مقدمة :
تعد مسألة الأمن أمراً أساسيّاً في الوجود مصداقاً لقوله تعالى " فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف " صدق الله العظيم
والحاجة إلى الأمن حاجة أساسية لاستمرار الحياة وديمومتها وعمران الأرض التي استخلف الله تعالى عليها بني آدم ، وانعدام الأمن يؤدي إلى القلق والخوف ويحول دون الاستقرار والبناء ، ويدعو إلى الهجرة والتشرد ، وتوقف أسباب الرزق مما يقود إلى انهيار المجتمعات ومقومات وجودها . وقد قيل " نعمتان عظيمتان لا يشعر الانسان بقيمتهما إلاّ إذا فقدهما ؛ وهما الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان " .
وقد تعددت مفاهيم الأمن الاجتماعي وأبعاده في ضوء التحولات التي يشهدها العالم مع بروز أخطار جديدة ومتغيرات تركت آثارها على جميع الانساق الحياتية سواء منها ما يتعلق بحياة الفرد أو الجماعة ، وتجاوزت الأطر التقليدية لمفهوم الأمن المتعلقة بحماية الإنسان من التهديدات المباشرة لحياته ، ولذا فإن هذه الدراسة ستتناول المفاهيم المتعددة للأمن وابعاده والتحديات التي تواجه تحقيقه مع ابراز مكونات الأمن الاجتماعي ومرتكزاته على مستوياته المحلية والاقليمية والدولية .
الامن الاجتماعي ........ مفاهيم ومصطلحات
تتداخل المفاهيم والمصطلحات في تحديد ماهية الأمن الاجتماعي وحدوده . حيث تبرز العديد من التداخلات بين الأمن الوطني ( القومي ) والأمن الانساني والأمن الاجتماعي لكنها تلتقى حول مبدأ الضرورة والحاجة ، من حيث التكامل وتتوزع في حقول دراسية بين علم الاجتماع والعلوم السياسية لتأخذ طريقها إلى التماس مع الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية لارتباطها بحياة الانسان وتعدد حاجاته .
الامن الاجتماعي
فالأمن الاجتماعي عند استاذ الاجتماع د. احسان محمد الحسن يعني " سلامة الأفراد والجماعات من الأخطار الداخلية والخارجية التي قد تتحداهم كالأخطار العسكرية وما يتعرض له الأفراد والجماعات من القتل والاختطاف والاعتداء على الممتلكات بالتخريب أو السرقة " في حين يرى فريق من علماء الاجتماع أن غياب أو تراجع معدلات الجريمة يعبر عن حالة الأمن الاجتماعي ، وأن تفشى الجرائم وزيادة عددها يعني حالة غياب الأمن الاجتماعي ، فمعيار الأمن منوط بقدرة المؤسسات الحكومية والأهلية في الحد من الجريمة والتصدي لها وأن حماية الافراد والجماعات من مسؤوليات الدولة من خلال فرض النظام ، وبسط سيادة القانون بواسطة الاجهزة القضائية والتنفيذية ، واستخدام القوة إن تطلب الأمر ؛ ذلك لتحقيق الأمن والشعور بالعدالة التي تعزز الانتماء إلى الدولة بصفتها الحامي والأمين لحياة الناس وممتلكاتهم وآمالهم بالعيش الكريم . في حين يؤكد الباحث الدكتور مؤيد العبيدي " بأن الأمن مسؤولة اجتماعية بوصفه ينبع من مسؤولية الفرد تجاه نفسه وأسرته ، فنشأت أعراف القبيلة وتقاليدها لتصبح جزءاً من القانون السائد " .
وبدأت التحولات في المجتمعات العربية إلى إحلال مفهوم الدولة بدلاً من القبيلة والاحتكام إلى القوانين بدلاً من الاعراف ؛ إلا أن هذا التحول لم يكن كافياً لإلغاء دور القبيلة كلياً .
