لم يول الباحثون فى شئون الحركات الإسلامية، ولا المراكز البحثية المتخصصة، أهمية بالقدر الكافى، لواقع ومستقبل تنظيم (داعش) فى أفريقيا، لقد اهتموا به فى العراق وسوريا، ولكن أهملوا – أو قللوا – من شأنه داخل القارة السوداء، لأسباب عدة، ربما لأن إرهاب هذا التنظيم لم يصل بعد داخل أفريقيا إلى نفس الدرجة الدامية من العنف التى مارسها خلال السنوات الماضية فى العراق وسوريا، وربما لأن الراعى الأكبر لهكذا تنظيمات (ونقصد به هنا واشنطن وتل أبيب) لم يرغب فى استخدامه بشكل موسع ومخيف فى أفريقيا الآن، مستبقياً إياه لمراحل ووظائف مستقبلية قادمة، وربما لأسباب أخرى لا نعلمها.
* على أية حال نحن أمام واقع جديد ومهم؛ تمدد لداعش فى أفريقيا وأمام وظائف جديدة لهذا التنظيم الأكثر شهرة وإرهاباً بين تنظيمات التطرف الإسلامى، وفيما يلى رسماً لخريطة انتشاره فى أفريقيا وكذلك أهداف مستخدميه لأهداف استراتيجية لهم داخل القارة نقصد (تحديداً واشنطن وتل أبيب).
***
أولاً : تحدثنا خريطة تواجد، وانتشار تنظيم داعش فى أفريقيا أنها تتوزع على عشرة أماكن قلقة ودامية وهى :
1
– داعش فى سيناء : والتى كانت تسمى تنظيم أنصار بيت المقدس ثم أضحى يسمى (ولاية سيناء) وتعداده الحالى لا يتجاوز خمسة آلاف عنصر هذا وتجمع الحقائق المتوفرة حول تنظيم (داعش ولاية سيناء) أن اسمه الأصلى الذى عرف به هو (أنصار بيت المقدس) ، (قد عُرف بهذا الاسم منذ عام 2011 من عناصر فلسطينية سلفية وبدوية من أهل سيناء)، وبعد أن بايع هذا التنظيم أبوبكر البغدادى سُمى بـ(داعش ولاية سيناء) وكان ذلك فى (10/11/2014).
إن تاريخ الإرهاب والغلو الدينى فى سيناء، ينبئنا بأن النشأة الأم لهذا التنظيم بدأت عام 2004 وكان الاسم المعروف به هو (التوحيد والجهاد) والذى إليه تنسب أحداث إرهاب (طابا – ذهب – شرم الشيخ) فى أعوام 2004 – 2005، والذى كان يقوده الفلسطينى السلفى (هشام السعيدنى) الشهير بـ(أبى الوليد المقدسي)، وهو الرجل الذى تتلمذ على أيدى أبواسحاق الحوينى وفتاويه التكفيرية القائمة على إلغاء الآخر والشطط الدينى، وبعد أن قتل السعيدنى فى 2011، ينبئنا تاريخ التنظيم أنه قد توالى على قيادته كل من (محمد حسين محارب الشهير بأبومنير) وبعد مصرعه عام 2013 تولى كل من محمد فريج زيادة (الذى قتل أيضاً) ثم شادى المنيعى وهشام العشماوى قيادة التنظيم، والأخير انشق حديثاً مكوناً تنظيمياً إرهابياً جديداً أسماه بـ(المرابطين)، وتولى أمور الفتوى وإباحة القتل لهذه التنظيمات دعاة من أبرزهم (حمادين أبوفيصل – محمد عزام – أسعد البيك – سلمى سليم) وغيرهم !! . تلك أبرز الأسماء للقادة والمفتيين كما ينبئنا تاريخ (داعش ولاية سيناء) .
ولقد ارتكب تنظيم (داعش ولاية سيناء) أكثر من 50 حادثاً إرهابياً فى سيناء وبعض المحافظات المصرية وفى المنطقة الغربية (حادث الفرافرة مثالاً)، بعض تلك الأعمال الإرهابية كان محدود الأثر والصيت؛ والبعض الآخر صاحبه ضجيج دعائى وسياسى واسع مثل (مذبحتى رفح الأولى والثانية – محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم - مذبحة كرم القواديس – الكتيبة 101 – والعريش – ومديريتى أمن القاهرة والمنصورة – اغتيال النائب العام هشام بركات – واقعة الشيخ زويد فى 1/7/2015)، التى كانت تستهدف الاستيلاء على الأرض لإقامة الولاية المستقلة وهو ممول من بعض الدول الخليجية (تحديداً قطر) وتركيا ومخترقاً إسرائيلياً على مستوى التسلح والمعلومات .
