كتاب "تاريخ بابل وآشور" أقدم المؤلفات العربيّة بعد اكتشاف قصر سرجون الثاني في خورسباد , وعلى الرغم من أنّ المؤلّف خلط في متن الكتاب بين ما تمّ إيجادهُ في نقوش الاكتشافات الحديثة وبين المرويّات التاريخيّة , إلاّ أنّه يُعتبرُ أحد أهمّ شهود تلك الحقبة التي رافقت انكسار أحلام المستشرقين من هول ما اكتشفوه في الألواح المحفوظة في باطن الأرض منذُ آلاف السنين , فهم أتوا بحماسٍ توراتيّ كبير وعادوا بخيبة القرون العديدة التي ترنّموا فيها بتراتيل العهد القديم .
لاحظوا كيف ربط المؤلف فيه بين الاكتشاف الخطير في خورساباد وبين هيكل سليمان :
نقرأ في كتاب تاريخ بابل وآشور تأليف جميل أفندي نخلة المدوّر _ طبع في بيروت سنة 1879م _ وقفَ عليه وصحّحه الشيخ إبراهيم اليازجي :
ص26/27 : ( ذكر مدينة خرساباد : وممّا اشتهرَ به من مدن آشور خرساباد , وكانت تُسمّى بصاريوكين , وهي اليوم قريةٌ دنيئةٌ من كردستان , وأكثر سكّانها عربٌ وأكراد , وكانت هذه المدينة ومدينة أخرى من آشور قد عفا رسمها وذهب أثرها تحت الردم والأنقاض من نحو ألفي سنة حتّى قدمَ الموسيو بوتا المشار إليه من قُبَيل هذا , وهو أوّل مَن اكتشفَ هذه المدينة , وكان في جملة ما كشفه قصر لسرجون وليّ عهد شلمنأصر الرابع , وحواليه أبنية أخرى تُعزى إليه , وهي على ستّة عشر كيلو متراً من نينوى إلى الشمال الغربيّ . وفي أواسط تلكَ الأبنية رابية مصنوعة على نحو الرابية المؤسس عليها هيكل سُليمان "عم" , وفي قمّة الرابية سطح مُربّع طول كلّ من جهاته 200 متر وعليه بُني القصر وحوّط الرابية بسورٍ لكلّ من جهاته 1900 متر طولاً , وكان للقصر بابٌ كبير يُدخلُ إليه من الخارج , وعلى كلّ من جانبي الباب ثورٌ هائل لهُ رأس بشر , وسائر الباب مُزيّن بكثيرٍ من ضروب النقوش وعجائب الأشكال والتصاوير . وبجانب الباب من الداخل سلّم طويلة يرقى منها إلى سطح القصر وهو شاهقٌ في الجوّ مشرفٌ على جميع ما هنالك منَ الضواحي ليسَ في تلكَ الناحية كُلّها أحسنَ منهُ مطلاًّ ولا أبعدَ مدىً للناظر . وقد بقيَ من زخارف القصر في داخلهِ وبديع نقوشه وأشكالهِ مايدلّ على أنّهُ كانَ من الجمالِ والإتقان بمكانٍ لا يُدانيه كثيرٌ من أبنية تلك الأعصار , وآثارهُ إلى الآن ما تزالُ أكمل وأبين من جميع ما شُوهدَ منَ الأبنية الآشوريّة , ولم يبقَ في شيءٍ منها ما بقيَ فيه منَ الأدوات والمناظر المشخّصة كثيراً من شؤونِ أهلهِ . وبجانب القمّة التي عليها القصر قمّةٌ أخرى أدنى منها ارتفاعاً , وأصغر حجماً عليها بناءٌ آخر تابعٌ للقصر , وهذا البناء ينقسم إلى قسمين , فصار جملة القصر وما يليه ثلاثة أقسام أحدها وهو القصر المذكور بلاط الملك , وبناؤه من الآجر وفي داخله حُجرات فسيحة يبلغ طول الحجرة الواحدة مئة وستة عشر قدماً , وكلّها مُزيّنة بالنقوش والصور والآنية الذهبية والفضيّة والعاجيّة والخزفيّة والتروس والسيوف وكثيرٌ من الأسلحة المنوّعة والأدوات المُصفّفة والتحف الجليلة والبقايا الثمينة . وهي ستّ حجرات من هذا النمط , وعلى جدرانها صورٌ من الإنسان والحيوان مختلفة الحركات والهيئات , فمن ملك وجنود وجبابرة