قد لا يكون لبنان منذ أنشائه في العام 1920 عرف وضعا يماثل ما حصل له في48 2020 يوم انفجار مرفأ بيروت وما اتصل بهذا الانفجار وما أحاط به من عوامل جعلت مقاربته على قدر من الدقة والتعقيد وتعدد العناوين التي ينبغي التعاطي معه من خلالها وفي هنا تتناول عنوانين رئيسين من الكم الهائل من العناوين ذات الصلة بالكارثة التي حلت ببيروت مكانا وبلبنان كله كيانا ومستقبلا،
ومع تقديرنا للتعاطي الرسمي الجدي مع هذه الكارثة فأننا ومن اجل خدمة الحقيقة والتحقيق معا نتناول الموضوع من جهة كيفية حصول الانفجار وكيف يتجه الاستثمار فيه، لان تناول هذه الأمور بالشكل الصحيح يؤدي إلى تحديد الخسائر ووقف مسلسل الانهيارات والتداعيات أما في حال العكس فان الخطر يتفاقم والكوارث تتوالد من بعضها إلى درجة تهدد وجود لبنان برمته.
فمن حيث الكيفية والأسباب وصولا إلى تحديد المسؤوليات فان هناك أسئلة لا بد من طرحها والبحث عن الإجابات الشافية التي تقود إلى الحقيقة التي لا بد من كشفها والبناء عليها أسئلة نسوقها كالتالي:
1) لماذا خزنت هذه المادة التي هي في اقل توصيف لها مادة قابلة للانفجار ولماذا لم تعط إلى جهة تملك الكفاءة اللازمة والقدرات للتعاطي مع المواد الخطرة؟ و في هذا الاطار نؤكد بان القوانين و الأنظمة المرعية الأجراء تعطي الجيش حصرا الحق بوضع اليد على مصادرات من مواد متفجرة و ان الجيش يتعامل مع هذه الممنوعات الخطرة لتصفية وضعها بطريق واحد من ثلاث أولها تدمير المادة بأسرع ما يمكن اذا تأكد له انتفاء المنفعة و المصلحة منها ، ثانيها تسليمها لجهة رسمية تنتفع بها ، ثالثها بيعها في المزاد العلني اذا ثبت وجه المنفعة منها من قبل القطاع الخاص بما لا يمس الأمن و السلامة العامة ، و كل ذلك يتم بسرعة يقتضيها الموقف و بعد ان تستنفد الجهات القضائية جهدها في استعمالها كدليل جرمي اذا كانت الجريمة بأركانها متحققة .
2) لماذا استمرت الجهة المناط بها وضع اليد على المواد (الجمارك)، استمرت بحيازتها لسبع سنوات رغم علمها بخطورة ذلك وعدم كفاءتها لحراسة مادة خطرة؟ ويقال بان مدير عام الجمارك وجه 7 كتب إلى القضاء بهذا الخصوص ولم يحصل منه على الجواب الشافي. وهنا نقول ان موجب الجمارك هو موجب تحقيق غاية وليس موجب بذل عناية وكان على الجمارك وبعد ان فشلت في التخلص من المواد الخطرة عبر الترخيص القضائي ان تلجا إلى هيئة المرفأ او إلى وزير المالية لعرض الأمر على مجلس الوزراء لتسوية القضية والتخلص من مواد خطرة لا ان تكتفى بكتاب إلى القضاء. فمجلس الوزراء هو المكان الصالح لمعالجة أي شيء يتصل بالأمن والسلامة العامة عندما يعجز الموظف عن القيام بالمطلوب.
3) لماذا تعاطى القضاء المستعجل مع الملف بهذه الطريقة رغم خطورته ثم هل نسي قضاء العجلة ان وجوده أصلا هو لدفع خطر داهم لا يتوفر الوقت اللازم للأصول العادية لدفعه، وهل يصح ان يتذرع بالشكليات او الاعتبارات الأخرى للتنصل من اتخاذ موقف لدفع خطر داهم؟ هنا أحيي القاضي مازح قاضي عجلة صور الذي درس وقدر خطورة ما عرض عليه وهو متصل بأمن لبنان والسلامة العامة ورأى ان قرارا يتخذ يوم عطلة رغم شوائب الشكل هو أولى بالاعتماد رغم المحاذير حتى ولو كانت الاستقالة بعده هي الخطوة اللاحقة.