***
2
– داعش فى ليبيا : ويتواجد التنظيم الذى يضم حوالى عشرة آلاف مقاتل فى منطقتى (سرت) و(درنة) وأسس مع جماعات (أنصار الشريعة) ومجلس شورى شباب الإسلام وبعض عناصر جماعة فجر ليبيا (الفرع الليبى للإخوان المسلمين) وبقايا "الجماعة الإسلامية المقاتلة"، شكلوا معاً تهديداً أمنياً خطيراً على حدود مصر الغربية ويتردد أنهم كانوا خلف إنشاء ما يسمى (بجيش مصر الحر) أسوة بالجيش العميل فى سوريا الذى يقاتل الدولة وبتمويل قطرى وتركى وتدريب أمريكى، ومن أشهر عمليات " داعش ليبيا " قيامه بذبح العمال الأقباط المصريين (15/2/2015) والمواطنين الأثيوبيين وتم تسجيل المذبحة فى أفلام فيديو ذائعة الانتشار، أساءت للإسلام الذى يتحدث هؤلاء باسمه .
***
3
– داعش فى تونس : وتنضوى تحت لواء تنظيم يسمى (عقبة بن نافع) وهو منشق عن تنظيم القاعدة فى تونس ويضم عدة مئات من المتطرفين الإسلاميين الذين قاتل بعضهم فى سوريا فى بدايات الأزمة السورية (مارس 2011) ثم عادوا إلى تونس ليرتكبوا مذابح مروعة منها حادث جبل الشعابينى متحف باردوا وحادث فندق (أمبيريال مرحبا) بسوسة وغيرها من الأعمال الإرهابية التى لاتزال مستمرة فى مواجهة الحكم التونسى الجديد الذى جاء إثر انتفاضة ديمقراطية واسعة ضد حكم الإخوان (كما هو الحال فى مصر بعد 30/6/2013) والذى كان يمثل – أى حكم الإخوان – فى كلا البلدين حاضنة دافئة لترعرع وازدهار هذه الجماعة المسلحة؛ داعش .
***
4
– داعش فى الجزائر : وتنضوى تحت تنظيم (جند الخلافة) وهو بقيادة خالد أبوسلمان متعاوناً مع قيادات تنظيم القاعدة والتى من أشهرها عبد المالك دوركدال ومختار بلمختار وقورى عبدالملك وغيرهم وهذا التنظيم مكروه شعبياً وثمة معاداة وطنية واسعة ضده خاصة بعد تجربة التسعينات الدامية التى راح ضحية لها أكثر من مائة ألف جزائرى .
***
5
– داعش فى المغرب العربى : والتنظيم هنا جاء انشقاقاً عن التنظيم الأكبر (القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى) ووفقاً لبيانات وزارة الداخلية المغربية فإن 1354 مغربى قد ذهبوا للقتال فى سوريا تحت مسميات ودعوات مضللة باسم (الجهاد فى سوريا) وهو جهاد مزيف تقوده هناك المخابرات الأمريكية والقطرية والتركية بالتحالف مع الموساد وهذا ليس تحليلاً بل معلومات باتت معروفة الآن للجميع، وبعد عودة جزء منهم إلى المغرب قاموا بأعمال عنف خاصة خلال عامى 2014و2015 وقتل منهم حوالى 300 عنصر، وداعش فى المغرب مثله مثل باقى فروع التنظيم فى المنطقة – لا يجد قبولاً أو ترحيباً شعبياً .
***
6
– داعش فى نيجيريا : ويمثله بوضوح وقوة تنظيم (بوكو حرام) بقيادة أبوبكر شيجو، وهو تنظيم إرهابى بات يسيطر على حوالى 20% من مساحة نيجيريا التى تعد أكبر دولة أفريقية من حيث التعداد البشرى (177 مليون نسمة وأكبر دولة فى إنتاج النفط، ولقد بايع التنظيم خلال عام 2014 تنظيم الدولة الإسلامية فى بلاد الشام والعراق – داعش) وانضوى تحت لواء الخلافة الخاصة به، ويهدد هذا التنظيم دول الجوار وهو يضم عدة آلاف من النيجيريين الذين دخلوا فيه لأسباب تتعلق بالفقر والتهميش والمعاداة الطائفية للجنوب المسيحى (ولذلك حاول التنظيم تسمية نفسه (أهل السنة والدعوة والجهاد) .
***
7 – داعش فى مالى : وهو ينضوى تحت لواء يسمى (الملثمون) ويعمل فى شمال مالى، وكان يقوده مختار بلمختار والذى يتردد أنه قتل بعد قيامه بعدة عمليات إرهابية وهدم للآثار الإسلامية وقامت فرنسا بحملة عسكرية موسعة ضد هذا التنظيم بمباركة دول أفريقيا عام 2014 وحجمته كثيراً .
