عند تنام عيون القضبان تبقى عيون الاسير تُراقب انعكاسات الصمود في نجوم السماء، علها تُترجم ثمن تلك الحرية التي قدمها، لتهنئ تربة الوطن.
حقائق كثيرة اختزلت ظروف الاعتقال ومعاناة الاسير في غياهب السجن والتي مازالت مستمرة، عميد الاسرى السوريين صدقي المقت أُعتقل في 8/10/2018، وحُكم عليه لمدة 11عاما ، والتهم جاهزة.
هي سياسة العدو الاسرائيلي الغاصب، ليتم مجدداً اسكات صوت الحق.
تفاصيل كثيرة يكشفها عميد الأسرى السوريين في سياق الحوار، ويُخاطبكم بالمقاومة المسلحة وحدها ننتصر، ومن موقع القوي وليس المتوسل يكون التصدي للعدوان الاسرائيلي.
تحدث المقت عن ظروف اعتقاله، وممارسات سجّانيه بحقه و بحق كافة الأسرى، كما تحدث المقت عن الانتصار السوري و تداعياته على مُجمل القضايا العربية.
اليكم الحوار...
أولا - رغم معرفة القاصي والداني بسياسة الكيان المحتل الغاصب إلا انه لا يتم تجريمه عبر منظمات حقوق الانسان ومجلس الامن ومنظمة الامم المتحدة، برأيكم ما السبيل لوقف هذا الكيان المجرم عن سياساته تُجاه الأسرى، وعموم الشعب الفلسطيني؟.
الأسير المقت: بداية اسمحي لي أن اتوجه من داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي بأصدق التحيات إلى شعبنا العربي السوري والى جيشنا البطل الذي يخوض انبل معركة واشرف قتال ضد عصابات الخيانة والاجرام، وأن أتوجه بأصدق التحيات الى سيادة الرئيس القائد بشار الاسد، وان اتوجه بأجمل مشاعر الوفاء الى رجال الوفاء في المقاومة اللبنانية البطلة، والى قيادة المقاومة وعلى رأسها سماحة السيد حسن نصرالله، اختي العزيزة ربى يوسف شاهين على اهتمامها، أما بخصوص سؤالك فإن هذا الكيان الغاصب لفلسطين والجولان واجزاء من لبنان، قائم على العدوان والتوسع و يحظى بالدعم الكامل من الغرب الاستعماري الذي انشأه بشكل عام ومن امريكا على وجه الخصوص، وهذه المنظمات التي ذكرتي في السؤال جزء منها غير فعال وليس لها أي صيغة الالزام، و الجزء الذي له صيغة الالزام كـ مجلس الامن فهو محكوم بالفيتو الامريكي ومحكوم بالهيمنة الغربية، وبالتالي فان هذه المنظمات الدولية غائبة كلياً عن أي تأثير ايجابي في وقف العدوان الاسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني والسوري تحت الاحتلال، ووقف ممارسات الاحتلال ضدنا نحن الاسرى، واسرائيل لا تقيم أي وزن لهذه المنظمات وتسخر منها عبر وسائلها الإعلامية، وهذه المنظمات لم تساهم حتى الان في تحقيق أي انجاز لصالح قضيتنا ولم تتمكن من تطبيق أي قرار من قرارتها، هي ولم تساهم في اطلاق سراح ولو اسيراً واحداً، ولم تتوقف عملية الهدم ولو بيتاً واحداً، ولم تحمي شبراً واحداً من الارض وتوقف مصادرتها، ولم تزيل حاجزاً واحداً من حواجز جيش الاحتلال الذي يقطع اوصال الارض الفلسطينية.
