3حساب اسرائيل مع حزب الله على الغارة في سوريا قد اقفل ليس فقط بتثبيت «قواعد الاشتباك»، وانما بتعديلها لصالح المقاومة عبر كسر خطوط اسرائيلية حمراء، تباهى بها قادة العدو لسنوات، لكن الحساب على هجوم الطائرات المسيّرة في الضاحية الجنوبية، والذي فشل في تحقيق اهدافه، لا يزال مفتوحاً. هكذا اختصر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المشهد بعد رد المقاومة التي وثقته بالصوت والصورة، فاضحة زيف الادعاءات الاسرائيلية، ومن هنا يمكن القول ان اسرائيل من اليوم وصاعدا ستفكر مليا قبل أن تهاجم قواعد الحزب في سوريا او ان تعتدي على السيادة اللبنانية، وذلك على الرغم من العودة مجددا الى الضغط عبر «وسطاء» دوليين لاخراج الصواريخ الدقيقة من «المعادلة»...
وتعليقا على تأكيد السيد نصر الله، ان المقاومة عملت في النهار وليس في الليل، وقوله تعمدنا ان تكون العملية في وضح النهار، قالت اوساط معنية بهذا الملف لـ«الديار» ان استعدادات الجيش الإسرائيلي لم تنجح في تفادي سيناريو العملية، على الرغم من اعطاء السيد نصرالله «رسما تشبيهيا» لها قبل ساعات قليلة، وذهبت الأوامر والتعليمات من مستوى القيادة العليا «ادراج الرياح» في الميدان، وما حصل ميدانيا ان مجموعات «الرصد» التابعة للمقاومة توزعت على ثلاث مناطق مختلفة «للتمويه» وكان تركيز على مراقبة المستويات التكتيكية في الكتائب والسرايا الاسرائيلية على الجانب الاخر من الحدود، بدءاً من محاولة فرض انضباط عملياتي قيد التحركات العسكري، وتم رصد التعزيزات عبر عملية استخباراتية معقدة نجحت في اصطياد الهدف المتحرك لضمان عدم وجود «خديعة» اسرائيلية... وكان النجاح الابرز في استخدام «تكتيكات» تقنية جديدة نجح من خلالها المقاومون من تجاوز عمليات الرصد الاسرائيلية دون اتخاذ اجراءات «التشويش» المعتادة وذلك لمنع العدو من تحديد موعد العملية... وهنا كان عامل «المفاجأة» و«اللغز» الذي يبحث عنه الاسرائيليون الذين لم ينجحوا في رصد تحرك مجموعات المقاومة على الحدود، وهكذا حصل اطلاق الصاروخين من منطقة غير متوقعة وفي توقيت يشهد ذروة في المراقبة الاسرائيلية، وبدت القوات الاسرائيلية عاجزة عن الرد في ظل «عمى» كامل في رصد «العدو»...
هكذا خطط لعملية الرد...
ووفقا لتلك الاوساط، كان اختيار النهار لتنفيذ العملية هدفاً الى تنفيذ وعد السيد نصرالله بنقل تدمير صور الالوية الاسرائيلية على «الهواء» مباشرة في اي حرب مقبلة... والمسألة الثانية استباق اي محاولة اسرائيلية للكذب والخداع بصورة موثقة لا تقبل اي نقاش... والامر الثالث توجيه ضربة معنوية كبيرة للجيش الاسرائيلي والمستوطنين... اما اختيار الهدف والاحتجاب في الموقع مقابل المستوطنة، فهو ضرب كل مزاعم اسرائيل بنصب «كمين خادع» لحزب الله... فالحرفية في الدخول الى المنطقة وتجاوز الاجراءات الامنية والمراقبة الجوية ثم الانسحاب دون ان يطال المقاومين القصف الاسرائيلي واطلاق صاروخين من موقعين مختلفين، اربك الاسرائيلين الذين كانوا يعتبرون ان استهداف تلك النقطة مستحيل... وقد احتاجت هذه العملية «استطلاع عملياتي» طوال اسبوع كامل، وكان اختيار المنطقة مفاجئا للاسرائيليين لانهم كانوا يرون فيها منطقة مكشوفة ومن غير الممكن استخدامها لتنفيذ الهجوم... اما الالية التي اصيبت فكانت مغلقة ومن المؤكد ان من بداخلها قتل واصيب لانها استهدفت من مسافة 4 كيلومتر واحتاج الصاروخ الموجه «بالليزر» نحو 12 ثانية للوصول وقد حافظ على فعاليته، وقادر من هذه المسافة على اختراق نحو متر في الفولاذ ومفعوله الحراري يفجر الالية من داخلها... وكان اختيار الموقع مهما خصوصا ان سرعة الالية على الطريق صعودا تنخفض وتكون اصابتها اكثر دقة... ولذلك كان احتمال الخطأ «صفر»، والاصابة بصاروخين بفارق اقل من ثانية، مؤشر لكفاءة سلاح «الدروع» لدى المقاومة...