4) أين دور أجهزة الأمن في المرفأ وهيئة إدارة مرفأ بيروت جماعيا ومديرا ورئيسا، وكيف سكتت على مثل هذا الوضع الشاذ والخطر وما هي الإجراءات التي اتخذتها بذاتها او من خلال وزير الأشغال العامة؟ الليس من صلب واجباتها القيام بالإجراءات والتدابير التي تبعد أي خطر عن المرفأ ومن شتى النواحي؟
5) من وكيف تكلف مفرزة فنية بالقيام بأعمال الصيانة واستعمال الكهرباء والأدوات التي تنتج شررا قرب مادة قابلة للاشتعال او للانفجار وبدون مراقبة او اتخاذ تدابير وقائية او احترازية لاحتواء أي مفاجأة؟
أي بالمحصلة نقول ان ملف نيترات الأمنيوم المخزونة في بيروت منذ العام 2014 يحتوي على كم هائل من المخالفات التي ارتكبت بخفة عن قصد او عن إهمال وتقصير أدت إلى الكارثة وبالتالي ومهما كان سبب الانفجار فانه ما كان ليحصل وينتج كارثة بهذا الحجم لو لم تكن مادة نيترات الأمنيوم موجودة ومخزونة خلافا لقواعد التخزين لا يمكن القبول بها مهما كانت الذرائع. فحيازة المادة هذه من قبل جهة غير كفؤة ولمدة طويلة جدا مع إهمال كلي لعملية تعهد التخزين كلها أمور انتتجت بيئة حصول الانفجار والكارثة أما الانفجار بذاته فقد يكون اتخذ سببا مبنيا على فرضية من فرضيات أربع كالتالي:
أ. الفرضية الأولى: وهي التي يطرحها المنطق العملي والمعطيات المجمعة من الميدان والتي تثبت ان حريقا حصل نتجه استعمال الكهرباء وتطاير الشرر وبعد 40 د على ذلك استدعيت خلالها مفرزة لإطفائه، وقبل التمكن من ذلك حصل انفجار أول ثم ثاني وحصلت الكارثة حيت يكون الحريق البدئي رفع درجة الحرارة وأحدث الغازات والضغط اللازمين لحدوث الانفجار وهذا ما يتوافق مع القواعد الخاصة لتي ترعى هذا الشأن.
ب. الفرضية الثانية: تتفق مع الأولى بكونها تتخذ سببا عاملا موضوعيا محليا حيث ان الرطوبة العالية مع الحرارة التي يتعرض لها عنبر التخزين مع اشتعال النار التي ساهمت برفع درجه الحرارة كلها عوامل أدت إلى اشتعال المفرقعات في المستودع ثم انتقلت التفجيرات البسيطة الناتجة عن المفرقعات تلك إلى نيترات الأمنيوم وهذا ما يفسر تبدل لون الدخان وأشكاله من ابيض بشكل فطر إلى رمادي عامودي إلى اسود ثم كتلة برتقالية ضخمة ناتجة عن الانفجار الكبير الأساسي.
ت. الفرضية الثالثة تقوم على القول بان الانفجار حصل نتيجة عمل تخريبي استغل وجود الثغرات التي تقدم ذكرها واستغل واقعة عمل الحدادين لتلحيم الباب ما يمكنه من أبعاد الشبهة عنه وأقدم على تفجير المستودع بصواعق او قنابل ينقلها ويعلم أنها كافية لأحداث التفجير. فرضية يجب التفكير فيها في ظل الأوضاع التي يمر بها لبنان والمنطقة وفي مرحلة يتعرض فيها لبنان لاستهداف أجرامي تقوده أميركا عبر خطة بومبيو الموضوعة موضع التنفيذ من أذار 2019.
ث. أما الفرضية الرابعة والأكثر خطورة من كل ما سبق فهي فرضية العامل الإسرائيلي والقول بان إسرائيل استغلت وجود مادة الأمونيوم في مكانها وفي حجمها وظروف تخزينها السيئة، وأقدمت على ارتكاب الجريمة عبر طيرانها الحربي النفاث او طيرانها المسير، ويدعم هذه الفرضية ما سمع وشوهد في أجواء لبنان ومواقف صدرت عن ترامب ومسؤولين إسرائيليين في البدء، وما يتم تداوله الأن من فيديوهات تبثث وجود أجسام تشبه الصواريخ استهدفت المكان. فرضية تستجيب لطبيعة إسرائيل العدوانية ولواقع الصراع في المنطقة ولأهداف خطة بومبيو ضد لبنان إلى حد قد يجعل المتابع يضعها في المرتبة الأولى والاحتمال الأرفع درجة من بين الفرضيات الأخرى. خاصة وان إسرائيل حاضرة في أي شر او خطر او سوء يمس لبنان وتكون فاعلا او شريكا او تحاول ان تكون مستثمرا فيه ولطالما استثمرت إسرائيل كما وأميركا كوارثنا ومصائبنا.
بيد انه رغم وجاهة كل من هذه الفرضيات فأننا نتحفظ الأن عن ترجيح او اعتماد أي نظرية منها وندعو لجنة التحقيق التي شكلها مجلس الوزراء إلى عدم إهمال أي فرضية وإلى عدم حصر نفسها في أي فرضية فالمهمة هي الوصول إلى الحقيقية لان الحقيقية على أهميتها دائما فأنها في مثل حالتنا اهم بكثير من أي شيء أخر فعلى ضوئها يتوقف مستقبل لبنان.
أما عن المسؤوليات فأننا نوصي بان يعتمد وفي ظل حالة الطوارئ المعلنة في بيروت، نوصي باعتبار كل شخص أي كانت وظيفته وموقعه ورتبته منذ العام 2014 موضع شبهة ومسؤول بمجرد ان تكون وظيفته توليه حق تداول هذا الملف واتخاذ موقف منه. وعليه ان يثبت انه قام بالواجب ونفذ الموجب الذي هو هنا موجب تحقيق غاية وليس موجب بذل عناية، أما المحاكمة بذاتها و المساءلة فأننا نرى ان الأصح ان تكون الملاحقة مسلكيا إمام المجلس التأديبي الخاص بكل فئة أما جزائيا فان المكان الصالح فهو المجلس العدلي الذي يختار أعضاؤه ممن ليس عليهم شبهات التبعية و الفساد و طبعا سيكون من الهرطقة والتسويف القول بمحكمة دولية.