ومعارك وحصارات وفتوحات , ومن قاتلٍ أسداً ومُساورٍ نمراً ومُجهزٍ على عدوّ وذابحٍ ذبائح وساجدٍ للآلهة , ومن عساكرٍ يخرجون في القتال وقتلى يُقاسونَ النزع وغير ذلك ممّا يطولُ شرحهُ ولا يسعنا بسط العبارة فيه , وكثير من هذه الصور ما برحت إلى اليوم على ألوانها الأولى , وذلك شاهدٌ يؤيّد صحّة ما نقلهُ ديودورس عن اكتزياس من بقاء الألوان فيما شاهده من بقايا بابل على ما أسلفنا ذكره . وهناك وجدَ عرش الملك مُرصّعاً بالعاج وغيره من الجواهر الكريمة . والقسم الثاني وهو شطر البناء الأصغر المبني على القمّة الأخرى دار الحرم وفيه ثلاث حجرات فقط , إلاّ أنّها أكملُ إتقاناً من حجرات البلاط وأبهى زينةً وأكثر أدوات وأمتعة , وقد وجدَ فيه سيّاحُ الإفرنج من الذخائر والنفائس ما يجلّ عن الوصف ولا يقوَّم بثمن . ويصلُ بينَ هذا القسم وبلاط الملك سربٌ تحتَ الأرض ينزلُ فيه الملك إذا أراد الإفضاء إلى دار حرمه . والقسم الثالث مُتّصلٌ بهذا القسم مبني على الناحية الأخرى من القمّة المذكورة وهو على شكل القسم المُقدّم وفيه حجرة تقيم بها الحشم والخدم ومن حولها مساكن بعضها للعبيد وبعضها للكراع والسائمة . وبين دار الحشم والبلاط رواق طويل وهو غاية في الإتقان والزخرفة , وفيه وجد الفرنسيس النفائس التي اصطحبها سرجون الملك بعد فراغه من فتوحاته وكاثر بها سائر الممالك . ووجدوا هناكَ أيضاً كثيراً منَ الآنية والجفان والأدوات المختلفة فحملوها إلى باريس ولا تزالُ هناكَ إلى اليوم . وفيما يلي دار الحرم أخربة على شكل هرم من الرفات ذكرَ بعضهم أنّه كانَ مدفناً لأحد ملوك آشور قصدَ به محاكاة الفراعنة المصريّين وتقيّل أهرامهم , وذهب آخرون إلى أنّه المرصد الذي ذكرهُ سرجون غير مرّةٍ , وقد تبيّنوا بعد البحث أنّ÷ كانَ مبنيّاً من سبع طباقٍ تعلو بعضها بعضاً في العنان كلّ واحدةٍ منها أصغرُ من التي تحتها حتّى يُنتهى إلى السابعة وهي أصغرها , وقالوا أنّه كانَ لكلّ طبقة لون يخالف ألوان البقيّة وكلّ لون لإله من الكواكب وكانت أوّل طبقة لزحل والثانية للزهرة والثالثة للمشتري والرابعة لعُطارد والخامسة للمرّيخ والسادسة للقمر والسابعة للشمس , ولجميع هذه الطباق قياسٌ واحدٌ في الارتفاع وإن كانت تتفاوت اتساعاً على ما قدّمناه , وكانَ هذا البرج أشبه ببرج بورسيبا الذي ذكرهُ هيرودوطس على ما أسلفناه هناك . قالوا وكان المرصد في اعلى تلكَ الطباق فيكون له طبقةٌ ثامنة , وكان الآشوريون يرقبون منه حركات الكواكب لمعرفة السعد والنحس وغير ذلك على ما كانَ اعتقاد المُتقدّمين . )
لاحظوا أيضاً العبارة التالية : ( .. وكان في جملة ما كشفه قصر لسرجون وليّ عهد شلمنأصر الرابع .. ) أي أنّ سرجون الثاني هو شلمنأصر الخامس إذ ليسَ بعده من ملكٍ يدعى شلمنصأر في تلك المملكة . وحاولوا أن تُخمّنوا لماذا هجر سنحاريب ذلك القصر العظيم في خورساباد , وهل هجرهُ فعلاً أم أنّه اعتدى عليه وعلى ساكنيه وأبادهم جميعاً , وتحقّق طلب الملك سليمان ( ربّي هب لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي .. ) أي من بني إسرائيل ومن نسل داود "أدد" تحديداً !!!!