اسرائيل والبحث عن «ضمانات»...
ووفقا لتلك الاوساط، اسرائيل لم ترد على العملية لانها عاجزة، وكانت «رسالة» المقاومة غير المباشرة عبر موسكو التي تدخلت للجم التدهور ان حزب الله جاهز للذهاب الى حرب مفتوحة اذا ما اختارت اسرائيل التصعيد الشامل واستهدف المناطق المدنية على الحدود او في العمق... وسمح هذا النجاح العسكري لحزب الله بالقول ان القضية كلها انتهت على الحدود اللبنانية فقط، فمصداقية السيد نصر الله توثقت «بالصوت والصورة»، لكن في اسرائيل ما يزالون في «ريبة» من امرهم وهم سعوا خلال الساعات القليلة الماضية للحصول على تعهدات من حزب الله بان لا يقوم بأي عملية اخرى دون الإعلان عنها هذه المرة، لكنهم لم يحصلوا على اي ضمانات او تعهدات بل جاء رفض البحث في هذا الامر من قريب او بعيد ليزيد من التوتر لدى الاسرائيليين الذين يدركون ان مسرح العمليات واسع جدا وهو ليس بالتأكيد الاراضي اللبنانية وانما مناطق تصل يد الحزب اليها دون ان يثبت تورطه بها، وهذا يلزم إسرائيل بالابقاء على الجهوزية الاستخباراتية والعملياتية لاسابيع طويلة على اقل تقدير، وربما أكثر من ذلك...
«الصواريخ الدقيقة»...؟
ووفقا لتلك الاوساط، عاد الاسرائيليون الى مربع الحديث عن خطر «الصواريخ الدقيقة»، وهو امر اعاد الاميركيون طرحه عبر وزير خارجيتهم مايك بومبيو خلال الاتصال الهاتفي الذي اجراه معه رئيس الحكومة سعد الحريري عقب عملية رد حزب الله، فالاميركيون ومن وارءهم الاسرائيليون مصرون على تحييد هذا السلاح من اي مواجهة مرتقبة وهذه المرة تحدثوا صراحة عن 50 صاروخا يعتقدون انها باتت في مخازن الحزب ونسبة خطئها في الاصابة لا يتجاوز المتر الواحد، وهم بعدما ركزوا في الفترة الماضية على مصانع الصواريخ حصروا مطالبهم هذه المرة باخراج تلك الصواريخ من لبنان، لكن لم تجد مطالبهم اي اهتمام يذكر من قبل قيادة حزب الله التي عادت واكدت ان احدا في العالم لا يحق له ان يحدد نوعية الاسلحة التي تحتاجها للدفاع عن لبنان... ووفقا للمعلومات فان واشنطن التي اكدت صراحة دعمها لجهود التهدئة وعدم تأييدها لاي تصعيد على الحدود الجنوبية، المحت الى ان قضية هذه الصواريخ قد تؤدي مستقبلا الى حرب واسعة خصوصا اذا ما استمر حزب الله في محاولاته لتعزيز قدراته الصاروخية النوعية، وهذا ما لن تقبل به اسرائيل وهذا ما يفتح «الباب» امام عمليات اخرى داخل الاراضي اللبنانية لمواجهة تجاوز حزب الله «للخطوط الحمراء»، حسب تعبير وزير الخارجية الاميركي...
وكان الرئيس الحريري قد تابع اتصالاته الدولية واجرى اتصالا بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، كما اتصل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل بنظيره الألماني هايكو ماس الذي نقل تهديدا اسرائيليا مفاده: «إذا لم توقفوا أنشطة حزب الله ضد إسرائيل، فسيتكبد لبنان بأكمله خسائر، وسيُصاب بقسوة».
