على وقع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، إرسال نحو 3 آلاف جندي أمريكي إضافي وبطاريتي “باتريوت” وأسراب من المقاتلات الدفاعية ونظام دفاع “ثاد”.
لم يمضِ كثير على كلام وزير الدفاع الأمريكي حتى طالعنا الرئيس الأمريكي ترامب بسمفونيته المعهودة ليؤكد على أن السعودية وافقت على أن تدفع لأمريكا مقابل كل ما تفعله من أجل مساعدتها، ليوضح ترامب للصحافيين في البيت الأبيض أن بلاده ستنشر قوات إضافية في السعودية وهي حليف جيد.
ترامب ومن أجل تبريره للداخل سبب السماح بنشر جنود أمريكيين في مناطق جديدة وهو الرافض لدخول الجيش الأمريكي إلى مناطق “عبثيّة” أوضح أن السعوديين يشترون منتجات أمريكية بقيمة مئات المليارات من الدولارات إضافةً الى المعدات العسكرية بنحو مئة وعشرة مليارات دولار.
لا يخرج الكلام الأمريكي تجاه السعودية عن إطارين، الأول الحماية كونها حليف، والثاني سياسة الحلب التي أفصح عنها ترامب.
جرت العادة على استخدام واشنطن للعنوان الأوّل منذ لقاء الملك السعودي المؤسس مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت على متن المدمّرة الأمريكية يو أس أس كوينسي نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى حقبة الرئيس أوباما، لكن ترامب ومع وصوله إلى البيت الأبيض بدأ باستخدام الأسلوب الثاني، وإن كانت الحقيقة هي حلب أمريكا للسعودية منذ التأسيس.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل هناك نيّة أمريكية حقيقية للدفاع عن السعودية في حال تعرّضها لهجوم أم إن هناك هدفاً آخر خلف هذه الخطوة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تستدعي الإشارة إلى النقاط التالية، أبرزها:
أوّلاً: إن قراءة كل التجارب السابقة تؤكد أن الأمريكيين لا يحفظون حلفاءهم ولا يحترمون الاتفاقات، وبالتالي في حال بروز أيّ توتر أو نزاع، فإن واشنطن ستقف مكتوفة الأيدي.
آخر هذه التجارب هي ما حصل مع الأكراد فالأمريكيون تخلّوا عن الأكراد في ليلة وضحاها وتركوهم، وهذا مصير كل من يراهن على أمريكا، يمكن تلخيص تجارب التحالف مع أمريكا في عبارة واحدة: لا يمكن لأحد أن يؤمّن للأمريكي ويراهن على الاتفاق معه لأن مصيره سيكون الخذلان.
ثانياً: إن مراجعة كلام الرئيس الأمريكي تؤكد أن الرئيس التاجر قد بنى سياسته الخارجية على أُسس اقتصاديّة بعيدة عن المواجهة العسكريّة، وبالتالي إن الهدف الرئيس لهذه القوات هو المزيد من سياسة الحلب، فالأموال التي ستدفع لهؤلاء الجنود هي من النفط السعودي الذي يعود للشعب السعودي.
إليكم غيض من فيض ما قاله ترامب سابقاً: “نحن نخسر الكثير بدفاعنا عنكم (السعودية) ولديكم الكثير من الأموال.. باتصال هاتفي واحد نحصل على 500 مليون دولار.. أنفقوا مئات ملايين الدولار أمامنا..عليكم الدفع.. ليس لديهم سوى النقود”.
ثالثاً: يبدو واضحاً أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يتّعظ من تجربة العدوان على اليمن بشكل عام، واستهداف منشأتي بقيق وخريص على وجه الخصوص، فالصفقات العسكرية التي تقدّر بمئات المليارات من الدولارات فشلت في تحقيق أي نصر سعودي، كما أن مئات الملايين من الدولارات التي أنفقتها الرياض على المنظومات الدفاعية سقطت أمام الطائرات الي لا تفوق أسعارها بضع مئات الدولارات.
رابعاً: هناك خشية أمريكية واضحة من بروز أي توجّه سعودي للتوجه شرقاً من الناحية التسليحية، أي التوجه إلى روسيا والصين كما فعلت تركيا، لذلك كان لا بدّ من جرعة دعم إضافية للسعودية حيث لم تعد صفقات السلاح كافية كما هو الحال سابقاً.
في الحقيقة، حاول الجانب الروسي استثمار الضربة على المنشآت النفطية مركّزاً على فشل السلاح الأمريكي على أرض الواقع. بعبارة أخرى، إن فشل المشروع الأمريكي في المنطقة ينذر بخسارة الحليف تلو الآخر، وتوجههم نحو قبلة جديدة يرضونها، هذا ما حصل مع تركيا، وربما يحصل مع مصر والإمارات وقطر والسعوديّة، لذلك، تسعى واشنطن للحؤول دون تسرّب المزيد من الحلفاء، خاصّة أن السعوديّة هي المشتري الأكبر للسلاح الأمريكي، أي هؤلاء الجنود هم ورقة ضغط على النظام السعودي، ومن غير المستبعد التلويح بورقة الانقلاب العسكري على النظام الحالي في حال قرر الخروج من العباءة الأمريكية، حينها يتم دعم بعض القيادات العسكرية للقيام بانقلاب عسكري، وحينها ترفع واشنطن شعار دعم الحريات مقدمة نفسها على أنها المُخلّص من النظام السعودي الديكتاتوري الذي دعمته لعقود طويلة.
في الختام، يبدو واضحاً أن الخطوة الامريكية الأخيرة تأتي في إطار سياسة الجباية، وإن حملت عنوان الحماية، هناك سبب آخر يتلخّص في منع أي توجّه سعودي للخروج من العباءة الأمريكية. باختصار، ترامب يمارس المزيد من سياسة الحلب التي لن تنتهي إلاّ بالقضاء على الثروة السعودية، وحين يجفّ الحليب السعودي ستذبح المملكة بأيدٍ أمريكية.