ومن هنا فإن مفاهيم الأمن الاجتماعي تدور حول توفير حالة الأمن والاستقرار والطمأنينة في المجتمع المحلي بحيث يستطيع الافراد التفرغ للأعمال الاعتيادية التي يقومون بها ، وفي حالة غياب الأمن فإن المجتمع يكون في حالة شلل وتوقف ، فالانتاج والابداع يزدهران في حالة السلام والاستقرار .
الأمن القومي:
أما مصطلح الأمن القومي والذي هو شائع في العلوم الانسانية فإن يعبر عن الأمن الوطني للدولة المعاصرة ؛ حيث برزت العديد من الآراء والنظريات حول مفهوم الأمن القومي ، والاسس التي يعتمد عليها وظهرت مجموعة من المفردات كالأمن الاستراتيجي القائم على نظريات الردع والتوازن والاخطار المحتملة والتحرك الاستباقي واحتواء الازمات . واصبح تعريف الأمن وفقاً لهذا المفهوم حسبما أوردت دائرة المعارف البريطانية يعني " حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية . في حين رأى بعض الباحثين أن الأمن يعني " حفظ حق الأمة في الحياة .
ويرى الدكتور زكريا حسين استاذ الدراسات الاستراتيجية بأن تعريف المفهوم الشامل للأمن هو " القدرة التي تتمكن بها الدولة من انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية الاقتصادية والعسكرية في شتى المجالات لمواجهة مصادر الخطر في الداخل والخارج وفي حالتي السّلم والحرب . مع استمرار الانطلاق المؤَمّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل " .
الامن الانساني:
يركز مفهوم الأمن الانساني على الانسان الفرد وليس على الدولة ، ويرى هذا المفهوم أن أية سياسية يجب أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق أمن الفرد بجانب أمن الدولة ؛ إذْ قد تكون الدولة آمنة في حين يفتقر بعض من مواطنيها إلى الأمن لظروف عِدة بسبب الاختلال في توزيع الثروة أو بروز الاثنية في المجتمعات ذات الاعراق المتعددة أو لظروف طبيعية ومناخية تشكل لهم تحدياً دائما كالزلازل والبراكين والفيضانات أو الصراعات والنزاعات الانفصالية ما يتطلب توفير الأمن تدخل جهات اقليمية أو دولية .. وتنشط منظمات انسانية لتوفير الرعاية والإغاثة عندما لاتستطيع الدولة توفير مثل هذه المتطلبات ففي التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي عام 1999 بعنوان عولمة ذات وجه انساني Globalization With a Human Face حدد سبع تحديات أساسية تهدد الأمن الانساني في عصر العولمة . هي ؛ عدم الاستقرار المالي وغياب الأمن الوظيفي المتمثل بعدم استقرار الدخل ، وغياب الأمن الصحي وبخاصة مع انتشار الأوبئة الفتاكة وغياب الأمن الثقافي بانعدام التكافؤ بين نشر الثقافات وسيادة الثقافة الغالبة وغياب الأمن الشخصي بانتشار الجريمة المنظمة والمخدرات ووسائل الاحتيال المبتكرة من الغش والتزوير وغياب الأمن البيئي بإنتشار التلوث ، والانحباس الحراري وتغيير معالم البنية الطبيعية إضافة إلى غياب الأمن السياسي والمجتمعي من خلال سهولة انتقال الأسلحة ووسائل الدّمار والعنف والتطرف والقتل الجماعي الذي يصل إلى حد الإبادة .
ويرتكز مفهوم الأمن الانساني بالأساس على صون الكرامة البشرية وكرامة الانسان بتلبية احتياجاته المعنوية بجانب احتياجاته المادية .
