سبق ان اقترحت روسيا في سياق الاتصالات التي اعقبت بيان جنيف الثاني ان يصار إلى عقد اجتماع دولي حول سورية يضم إيران مع تركيا والسعودية ولكن الولايات المتحدة رفضت ذلك وعطلت الاقتراح من أصله بينما ظلت متمسكة بموقفها الرافض لأي بحث جدي في سبل إغلاق الطرق الحدودية المستخدمة في مد عصابات الإرهاب بالعتاد والمال وبالمقاتلين الأجانب الذي جلبوا من مختلف دول العالم وحتى عندما انتزعت روسيا قرارا أمميا في مجلس الأمن الدولي حول هذا الموضوع قام الأميركيون بتعطيله ومنعوا مباشرة تطبيقه الذي يطال بالعقوبات جميع الدول المتورطة في العدوان ولاسيما تركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
إنها الصيغة نفسها التي قبلتها الولايات المتحدة أمس وتولت تبليغ الدعوات للعواصم المشاركة فيها بعدما كانت قد رفضتها سابقا فما هو سر التغيير في الحسابات السياسية الأميركية ؟ وإلى أين تتجه الأمور ؟ وكيف يمكن توقع نتائج مباحثات فيينا التي تشهد في نصاب الحضور توازنا سياسيا جديدا بالنظر لمواقف كل من مصر والعراق ولبنان وإيران التي تتبنى في سورية أولوية القضاء على الإرهاب وقطع موارده واستقلالية العملية السياسية الوطنية دون تدخلات أجنبية ؟
لقاءات مجموعة فيينا ستكون بداية لتحول تراكمي في الإطار الدولي الإقليمي بشأن سورية تريده روسيا غطاء ودعما لمفهوم الحل السياسي الذي تتبناه والمبني على أولوية ضرب عصابات الإرهاب والحوار السوري السوري بدون تدخلات او شروط مسبقة وهي صيغة سعت روسيا إليها منذ تفاهمات جنيف لفتح أبواب التراجع امام الحكومات المتورطة في العدوان على سورية واليوم تنطلق موسكو من موقع أقوى بعد تصعيد حضورها العسكري والسياسي في المنطقة بنتيجة انخراطها إلى جانب الدولة الوطنية السورية في مقاتلة الإرهاب وبعد الاتفاق النووي الإيراني وما رتبه من نتائج وانعكاسات في المواقف الأميركية والغربية المتحولة .
التوازن الفعلي في فيينا سيكون في غير مصلحة الشروط السعودية والتركية المعروفة والمتصلة باستهداف الرئيس بشار الأسد وهو سيوفر التغطية المناسبة للتراجع الأميركي في هذا المجال كحصيلة للمواقف الدولية الإقليمية المعنية وفي ظل الحرص الأميركي على تأكيد التعاون مع روسيا وإيران بصورة خاصة .
صيغة فيينا هي حصيلة لتحولات إقليمية ودولية حققها صمود سورية ومحور المقاومة ومنها الاتفاق النووي الإيراني والاعتراف بدور إيران الدولة الكبرى الفاعلة في بيئتها الإقليمية لكن النتائج السياسية لكل ذلك وانعكاساتها في توازن القوى لن تكون فورية بل سوف تستغرق وقتا ضروريا لتكيف الأطراف المعنية واعترافها بسقوط رهاناتها السابقة وبانتقالها إلى مواقف اكثر واقعية .
الولايات المتحدة وحليفاها السعودي والتركي تمد الإرهابيين بالسلاح وتدير غرف عمليات الإرهاب من الأراضي التركية ويتواجد ضباط اتراك وسعوديون على الأرض في العديد من المناطق السورية داخل الهياكل القيادية لعصابات الإرهاب التكفيري وبالتالي فالأولوية الحاسمة للنقاش في فيينا ستكون سد المنافذ الحدودية وسحب الضباط والمجموعات القيادية السعودية والتركية المشاركة في قيادة العمليات العسكرية لوحدات داعش والقاعدة وسواها من عصابات المرتزقة التي جرى العمل على توحيد صفوفها منذ انطلاق العمليات الروسية السورية المشتركة.
التوازن الجديد الذي تعكسه خارطة الحضور لابد وان يتجسد في حصيلة نقاشات فيينا وهي فرصة لتراجع يحفظ ماء الوجه تمنحها روسيا للمعتدين على سورية بينما تنخرط قواتها الجوية في دعم الجيش العربي السوري الذي يواجه تدخلات سافرة ووقحة تركية وسعودية وقطرية وبالأصل أميركية لدعم الإرهابيين وحيث تتقارب مواقف كل من العراق ومصر ولبنان وإيران من الموقف الوطني السوري المحدد بأولوية القضاء على الإرهاب وتجفيف موارده.
لقد حرك الرئيس فلاديمير بوتين منذ قراره بالانخراط في محاربة الإرهاب في سورية والمنطقة عموما دينامية سياسية امتدت خلال الأشهر الستة الأخيرة وشملت دولا عديدة في المنطقة استطاع التأثر على مواقفها وخياراتها في الموقف من الحرب على سورية ومنها خصوصا مصر والأردن والإمارات بينما أبلغ الرئيس الروسي المسؤولين السعوديين والأتراك بموقف روسي حازم من تورطهما في دعم الإرهاب تحت أي غطاء كان .
ستبقى العبرة للميدان وستكون التحولات السياسية لاحقة للتوازنات العسكرية المتغيرة والأكيد ان سورية التي تصنع خلاصها بسواعد أبطالها وشركاهم من محور المقاومة وحلفائهم الروس ترسم صورة جديدة للعالم والمنطقة لكن مؤتمر فيينا يمثل خطوة أولى في تغيير سياسي دولي وإقليمي صنعه الصمود السوري .