إن الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب التي تبنتها هيئة الأمم المتحدة سنة 2006، تضمنت أسس وآليات قانونية و عملياتية لضمان نجاعتها. إلا أن كل ذلك مرهون بالمعطيات المتوفرة فيما يتعلق بالجماعات الإرهابية (من حيث أوصافهم، و جنسياتهم، و تموضعهم، و نشاطاتهم…ألخ)، و كذا كشف السبل التي من شأنها دعم هذه الجماعات مادياً ومعنوياً.
و على هذا الأساس، تمً تصنيف الجماعات الإرهابية من طرف هيئة الأمم المتحدة و كذا الاتحاد الأوربي، وذلك حتى يسهل الكشف عن هذه الفواعل التي تنشط داخل الظاهرة الإرهابية. وتبقى هنالك تصنيفات أخرى، خاص بعدة دول على حدى، كما هو الحال بالنسبة للتصنيف الذي وضعه مكتب التحقيقات الفيدرالي التابع للولايات المتحدة الأمريكية، أو ذلك الذي وضعته شرطة إنتربول…ألخ.
كما أنَّ أغلب هذه التصنيفات اتفقت على معظم الحركات و الجماعات الإرهابية الناشطة حالياً، نخص بالذكر: تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش الارهابي أو بوكو حرام أو أبو سياف…ألخ. مع وجود اختلاف في شأن بعض الحركات الإسلامية التي لا تلق إجماعاً خاصة من طرف الدول العربية، على اعتبارها حركة إرهابية كحركة حزب الله مثلا، و الذي تعتبره الدول العربية بمثابة حركة تحررية.
كما أنَّ فعالية و نجاح هذه الاستراتيجية، مرهون كذلك بمدى تعاون الدول و المنظمات الدولية والإقليمية فيما بينها، على كل المستويات، الأمني، القضائي و التقني لمكافحة هذه الظاهرة.
مفهوم الاستراتيجية الدولية لمكافحة للإرهاب.
مصطلح الاستراتيجية – Strategy مشتق أصلا من الكلمة اليونانية Strato التي تعني الجيش أو الحشد، ومن مشتقات هذه الكلمة Stratego والتي تعني فن القيادة. ومن مشتقاتها كذلك Stratagem، والتي تعني الخدعة الحربية التي تستخدم في مواجهة العدو.
إلا أنَّ استعمال هذا المصطلح أصبح يشمل عدة مجالات وميادين، فقد يوصف قرار سياسي مهم بأنه استراتيجي، كما توصف بعض الموارد والسلع الاقتصادية بأنَّها استراتيجية كالبترول مثلا. كما قد توصف بعض الدراسات المتخصصة بأنَّها دراسات استراتيجية…ألخ.
وإنْ كانت التعاريف المتعلقة بالإستراتيجية، معظمها مرتبط بالشق العسكري، إلا أنَّ هذا الطرح تغير خاصة مع تعريف بعض المنظرين أمثال أندريه بوفير – André Beauver الذي عرَّف الإستراتيجية بأنَّها : “فن استخدام القوة للوصول إلى هدف السياسة“. وكأنَّ Beauver كان يعني بالقوة جميع القدرات التي تكون بحوزة الدولة، بما فيها القدرات العسكرية لتحقيق أهدافها السياسية.
وهو ما توصل إليه الدكتور عبد القادر محمد فهمي، أستاذ العلاقات الدولية والاستراتيجية، إذ يرى بأنَّ: “الاستراتيجية علم وفن استخدام الوسائل والقدرات المتاحة، وفي إطار عملية متكاملة يتم إعدادها والتخطيط لها، بهدف خلق هامش من حرية العمل يعين صناع القرار على تحقيق أهداف سياستهم العليا في أوقات السلم والحرب“.
إذن أصبح التعامل مع الإرهاب يتطلب “استراتيجية محددة” وخاصة بهذه الظاهرة. التي أصبحت تهدد السلام العالمي خاصة مع تعدد الأنشطة الإرهابية والجماعات، والوسائل التي تخدم مصالحهم، فبعدما كانت الدول قديما، تدرك الخطر الذي يوجهها من الخارج والذي يحاربها براية معلومة ويأتيها من ناحية واحدة، أصبحت الآن هذه الدول معرضة للخطر من الداخل والخارج دون أن تتمكن من التعرف على عدوها وبدون أي معلومة أو مؤشر مسبق لتعرضها لهجمة إرهابية قد تسبب لها خسائر بشرية ومادية معتبرة.
و هكذا، استدعت الظروف وضع استراتيجية للوقاية من الإرهاب ومكافحته أينما وجد ومهما كانت صوره وبغض النظر عن جنسية مرتكبيه.
كما تنقسم الدول في شأن استراتيجية التعامل مع الإرهاب إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي:
١- دول تعلن استراتيجية مؤداها أنْ لا تتنازل للمطالب الإرهابية مهما كانت المخاطر التي تنتج عن العمليات الإرهابية.
٢- دول تقبل بمبدأ التفاوض بل وحتى الرضوخ للمطالب الإرهابية إذا اضطرت لذلك.
٣- دول ليست لها سياسة معلنة مسبقاً وتتعامل مع كل حالة على حدا. فهي ترفض مطالب الإرهابيين إذا كان الخطر الناجم عن الرفض أقل من مساوئ قبوله والعكس صحيح، ومن ثم فهي لا تدخل في حسابها وضع استراتيجية ثابتة للتعامل مع الظاهرة.
أسس الاستراتيجية الدولية لمكافحة للإرهاب.
إنَّ الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب ، وإن كانت لها ميزة عملياتية “عسكرية” بالمفهوم الأمني الضيق، إلا أنَّها في ظل حركية العلاقات الدولية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وظهور الإرهاب “كظاهرة” لا تعترف بالحدود، أصبح لها وجهان: الأول “قانوني” من خلال النصوص القانونية المتعددة والمختلفة في مجال مكافحة الإرهاب واللقاءات الدبلوماسية والمعاهدات..ألخ. والثاني “عملياتي” يشمل العمليات العسكرية الهادفة إلى مكافحة الظاهرة الإرهابية وكذا التعاون الأمني في مناطق مختلفة من العالم.