ومما تقدم يظهر بجلاء أن مفهوم الأمن يتداخل بين ثلاث دوائر :
الدائرة الأولى: وهي الدائرة الانسانية والتي تنطلق اساساً من حماية الإنسان بصفته انساناً بغض النظر عن جنسة ودينه ولونه وهذا ينطبق على المجتمعات الانسانية سواء المتقدم منها أو تلك التى تعيش دون خط التمدن والتحضر وبالتالي فإن هذا المفهوم يغاير الأمن الفردي الذي يأتي في سياق الأمن الاجتماعي .
الدائرة الثانية : وهي دائرة الأمن الوطني ( القومي ) والذي يتعلق بحماية الدولة التي ينتمي إليها الافراد والجماعات ، ويحظون بحمايتها ورعايتها فكما أن مسؤولية الدولة هي حماية رعاياها فإنه بالمقابل على رعايا الدولة أن يهبوا للدفاع عنها إذا ما واجهت اخطار تهدد كيانها السياسي أو تمس سيادتها . فالأمن في هذه الدائرة ينطلق من الأمن الداخلي للدولة وتحصين جبهتها الداخلية وإشاعة الأمن والاستقرار وبسط النظام وسيادة القانون وتحقيق العداله والمساواة وفرص العيش الكريم لابنائها ، مع العمل على توفير الأمن الخارجي من الاخطار القادمة عبر الحدود والتي تأتي ليس فقط من الدول بل من الجماعات والتنظيمات التي تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار بشتى الوسائل والأساليب .
والدائرة الثالثة :فهى التي تتعلق بالأمن الاجتماعي والذي يمكن النظر إليه على اساس أنه من مكونات الأمن الوطني الذي تساهم في تحقيقه مؤسسات المجتمع بدءاًٍ من الأسرة التي تشكل النواة الأولى للمجتمعات البشرية ، ويرتكز الأمن الاجتماعي على منظومة العادات والتقاليد التي يؤمن بها المجتمع ، وعوامل الاستقرار القائمة على التفاهم والمعايشة وروح المواطنة والشعور بالانتماء والرغبة في التعبير عن المشاركة الايجابية في خدمة الجماعة لتحقيق الذات من جهة والحصول على الرضا والقبول من الجماعة من جهة أخرى .
ومن الملاحظ التداخل العضوي بين مستويات الامن الثلاثة ؛ الانساني والوطني ( القومي ) والاجتماعي وربما تعود الفوارق ما بينها إلى سلم الاولويات وزاوية الرؤية . مما يعزز القول أن مسؤولية تحقيق الأمن مسؤولية فردية وجماعية في آن واحد تقررها الحاجة إلى ممارسة الحياة بعيداً عن أشكال التهديد ومظاهر الخوف والقلق .
مقومات الأمن الاجتماعي:
يعتبر الأمن الاجتماعي الركيزة الاساسية لبناء المجتمعات الحديثة وعاملاً رئيساً في حماية منجزاتها والسبيل إلى رقيهّا وتقدمها لأنه يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء ويبعث الطمأنينة في النفوس ويشكل حافزاً للابداع والانطلاق إلى آفاق المستقبل ويتحقق الأمن بالتوافق والإيمان بالثوابت الوطنية التي توحّد النسيج الاجتماعي والثقافي الذي يبرز الهوية الوطنية ويحدد ملامحها ، حيث يكون من السهل توجيه الطاقات للوصول إلى الاهداف والغايات التي تندرج في إطار القيم والمثل العليا لتعزيز الروح الوطنية وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتكامل الأدوار .
ومن الجدير بالذكر أن استتباب الأمن يساهم في الأنصهار الاجتماعي الذي يساهم في أرساء قواعد المساواة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الدين والعرق والمذهب مع الأبقاء على الخصوصيات الثقافية التي تجسد مبدأ التنوع في إطار الوحدة وفي هذا صون للحرية واحترام لحق الانسان في الاعتقاد والعبادة بما لايؤثر على حقوق الآخرين في هذا السياق .
