الحراك : نعمة ، أم نقمة ..!؟ التقارير والمقالات | الحراك : نعمة ، أم نقمة ..!؟
تاريخ النشر: 26-11-2019

بقلم: نسرين نجم

في ظل التحركات الحاصلة داخل مجتمعاتنا العربية وما نتج عنها من تغييرات على صعيد البنى الاجتماعية السياسية ، وفي ظل الالتباس الواضح حول مفهومي "الثورة والحراك" نأتي في هذه المقالة لنلقي الضوء على الفرق بين المصطلحين، وعن أسباب الحراك بشكل عام في البلدان العربية وفي لبنان على وجه الخصوص الذي يعيش حاليًا حراكًا لم يشهده من قبل...
يُعرف الحراك بأنه الوضع الذي يشير إلى إمكانية تحرك الأشخاص أو الجماعات إلى أسفل أو أعلى في هرم التدرج الاجتماعي، ففي أدبيات علم الاجتماع يُنظر للحراك السياسي على أنه جزء لا يتجزأ من الحراك الاجتماعي الهادف للإنتقال من موقف سياسي إلى آخر ومن رؤية سياسية إلى أخرى، ومن تحالف معين إلى تحالف آخر، وهو يهدف إلى إبراز قضية سياسية أو اجتماعية للنضال من أجلها، وخلق تفاعل شعبي وسياسي واجتماعي حولها، بغض النظر إن كان ذلك الانتقال أو التحول يرضي السلطة أو يخالفها...
من جهة أخرى يشير عالم الاجتماع :" هربرت بلومر" بأن :" الثورة تبتغي إعادة بناء وتنظيم النظام الاجتماعي كله تنظيمًا وبناءً جديدًا"، ويرى "كارل مانهايم" بأن:" الثورة عمل قصدي وإن كانت بعض عوامل هذا العمل الاجتماعي لا شعورية"... ويجمع الباحثون في علم الاجتماع السياسي على أن الحركة الثورية لا تتم بين عشية وضحاها، بل تمر بمراحل متعددة مختلفة، وأن لها دورة حياة قد تستغرق سنة أو عدة سنوات أو جيلًا كاملًا...
وأي كانت التسمية فهناك ضغط اجتماعي أدى لإنفجار، فالشعوب العربية بالعديد من البلدان تعاني من ظروف معيشية واقتصادية صعبة وترزح تحت عبء الفقر والقروض، وتتألم من الفساد والإفساد، وبالطبع لا يمكن أن ننكر طمع القوى الكبرى بثروات البلاد والسعي لخلق الفوضى الهدامة بأي شكل من الاشكال هذا من جهة، ومن جهة أخرى لكسر محور الممانعة والسعي للقضاء على الدول العربية القوية تمامًا كما حصل في سوريا ( إلا أنهم فشلوا في ذلك)..
إن المشكلة بالعديد من دولنا العربية بأنها لم تملك رؤية اجتماعية- اقتصادية واستراتيجية لتأمين شبكة الأمن والأمان الاجتماعي لمواطنيها، وبالتالي لم تصل إلى مستوى دولة الرعاية الاجتماعية، لا بل والأصعب من ذلك بأنها لم تلتفت للإستفادة من فئة الشباب، بل قامت بتهميشهم وإقصاءهم عن مراكز القرار، وإبعادهم إلى مرتع الأزمات والخيبات، حيث يعاني الكثير منهم من نسب بطالة مرعبة حرمتهم من تكوين أسر، ومن العيش تحت سقف محترم، الأمر الذي ولد لدى هؤلاء الشباب حالة رفض للواقع وإحباط وقلق كبيرين على مستقبلهم، هذا الوضع قرأته أميركا وغيرها جيدًا ودرسته بدقة وخلقت أزمات جديدة وعرفت أين مكامن الضعف وكيف يمكن التغلغل منها لداخل البنية الاجتماعية، وتحت عناوين متنوعة "الديموقراطية" "الحرية" "حقوق الانسان" إلخ.. إضافة إلى نقطة هامة تتمثل بإنبطاح بعض زعماء العرب تحت أقدام الأميركي والصهيوني ضاربين بعرض الحائط إرادة الشعوب وما تريده... كل هذه العوامل وتبعًا لخاصية كل بلد أوصلته إلى حراك، إنقلاب، ثورة، إنتفاضة....