أتذكر انني في عام 2004 وفي اليوم السابع عشر للإضراب الذي جرى في تلك السنة كنت حينها في سجن بئر السبع في جنوب فلسطين المحتلة و تعرضت للضرب الشديد جداً من قبل سجانيّ مديرية السجون، وبعد كثر من نصف شهر من هذه الواقعة زارني مندوب الصليب الاحمر الدولي، وهي منظمة دولية، وشرحت له ما حصل معي بالتفصيل، وقلت له اني أتعرض للتعذيب الجسدي وحياتي في خطر واطالب بحماية دولية، رفض أن يقدم لي أي شيء بحجة ان ذلك خارج صلاحياته، واوضح لي ان دوره يقتصر على الاستماع للشكوى وكتابة تقرير ورفعه الى الجهات العليا، وطالبته ان يُجري مؤتمر صحفي او يشرح ما جرى لي بعد ان شاهد اثار التعذيب على جسدي، ورفض ذلك وقال لي بانه يعمل بعيداً عن الاعلام.
علينا ان لا نعول على هذه المنظمات الدولية في معالجة قضايانا، لا ادعُ لمقاطعة هذه المنظمات، ولكن ادعو الى عدم الاعتماد عليها في تقديم شكاوانا وانتظار الحل ان يأتي من هناك، لن يأتي الحل من هناك.
علينا الاعتماد على انفسنا في بناء القوة الرادعة لهذا الكيان، فهو يخاف القوي ويدوس على الضعيف، القوة الفعالة ذات المصداقية العالية تُخيفه وتردعه عن التمادي في استباحة ارضنا وحقوقنا، والقوة اذا كانت فعالة أكثر تُجبره على تطبيق القرارات الدولية، وخير مثال على ذلك القرار رقم 426 الخاص بجنوب لبنان، اذ بقي طي النسيان في ادراج الامم المتحدة منذ العام 1978، الى ان أُجبر هذا الكيان على الانسحاب ذليلا من جنوب لبنان عام 2000 بفضل قوة المقاومة، وكذلك الامر حين انسحب هذا الكيان من قطاع غزة، وكذلك عملية تبادل الاسرى التي أجبرت هذا الكيان على اطلاق سراح المئات منهم، لأنها تمت من موقع القوي وليس من موقع المتوسل، هذا هو السبيل الوحيد لوقف عدون هذا الكيان، وهذا هو السبيل الوحيد لتحرير الارض السورية والفلسطينية، وغير ذلك هو مضيعة للوقت، والدليل على ذلك الان الشكاوى والقرارات الدولية الموجودة في ادراج تلك المنظمات الدولية، والتي لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
ثانياً - سورية عانت الكثير خلال حربها منذ ثمان سنوات ومازالت ولكنها لا تزال تؤمن بقضيتها وقضايا الامة العربية وخصوصا في فلسطين المحتلة، برايكم ماذا تغير في الساحة الإقليمية لجهة الصراع العربي الإسرائيلي لتكون سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي تُحارب لتمسكها بالقضية الفلسطينية؟.
الأسير المقت: إن ما يجري على الأرض السورية من حرب وعدوان هو امتداد للصرع العربي الاسرائيلي، واي قراءة غير ذلك هي قراءة منقوصة وخاطئة ومشبوهة، والجديد في هذه الجولة من الصراع ثلاث نقاط أساسية:
**النقطة الأولى ان العدو الإسرائيلي ومعه الغرب الاستعماري تمكن من نقل الصراع إلى الداخل السوري عبر تركيا وبعض الانظمة العربية المأجورة وعبر أدوات سورية محلية بحيث قامت هذه الادوات المأجورة بتوجيه من إسرائيل وامريكا بممارسة كل انواع القتل والتدمير والتخريب واستنزاف الدولة السورية ونهب مواردها الطبيعية خدمة للمشروع الغربي الصهيوني الاستعماري.
**النقطة الثانية تصدر تنظيم الاخوان المسلمين المشهد في قيادة وتوجيه العدوان المعادي، فمنذ عقود توصل هذا التنظيم المجرم الى تفاهمات استراتيجية مع أمريكا والغرب عموما وهو الذي يقف خلف الجزء الاكبر من المشهد الدموي المعادي خدمة لمصالحه في تصفية حساباته التاريخية مع المشروع القومي العربي التحرري وخدمة لمصالح امريكا واسرائيل عموما، العصابات الاجرامية الأخرى ليست سوى مجرد مسميات جديدة وادوات محلية لذات المشروع الاساسي للتنظيم الاجرامي المسمى بالإخوان المسلمين.