أبعاد الأمن الاجتماعي:
على ضوء المفهوم الشامل للأمن ، فإنه يعني تهيئة الظروف المناسبة التي تكفل الحياة المستقرة . ومن خلال الأبعاد التالية : -
أولاً / البعد السياسي ، والذي يتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة ، وحماية المصالح العليا ، واحترام الرموز الوطنية والثوابت التي أجمع عليها غالبية أفراد المجتمع ، وعدم اللجؤ إلى طلب الرّعاية من جهات أجنبية أو العمل وفق اجندة غير وطنية مهما كانت المبررات والذرائع ، وممارسة التعبير وفق القوانين والانظمة التي تكفل ذلك ، وبالوسائل السلمية التي تأخذ بالحسبان أمن الوطن واستقراره .
ثانياً / البعد الاقتصادي ...: ، والذي يهدف إلى توفير أسباب العيش الكريم وتلبية الاحتياجات الاساسية ، ورفع مستوى الخدمات ، مع العمل على تحسين ظروف المعيشة ، وخلق فرص عمل لمن هو في سن في العمل مع الأخذ بعين الاعتبار تطوير القدرات والمهارات من خلال برامج التعليم والتأهيل والتدريب وفتح المجال لممارسة العمل الحر في إطار التشريعات والقوانين القادرة على مواكبة روح العصر ومتطلبات الحياة الراهنة .
ثالثاً / البعد الاجتماعي...: والذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء ، والعمل على زيادة قدرة مؤسسات التوجيه الوطني لبث الروح المعنوية ، وزيادة الاحساس الوطني بانجازات الوطن واحترام تراثه الذي يمثل هويته وانتماءه الحضاري واستغلال المناسبات الوطنية التي تساهم في تعميق الانتماء ، والعمل على تشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني لتمارس دورها في اكتشاف المواهب ، وتوجيه الطاقات ، وتعزيز فكرة العمل الطوعي لتكون هذه المؤسسات قادرة على النهوض بواجبها كرديف وداعم ومساند للجهد الرسمي في شتى المجالات .
رابعاً / البعد المعنوي أو الاعتقادي...: وذلك من خلال احترام المعتقد الديني بصغته العنصر الأساسي في وحدة الأمة التي تدين بالاسلام وتتوحد مشاعرها باتجاهه ، مع مراعاة حرية الأقليات في اعتقادها ، كما أن هذا البعد يتطلب احترام الفكر والابداع ، والحفاظ على العادات الحميدة والتقاليد الموروثة بالاضافة إلى القيم التي استقرت في الوجدان الجمعي ، ودرج الناس على الإيمان بها .
خامساً / البعد البيئي /...: والذي يهدف إلى حماية البيئة من الاخطار التي تهددها كالتلوث وبخاصة في التجمعات السكنية القريبة من المصانع التي تنبعث منها الغازات التي تسهم في تلوث الهواء ، والاضرار بعناصر البيئة الاخرى من نبات ومياه ، اضافة إلى مكافحة التلوث البحري الذي يضر بالحياة المائية والثروات السمكية التي تشكل مصدراً من مصادر الدخل الوطني . وهذا ما تنص عليه التشريعات المتعلقة بحماية البيئة والاجراءات المتبعه للحد من مصادر التلوث .
ومما يلاحظ أن الابعاد الأمنية المشار إليه تعالج وفق مستويات أربعة هي أمن الفرد وأمن الوطن وأمن الاقليم والأمن الدولي ، حيث يسعى الفرد إلى انتهاج السلوك الذي يؤمنه من الاخطار التي تهدد حياته أو اسرته أو ممتلكاته من خلال ما يملك من الوعي ، وباتباع الاجراءات القانونية لدرء هذه الاخطار ، واللجوء إلى القانون لتوفير الأمن مع الحرص على حياة الآخرين وعدم التعدي والتجاوز ، كما أن مقومات الحماية الفردية توفير مستلزمات السلامة العامة .