و من هذا المنطلق قامت الأمم المتحدة برسم استراتيجية لمواجهة الإرهاب بموجب قرار الجمعية العامة رقم 288 الصادر في 08/09/2006، مرفقا بملحق القرار الذي يتضمن خطة للعمل. وتستند هذه الاستراتيجية على أربعة أسس:
١- معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب.
٢- منع الإرهاب ومكافحته.
٣- بناء قدرات الدول لمكافحة الإرهاب وتعزيز دور منظمة الأمم المتحدة في هذا الشأن.
٤- ضمان سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لمكافحة الإرهاب.
و في مارس 2006 وبمناسبة ذكرى تفجير القطارات في مدريد، حدَد الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ركائز الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب فيما يلي :
-منع وصول الإرهابيين إلى الوسائل التي تمكَنهم من شن هجوم مفاجئ على مناطق معينة.
-ردع الدول عن دعم الإرهاب.
– تنمية قدرة الدول على منع الإرهاب.
– الدفاع عن حقوق الإنسان.
و قد رحَّبت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعناصر تلك الاستراتيجية، على نحو ما جاء في الوثيقة الختامية لمؤتمر القمَة العالمي لعام 2005 (قرار الجمعية العامة 20/1 ) وتعهَدت بمواصلة تطويرها. وفي هذا المؤتمر، أجمعت الدول الأعضاء على إدانة الإرهاب “بجميع أشكاله ومظاهره، أيًا كان مرتكبه وأينما ارتكب، وأيًا كانت أغراض ارتكابه“، بوصفه يشكَل أحد أخطر التهديدات للسلام والأمن والدوليين. وهو ما يستدعي تعبئة الجهود الدولية لمواجهة هذه الآفة الإجرامية.
كما أنَّ القرار الصادر عن الجمعية العامة في 7 سبتمبر 2006 الخاص بإستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، جاء يؤكد الإعلان المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب، الوارد في مرفق قرار الجمعية العامة رقم 94/60 المؤرخ في 09/12/1994 ، والإعلان المكمل لإعلان عام 1994 المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي، الوارد في مرفق بلائحة الجمعية العامة رقم 51/210 المؤرخ 17/12/1996 ، ونتائج مؤتمر القمة العالمي لعام 2005 في جزئه المتعلق بالإرهاب.
كما تقرر مناقشة جميع بنود جداول أعمالها المتعلقة بالإرهاب ومكافحته، أن تتخذ الخطوات التالية لكفالة متابعة الاستراتيجية على نحو فعال:
١- إعلان الاستراتيجية في جزء رفيع المستوى من دورة الجمعية العامة الحادية والستين.
٢- القيام في غضون سنتين ببحث التقدم المحرز في تنفيذ الاستراتيجية ، والنظر في تحديثها لكي تستجيب للتغيرات.
٣- دعوة الأمين العام إلى الإسهام في المداولات التي ستجريها الجمعية العامة في المستقبل بشأن استعراض تنفيذ الاستراتيجية وتحديثها.
٤- تشجيع الدول الأعضاء والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية ودون الإقليمية المعنية على دعم تنفيذ الاستراتيجية، بوسائل منها تعبئة الموارد والخبرات.
٥- مواصلة تشجيع المنظمات غير الحكومية و المجتمع المدني على التباحث، حسب الاقتضاء، بشأن سبل تعزيز الجهود الرامية إلى تنفيذ هذه الاستراتيجية.
كما أن أي استراتيجية تتطلب رؤية واضحة عمًا يراد التخطيط له وتنظيمه. فيتم ضبط المفاهيم الخاصة بهذه الاستراتيجية وكذا موضوعها. وفيما يتعلق باستراتيجية مكافحة الإرهاب، يستوجب التعرًف على الفاعلين في الظاهرة الإرهابية “الجماعات الإرهابية”.
تصنيف الجماعات الإرهابية:
إن تصنيف الجماعات الإرهابية مرتبط بجرائم الإرهاب الصادرة عن الأفراد والمنظمات، بحيث تنقسم جرائم الإرهاب بالنسبة للقائمين بها إلى شكلين: إرهاب الأفراد والمنظمات، وإرهاب الدولة.
فإرهاب الأفراد والمنظمات، هي تلك الأعمال التي تقوم بها الأفراد والعصابات والمجموعات الأخرى لحسابها الخاص، كأعمال خطف الطائرات، احتجاز الرهائن، الاعتداء على الدبلوماسيين…ألخ. وعادة ما يكون عمل هذه الجماعات عشوائيا كالعمليات الانتحارية الفردية أو الاغتيالات…ألخ.
كما أنَّ تصنيف الجماعات والحركات الإرهابية، يخدم كثيراً إستراتيجية مكافحة هذه الظاهرة، وذلك من خلال التعرًف على الحركات الإرهابية الأكثر نشاطاً وخطورة، بحيث يتم عزلها عن باقي المنظمات الإجرامية، لحرمانها من الدعم المالي و اللوجيستي. كما هو الحال بالنسبة للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي أصبحت تنشط في منطقة الساحل، ومتمركزة على حدود الدول (شمال مالي، النيجر والجنوب الجزائري). والتي تضمن نشاطها من خلال الدعم المالي الناتج عن فديات الرهائن والتهريب.