بالعودة إلى لبنان فإن المشهد الاجتماعي- السياسي لا يشبه الثورة بل حراكًا شعبيًا، بعكس ما حصل في سوريا... رغم أن المشهد اللبناني ببعض محطاته أعادنا بالذاكرة لفترة زمنية مؤلمة فترة ما سمي بالثورة بسوريا وكيف تم استغلال وتحريك وتحريف بعض المطالب لتحقيق أطماع دولية من قبل قوى الاستعمار الحديثة وصولًا وللأسف لحرب كونية على أرض سوريا... ولربما هذا الأمر أثار الخوف والهلع عند الشعب اللبناني بتكرار هذا السيناريو، إلا أنه وبقراءة بسيطة وكما ذكر الرئيس بشار الأسد بمقابلته الأخيرة أن ما حصل في سوريا مختلف كليًا عن ما يحصل في لبنان.. كلام الرئيس الأسد انعكس إرتياحًا في الشارع اللبناني..
نصل هنا إلى السؤال- الاشكالية ما الذي دفع الشباب للحراك وكسر التابو وهدم حاجز الخوف، وهل هناك من جهات خارجية تحركهم لخلق الفوضى والفتنة في البلاد؟
مما لا شك فيه بأن الهوة الموجودة بين الشعب والسلطة إتسعت بشكل فاضح وفاقع خلال السنوات الأخيرة:
- إذ أنها لم تتمكن من تلبية أدنى احتياجات المواطنين ولم تعمل على إشراك الشباب في صنع وإتخاذ القرارات ومحاسبة الفاسدين من النخب السلطوية.
- تحول الرشوة والاختلاس والتهرب الضريبي والفساد إلى "شطارة" وإلى "ثقافة القوي".
- طبيعة التركيبة اللبنانية القائمة على المحاصصة المذهبية والطائفية وصولًا إلى المناطقية، أنتجت فكرة " أن من لا كبير له لا تدبير له" بمعنى أنه في حال الشاب لم يكن منتميًا أو خاضعًا لأي جهة سياسية من الصعب جدًا لا بل من النادر أن يجد وظيفة له ، مهما كانت كفاءته ومهارته ومهما علت شهادته، الأمر الذي ولد إحباطًا عند بناة المستقبل، وبالتالي نسفت مقولة:" الشخص المناسب في المكان المناسب".
- والأخطر من ذلك بأنها لم تنظر للشباب على أنهم ثروة يمكن استثمارها والاستفادة منها تمامًا كما يحصل في البلدان المتطورة التي تعتبر بأن فئة الشباب هي الرافد الأساس لتنمية وتطوير المجتمع..
- فقدان الأمل عند الشباب بالتغيير، وضبابية الصورة المستقبلية عما سيكون عليه واقعهم بعد سنوات.
- إرتفاع نسب البطالة بشكل خطير، وإقفال كبير للمؤسسات والمحال التجارية، وتأزم الوضع الاقتصادي والمعيشي وإرتفاع الأسعار بشكل جنوني، بظل تقاعس الجهات المعنية عن تقديم الحلول الناجعة ، وإعتبار إرتفاع الأصوات المنادية بحلحلة الأمور بأنها "لقلقة لسان" مؤقتة تنتهي بعد يوم أو يومين..
- إرتفاع نسبة الفقر وإضمحلال الطبقة الوسطى لدرجة أن أغلب اللبنانيين باتوا يترحمون ويستذكرون بأنه خلال أيام الحرب الأهلية لم تصل الأمور لهذا الحدّ من السوء، بل كان هناك "بحبوحة" إلى حد ما..
- التقصير في تلبية الخدمات الحياتية والإنمائية مثال ما حصل منذ حوالي الشهرين وأكثر من حرائق في لبنان أظهرت عجز الدولة في معالجتها، وحتى ما يحصل من ناحية الكهرباء والمياه والطبابة والتعليم وغيرها...