أما أمن الدولة: فهو منوط بأجهزتها المتعددة التي تسخر كل امكاناتها لحماية رعاياها ومنجزاتها ، ومرافقها الحيوية من الاخطار الخارجية والداخلية ، تكون مسؤولية الجماعات والأفراد التعاون مع أجهزة الدولة في تنفيذ سياستها .
ويتحقق الأمن الاقليمي من خلال التعاون مع الدول التي ترتبط بوحدة أقليمية لحماية مصالحها ، تحددها الاتفاقيات والمواثيق ويكون التنسيق على مستوى مواجهة الاخطار الخارجية والداخلية ، ولعل مجلس التعاون الخليجي خير مثال على التعاون الاقليمي لحفظ الأمن إضافة إلى التعاون في المجالات الأخرى .
أما الأمن الدولي فهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للامم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي وما يصدر عنهما من قررات وما يتم اقراره من اتفاقيات ومواثيق للحفاظ على الأمن والسّلم والدوليين .
عوامل تهديد الأمن الاجتماعي:
سبق وأن أشرنا إلى أن الأمن الاجتماعي يقع ضمن مفهوم الأمن الوطني ( القومي ) إلاّ إنه يرتبط بالعوامل الداخلية المؤثرة وهو بهذه الحدود يعنى حماية المجتمع من الجرائم الواقعة والمتوقعة . وأن القصد من الأمن الاجتماعي هو تحقيق الاستقرار ، كما أنه احترام حقوق الآخرين وصون الحرمات ؛ كحرمة النفس والمال والأعراض بما يساهم في خلق التوافق وبخاصة إذا انعدم الظلم وساد ميزان العدل حيث ورد في محكم التنزيل ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) ومن هنا يأتي الربط بين الأمن والإيمان ، فمن مقومات الأمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحفظ النظام العام والعمل بأوامر الاسلام ، ويعرف د. محمد عمارة الأمن الاجتماعي بأنه الطمأنينة التي تنفي الخوف والفزع عن الافراد والجماعات في سائر ميادين العمران الدنيوي والمعاد الأخروي . وقد قال بعض الحكماء " الأمن أهنأ عيش والعدل أقوى جيش " وعليه فإن الظلم من أبرز عوامل تهديد الأمن الاجتماعي ونقض دعائمه.
الآفات والامراض التي تهدد الأمن الاجتماعي:
1. الانحراف: وهو الابتعاد عن المسار المحدد وانتهاك القواعد والمعايير ومجانبة الفطرة السليمة واتباع الطريق الخطأ المنهي عنه حكما وشرعاً ويأخذ الانحراف اشكالاً عديدة منها ما يتعلق بجرائم الاعتداء على النفس ومنها جرائم الاعتداء
علٙ الممتلكات ومنها ما يتصل بالجرائم المنافية للاخلاق كما أن بعض أشكال الانحراف تستهدف النظام الاجتماعي كالحرابة والاحتكار .
2. الغلو: ويعني التجاوز المجانب لحد الاعتدال . ولعل اخطر أشكال الغلو هو الغلو الاعتقاد الذي يعتمد المنهج التكفيري لمن سواه ، مما يبيح له ارتكاب الجرائم بحقه ومنابذته ومعاداته . كما أن الغلو في التفكير والزعم باحتكار الحقيقة يولد الضغائن والاحقاد ويوقع القطيعة بين أبناء المجتمع الواحد مما يدفع إلى تقويض الأمن الاجتماعي وزعزعة أركانه .
3. المخدرات :وهو من أخطر الآفات التي تهدد المجتمع وتعبث بكيانه واستقراره لما تتركه من آثار سلبية على صحة الابدان والعقول ، وتبديد للطاقات والثروات ، وما تورثه من خمول واستهتار ، تفسد معه العلائق الاجتماعية ، وتشكل بوابة لارتكاب جرائم أخرى كالسرقة والاغتصاب ، وأحيانا القتل .