وفي نفس السياق، فان تصنيف هذه الجماعات الإرهابية، من شأنه إعادة النظر في التدابير الأمنية لكل منطقة، محاولة للتكيف مع نشاطات هذه الجماعات الإرهابية، فكانت أوروبا مثلا إلى غاية سنة 2000 تعمل على مكافحة شبكات دعم الحركات الإرهابية المتواجدة على آراضيها، خاصة لصالح الحركات الإرهابية في الشيشان، إلى غاية ديسمبر 2000 أين تمت محاولة إحداث تفجيرات إرهابية في كنيسة فرنسية بمدينة ستراسبورغ الفرنسية، من طرف جماعات إرهابية ذات الجنسية الجزائرية. حينها أدركت المجموعة الأوربية بأن أوروبا أصبحت تشكل منطقة عمليات إرهابية، وليس فقط موقع تمركز شبكات الدعم، مما دفعها إلى تغيير سياستها لمكافحة الإرهاب.
التعاون الدولي والإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب
هذا التعاون بين أشخاص القانون الدولي، ما هو في الحقيقة إلى تكريس للأسس الأربع التي سطًرتها هيئة الأمم المتحدة في إطار الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب. والمتمثلة في اتخاذ تدابير تهدف إلى الوقاية ومكافحة الإرهاب. ذلك أن ضبط استراتيجية دولية شاملة في مجال مكافحة الإرهاب، يتطلب تعاون وتنسيق دوليين، بل وتنسيق بين مختلف الإدارات والهيئات الوطنية والدولية من خلال تبادل الخبرات والمعلومات لتسهيل ضبط هذه الاستراتيجية.
أولا: على المستوى الدولي
لقد اضطلعت الأمم المتحدة، وعلى رأسها الجمعية العامة بدور قيادي في هذا المجال، حيث أصدرت في 9 ديسمبر 1994 إعلانا متعلقا بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي. وأكًدته في لائحتها رقم 53/50 ثم أكدته عام 1995 بالنسبة لمرور الخمسين عاماً لإنشاء هيئة الأمم المتحدة.
و في هذا السياق الدولي تم إبرام إحدى عشر اتفاقية دولية لمكافحة جرائم الإرهاب، التي ترتكب ضد السفارات والدبلوماسيين، ومناهضة أخذ الرهائن، وسلامة موظفي الأمم المتحدة، والجرائم المرتكبة على متن الطائرات والحماية من العنف في المطارات، وسلامة الملاحة البحرية. وتعد هذه الاتفاقيات بالنسبة للأمم المتحدة أساسا تستند إليه الجهود الخاصة في مجال مكافحة الإرهاب.
ويعد القرار رقم 1373 بالغ الأهمية والتأثير على الصعيد الدولي في مجال مكافحة الإرهاب الدولي، خاصة وأنَّه صدر في مناخ دولي استثنائي – اثر أحداث 11 سبتمبر 2001، فالقرار الصادر بموجب الفصل السابع من الميثاق وبإجماع أعضاء مجلس الأمن، تضمن سلسلة من الإجراءات التي يقع على الدول واجب التقيد بها وإلا اعتبرت مخلًة بمقتضيات السلم والأمن الدوليين. ويؤكد القرار أهمية التعاون بين الدول من خلال اتفاقيات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف لأجل ضمان هذه الإجراءات الخاصة بمكافحة الإرهاب.
كما أصبحت مكافحة الإرهاب في السنوات القليلة الماضية أولوية عليا للمجتمع الدولي. وقد اتخذ عدد من الخطوات الهامة التي تجسّد هذا الاهتمام. وكان من بينها وضع استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب في سبتمبر 2006، التي تقضي باتخاذ تدابير شاملة للتصدي للإرهاب على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي. حيث كان اعتماد الجمعية العامة لاستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب في عام 2006 علامة بارزة على درب المبادرات الدولية المتخذة لمكافحة الإرهاب. ومن الإسهامات الهامة في هذا المسعى عقد ندوة في فيينا في عام 2007 تحت عنوان “المضي قدما في تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب” التي شارك في تنظيمها كل من حكومة النمسا والمكتب التنفيذي للأمين العام ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
ومن ناحية الممارسة، تسجل “العملية الدولية للتعاون العالمي على مكافحة الإرهاب” لعام 2008 التي استهلّتها سويسرا بالتعاون مع تركيا وسلوفاكيا وكوستاريكا واليابان، بدعم من مركز التعاون العالمي على مكافحة الإرهاب. وسعت العملية الدولية تلك إلى تحديد السبل التي تجعل مؤسسات الأمم المتحدة وجهودها أكثر ارتباطاً بالاستراتيجيات والمساعي الوطنية في مجال مكافحة الإرهاب.
كما تعتبر المعاهدات والاتفاقيات الدولية، في مجال مكافحة الإرهاب حجر الأساس التي تؤسس عليه الدول سياستها في مجال مكافحة الإرهاب، والوقاية منه، وتقوية التبادل الدولي في المجال الأمني والجزائي وذلك بإحالة المجرمين على القضاء.
ثانيا: على المستويين الإقليمي والوطني:
فتعتبر على سبيل المثال، “المعاهدة الأوربية لقمع الإرهاب” الموقعة بتاريخ 27/01/1977، هي الوثيقة الأساسية المعتمد عليها من طرف الاتحاد الأوربي في مجال مكافحة الإرهاب. وعند دخول هذه المعاهدة حيًز التنفيذ في 23/11/1978، أكًدت اللجنة الوزارية على أهمية تقوية التعاون في مجال تسليم المجرمين (الإرهابيين)، وكذا تبادل المعلومات الخاصة بالأعمال الإرهابية. إضافة إلى ذلك، وفي إطار التنسيق الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب، فان الاتحاد الأوربي أعاد النظر في علاقته مع دول المتوسط، من خلال تصريح برشلونة لسنة 1995 الذي يهدف إلى تقوية العلاقات بين الاتحاد الأوربي وهذه الدول، والحفاظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة.
و بعد أحداث 11 سبتمبر قدَّمت اللجنة الوزارية الأوروبية توصيات ترتكز على مكافحة الجريمة المنظمة والرشوة وتبييض الأموال، وذلك لإضعاف الحركات الإرهابية، مرتكزة على وسائل قانونية متعددة كالمعاهدة الخاصة بتبييض الأموال الموقعة بتاريخ 08/11/1990 وحجز ومصادرة الوسائل الإجرامية المستعملة في هذا الباب.
