في زمن فيروس كورونا تغيّر العالم فجأة وانقلبت حياته رأساً على عقب؛ توقفت عجلة المصانع، وأُخْمِدَ ضجيج الآلات، وتعطلتْ لغة العلم بإيقاف المدارس والجامعات، وصمتت المساجد والكنائس، وانقطع صوت القطارات ولم يبقَ غير مواء القطط يرنُّ في عرباتها، وهدأت السكك الحديدية من الضجيج، واختبأت البشرية داخل الجدران، وانقطعت الأنفاس، ولم يبق غير الشمس تمدّ أغصانها الذهبية على البحر كلّ صباح لتعانقه بحبّها الجميل، وتقف خلف القمر بعطف وحنان لتنيره ليلاً عله ينير درب العاشقين، ولا يصبه كورونا لأنّ الحب مانع للأمراض.
لكن الدروب أقفرت من محبّيها، وخلت من عشاقها، لأنّ كورونا أصبح يرصد حركاتها وسكناتها بتيجانه المعقدة، وينتظر الفرصة الذهبية لينقضَّ على ضحاياه، ويمدُّ مخالب موته ليتكوّم في الحلق، ويعيث فساداً في الرئتين.
القنوات الفضائية غصّت بالتحليل والتدقيق عن هذا الوباء القاتل وهناك مَن اعتبره جائحة لا تفرّق بين غني وفقير، وبين وزير وغفير. وسارع العلماء في مختبراتهم لصناعة الأمل بمصل ربما ينقذ العالم بأسره من تلك الجائحة.
والدول الإنسانية صاحبة «الدم قراطية» لم يهدأ لها روع، وهي في حيرة من أمرها منذ أن أعلن كورونا الحب على العالم ليراقصه رقصة الموت الأخيرة، وهي تبحث عن حلّ لتلك المصيبة التي حلت على العالم، والتي قتلت الآلاف من الناس، دون أن تهتدي إلى دواء أو مصل للقضاء على هذا الوحش القاتل الذي صنعته يد الرأسمالية المتوحشة، ضاربة عرض الحائط بمن منعت عنهم الغذاء والدواء بحجة العقوبات لأنهم لم ينصاعوا لأوامرها، ولم يركعوا أمام طلباتها، ولدوا أحراراً وسادة لا عبيد.
منظمات القطط المتوحشة لاهثة وراء مصل لم تستطع كلّ مختبرات العالم تصنيعه إلى الآن، لكنها متناسية أنّ هناك فيروس الجوع يفتك بـ 6 ملايين شخص كلّ عام، حول العالم، والدواء موجود في خزائن الأغنياء، وفي بنوك الأثرياء، ولا يحتاج العلماء للدخول إلى مختبراتهم، أو العلماء إلى معاملهم، أو الأطباء إلى مستشفياتهم، أو حتى الحظر وراء الجدران للبشرية جمعاء خوفاً من كورونا الضيف القاتل.
وحسب التقرير السنوي للأمم المتحدة هناك الكثير يعاني من الجوع في العالم بسبب النزاعات والسيطرة على الثروات، وقد ارتفع عدد الجياع من 811 مليوناً/ سنة 2017 إلى 821,6 مليوناً سنة 2018، ونحن اليوم في 2020 تكاثر عدد الجياع في العالم، وتناثر موتهم هنا وهناك، والعالم صامت برسم الرأسماليّة المتوحّشة.
لأنّ الإحصائيات الأممية الرسمية توزعت على الشكل التالي هناك شخصٌ يموت كلّ 5 ثوانٍ إما بشكل مباشر أو غير مباشر من الجوع، وكلّ ساعة يموت 700 شخص، وكلّ يوم يموت 16000 ألف شخص، وبهذا يصل عدد الموتى تقريباً إلى 6 ملايين شخص سنوياً من الجوع ونصفهم أطفال.
جياعٌ يموتون على مرأى ومسمع من العالم، وأطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة لأنهم لم يجدوا ما يسدّ رمقهم، أو ينتشلهم من جوع فتك بمعدهم، في كلّ بقاع العالم.
كما أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أنّ عدد الجياع في العالم آخذ في الارتفاع، مما يعرّض صحة مئات الملايين من الناس للخطر.
أليس هذا الجوع فيروساً حقيقياً قاتلاً منتشراً حول العالم ولا يكلف إلا أن تندلق جيوب الأغنياء على موائد الفقراء.
أليس هذا الفيروس القاتل ينضوي تحت عنوان الفقر والحرمان لأنّ الطعام زائل من موائد الفقراء والمحتاجين وعامر على موائد الأثرياء!
ألم يحرّك هذا الفيروس القلوب المقفرة من الحب في كلّ بقاع العالم لإيقاف نزيف الموت الذي يشرع أجنحته كلّ ثانية ليخطف الأطفال والنساء، والدواء حاضر وموجود دون معامل أو مختبرات؟
ألم يحرّك فيروس الجوع القلوب المتحجرة وربما الحجر أرق منها ينفجر منه الماء في بعض الأحيان. قلوبٌ أخذتها العزة بالإثم وشنّت كلّ أنواع الحروب لإفقار الشعوب وتدميرها، والسطو على ثرواتها؟
ألم يحرّك فيروس الجوع القاتل الرأسمالية المتوحشة كي تنزل من برجها العاجي وتقدّم الطعام للفقراء بحب ومحبة!
والجوع كلّ يوم في ارتفاع فكيف يتمّ تحقيق التنمية المستدامة الخاصة بالقضاء على الجوع في العالم.
الجوع الذي يخطف البشرية كلّ يوم أكثر بأضعاف مما خطف فيروس كورونا، فهل شعرت الرأسمالية المتوحشة بما تجنيه يداها من حصار وتجويع وتدمير وقتل بأنّ فيروس الجوع قاتل، وكورونا زائل لا محال.
بالمحبة نهزم كورونا، وبالحب نبني الأوطان، وبالتضامن الاجتماعي نزيل الفقر، ونحقق التنمية المستدامة.
جريدة البناء