**النقطة الثالثة منذ عقود والنظام الرسمي العربي عبارة عن جثة ميتة لكنها كانت محفوظة بالثلاجة في الخفاء، الجديد في الامر ان هذه الجيفة المسماة بالجامعة العربية والمعبرة عن النظام العربي الرسمي قد أُخرجت من الثلاجة التي كانت تحتفظ بها الى العراء، وبدأت تتفسخ مطلقة كل الروائح الكريهة، ما كان يجري بالخفاء من مؤامرات وخضوع النظام الرسمي العربي التام للإرادة الامريكية الاسرائيلية خرج الى العلن، وأصبح الشغل على المكشوف وعلى عينك يا تاجر، كانت امريكا ومعها اسرائيل في السابق تعطي هامش لحفظ ماء الوجه لعملائها على الساحة العربية وتسمح لهم بلعب لعبة مزدوجة، عملاء وخونة ومأجورين في الخفاء وابطال في العلن وامام شعوبهم.
الجديد في الامر أن امريكا الغت هذا الهامش بحيث اصبحت لا تقبل الا اللعب على المكشوف، تُهين عملاءها على المكشوف وتذكرهم صباح مساء انهم ادواتها، وانهم من صنيعتها وعليهم الانصياع لها، وإسرائيل ما عادت تقبل بالعلاقات السرية والتطبيع السري معها من قبل غالبية الدول العربية، فهي الأن تفرض على هذه الأدوات المأجورة التطبيع العلني مقابل توفير الامن لهذه العروش المتهالكة، لم يشهد التاريخ البشري حالة خضوع وجبن وانعدام الحد الادنى من الكرامة حتى الكرامة الشخصية مثل حالة النظام العربي الرسمي في هذا العقد المنصرم، فمن الطبيعي في مثل هكذا انحطاط ان تُستهدف سوريا وتُكره من هكذا نظام مأجور، وتتعرض لمثل هذا العدوان البربري غير المسبوق بالتاريخ البشري، وشيء طبيعي ان تُستهدف القضية الفلسطينية كما تُستهدف الان، والقادم من الايام سوف يحمل المزيد من الانحطاط والخنوع و الخيانة.
ثالثاً - من سياسات الكيان الصهيوني القديمة الجديدة مخطط التوسع في الجولان السوري المحتل وما تعتمده اسرائيل هو إقامة المراوح الهوائية الكبيرة على أراضي الجولان السوري المحتل، برأيكم لماذا هذا الاستخفاف بمجلس الامن والمنظمات الدولية لجهة تنفيذ سياسيات توسعية على أرض سورية محتلة؟ وما الغايات الإسرائيلية لجهة إقامة مراوح هوائية، خاصة بعد التحذيرات التي أطلقتها العديد من المنظمات والتي أوضحت خطورة هذه المرواح؟.