كما تَبنَّى المجلس الأوروبي الاستراتيجية الأمنية الأوروبية عام 2008 وذلك لأول مرة، حيث وضعت الاستراتيجية مبادئ وأهداف واضحة لتعزيز المصالح الأمنية للاتحاد الأوروبي بناءا على قيمه الأساسية. كما كانت هذه الاستراتيجية شاملة بتوجهها وتبقى ذات علاقة بالكامل. ويعتبر الإرهاب ضمن التحديات الفعلية والتي شملتها هذه الاستراتيجية. ذلك أن الإرهاب ، داخل أوروبا وفي العالم كله، يبقى تهديداً كبيراً خاصة بعد الهجمات الإرهابية على مدريد ولندن.
كما أن الاستراتيجية الأوروبية في مجال مكافحة الإرهاب ترتكز على أربع أسس: منع التشدد والتجنيد والعوامل التي ورائها، حماية الأهداف المحتملة، ملاحقة الإرهابيين، والاستجابة لعواقب هجوم إرهابي محتمل.
كما كان لمؤتمر الأمم المتحدة التاسع لمنع الجريمة الذي عقد بالقاهرة في أفريل2007 دوراً عربيّاً للتصدي لقضية الإرهاب من خلال تدويل الاهتمام بقضية الإرهاب وتصنيف الإرهاب كأحد أنواع الجريمة المُنظمة.
كما كانت هنالك عدَّة مبادرات إقليمية بين الدول والمنظمات في مجال التعاون سواء الأمني أو القضائي لمكافحة الإرهاب. فالتعـــاون العربي مثلا في مجال مكافحة الإرهاب، جـــاء بعد إدراك الدول العربيـــة لأهميّة مواجهة هذه الظاهرة بشكل جماعي، وأن المواجهة الفردية لن تكون ذات أثر فعال. وقد بدأت ملامح هذا التعاون في الظهور خلال سنة 1993م ، وتدعًم خلال سنوات 1994، ويجري التعاون العربي في مجال مكافحة الإرهاب على أكثر من مستـــوى، فيشمل وزراء الداخلية، ووزراء الإعلام، ووزراء العدل.
دون أن ننسى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب سنة 1998، والتي أقرت بالاجتماع المشترك لمجلسي وزراء العدل والداخلية العرب الذي عقد في القاهرة بتاريخ 22/4/1998، ودخلت حيز التنفيذ اعتبارا من تاريخ 7/5/1999، كون المادة 40 منها اشترطت لسريان الاتفاقية (ثلاثين يوما من تاريخ إيداع وثائق التصديق عليها، أو قبولها أو إقرارها من سبع دول عربية). ومما جاء في الديباجة هو التأكيد على ضرورة الفصل بين الإسلام والإرهاب، وعلى حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال وبكافة الوسائل بما فيها الكفاح المسلح.
كما لم تغفل الاتفاقية تعريف الإرهاب فنصًت المادة الأولى على أنَّه كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بإحدى المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض احد الموارد الوطنية للخطر).إضافة لذلك عرفت المادة المذكورة الأعمال الإرهابية بأنها أي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة، أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي.
بالإضافة إلى اتفاقية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب، التي اعتمدها المجلس الأعلى في دورته الواحد وعشرون في المنامة في ديسمبر 2001. كما تحتوي الاتفاقية على 49 مادة وديباجة، حيث تمً توقيع هذه الاتفاقية في 04/05/2004 لتفعيل استراتيجية الدول الأعضاء لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب.
وجاء في ديباجة الاتفاقية التزام دول المجلس على التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية بين كل من الدول الستة (السعودية، الكويت، قطر، البحرين، عمان والإمارات العربية) لمكافحة الإرهاب. ولتجسيد ذلك جاء عام 2006 تشكيل لجنة أمنية دائمة مختصة بمكافحة الإرهاب تعقد اجتماعاتها سنويا، كإحدى اللجان الأمنية لتقرير التنسيق والتعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب.
و من أبرز المحاور التي ينصب عليها اهتمام المجلس، تحقيق “الأمن الجماعي” من خلال ضبط استراتيجية أمنية بشقيها الداخلي والخارجي. ويشمل الشق الداخلي، وضع اتفاقية أمنية مشتركة، أما الشق الخارجي فيعنى بتنسيق السياسات الدفاعية من خلال دعم القدرات والتدريبات العسكرية المشتركة من خلال البرنامج العسكري “درع الجزيرة“.
أما عن الولايات المتحدة الأمريكية، فانَّ الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر رافقتها تقوية الجهاز التنفيذي الأمريكي، إذ أنه بتاريخ 26/10/2001 صوَّت الكونغرس الأمريكي على قانون ضيَّق صراحة من الحريات الأساسية للأفراد وذلك لتسهيل الإجراءات القانونية والأمنية في مجال مكافحة الإرهاب. حيث كانت الـ Patriot Act عبارة عن وثيقة قانونية تتضمن 342 صفحة، تحمل مجموعة من القوانين الفدرالية في عدة مجالات (إجراءات جزائية، رقابة وحراسة الحدود، استخبارات، مراقبة الهجرة، تبييض الأموال…ألخ).
كما أن الـ Patriot Act أضاف تعريفا جديدا للإرهاب الدولي والمسمى ب Domestic Terrorism والذي يتضمن تمديد المسؤولية الجزائية لمن كان عضوا في جماعة إرهابية إلى أفراد عائلته.
كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية في أكتوبر 2002 بإنشاء ما يسمى ب Combined Joint Task Force-Horn Of Africa وذلك لمكافحة الإرهاب وتحسين الظروف الأمنية في كل من إثيوبيا، اريتريا، السودان، كينيا. الصومال، اليمن والبحر الأحمر. كما قام المكتب المكلف بمكافحة الإرهاب عام 2003 بوضع برنامج خاص بإفريقيا الشرقية: East African Counter Terrorism Program والمموًل بمبلغ قدره 100 مليون دولار، حيث يتضمن هذا البرنامج تكوين عسكري لضمان أمن الحدود والسواحل وكذا حركة الأشخاص والسلع وضمان الأمن الجوي وتكوين فرق الشرطة.
أما في منطقة الساحل، فكانت المبادرة الأمريكية في المنطقة تحمل عنوان: Trans Saharan Counter Terrorism Initiative، وهو برنامج يتضمن تدريب القوات العسكرية للدول الإفريقية في مجال مكافحة الإرهاب وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة. ومن بين الدول التي أدرجت في هذا البرنامج نذكر: مالي، موريتانيا، تشاد، النيجر، الجزائر، المغرب، السنغال، نيجيريا وتونس.
أما على المستوى الإفريقي، فقد اتخذت المنظمات الإفريقية على المستوى الإقليمي عدة إجراءات وعقدت بعض المؤتمرات لمكافحة الإرهاب. فعلى مستوى الاتحاد الإفريقي عقد القادة الأفارقة قمة خاصة في داكار في أكتوبر 2001 انتهت بتبني إعلان لمكافحة الإرهاب ، وأوصت القمة بعقد قمة استثنائية لتقييم التقدم الذي تحقق في تنفيذ ميثاق الجزائر لمكافحة الإرهاب والذي كانت تبنته قمة منظمة الوحدة الإفريقية في الجزائر عام 1999 بعد تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا سنة 1998، والذي وقعت عليه معظم دول القارة.
والملاحظ أنَّ أحداث سبتمبر قد دفعت العديد من الدول الإفريقية إلى التصديق على ميثاق الجزائر، وكان على رأس هذه الدول نيجيريا التي قررت التصديق على الميثاق في فبراير 2002، تبعها في ذلك العديد من الدول الأخرى. وهو ذات الأمر بشأن التصديق على المواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب ، والذي تسارعت وتيرته في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 وصدور قرار مجلس الأمن رقم 1373 لعام 2001، والذي صدر استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي جعله ملزماً لكافة الدول بما في ذلك غير الأعضاء في الأمم المتحدة.
كما أنه في إطار منظمة الإيكواس في الغرب الإفريقي، اقترحت غانا إقامة مكتب للمخابرات والتحقيقات الجنائية على مستوى المنظمة لدعم التعاون الإقليمي في مجالات الجريمة ومكافحة الإرهاب وعمليات غسل الأموال. وقد اجتمع بعض ممثلي الجهات الأمنية من دول الإيكواس في 23 سبتمبر في أبيدجان لمناقشة كيفية تطبيق هذا الاقتراح.
وعلى المستوى العملياتي، أصدرت كينيا وأوغندا إعلاناً مشتركاً ينص على تكثيف تبادل المعلومات المخابراتية لمحاربة الإرهاب. كما طرحت اللجنة المشتركة بين البلدين بعد اجتماعها في أكتوبر 2001 فكرة إنشاء بنك مشترك للمعلومات عن العناصر الإرهابية المشكوك فيها ، وتدعيم قدرة الحكومتين على احتواء أية هجمات إرهابية والرد عليها. وشددت اللجنة على الإسراع بتنفيذ مشروعات القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب في البلدين.
وكانت الحكومة الأوغندية قد عرضت مشروع قانون أمام البرلمان، يقضي بإصدار حكم الإعدام على الإرهابيين أو أي شخص يؤيد أو يمول العمليات الإرهابية. وقد أيدت السفارة الأمريكية في “كمبالا” هذا القانون وحثت البرلمان على الإسراع بالتصديق عليه. ويعطي هذا المشروع سلطات غير عادية للقوات الأمنية المشاركة في التحقيقات في قضايا مكافحة الإرهاب، منها الحق في الكشف عن الأرصدة المالية للمشكوك في انتمائهم لجماعات إرهابية والحق في متابعتهم ومراقبة كافة وسائل الاتصال المتعلقة بهم.
ولم تكن أوغندا الدولة الوحيدة التي تتخذ مثل تلك الإجراءات، فقد أصدر الرئيس الجيبوتي قراراً رئاسياً بتشكيل لجنة وطنية لمكافحة الإرهاب، تشمل وزراء العدل والمالية والخارجية والداخلية ورئيس الأركان ومدير الأمن القومي ورئيس البنك المركزي. وكانت حكومة الصومال المؤقتة قد اتخذت خطوة مشابهة في وقت مبكر عقب أحداث سبتمبر 2001.
وبهدف قطع التمويل على الإرهاب، تبنت بعض الدول إجراءات وقوانين جديدة لمكافحة غسل الأموال. وكان من بين هذه الدول نيجيريا حيث أصدر البنك المركزي النيجيري قرارات مشددة بضرورة التحقق من هوية وشخصية الراغبين في فتح حسابات في البنوك النيجيرية، للتأكد من عدم وجود أية حسابات لمنظمات أو أفراد منتمين إلى جماعات إرهابية في نيجيريا. كما اتخذت دول أخرى مثل جنوب إفريقيا ومصر إجراءات مشابهة.
كما تعتبر شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء TSCTP، من بين المبادرات الاستراتيجية الهامة في هذا المجال. إذ أن الأهداف الرئيسية لهذه الشراكة لمكافحة الإرهاب هي الحفاظ على المجتمعات الحرة، ووضع حد للتطرف الإرهابي، وخلق بيئة عالمية غير مواتية للإرهابيين، والتقليل من الدعم الأيديولوجي للإرهاب.
كما تعتبر جزء من عملية التنمية المستديمة عبر الصحراء، للقيادة المقاتلة الأمريكية الأوروبية، والتي تسعى إلى تمكين الأمم الشريكة من السيطرة على الإرهاب بكفاءة داخل حدودها، وتشمل عمليات التدريب للقوات البرية ، وتعزيز القدرات لمكافحة الإرهاب، مثل تحسين نظم الاتصال ووضع آليات للتبادل الإقليمي للمعلومات الاستخباراتية.