4. الفقر : يعتبر الفقر من أبرز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية حيث يؤدي الحرمان والعوز إلى بروز حالات الجنوح التى تدفع أصحابها إلى السرقة والانتقام وتشكل بيئات الفقر مناخاً مناسباً للانحراف الاجتماعي الذي يهدد قيم المجتمع ويبث الخوف والقلق ، وبخاصة لدى الاطفال الذين يحرمون من مقومات الحياة من المأوى والرعاية والتعليم حيث تظهر حالات التشرد والعدوان مما يشكل إخلالاً في توازن البنية الاجتماعية ودافعاً إلى العنف والتدمير .
المكونات الاساسية لمكافحة الآفات التي تهدد الأمن الاجتماعي
يمتلك المجتمع القدرة على تفعيل أدوات الضبط الاجتماعي ومعالجة الاختلالات الناشئة من خلال دراسة الظواهر الاجتماعية السلبية ، والنفاذ إلى اسبابها ، ووضع الحلول الناجحة لها ، حيث تتولى الدولة بما تملك من أجهزة وقدرات في التصدي لكل الأخطار ، وتتبع من الوسائل والاساليب ما يكفل معالجة الاختلالات عن طريق وضع الخطط الاستراتيجية في رسم صورة المستقبل وتحسين الاوضاع المعيشية ، فالخطط التنموية ترصد الجانب المعيشي وتسعى إلى زيادة معدلات الدخل ، والاخذ بيد الفئات الأقل خطاً لتنال نصيبها من الرعاية ، كما تقوم المؤسسات التربوية بإعداد النشء اجتماعياً ونفسياً ومعرفياً ليكونوا مواطنين صالحين ، وفيما يتعلق بالتصدي للجرائم فإن الدولة بما تملك من جهاز قضائي وأمني قادرة على تجفيف منابع الجريمة ، اضافة إلى الاجراءات للتخفيف من آثارها على أن هذا الدور الأساسي للدولة في تحقيق الأمن الاجتماعي والتصدي للآفات التي تهدده لابد وأن يحظى بمساندة مؤسسات المجتمع المدني الدينية منها والخيرية والشبابية والتطوعية ، ومنها يبرز دور المسجد في تهذيب الاخلاق والحث على المكارم ، والتحذير من الفتن فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصوم جُنة ، والذكر غذاء الروح ، ومبعث الطمأنينة ، وهنا يأتي دور الوعاظ في التوجيه والارشاد وتعريف الناس بالاحكام والحلال والحرام .
كما تشكل النوادي والجمعيات الخيرية داعماً رئيساً في مكافحة الآفات الاجتماعية عن طريق توجيه طاقات الشباب إلى العمل النافع والابتعاد عن رفاق السوء من خلال الأنخراط في النشاطات الهادفة والاعمال التطوعية التي تعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع والفائدة .
ولابد في هذا المقام من ابراز دور أجهزة الاعلام المطبوع منها ، والمسموع والمرئي والتي تساهم بشكل فاعل في خلق الرأي العام ، والتوجيه بما لديها من حضور ، وقدرة على الانتشار ومما تملك من سلطة معرفية ومعنوية .
وتبقى الاسرة الحاضن الأول وحجر الأساس في البناء التربوي ، فالتربية الصالحة المسؤولة تقدم للجميع أفراداً أسوياء قادرين على المشاركة في بنائه بكفاءة ، واقتدار ، وإما إذا ما أخلّت الاسرة بواجبها ، وعانت من التفكك ، فإن المجتمع بكاملة سيدفع الثمن .
وتكمّل المدرسة والجامعة ما بدأت به الأسرة من الاعداد والصقل وغرس القيم والفضائل ، وتزويد الاجيال بالمعرفة والخبرة ليكونوا أعضاء صالحين في مجتمع صالح تسوده العدالة والمساواة تحت مظلة الأمن والأمان .