عدّاد وباء كورونا المستجدّ لا يزال يسجّل المزيد من الإصابات والوفيات، وقد أصاب إلى الآن ما يربو على المليوني شخص، وتسبّب بنحو 135 ألف ضحية. كما أنه كشف ضعف وهشاشة العديد من الأنظمة الصحية في العالم المتقدّم والتي أظهرت عجزاً تاماً أمام هذا الوباء، في حين اقتصرت مواجهته بإجراءات وقائية تفاوتت مفاعيلها بين دولة وأخرى.
حتى الساعة الإجراءات الوقائية هي السلاح الأفعل في مواجهة كورونا، غير أنّ فاعلية هذا السلاح ليست طويلة الأمد، بحيث إنّ العديد من الدول قد تلجأ إلى تخفيف الإجراءات لتحريك عجلة الاقتصاد، وهذا ما يضع العالم أمام تحدّ مستدام، لا سبيل لمواجهته إلاّ بجهود جبارة للتوصل إلى دواء شافٍ ولقاح مضاد.
والسؤال، هل سيُسخّر الغرب جهوده مع الشرق لمواجهة الوباء، أم أنّ لكلّ دولة أولويات وحسابات مختلفة؟
الولايات المتحدة الأميركية واحدة من الدول التي تتخبّط في مواجهة الوباء وهي تتجه لتتصدّر دول العالم من حيث عدد الإصابات والوفيات، ورغم ذلك فإنها تنأى بنفسها عن أية جهود فعلية لمكافحة الوباء، ووصل بها الأمر إلى الإعلان عن إيقاف مساهمتها في تمويل منظمة الصحة العالمية، وهو إجراء يضع الولايات المتحدة كمساهم رئيس في تصاعد وتيرة تفشي الوباء.
إضافة إلى ذلك، لم تتخلّ واشنطن عن سياسات الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها على سورية وإيران وفنزويلا والعديد من الدول التي ترفض الانصياع للمشيئة الأميركية، وهذا الحصار وهذه العقوبات أحادية الجانب عدا عن كونها تخالف المواثيق الدولية فإنها تعيق جهود مكافحة الوباء.
بموازاة ذلك، لا تنفكّ الولايات المتحدة عن رعايتها للإرهاب، فهي لا تزال تعزّز مواقعها في المناطق السورية التي تحتلّها وتقدّم الدعم للإرهابيين والانفصاليين بالتنسيق مع تركيا. كما أنها تواصل الضغوط على سورية من خلال منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تصدر اتهامات زائفة غبّ الطلب الأميركي. وهذا يدلّ على أنّ أولويات الولايات المتحدة، ليست مواجهة وباء كورونا، بل مواصلة الاستثمار في وباء الإرهاب الذي تستخدمه ضدّ سورية وضدّ كلّ دول وقوى المقاومة في المنطقة.
أمّا الكيان الصهيوني، فإنه يسير في الاتجاه الأميركي نفسه. ففي وقت تؤكد التقارير الإعلامية إخفاقه في مواجهة تفشي وباء كورونا، يواصل شنّ الهجمات العدوانيّة على الفلسطينيين وعلى مناطق سورية وينتهك سيادة لبنان. وبالأمس استهدفت طائرات العدو المسيّرة سيارة للمقاومة في جديدة يابوس، ما يؤكد بأنّ العدو يرمي من خلال عدوانه الى تعديل قواعد الاشتباك وفرض معادلات جديدة، وتغطية فشله في مواجهة كورونا والتعمية على المأزق الداخلي الذي يواجهه.
ولكن، هل المسار التصعيدي الذي تسلكه أميركا والكيان الصهيوني والقائم على العدوان والحصار والعقوبات، يرفع عنهما مسؤولية الإخفاق في مواجهة الوباء، أم أنهما كناية عن منظومة واحدة تسهّل تفشي الوباء؟
واضح أنّ هذه المنظومة الجرثومة، تحاول إطالة أمد الوصول إلى مرحلة ما بعد الوباء، ومرحلة ما بعد الوباء ليست كما قبله. فالولايات المتحدة التي تربّعت على عرش النظام الدولي الأحادي القطب لعقود، فقدت كلّ العناصر والمقوّمات التي تمكّنها من البقاء في هذا الموقع، علماً أنّ فقدان عامل السيطرة والتحكم من يد الولايات المتحدة، بدأ مع صمود سورية بمواجهة الحرب الإرهابية الكونية التي رعتها وقادتها أميركا مع «إسرائيل» وتركيا ونحو مئة دولة غربية وعربية ومئات المجموعات الإرهابية المتعدّدة الجنسيات.
أما الكيان الصهيوني، فهو أيضاً يحاول استباق مرحلة ما بعد الوباء والتي ستشهد تبدلاً جذرياً في موازين القوى الدولية، ولذلك يتوهّم انّ بإمكانه فرض معادلات جديدة وتعديل قواعد الاشتباك، غير أنّ ما يسعى إليه هو مجرد وهم، لأنّ المقاومة بكلّ دولها وأحزابها لها أعين ترصد العدو جيداً، وهذا العدو في مرمى نيران المقاومة… نيران حينما تندلع سترسم معادلات حاسمة ومزلزلة.
المصدر : البناء