كما ترعى القيادة العسكرية الأمريكية والأوروبية مؤتمرات إقليمية لوزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات العسكرية لبناء الثقة بينهم وإظهار فوائد التعاون، ووضع آليات أكثر فعالية للقيادة والسيطرة عن طريق تعزيز قدرات الاتصالات التكتيكية.
وبعد الاضطرابات التي عرفتها منطقة الساحل، خاصة بعد الأزمة الليبية، بحيث أنه في أفريل 2010، تمً إنشاء اللجنة العملياتية العسكرية CEMOC بين كل من الجزائر، مالي، موريتانيا والنيجر، في تمنراست لتنفيذ البرنامج الإقليمي الجديد في منطقة الساحل. كما أنه بتاريخ 26/09/2010، تمً برمجة اجتماع طارئ بحضور قيادة أركان دول الساحل بتمنراست، وذلك لإنشاء لجنة مركزية للاستعلامات بين دول الساحل، مقرها بالعاصمة الجزائرية.
و بتاريخ 29/04/2011 تم برمجة أجندة للأمن الإقليمي، حيث قامت قيادات أركان كل من الجزائر، مالي، النيجر وموريطانيا بتجديد الالتزامات والأهداف المذكورة في مذكرة التعاون الإقليمي.
انعكاسات الاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب على القوانين الداخلية
انتهجت معظم الدول التي مسها الإرهاب إحدى الطرق الثلاث في مجال النصوص التشريعية من أجل مكافحة الإرهاب وهي:
١- الاعتماد على مجموعة النصوص القائمة بالفعل في المجال العقابي (قانون العقوبات)، على اعتبار أن جرائم الإرهاب هي جرائم قتل وجرح وتخريب منصوص عليها في القوانين الجزائية (العقابية).
٢- إصدار قانون الطوارئ والساري المفعول في نطاق مكافحة الإرهاب فقط، والذي يخول سلطات واسعة للدولة تتجاوز بها الإجراءات الجزائية الشرعية.
٣- الاعتماد على التجريم القانوني المكثف، وذلك بتعديل قانوني العقوبات والإجراءات الجزائية، بحيث يتم تجريم الأفعال الإرهابية التي لم تكن واردة أصلا في القانون الداخلي للدول وتشديد العقوبات فيها مع توسيع سلطة القبض والتفتيش والحبس الاحتياطي.
والجدير بالذكر في هذا المجال أن تجريم الأفعال الإرهابية جاء من القانون الدولي وليس من القوانين الداخلية منذ أن لفتت معاهدة جنيف سنة 1937 الأنظار إلى ظاهرة الإرهاب الدولي. ومع ذلك استجابت غالبية الدول لتوصيات الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية في مجال التصدي للإرهاب فوضعت قوانين خاصة لمكافحته. وفيما يلي استعراض لمواقف بعض الدول على مستوى تشريعاتها الداخلية:
١- أصدرت المكسيك قانونا عام 1968 لمكافحة الإرهاب تبعتها بعد ذلك كوبا عام 1969.
٢- أصدرت فرنسا القانون رقم 634 لسنة 1970 لمكافحة الإرهاب.
٣- كما استجاب المشرًع الايطالي لهذه الجهود فأصدر في 10 ماي 1976 قانونا خاصا بجريمة اختطاف الطائرات.
٤- أصدرت بريطانيا عام 1976 قانونا خاصا لمكافحة الإرهاب، الذي كان انعكاساً لما عانته بريطانيا من هجمات على يد أعضاء الجيش الايرلندي I .R.A وجيش التحرير الوطني الايرلندي I.N.L.A.
٥- أصدرت مصر القانون الخاص بالطيران المدني رقم 28 لسنة 1981 وخصًص الباب الثاني عشر منه للجرائم الإرهابية.
إلا أنَّه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، جاءت ردود فعل قوية من قبل مختلف دول العالم، مما أدَّى إلى صدور تشريعات عاجلة كنتيجة لتلك الكارثة، نذكر منها :
– إصدار بريطانيا لقانون الأمن والجريمة ومكافحة الإرهاب بتاريخ 15 ديسمبر 2001.
– إصدار ألمانيا والسويد قانونين لمكافحة الإرهاب سنة 2002 و2003 على التوالي.
ويختلف الأمر فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية، بحيث على الرغم من ترسانتها القانونية في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أنَّ الحديث عن استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب في أمريكا ترسَّخت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث جاء رد فعلها “التشريعي القانوني” يحمل عنوان: Uniting and Strengthening of America to provide Appropriate Tools Required to Intercept and obstruct Terrorism Act of 2001 ، المقصود به توحيد وتقوية أمريكا لتوفير الأدوات المناسبة والمطلوبة لوقف ومنع الإرهاب.
وبتاريخ 8 أكتوبر 2001 وبمقتضى أمر رئاسي تمَّ إنشاء مكتب الأمن الداخلي والذي أسندت له مهمة ” تطوير استراتيجية شاملة لحماية الولايات المتحدة من أيً تهديد أو هجمات إرهابية“، وتنسيق نشاطاته مع السلطة التنفيذية، وتطوير سياسات الأمن الداخلي وتنفيذها. وفي بتاريخ 25 نوفمبر 2002، وقًع الرئيس بوش على “قانون الأمن الداخلي” الذي أنشأ “وزارة الأمن الداخلي”، فأسندت لها مهمة “تطوير استراتيجية شاملة لحماية الولايات المتحدة من أية تهديدات أو هجمات إرهابية”، إضافة إلى المهام التالية:
– الاستخبارات والإنذار.
– دعم أمن الطيران والسفر على الطرق البرية والسكك الحديدية.
– منع الأشخاص المشتبه فيهم دخول الأراضي الأمريكية.
