يكثر الحديث عن قوة العدو الصهيوني وضعفنا نحن العرب والمسلمين، وهذا تجنِّي ما بعده تجني على الحقيقة والواقع، فهل يُعقل يا أهل العالم أن يكون بضعة ملايين في فلسطين المحتلة من الصهاينة يتفوَّقون على أربعمائة مليون عربي؟ فالوطن العربي يتفوَّق على الولايات المتحدة في عدد السكان، وعلى كل دول العالم في الثروات الباطنية والظاهرية، مع تراث عريق في التاريخ والحضارة الإنسانية.
فهناك مقولة عن لبنان لأحد زعمائه المشهورين يقول فيها: “قوة لبنان في ضعفه”، وهي صادقة على المرأة أحياناً وعلى الطفل دائماً، وأما عن دولة فقوتها تكون في قوتها، أو موقعها، أو ثرواتها، فتكون قوتها بحاجة الناس إليها كما نرى بعض مشيخات الخليج ودوله التي لا تتجاوز مدينة صغيرة الحجم، وكذا دولة الفاتكان البابوية التي تُصنَّف أصغر دولة وهي دولة في مدينة روما، فقوتها في مكانتها المعنوية، ومرجعيتها الروحية لشطر من مسحيي العالم فالكل تابع لها.
فعدة ملايين وقد لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة وقادمون من كل دول العالم وأجناسهم وألوانهم وأشكالهم فلا شيء يجمعهم إلا اليهودية، واليهودية أصلاً ذابت في شعوب الأرض منذ آلاف السنين ولم يبقَ منها إلا هؤلاء الشراذم من أصحاب الفكر الصهيوني السياسي الذين صاروا مطية للغرب في هذه المنطقة وذلك لأنهم ما نزلوا في مجتمع ولا في مدينة إلا أفسدوها بجشعهم وقذارتهم وحبهم للمال، وعدم قابليتهم للانسجام مع الشعوب لنظرتهم العنصرية.
فجاؤوا بهم إلى مقتلهم حيث جمَّعوهم في منطقة حساسة جداً حيث تُشكل قلب العالم، بهدف تركيع شعوبها لسرقتهم ونهب خيراتهم الهائلة، والسيطرة عليهم وفصل طرفي الأمة الآسيوية عن الأفريقية، ووضع شرطي لهم في المنطقة ليخدمهم وعندما تنتهي مهمته سيكون أرخص مَنْ يُضحَّى به، لعلمهم ومعرفتهم أنهم أشرار لا يُمكن هضمهم في مجتمع، وكلهم قد جرَّب اليهود.
ولذا فمعادلة القوة والضعف ليست واقعية اليوم وذلك بسبب الكذب والدجل الممنهج الذي يُمارسونه على شعوب المنطقة من جهة وبسبب هؤلاء الحكام الخونة الذين هم جاؤوا بهم ونصَّبوهم في بلداننا ليخدموهم ويُسكتوا شعوبهم ويسرقوا خيرات البلاد ويرسلوها إليهم في بنوكهم، ولكن هذه الحالة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية فسيأتي اليوم الذي يكتشف فيه الشعب الحقيقة وعندها سيطردهم كما سيطرد الصهاينة بلحظة غضب واحدة.
وهذا يعرفونه جيداً فهذا أول رئيس وزراء للصهاينة ديفيد بن غوريون يعترف ويقول: “قوتنا ليست في سلاحنا النووي بل في تدمير وتفتيت ثلاث دول كبرى حولنا العراق، سوريا، ومصر إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية، ونجاحنا لا يعتمد على ذكائنا بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر”، وهو يقول في افتتاح مفاعل ديمونه الذي صار فزَّاعة وهو في الحقيقة ولَّاعة سيحرقهم قبل أن يحرق غيرهم عندما تحق الحقيقة، في عام 1963: “ليس مهماً أن يكون لدينا قنبلة نووية ولا حتى 200 رأس نووي، فهذا لن يُفيدنا أبداً بل المهم أن نُحيِّد مصر وسوريا والعراق، عندها فقط نطمئن إلى وجودنا وقوتنا في أرض الأجداد”.
وبالفعل حيَّدوا مصر بالسادات المقتول، واحتلوا العراق ومازالوا مصرين على احتلاله، وحاولوا تدمير سوريا بهذه الحرب الكونية عليها منذ عشر سنوات عجاف أحرقت الأخضر واليابس فيها، لم يقنع أو يعِ أذناب الصهيونية وقطعان التكفير الصهيووهابية إلى الآن الحقيقة التي ضحك عليهم بها صبيان مملكة الرمال الوهابية وفتاوي أصحاب الذقون القذرة منهم، فأين أولئك الأقزام الذين كانوا يظهرون كالفطر كلما لمعت شرارة فتنة ظهر فريق منهم حتى صاروا أكثر من 140 فصيل من أكثر من 110 دول من كل دول العالم، يا للهول أكل هؤلاء يحبون سوريا أكثر منا نحن السوريين، وجاؤوا لتحريرها من أهلها الفقراء البسطاء الشرفاء؟
هذا ما كان يقصده ويعنيه بن غوريون الصهيوني حتى النخاع ولكنه يعرف بأن لدينا صهاينة أكثر منه صهيونية كأبناء عمومته الذين غرسوهم في خليجنا العربي ليكونوا حماة لدولتهم اللقيطة في فلسطين المحتلة، وها هي تنكشف حقائقهم القذرة على العلن، فهم الذين يموِّلون ويحمون أمهم الصهيونية ولولاهم لم يبقَ منهم أحد ولعادوا من حيث أتوا ورجع كل منهم إلى البلد الذي جاء منه.
فقوتنا نحن لا تقاس أصلاً بقوة عدونا ولكن الاستحمار، والاستغفال، والاستغباء الذي يُمارس على الأمة من حكامها هو ما يجعل هذا المارد قزماً، والكذب يُظهر القزم مارداً عملاقاً.