الأسير المقت: بما يتعلق بالشق الأول من السؤال والمرتبط بالاستخفاف الاسرائيلي بالمنظمات الدولية، فقد اجبت عليه في السؤال الاول، أما الغايات من اقامة هذه المراوح العملاقة على ارض السكان السوريين في الجولان المحتل، فهي تندرج ضمن سياسة التوسع والاستيطان، والهدف هو الاستيلاء على الارض، الاحتلال الاسرائيلي اقام في الجولان المحتل منذ العام 67 ما يزيد عن 43 مستوطنة يتواجد بها حوالي 25 الف مستوطن، ولكنها أُقيمت على القرى والبلدات السورية المُهجرة في الجولان المحتل، الذي اخرج منه سكانه عام 67 باستثناء خمس قرى بقيت صامدة على ارضها تحت الاحتلال، لان الاحتلال الاسرائيلي يُخطط لإقامة الجزء الاكبر من هذه المراوح على اراضي السكان السوريين تحت الاحتلال في مكانيين، الاول شرق قرية مسعدة المحتلة والثاني الى القرب منها، وقد حاول تمرير هذا المشروع الاستيطاني من خلال تقديم المغريات المادية لملاكي هذه الاراضي، الا ان سكان الجولان السوري المحتل المنغرسين بالأرض كالصخور والجبال رفضوا وقاوموا هذا المشروع، وما زالوا يتصدون له عبر فضح هذه السياسات وتقوية اللحمة الداخلية، واتخاذ قرار الحرمان الديني والمقاطعة الاجتماعية لكل من تسول له نفسه القبول بـ هكذا مشروع استيطاني، وقد يصل الامر في المستقبل الى حد المواجهة الشعبية الميدانية فيما لو أقدمت سلطات الاحتلال على البدء بتنفيذ مشروعها، وهذه فرصة كي اتوجه بأصدق التحيات الى الاهل في الجولان السوري المحتل الذين بقوا صامدين على ارضهم وبيوتهم وقراهم ويتصدون لكل مشاريع الاحتلال الإسرائيلي فلهم كل التحية و الوفاء.
رابعاً - القضية الفلسطينية لا تنفصل عن قضية الجولان المحتل وخصوصا ان الاحتلال الصهيوني استطاع احتلال الجولان السوري والضفة الغربية والقدس، وغزة التي مازالت محاصرة في حرب 1967 ولكن تبعاتها مازالت كبيرة وخطيرة، برأيكم ما الحل ونحن نشاهد هذا الخذلان العربي الذي يتجسد عبر التطبيع وفتح باب العلاقات مع الكيان الصهيوني؟، ولماذا هذا التراجع العربي واقصد هنا الحكومات وليس الشعب وما هو الحل برايكم؟.
الأسير المقت: الامة العربية الان في حالة انهيار شامل، وهذا الانهيار غير مقتصر فقط على النظام الرسمي العربي، وانما يطال كل مناحي الحياة السياسية والثقافية والدينية والاجتماعية وكل شيء، فكل ادوات التفكير والتعقل انهارت واصبحت غير مجدية وغير فعالة، والعقل العربي الفردي والجمعي مُغيب ومحاصر بالتخلف والجهل والخرافات البالية، والامة غارقة في الجهل والتخلف والفقر والامية والتشرد والضياع والتفكك الطائفي والعشائري والعائلي، فمعظم الساحات العربية مُشتعلة في حروب داخلية، والانسان العربي غارق في البحث عن امنه الشخصي ولقمة عيشه وبيت يعيد بنائه او خيمة تأويه، جيل من الشباب تائه ضائع بلا هدف او اية فرضية في العمل او السكن وتحقيق طموحه الشخصي، جيل يتصارع عليه الفقر والامية والتشرد والتطرف الديني.
ان مرحلة السنوات الثمان الماضية خلقت ارباك وتشتت وبعثرة في صفوف القوى والاحزاب والتيارات العربية الرافضة للمشروع الصهيوني والمُلتفة حول القضية الفلسطينية، فبعضها انطلت عليه اللعبة واقتنع بأننا امام تحول ديمقراطي حقيقي، والبعض الاخر ذهب به الامر الى حد التحالف مع الاخوان المسلمين موهماً نفسه بأن هذا التنظيم المجرم شريك ديمقراطي في بناء النظام السياسي المقاوم بهذا البلد او ذاك، وأخرين ذهبوا ابعد من ذلك.
الكارثة الكبرى تمثلت في سقوط الجزء الاكبر من النخب الثقافية والدينية و الاعلامية، بعضهم ارتبك والاخر تم شرائه بالمال الخليجي، واخرين لجأوا الى فنادق العواصم الاوروبية ومن هنالك تحولوا الى ادوات في خدمة المشروع العربي الاستعماري، والقلة صمدوا وواجهوا بالكلمة والقلم و الثبات على المبدأ.