– منع هجمات الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية.
– إنشاء مركز متخصًص للتحليل المعلوماتي الاستخباراتي.
كما لعبت وزارة العدل الأمريكية دورا هاما في حملة مكافحة الإرهاب برئاسة وزير العدل جون اشكروفت – Jhon Ashcroft، حتى قيل بأن الرئيس الأمريكي يكافح الإرهاب داخل الولايات المتحدة باستخدام وزارة العدل والحرب الخارجية باستخدام وزارة الدفاع.
ويعتبر الأساس القانوني ضرورة حتمية، ليس فقط لرسم استراتيجية لمكافحة الإرهاب، بل وحتى لا تنتهك حقوق الإنسان إذ أن هذا الأسلوب قد يقمع المظاهر الخارجية للظاهرة بصورة مؤقتة ولكنها تنقلها بصورة تراكمية إلى المستقبل لتصبح أكثر خطورة وأكثر صعوبة للحل، علما أن أولى أهداف الإرهابيين هو دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات عنيفة من شأنها المساس بحريات الأشخاص وحقوقهم لاستفزازهم وإثارة الرأي العام ضدهم.
التداعيات الإقليمية والدولية للاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب.
تتمثل في تكثيف الدعوات لإبرام اتفاقيات ومعاهدات لمكافحة الإرهاب، والحرص على تطبيقها واحترامها. وتكوين خط وقائي لإحباط العمليات الإرهابية والقضاء عليها. ومن الضروري للمؤسسة الدبلوماسية التنسيق مع مختلف المؤسسات الأخرى، وخاصة المؤسسة الإعلامية من أجل كشف نشاطات الإرهابيين ودحضها فيما يسمى بالمواجهة الفكرية لأن أي تنظيم إرهابي يفترض اعتماده بالدرجة الأولى على فلسفة فكرية يستخدمها في تجنيد أعضائه ومحاولة كسب قدر من التعاطف.
كما سعت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تعزيز تدابير مكافحة الإرهاب على الصعيد الوطني. ومن بين الأولويات الهامة للبلدان في مجال مكافحة الإرهاب، أن تنفذ على الصعيد الوطني التزاماتها المتعددة الأطراف المتعلقة بمكافحة الإرهاب. وقد باتت الالتزامات والتعهدات العالمية في مجال مكافحة الإرهاب، بتعقدها وتطورها المستمر، تفرض أعباء كبرى على الدول الأعضاء من حيث الجهود الوطنية اللازمة لتنفيذها.
و في هذا السياق، عقدت العديد من المعاهدات الدولية بخصوص مكافحة الإرهاب الدولي، نذكر منها:
١- الاتفاقية الأوروبية لمقاومة الإرهاب لعام 1977.
٢- الاتفاقية الدولية لمناهضة أخذ الرهائن المنعقدة في نيويورك بتاريخ 17 ديسمبر 1979.
٣- البروتوكول المتعلق بقمع أعمال العنف غير المشروعة في المطارات التي تخدم الطيران المدني والموقع في مونتريال في 24 فيفري 1988.
٤- اتفاقية قمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية الموقعة في روما في 10 مارس 1988.
٥- اتفاقية مكافحة العمليات الإرهابية بواسطة المتفجرات التي تبنًتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 ديسمبر 1997.
٦- الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998.
٧- اتفاقية قمع تمويل الإرهاب، تبنتها الأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1999.
أما عن الاتحاد الأوربي فقد قام باتخاذ إجراءات إضافية داخل الاتحاد وفق البرنامج لاهاي لعام 2004. ورسم استراتيجية جديدة للبعد الخارجي للعدالة والشؤون الداخلية الذي تم تبنيها عام 2005. هذه الإجراءات سهلت متابعة التحقيقات عبر الحدود. كما أن استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، أيضا منذ 2005، مبنية على احترام حقوق الإنسان. وتتضمن أربعة أجزاء:
١- منع التشدد والتجنيد والعوامل التي تقف ورائها.
٢- حماية الأهداف المحتملة.
٣- ملاحقة الإرهابيين والاستجابة لعواقب هجوم مرتقب.
٤- تعيين منسًق لمكافحة الإرهاب والذي كان خطوة مهمة للأمام على المستوى الأوروبي، ضمن الاتحاد في مجال مكافحة الإرهاب.
و خلاصة القول ان الارهاب يعد سلوك إجرامي قوامه القوة والعنف اللامشروع . وهدفه الآني الأشخاص والممتلكات مما يشكل خطرا على أمن المجتمع لما يتسبب فيه من رعب وخوف وفزع، وصولا إلى الهدف المقصود وهو إرغام السلطات على الرضوخ لمطالبه.
والواقع أنَّ عدم توصل المجتمع الدولي إلى تعريف جامع للإرهاب، بالرغم من الاتفاق الدولي على خطورته يعتبر إشكالا يعيق ضبط أي استراتيجية لمكافحة هذه “الظاهرة العالمية”، لأنَّ ما تعتبره بعض الدول إرهاباً يعتبره البعض الآخر عملا مشروعاً، الأمر الذي أدى بالمجتمع الدولي إلى عقد اتفاقيات تتناول تجريم بعض صور الأعمال الإرهابية، في حين بقيت صوراً أخرى خارج هذه الاتفاقيات.
و في هذا الإطار، كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 حدثاً فارقاً في الاهتمام الدولي بقضية الإرهاب، التي لم تكن ظاهرة جديدة. فالإرهاب كان حاضراً دائماً ومقترناً بظواهر الاستبداد والطغيان والهيمنة بصورها ومستوياتها المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي وفي مختلف المراحل التاريخية. ولقد كانت أفريقيا عموما والجزائر خصوصا مسرحا لشتى صور “الإرهاب”، منذ الممارسات الاستعمارية، ثم ممارسات النظم الاستبدادية في مرحلة الاستقلال، وكذا خبرة الحروب الأهلية والصراعات القبلية والطائفية التي شهدها عدد معتبر من الدول الإفريقية ، ومع ذلك لم تحظ تلك الممارسات باهتمام دولي يذكر، ولاسيما في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، وتصاعد الحديث عن تراجع أهمية إفريقيا في النظام الدولي.