ولست أدري إذا كانت المفاجآت غير السارة هي التي حكمت بالإعدام على كميّة كبيرة من الكنوز الفريدة والشواهد الموثقة المختومة بخاتم الدهر , وأسقطتها في نهر دجلة , والتي نقرأ عنها في الصفحة 26 من الكتاب :
( ... وأبدع تلكَ الصور وأكملها صناعةً صورة سنحاريب وبجانبه رجالٌ من بني إسرائيل يُنكّل بهم , وصورةٌ أخرى تمثّله على عرشه وهذه حملها الإنكليز إلى لندرة , وبعد انصراف لايارد من هناك جاءَ لوفتس الفرنسوي سنة 1854م فكشفَ أشياء أخرى أجلّها قصر لسردنابال الخامس المعروف بأَشّور بنيبال وجدَ فيه تحفاً كثيرة فحمل منها جانباً كبيراً بقصد إرسالهِ إلى باريز فسقطَ منه في دجلة ولم يسلم إلاّ أشياء قليلة في جملتها صورة سردنابال المذكور صاحب القصر وقطع من الآجر عليها كتابة بالقلم المسماري ) ..
تعرفون أيّها السادة أنّ من عادة الشعوب أن تُكثر من تسمية المواليد بأسماء عظمائها سيّما الروحيّين , ولكن هذا الأمر لم نجده في مملكتي يهوذا والسامرة اللتين يتحدّثون عنهما في فلسطين فلا داود فيها ولا سليمان , وإنّما ( عمري , آخاب , حزقيّا , يهوياكيم... ) , في الوقت الذي نجد خمسةً من الملوك العظام بإسم "أدد" أي داود وخمسة ملوك بإسم سليمان في مملكة آشور التي من المفترض أنّها عدوّة بني إسرائيل , ولعلّ من يقول إنّ اسم داود لا يمكن أن يكون أدد , وكنّا سنوافقه الرأي لو لم يكن "يوشع" هو ذاته "يشوع" ...
فهل كان بنو إسرائيل يبغضون أسماء ملوكهم وأنبيائهم العظام ؟! وهل كان الآشوريون مغرمون بأسماء أعدائهم يا ترى على عكس باقي شعوب الأرض ؟!
نقرأ في الكتاب أيضاً في الصفحة 30 عن مكتشفات أخرى جنوبي أخربة خورسباد في منطقة يقال لها قلعا شرغات ( .. وهناك وجد الإفرنج تمثالا لشمنأصر الثالث أحد ملوك آشور وكثيراً من المدافن المصنوعة من الرخام وفيها كثير من العظام بينها حليّ من المعدن , وهذه المدينة هي المعروفة باسم إبلاصر وكانت مباءة لملوك آشور دهراً , وفيها بنى اسمي داجون الهيكل المشهور لاوانّس . ولا يزال فيها إلى اليوم تمثالٌ لملك من آشور قديم العهد إلا أنّه ناقص لا رأس له ولا عنق وعليه لباس ضافٍ من كتفيه إلى الأرض وتحته قاعدةٌ عليها إسمهُ واسم آبائه . )
ولكي نعرف اسم صاحب هذا التمثال مقطوع الرأس نقرأ في كتاب ( جبروت آشور ) - هنري ساغس الصادرة ترجمته العربية عن دار الينابيع سنة 1995م ص/422 مُبتدئاً على لسان لايارد : ((( .. (( .. كانت القاعدة التي يقفُ عليها التمثال مُغطاة بنقوشٍ مسماريّة من ثلاث جهات . كان السطر الأوّل الذي يتضمّن اسم وألقاب الملك شبه ممحوّ , لكن علامة أو علامتين في الكتابة ساعدتني على استعادة اسم مُطابق للاسم الذي على تماثيل الثيران