إلى حين ما فجر وزير الاتصالات محمد شقير ضريبة الواتساب، فإنفجر الشعب اللبناني، بعد أن طفح الكيل ولأول مرة يخرج الشعب بهكذا حراك دون طلب من زعيم أو مسؤول، بل كان محركه الفقر والوجع، مظاهرات ترفع شعارات تنادي بحقوقها وتطالب بإنهاء المحاصصة الطائفية.. الأمر الذي شكل صدمة عند السياسيين الذين لم يتوقعوا ولو للحظة واحدة أن يكسر حاجز الخوف ويحصل ما حصل.. سيما أن التركيبة اللبنانية قائمة على أنه لا يوجد مستقلين وبأنه لا يمكن للشعب أن يخرج عن طاعة الطوطم أي الزعيم، سيما أن المواطنين رفعوا شعارات اعتادوا تجنبها وإعتبارها من المحرمات.
وجد أغلب الشباب اللبناني في الأيام الأولى من الحراك "ضالته المنشودة" فقد أعاد لهم الأمل بالتغيير وسمعنا الكثير منهم يعبر عن هذا :" لأول أشعر بإنتمائي للوطن، لأول مرة أشعر بالفخر وأنا أردد النشيد الوطني"... لكن ما هي إلا أيام قليلة وبدأ العمل على تشويه الحراك وأخذه لإتجاهات لا تمت لواقع المطالب المحقة بصلة كيف؟
- بدأت أحزاب السلطة ( القوات اللبنانية، الحزب التقدمي..) بالتدخل لتوجيه الحراك بما يتناسب مع توجهاتها بأخذ الثأر ومهاجمة أفرقاء سياسيين آخرين، مستغلة الشارع لعرض عضلاتها الميلشياوية عبر إنتشار المظاهر المسلحة لعدد من عناصرها في العديد من شوارع العاصمة، وكأن جرثومة العنف الميليشاوية لا تزال راسخة في وجدانهم، بدليل أنهم يسترجعونها بأي فرصة تسنح لهم..
- -إضافة إلا أنه لا يمكن أن نغفل عن مطامع إسرائيل وأميركا ومحاولة استغلال أي نقطة للدخول إلى المجتمع اللبناني وضربه وتشويه صورة المقاومة وبالتالي تفتيت مجتمع المقاومة، وهذا ما دأبت عليه منذ سنوات طويلة عبر ما سمي بالحرب الناعمة، حيث قامت عبر أعوانها في لبنان بوضع دراسات حول نقاط القوة والضعف في المجتمع اللبناني، إلى جانب دورات كثيفة للناشطين ولبعض منظمات المجتمع المدني للإستعداد لمثل هكذا تحركات...وهي الفئة التي شوهت الحراك عبر تحويره لمطالب لا تمت للواقع بصلة، مطالب تخدم سياسة أميركا وأعوانها.
- تقاعس بعض الأجهزة الأمنية وكأن هناك سيمفونية مخفية تتناغم مع توجيهات بعض المحتجين المستجدين على الحراك.
- ظهور أفراد ينتمون لجماعات سلفية إرهابية متشددة على الطرقات تحت عنوان "قاطعي الطرق" إضافة إلى فرض الخوات للمرور، وطلب الهويات.
- عدم إتخاذ إجراءات وتدابير سريعة لحل الأزمة من قبل المسؤولين بل ما رأيناه تقاذف للإتهامات، إلى جانب كما سبق وقلنا التدخل الأميركي- السعودي الذي يعيق أي محاولة للتقدم ولحل المشكلة..
في الختام نقول: بأن بعد كل هذه التحركات والثورات ما نحتاجه هو أن تلتفت السلطات أكثر وأكثر لشعبها لخدمته لتطويره لتلبية احتياجاته لتعزيز الانتماء للوطن لا لمسؤول ولا لأي تنظيم سياسي... أما على صعيد لبنان فنحن نحتاج إلى تشكيل حكومة بأسرع وقت للإصلاح وللتغيير..


تنويه | المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي صاحبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع

جميع الحقوق محفوظة لموقع جامعة الأمة العربية © 2021 - 2013