كما أن استراتيجية مكافحة الإرهاب المسطرة من طرف هيئة الأمم المتحدة تضمنت “تدابير” مختلفة وتوصيات لصالح الدول سبقتها عدة لقاءات دولية (مؤتمرات دولية، ندوات، ملتقيات…الخ)، كانت تمهيدا لهذه الاستراتيجية، كما أننا أهم ما نستخلصه من خلال هذه الدراسة، هو أن ضرورة إيجاد استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب باعتباره ظاهرة تمس كل الدول، بغض النظر عن موقعها وثقافتها وأوضاعها الاقتصادية، أصبح حتمية و التزام دولي يخص كل أشخاص القانون الدولي.
هذا التعاون بين أشخاص القانون الدولي، ما هو في الحقيقة إلا تكريس للأسس الأربع التي سطًرتها هيئة الأمم المتحدة في إطار الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب. و المتمثلة في اتخاذ تدابير تهدف إلى الوقاية و مكافحة الإرهاب.
وعلى المستوى الإفريقي، كانت إفريقيا ساحة مواجهة بين التنظيمات “الإرهابية” والقوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. حيث كان حادث تفجير سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية في كينيا وتنزانيا في 18 أوت 1998، والتخطيط لتفجير سفارتها في أوغندا بمثابة إرهاص بتفجيرات 11 سبتمبر 2001، التي وعلى النقيض كانت الاستجابة الدولية فورية تمثلت في إصدار القرار 1373 من مجلس الأمن استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مطالبا دول العالم اتخاذ كافة التدابير اللازمة لمواجهة الإرهاب باعتباره تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
المصادر والمراجع:
The International Encyclopedia of social sciences. New York. 1968.
L.D. Black، the strategy of foreign Aid، New Jersey، D. van Nostrand Company، Inc 1968
Philippe Migaux, le terrorisme au nom du jihad. André Versaille éditeur, 2011.
Tendances en terrorisme, le déclin des groupes terroristes, centre intégré d’évaluation des menaces. Vol.1, 2007.
Mariam Djibrilla Maiga,Lutte contre le terrorisme au Mali :Gestion, prévention et une mobilisation pleine et entière de la société civile.Stokholm international peace research institute, 2011.
Emilie Robert, L’Etat de droit et la lutte contre le terrorisme dans l’Union Européenne. Thèse de Doctorat, Université de Lille 2 Droit et Santé, 16 février 2012.
Alexandre ADAM : La lutte contre le terrorisme، étude comparative, UE-USA. L’Harmattand، 2005.
François VERGNIOLLE : La lutte contre le terrorisme : Essai de bilan institutionnel. Centre français sur les USA، septembre 2002.
Tanguy Strwye DE SWIELANDE : La grande stratégie américaine après le 11 Septembre. Revue « Stratégique » n°87. 2006.
Donna Miles، New counterterrorism initiative to focus on Saharan Africa، American forces، Press Service، Washington Post 16 May 2005.
Stefan Mair، “Terrorism and Africa: on the danger of further attacks in sub-saharan Africa”،Africa and Security Review vol 12،no 1،2003.
Powell and IA Goodman “reconciling the Fight Against Terrorism and Organized Crime With Banjul”.،in Jakkie Cilliers and Kathryn Sturman ،Africa and Terrorism ، joining the Global Campaign ، july 2002.
Emmanuel Egbabor، “Terrorism: Banks Adopt tough conditions”، financial standard (Lagos)، 2001.
أحمد حسين سويدان، الإرهاب الدولي في ظل المتغيرات الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، ط 1، 2005.
محمد حافظ الرهوان، التخطيط لمواجهة الأزمات و الكوارث الطبيعية و الإرهاب : دراسات تطبيقية، القاهرة، عمان، دار علا للنشر 2006.
محمد يسري ابراهيم دعبس، الإرهاب: الأسباب و استراتيجية المواجهة، رؤية في أنتروبولوجيا الجريمة، القاهرة، دار المعارف 1993.
عبد القادر محمد فهمي، المدخل إلى دراسة الإستراتيجية، دار مجدلاوي للنشر و التوزيع، ط. 1، 2006.
دراسة حول تشريعات مكافحة الإرهاب في دول الخليج العربية و اليمن، مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة “فيينا”، 2009.
عبد الله سليمان، المقدمات الأساسية في القانون الدولي الجنائي، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 2003.
ورشة عمل دولية حول النقاط الأساسية لمكافحة الإرهاب، ضبط التدابير المتخذة وطنيا ودوليا في مجال مكافحة الإرهاب. المركز الدولي بفيينا 12و13 أكتوبر 2009.
صالح بن بكر الطيار، الإرهاب و المواثيق الدولية. مركز الدراسات العربية الأوربية، باريس 2008
دراسة حول تشريعات مكافحة الإرهاب في دول الخليج العربية و اليمن. مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
علي يوسف الشكري، الإرهاب الدولي. دار أسامة للنشر و التوزيع، الأردن، ط. 1، 2008
هشام محمد الحديدي، الإرهاب، جذوره و مكانه وشخوصه، الدار المصرية اللبنانية، ط.1، القاهرة. 2000.
مشهور بخيت العريمي، الشرعية الدولية لمكافحة الإرهاب، ماجستير في القانون الدولي، دار الثقافة للنشر والتوزيع، ط.1، 2009
محمد مصطفى كامل، أحداث 11 سبتمبر و الأمن القومي الأمريكي، مراجعة للأجهزة و السياسات، مجلة السياسة الدولية، ع.147، 2001
سهيل حسين الفتلاوي، الإرهاب الدولي، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي السابع بمركز الدراسات الدولية بجامعة بغداد، 2002