***
8
– داعش فى الصومال : وهو ينضوى تحت اسم (الشباب المجاهدين) فى الصومال وهى جماعة قديمة وسابقة على نشأة داعش فى بلاد الشام والعراق، ولكنها أعلنت عام 2014 مبايعتها لتنظيم داعش بقيادة البغدادى؛ ولقد هددت هذه الجماعة (كينيا) بعدة عمليات إرهابية وهى تحاول الوصول إلى أثيوبيا والاستيلاء على بعض المواقع والدخول فى مناوشات مسلحة مع الدولة الأثيوبية التى تمثل عقبة دينية ( حيث الأغلبية الشعبية فى أثيوبيا تدين بالمسيحية ) وهى عقبة مهمة فى سبيل تمدد جماعة الشباب المجاهدين والتى تضم فى عضويتها مئات الصومالـيين وتجتذبهم عبر وسائل الإغراء الدينى والمالى نتيجة الأوضاع الاقتصادية الـبائسة .
***
9
– داعش فى السودان : ويتردد أنها تتمركز فى إقليم دارفور ممثلة فى جماعات متطرفة صغيرة وأنها على تواصل مع بوكو حرام ومع الجماعات المسلحة فى ليبيا وهى تحارب انطلاقاً من مصالح نفطية وعقائدية متطرفة .
***
10
– جماعات داعشية صغيرة ومنتشرة : وهى موجودة فى بعض الدول الأفريقية منها دولة جنوب أفريقيا وفى موريتانيا وبوركينا فاسو، وإن كانت بلا تأثير فعال مثل الجماعات السابقة .
***
هذه الخريطة لجماعات داعش وفروعها، تقول الحقائق بشأنها الآتى :
أولاً : أن أغلب هذه الجماعات ذات صلات وثيقة بأجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية [والخليجية على تنوعها وتحت مسميات زائفة عدة منها نشر الدعوة الإسلامية (والوهابية تحديداً هناك وهذا على سبيل المثال)!!] وهى جماعات تتواجد فى مناطق غنية بالثروات الطبيعية، وثمة أطماع ومصالح غربية واضحة فى تلك البلاد (سيناء – ليبيا – نيجيريا – الجزائر نموذجاً) ومن هنا لا نستبعد الأدوار الخارجية فى توظيف تلك الجماعات فى الاتجاهات والأدوار التى يريدها تحقيقاً لمصالحه وإن ادعى غير ذلك من قبيل محاربته لداعش فى العراق وسوريا، وهى ليست حرباً بل ضربات محدودة الأثر وهى أشبه بتغذية تنظيم داعش بالفيتامينات لأنه إثر كل ضربة جوية أمريكية يتمدد وينتشر أكثر.
ثانياً : إن مقاومة هذه الجماعات الداعشية (بما فيها تلك الموجودة فى مصر) تحتاج إلى استراتيجية شاملة للمواجهة تضمن (القوة العسكرية – الإعلام – التنمية الاقتصادية – الدعوة الإسلامية المستنيرة – التعليم الدينى الواعى – تجديد الخطاب الدينى .. إلخ) وبدون هذه الاستراتيجية لن تنتصر الدول الأفريقية التى ابتليت بهذه الجماعات المتطرفة، خاصة أنها فى أغلبها دول ضعيفة فى بنيانها الوطنى الداخلى وضعيفة فى حماية حدودها وتلك جماعات عابرة للحدود والأوطان، والمواجهة لها ينبغى أن تفهم ذلك وتدرك دلالاته .
ثالثاً : أخيراً إن الأمن القومى المصرى يتأثر سلباً بنشاط هذه الجماعات سواء داخل القارة الأفريقية ككل أو داخل بعض دولها خاصة المجاورة لمصر ونقصد هنا تحديداً (ليبيا) التى تمتد حدود مصر معها إلى حوالى 1200كم والتى باتت تمثل بحالتها الفوضوية الراهنة خطراً جسيماً على الأمن القومى المصرى، إن الضرب الانتقائى والمخابراتى المبكر لهذه التجمعات الإرهابية على حدود مصر الغربية دون التورط فى المواجهة البرية، بات يمثل ضرورة أمنية كبرى لمصر، مع دعم الجيش الليبى وحاضنته الشعبية بكل وسائل الدعم العسكرى والاقتصادى المتاح.
والحال ذاته فى منطقة (دارفور) بالسودان الممزق، وأيضاً نفس الأمر يقال عن العمق الإفريقى للأمن القومى المصرى، وهو عمق يمتد إلى 9 دول أفريقية تعيش على ضفاف النيل وداخل القرن الأفريقى .
* خلاصة القول : إن مصر تحتاج فى ضوء هذه الخريطة لتنظيم داعش وأخواته من الجيل الرابع لتنظيمات الإرهاب الدينى المعاصرة ؛ إلى استراتيجية أمنية وسياسية واقتصادية شاملة، فهل نقدر على ذلك ؟ هذا هو التحدى .