في مركز تلّة النمرود . حينَ سقطَ بصري على العمود الأوّل منَ المخطوطة , وجدتُ اسم أبيه (باني أقدم قصر في نمرود) وإسم جده , ممّا أثبت فوراً أنّ القراءة كانت صحيحة . بعد ذلك بحين جاءني أحد العرب بقرميدة عليها نقوش قليلة تتضمّن ثلاثة أسماء كاملة , وهكذا تمكّنت من التحديد النسبي لحقبة الأطلال التي اكتشفتها للتوّ )) نحنُ نعرف اليوم أنّ الملك الذي يدعوه لايارد "جدّ" هو توكولتي –نينورتا الثاني (890/884ق.م) وابنه باني أقدم قصر في نمرود هو آشور ناصر بال الثاني (883-859ق.م) , أمّا الحفيد صاحب التمثال البازلتي الأسود هو شلمانصر الثالث (858-824ق.م) وها هو ذلك التمثال الجالس يزيّن الآن صالة نمرود المركزيّة في المتحف البريطانيّ . )))
لعلّكم تتساءلون مثلي أيها السادة : كيف تمكن بوتا ولايارد من التنقيب بكلّ حريّة عن تلك الكنوز , وأين كانَ أهلها عنها ؟! ألم تكن تلك الأماكن مسكونة ؟! أين أهلها ؟! أين أصحاب تلك الديار ؟! ..
الجواب على هذا السؤال في الصفحة من جبروت آشور412 : ( وجد لايارد قرية قرب النمرود تكادُ تخلو من السكّان نهائياً بسبب النهب الوضيع الذي يمارسه والي الموصل , والإنسان الوحيد الذي كانَ هناكَ هو شيخٌ تعرّضت قبيلته أيضاً للنهب وتبدّدت , فلجأ إلى كوخٍ مهجور هناك , واستفاد منه لايارد لتنظيم عمال من القرى المجاورة لكي يساعدوا في الحفريّات ) ..
إذاً فقد تولّى والي الموصل العثماني تهجير السكان ليتمكّن لايارد وأمثاله من الحفر والتنقيب بكلّ حريّة وأمان , لا بل تركَ له أيضاً مَن يعينه على الحفر والنقل والعتالة , وتأمين الخدمة اللائقة بحسن الضيافة . وأظنّكم أيضاً تتساءلون معي : لماذا يفعلها والي الموصل أبي بكر الموصليّ ؟!
الجواب نجده في الصفحة 414 من الكتاب :
(( رسالة الوزير الأكبر إلى باشا الموصل 5 أيار 1846م :
هنالك , كما تعرف فخامتك , في جوار الموصل , كميّات من الأحجار والآثار القديمة . وقد جاء سيّدٌ إنكليزيّ إلى تلك المنطقة بحثاً عن مثل تلك الآحجار , حيث وجد على شاطئ دجلة في بعض المواقع غير المسكونة أحجاراً قديمة عليها صور وكتابات . لقد طلب السفير البريطانيّ أن لا تقامَ عقبات أمام ذلك السيّد المذكور ليأخذ الأحجار التي قد تكون مفيدة بالنسبة له , بما في ذلك تلك التي يكتشفها بواسطة الحفر , وليشحنها بوسائط النقل إلى إنكلترا .
إنّ الصداقة المخلصة التي تربط بقوة بين الحكومتين تجعل تلبية طلبات كهذه أمراً مرغوباً به . لذا لا يجب إقامة عوائق على طريق حفريّاته في الأماكن غير المأهولة , حيث يمكن إجراؤها دون التسبّب في إزعاجٍ لأحد , أو عن طريق شحن كلّ الأحجار التي يريدها من بين تلك قد يتمكّن من اكتشافها ) ..
