ربما كان الجزء الثاني الذي لم يكتب من رواية الجريمة والعقاب للروائي الروسي الشهير فيودور ديستويفسكي هو مانراه اليوم في المماحكات والمناوشات الايرانية الاسرائيلية .. أو بمعنى اوسع بين محور المقاومة وبين محور الشر الامريكي الاسرائيلي التركي .. وهو ماسيكون عنوانه “الجريمة واللاعقاب” ..
من المؤكد ان ماتفعله اسرائيل هو تجنب للحرب ولعب ضمن قواعد اشتباك محسوبة جدا .. فهي تضرب ضربات منفردة ولكنها ذات قيمة معنوية كبيرة .. ومن الواضح أنها لاتريد الحرب ولكنها تدرك ان محور المقاومة أيضا غير راغب بها أيضا ..
ماهو ثابت ان الاسرائيليين والاميريكيين ليسوا بوارد الحرب على الاطلاق وكل التهويلات والشائعات والاخبار عن حشود واستعدادات هي لجعل محور المقاومة مستنفرا بصواريخه فيما ان الحرب السيبيرية والمخابراتية والاجتماعية وحرب الشائعات والحرب الاقتصادية في أشد مراحلها .. وهي مايغني عن حرب الصواريخ ..لضربات الاسرائيلية ليست فقط في عمليات الاغتيال والقصف العشوائي المتفرق على اهداف مشتتة لاقيمة لها أحيانا .. لأن هذه النشاطات طريقة في جعل الخصم يركز على ان المواجهة العسكرية هي الأساس .. ولكن في الحقيقة الحرب قائمة بشدة في الاعتداء على كل بيت سوري .. بيوت السوريين كلها تقصف في الاعتداء على ثروات السوريين في قمحهم ومائهم ونفطهم .. فمنع السوريين من الغذاء والقمح في الجزيرة مثل كأنه ضربة جوية قضت على صوامع القمح والمخزون الاستراتيجي للامة .. وهي مثل سقوط قنبلة في بيت المونة لكل بيت .. وبمعنى أدق فان حصة كل بيت سوري من سلة الغذاء استهدفت .. ومنعهم من حقول النفط يشبه توجيه ضربة جوية عنيفة لكل مصافي النفط وحقول النفط وحرمان الناس والمصانع من المحروقات ومصادرة مافي مواقد بيوتهم من محروقات .. وقانون قيصر هو أهم اعتداء كبير على السوريين الذي هزّ الليرة السورية .. وتليت تلك الهزة بضربة ميناء بيروت التي كانت ضربة بمثابة القفل الذي أغلق على الوضع الاقتصادي السيء .. والذي جعل الفساد أكثر وضوحا لأن الفقر سيعوّم الفساد كثيرا ويخرجه من الممارسات الوقحة خلف الستائر الى العلنية الفاقعة .. وهذا التناقض الفاقع بين الفقر والفساد الظاهر سيشق المجتمع ويشتته ويغير أولوياته ويعتدي على المبادئ والقيم العليا ويدمرها ..
أخشى ان يكون محور المقاومة لايزال أسير فكرة ان ردع اسرائيل وأميريكا عسكريا هو الردع الأقصى .. ولكن يبدو أن موازين الردع تتغير .. وأن الردع العسكري قد كسبه محور المقاومة بلاشك .. ولكن الردع الأمني والاقتصادي والاستخباراتي صار في صالح محور الشر .. لأن الردع الاستخباراتي المقاوم يستند الى الردع العسكري ويعتبر أنه كاف.. ولكن الردع المقاوم الاستخباراتي ضد العمليات الامنية الاسرائيلية والامريكية يحتاج ان ينتقل من مرحلة الاتكاء على الردع العسكري الاستراتيجي الى التحرك نحو الردع الاستخباري والامني .. فالخصم يوجه عمليات أمنية في قلب المحور ويتسلح بردع اعلامي ساحق بحيث ان رد محور المقاومة سيواجه بسيل من الحرب الاعلامية من حلفاء اسرائيل في الداخل من معارضين وعرب مستعربين وماكينة اعلامية رهيبة تغرق المحور باتهامات بالتهور وبأنه يغامر وانه يأخذ الشعب للانتحار معه ..
الهجوم الاقتصادي على الليرة وعلى مصارف بيروت وعلى ميناء بيروت وعلى نفط الجزيرة وقمح الجزيرة وقتل القادة والعلماء يشبه عملية قصف شامل بطائرات ب 52 على المدن والمصانع والسدود ومراكز الابحاث .. لأن النتيجة واحدة وهي ان كل مقومات المعركة العسكرية ونتائجها وخسائرها حدثت .. ولن يوقف هذا الاعتداء الهائل والضخم الا عمليات من نفس العيار والنوع .. وهي عمليات امنية ومقاومة ضد الاسرائيليين وحلفائهم في المنطقة واعادة حرب التحرير بالعمل المقاوم حيث ينتشر الاميريكون والاسرائيليون وغيرهم .. وهي عمليات لاتستدعي الحرب .. وهي تلعب نفس اللعبة الاسرائيلية حيث اننا نعلم ان الاسرائيلي لايريد الحرب لأنه مردوع عسكريا وغير جاهز لحرب المدن والصواريخ ..