«كسر الخطوط الحمراء»
وفي هذا السياق، اكد السيد نصرالله ان أهم ما حصل بالامس ان العملية حصلت وانجزت على الرغم من التهديدات الاسرائيلية بحصول رد قاس، وقد حصلت عملية ترهيب ديبلوماسية قاسية، ولم تتزعزع حتى عزيمة المسؤولين الذين كنا نتواصل معهم... ولفت الى ان رد المقاومة «كسر خطوط حمراء» اسرائيلية وقال «انه فيما مضى عندما كان يعتدى علينا كنا نرد في مزارع شبعا، وهي اراض لبنانية محتلة، وكان المس بحدود 48من الخطوط الحمراء الاسرائيلية، وكان يرد بشكل قاس، على كل من يتجاوز هذه الحدود، وما حصل بالامس ان اكبر «خط احمر» اسرائيلي كسرته المقاومة الاسلامية، وهو لم يعد «خطا احمر»، والاسرائيلي كان يحاول استيعاب العملية باي ثمن، وكان موقفه دفاعياً وليس هجومياً... واكد نصرالله ان حزب الله لم يثبت المعادلة فقط، بل اعطينا للمعادلة قوة ردع اهم، وقلنا له لم يعد لدينا خطوط حمراء، وانتقلنا من الرد من اراض لبنانية محتلة الى ارض فلسطين المحتلة، وبالعمق الذي نريده... واكد نصرالله ان الرسالة واضحة «اذا اعتديتم فان كل جنودكم ومستعمراتكم وجنودكم ستكون في مرمانا، والمقاومة سترد في المستقبل بقوة... واقول للاسرائيليين انظروا ما فعل نتانياهو بحماقته احفظوا هذا التاريخ الاحد 1ايلول 2019 هو بداية لمرحلة جديدة على حدود فلسطين المحتلة للدفاع عن سيادة لبنان ولم يعد هناك خطوط حمراء...
حرب «المسيّرات»
ولفت السيد نصرالله الى ان استهداف المسيرات الاسرائيلية بات جزءا من المعادلة، وسنواجهها في سماء لبنان، والاجراءات باتت في الميدان، وقال اننا لسنا مستعجلين وهدفنا تثبيت المعادلة، واستبق اي كلام على اسقاط اي مسيرة بان ذلك سيهدد الاستقرار، اقول للدول الحريصة على استقرار المنطقة ان يقول للاسرائيليين ان هذا الامر انتهى ومن غير المقبول الاستمرار به... واشار نصرالله الى اننا انتهينا من هذه الجولة بتثبيت المعادلات وتطويرها، ويمكن القول انها انتهت، منعنا تغيير قواعد الاشتباك، وحافظنا على منجزات حرب تموز...
«بيت العنكبوت»
واكد السيد نصرالله، ان نقطة القوة كانت الاعلان عن نيتنا بالرد، وقلنا علنا اننا سنرد، وقلنا للعدو انتظرنا وكان هذا التحدي الكبير، لان الامر كان معنويا، وما اردناه هو عقاب وردع للعدو وهي عملية مركبة نفسية وميدانية، وما حصل كان اخلاء للحدود كاملة، فلا جنود ولا آليات عسكرية، وتم اخلاء مواقع امامية بالكامل، لم يختبئوا بل هربوا، انا قلت لهم «انضبوا» لكنهم هربوا، وكان هذا اكثر من المتوقع... واضاف «حصلت اجراءات وتشدد وانعدام حركة بعمق 5 الى 7 كيلو متر، وكانوا في منازلهم وفتحوا ابواب الملاجىء، واشار الى حصول استنفار عسكري كامل وبتنا امام اسرائيل التي تدعي انها تمتلك الجيش الاقوى في المنطقة، وهذه الدولة المتعالية التي كانت تخيف الملايين، خلال 8 ايام كانت خائفة وقلقة، وهذا «ذل» وهوان وضعف، وهذا احد اشكال ان اسرائيل «اوهن من بيت العنكبوت»... في المقابل لم يغادر الجيش اللبناني مواقعه، والمقاومون ايضا، وكذلك عاش اهالي القرى الجنوبية حياتهم الطبيعية...
انتقادات اسرائيلية لنتانياهو...
