسائل الليلة الأخيرة"، وأكّدت أنّ طهران أبلغت من يعنيه الأمر بأن ردّها سيكون عبر 3 قرارات مدوية في حال صدر بيان مجلس الحكام:
- إعلان رفع نسبة التخصيب إلى 60%.
- إعادة تشغيل معمل فلزات اليورانيوم في أصفهان.
- تمزيق ورقة اتفاق "صالحي - غروسي" المؤقّت، وتحطيم كاميرات المراقبة التابعة لمفتّشي الوكالة.
إنَّ تلويح إيران بهذه الخطوات الثلاث يظهر تخمة ترسانة صاحب القرار في الجمهورية الإسلامية في ترويض الخصوم، ويؤكد أيضاً أنّ طهران جاهزة للانتقال إلى مرحلة ما بعد "تلاشي الاتفاق النوويّ"، ومن ثم حشر الجميع في أقصى الزاوية الحرجة، وليكن ما يكون، وذلك بحسب مقال نشرته صحيفة "عصر أمروز" في الرابع من الشهر الجاري.
ويقول كاتب في صحيفة تابعة للتيار الأصولي الثوري في طهران إنّ إدارة الاشتباك حول ثنائيّة الاتفاق النوويّ ورفع العقوبات مع القوى الغربية في عهد الرئيس بايدن، باتت مختلفة وصارت أكثر مركزيّة بعد إعلان المرشد السّيد علي خامنئي عن استراتيجيّة الخطوات الثلاث التتابعيّة، وهي رفع جميع العقوبات، والتأكّد من ذلك عملياً، ومن ثم عودة إيران إلى الاتفاق وإلغاء خطوات خفض الالتزام.
خلال الأيام الماضية، وعقب انعطاف الأوروبيين إلى أروقة الوكالة الذرية، بدا كأنه فصل جديد من الحديث عن إمكانية التفاوض وتنظيم الأولويات في مناقشة نقاط الاشتباك بين الغرب وإيران، وذلك عبر مسارين:
الأول: تخويل وزير خارجية إيرلندا (العضو في مجلس الأمن) بدء حوار مع طهران لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2231 المتعلّق بمتابعة التزامات الدول الموقّعة على الاتفاق النووي.
الثاني: محادثات تجري في طهران يقودها مساعد مدير عام الوكالة الدوليّة للحصول على إجابات إيرانية بشأن ما قيل عن العثور على ذرات يورانيوم في موقعين جرى تفتيشهما قبل أشهر قليلة.
وفي هذا السّياق، أطلق وزير الخارجية محمد جواد ظريف تصريحه الشهير بأنه يعمل على إعداد ورقة سيقدمها إلى الرئيس روحاني بشأن التباحث في المسائل العالقة. كما أنَّ الرئيس روحاني والمتحدّث باسم حكومته أطلقا تصريحات فُهم منها أن تراجعاً حصل في الموقف الإيراني بشأن إمكانية الحوار المباشر مع مجموعة 5+1، وبحضور الولايات المتحدة، بعد أن أبديا إمكانيّة الانطلاق من قاعدة "خطوة مقابل خطوة".
ترويض الخارج بحسابات توازن الداخل
إلى هنا، تصوّر البعض أنّ متغيّراً حصل ولم يعلن عنه في تتابعية الخطوات الثلاث في موقف المرشد، ولا سيّما ما يتعلّق بوجوب رفع كامل العقوبات، غير أنّ مصدراً مسؤولاً حرص على إعادة المواقف إلى نصابها، وصرح معلقاً: "فكرة "خطوة بخطوة" لبدء مفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران تم رفضها على أعلى المستويات في الجمهورية الإسلامية، ولن يتمّ إجراء أيّ اتصال بين طهران وواشنطن حتى يتمّ رفع جميع العقوبات... التفسيرات الغربيّة للتصريحات الأخيرة للرئيس روحاني ووزير الخارجية بشأن وجود خطّة هي تفسيرات مضلّلة ولا صحّة لها".
سألتُ صديقاً عما إذا كان تصريح "المصدر المسؤول" يوحي بوجود تباين حادّ في أروقة القرار الإيراني، وخصوصاً أنَّنا نعرفه وندرك أنَّه ينتمي إلى نهج الرئيس روحاني السياسي!
صديقي الإيراني الذي أوشك على إلغاء كلّ التزاماته استعداداً لعيد النيروز، أجابني قائلاً: "بهذا الشّكل تُدار لعبة توازن الداخل وترويض الخارج، من أجل قضاء أيام هادئة في عيد النيروز، ولمنح الناخبين آمالاً عريضة لما بعد انتخابات 18 حزيران/يونيو المقبل، وأيضاً لضمان عدم خسارة الإصلاحيين المعتدلين كلّ أرصدتهم، في وقت يحتشد الأصوليون بشراسة لاستعادة طاولة الرئاسة في باستور".