ولكي تتعرّفوا إلى الدوافع الأساسيّة التي دفعت بوتا ولايارد للمخاطرة بحياتهما أكثر من مرّة لأجل آثار بابل ونينوى نقرأ في الصفحة 415/416 :
لم يكن كانينغ "السفير الإنكليزي" الشخص الوحيد الذي أثارته اكتشافات لايارد . كان المجتمع الإنكليزيّ والأمريكيّ آنذاك يشهدان مزاجاً عميقاً منَ الورع تجاه "العهد القديم" وكانَ تاريخ المملكتين العبريتين القديمتين ( إسرائيل ويهوذا ) شيئاً حيّاً ومعروفاً بشكلٍ جيّد , مثل التاريخ البريطانيّ . كانَ يوجد في ذلك العصر كثيرون ممّن يُشبّهون السيّدة التي كتب عنها الشاعر "ماثيو براير" قائلاً :
" تردّد من أسفار التوراة بعضاً عن ظهر قلب
وتجد بهجةً كبيرةً في قراءة الفصول التاريخيّة "
كانَ كلّ شخص يعرف أنّ الآشوريّين قادوا إلى السبي الأسباط العشرة من مملكة بني إسرائيل , وأنّ سنحريب , عبر جنراله الـ ربشاقي قد حاصرَ المدينة المقدّسة أورشليم بلا جدوى , وكانت هذه التصوّرات جزءاً من الوعي الثقافي الإنكليزي والأمريكي . بالنسبة للأقليّة المُثقفة في مجال التاريخ القديم كانت اكتشافات بوتا ولايارد شيئاً ذا أهميّة بالنسبة للثقافة الإنسانيّة عموماً , لكن بالنسبة لأغلبية الناس فكانَ لها صدىً تواراتيّ . فالتوراة كانت التمثال الذي يجسد كلمة الله , حتّى أنّ صديقاً أمريكياً ورعاً عبّر عن ذلك قائلاً للايارد : " منَ الصعوبة بمكان أن تتخيّل أهميّة عملك الفرديّ بالنسبة للفهم الصحيح للأجزاء التاريخيّة والنبويّة من الكتاب المُقدّس " , أمّا البعض فكانوا أكثر سخريّةً بشأن الموضوع إيّاه , فقد كتب أحد الأصدقاء المقرّبين إلى لايارد من القسطنطينية : " إذا استطعتَ أن تضفي أهميّة توراتيّة على مُكتشفاتك فسوفَ تصبح أكبر مُتحايل على عالم الحمقى والحالمين هذا : يمكنك أن تجد لكَ مُرافقاً دينيّاً ليُلهمكَ بالنفاق اللازم , الذي يجعل ظنّي بكَ يسوء ولو قليلاً ) ..
يحقّ للقارئ أن يتساءل : ما داموا فعلوا ما فعلوه في ذلك الزمان , وسرقوا ما سرقوه على راحتهم وبضيافةٍ كريمة ودعمٍ مسنود بلصوصيّة الوالي العثماني والوزير الأكبر والسلطان العتيد , فلماذا عادوا اليوم بطارقهم وأبو بكرهم الجديد وأردوغانهم ؟! ولماذا كان هذا الاستعجال الأمريكيّ المحموم للقوّات العراقيّة بدخول الموصل وتحريرها ؟! هل يا ترى كان تريد أن تفعل شيئاً تحتَ وابل القصف لا تريد لأحد أن يكشف بصماتها فيه ؟!
لمعرفة الجواب نقرأ في الصفحة 423 :
( بعدَ إرسال المنحوتات , قامَ لايارد , وفقاً لتوجيهات أمانة المتحف البريطانيّ , بإعادة طمر أثريّات كانَ قد كُشفَ عنها , وتركَ نمرود في أواسط 1847م
.. عاد لايارد إلى إنكلترا وتمّ انتخابه إلى المجمع العلميّ , ومنحَ درجة الدكتوراه الفخريّة (D.C.L) من جامعة أكسفورد ) ..
نعم تمّ طمر أثريّات كان قد كُشف عنها , فعيون المؤمنين بالعهد القديم كانت مشرئبّة إلى كلّ حصاة تجود بها أخربة بابل ونينوى , وآذانهم مشنّفة كالصحون اللاقطة إلى كلّ ذبذبةٍ تصدر عن أخبارها ؟! ولم يكن السيّد الأنجلوساكسوني يرغب بكسر خواطر المؤمنين بالعهد القديم .....
ولهذا عادوا اليوم ليضمنوا أنّ شيئاً لن يظهرَ البتّة من رحم هذه الأرض وأخربتها العامرة بكنوز السماء ..
ويبدو أنّه كان على لايارد ومساعده العراقيّ السيّد هرموز رسّام الذي حظي بترقيةٍ أيضاً أن يصمتا إلى الأبد والكلام لنا .... فما أنتم قائلون ؟؟!!!