وكان نتانياعو قد تعرض لانتقادات واسعة في اسرائيل وقال الوزير السابق نفتالي بينيت إن «الثرثرة» خطأ خطير، وسبقه عضو الكنيست يائير لبيد الذي سارع للقول في تغريدة: «الأطفال اليهود في شمال البلاد في الملاجئ لأن نتنياهو اختار خلط الأمن بالسياسة والتباهي بدلا من التصرف بصمت وسرية». واضاف «ما حصل كان مباهاة زائدة لاعتبارات انتخابية، وإسرائيل وسعت من حلبة المواجهة بإضافة لبنان والعراق، وينبغي التنبه إلى أن صبر إيران له حدود، ربما نوسع الحلبة أكبر منا».
لقاء اقتصادي تحت «الضغط الفرنسي»
على وقع تحذيرات فرنسية الى المسؤولين اللبنانيين بضرورة الانتقال من «الاقوال الى الافعال» عقد اللقاء الاقتصادي في بعبدا ويبقى نجاحه مرهونا بالاليات التنفيذية للمقررات، ووفقا لاوساط دبلوماسية فان باريس حرصت في الساعات القليلة الماضية على ابلاغ المعنيين بان الوقت يداهم لبنان ولم تعد الدول المانحة مستعدة للانتظار اكثر، ويجب الانطلاق فورا باجراءات عملية فاعلة والا ستضيع اموال «سيدر»...
وقد اعلن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بعد الاجتماع انه تم التوافق على اعلان حال طوارئ اقتصادية وتشكيل هيئة طوارئ اقتصادية يدعوها الرئيس ميشال عون متى يشاء، والتأكيد على استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية... كما تم الاتفاق على متابعة ما تم اقراره في اجتماع 8 أب واقرار اطار مالي متوسط الأمد... ولفت الحريري الى انه ايضا اتفق على الالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019 واقرار موازنة 2020 بفائض لا يقل عن 3% والتأكيد على منع التوظيف في القطاع العام والعمل على نظام تقاعدي. وأشار الى انه سيتم تشكيل غرفة عمليات لموضوع المعابر وسيتم العمل على تقليص حجم الدين العام من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وقال: «لدينا فرصة 6 اشهر بعد تصنيف لبنان وعلينا اتخاذ اجراءات كي لا تكون نهايتنا مثل دول أخرى «فرطت». ونفى ان يكون تم الاتفاق على فرض ضرائب جديدة في اجتماع بعبدا.
«لا ضرائب جديدة»...؟
من جهتها، أكدت مصادر حضرت الاجتماع أن لا ضرائب جديدة والإجراءات لا تطال ذوي الدخل المحدود وبعض النقاط تنتظر موافقة الكتل السياسية أبرزها تحديد سعر صفيحة البنزين ورفع ضريبة الفوائد المصرفية إلى 11 في المئة وزيادة الضريبة على القيمة المضافة. وفي هذا الاطار،طمأن النائب محمد رعد بعد اللقاء إلى أن «لا مس بالرواتب ولا ضريبة على البنزين ولا زيادة على الضريبة على القيمة المضافة». وكشف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أننا «أيّدنا البيان النهائي لكنّنا لم نؤيّد الدراسة». ورأى النائب سامي الجميل أننا «كنا نتوقع إجراءات جذرية وخطوات جريئة أكثر نظرًا لخطورة الواقع الذي نعيشه»، مشيراً الى أنه «هناك عناوين جيدة ولكننا نكرر المعزوفة نفسها التي نتحدث عنها منذ 4 سنوات ولا شيء ينفذ منها».
وكان الرئيس عون قد استهل الاجتماع بكلمة قال فيها: «تدركون جميعا دقة الظروف الاقتصادية والمالية التي نمر بها، والتي ينتظر منا شعبنا، كما المجتمع الدولي، حلولا فاعلة لها، تمكننا من العبور الى الاستقرار ومن ثم النمو تجنبا للأسوأ. هذه الظروف تتطلب منا جميعا التعالي عن خلافاتنا السياسية أو الشخصية، وعدم تحويل الخلاف في الرأي الى نزاع على حساب مصلحة الوطن العليا. ولفت الى «ان التضحية بالطبع مطلوبة من الجميع، انما عملية اعادة بناء الثقة بمؤسساتنا وبادائنا وتبديل النمط السائد الذي اثبت فشله، تبقى الحجر الاساس للنهوض ببلدنا وتحقيق ما يطمح اليه مواطنونا.