ووسط هذه الحالة المزرية وهذا الارباك الشعبي والسياسي، تمكنت اسرائيل والنظام العربي الرسمي اخراج تحالفهم من السر الى العلن، وتمرير الاجندات المعادية، وحرّف الصراع وتوجيهه ضد سوريا وضد ايران وضد محور المقاومة في ساحة شبه خالية من أي رفض او اعتراض، وهذا ما يُفسر ما يجري الان من تطبيع وتحالفات عربية اسرائيلية امريكية ضد محور المقاومة، بهدف تصفية القضية الفلسطينية، وعليه علينا التحرك على مستويين:
الاول حضاري بعيد المدى من خلال اطلاق مشروع نهضوي حداثي جديد يوازي بل يفّوق المشروع النهضوي الذي جرى في القرن التاسع عشر، مشروع نهضوي يحدث عليه قطع تاريخي مع المضي المتخلف والبالي ويستند الى العلم والحداثة والعقل البشري والتجارب الانسانية للشعوب الأخرى.
الثاني تحرك سياسي نضالي وذلك من خلال إعادة تجميع كل القوى والاحزاب والحركات و المؤسسات الحية وكل القوى الإيجابية داخل هذه الامة بحيث تلتقي على نقاط اساسية عريضة وهي:
- مقاومة المشاريع الاستعمارية المعادية لنا.
- الرفض والتصدي للمشروع الصهيوني ومقاومته بكل الاشكال السياسية والثقافة والفكرية والعسكرية ومقاومة كل اشكال التطبيع مع هذا الكيان.
- التصدي لكل الانظمة المأجورة والعميلة وفي مقدمتها الانظمة الخليجية والنظام السعودي على وجه التحديد.
- التصدي للفكر التكفيري الظلامي بكل اشكاله وفي كل الساحات العربية وبكل الوسائل الدينية والفكرية والسياسية والامنية ويقف تنظيم الاخوان المسلمين المجرم والفكر الوهابي في مقدمة هذا لفكر الظلامي
- المقاومة المسلحة للاحتلال الاسرائيلي باعتبارها افضل طريق للتحرير وطرد الاحتلال من الجولان وفلسطين ولبنان
ان الانتصار الكبير الذي يتحقق الان في سوريا باعتباره انتصاراً لسورية و لمحور المقومة ولكل القوى التي تؤمن بالمبادئ التي تم ذكرها، من شأنه ان يُشكل رافعة قوية لهذه القوى في ان تُعيد تصويب البوصلة بالاتجاه الصحيح، وازالة هذا الضباب الذي خيّم في سماء الامة وحجب عنها الرؤية، وأن تأخذ هذه القوى زمام المبادرة في الفعل والتأثير والانتقال بالأمة من حالة الارباك والتفكك الى حالة الهجوم وتحطيم المؤامرات التي تُحاك وصولاً الى تحقيق الانتصارات، وهذا الامر ليس بالمستحيل.
خامساً - وعن ممارسات الكيان الغاصب تحدث رئيس لجنة دعم الأسرى المحررين والمعتقلين في سجون الاحتلال الاسرائيلي الأسير المحرر علي اليونس في تصريح سابق أن أساليب التعذيب والتنكيل التي تمارسها ما تسمى إدارة السجون الصهيونية بحق الأسرى والمعتقلين السوريين والعرب، بهدف كسر معنوياتهم وإرادتهم مطالبا المنظمات الدولية والقانونية بممارسة دورها والضغط على سلطات الاحتلال لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين السوريين والعرب، وفي مقدمتهم عميد الأسرى المناضل صدقي سليمان المقت، برأيكم ما مدى اهتمام هذه المنظمات بالشكوى المقدمة من اشخاص عايشوا وتعرضوا لانتهاكات الاحتلال الغاشم؟، وكيف يتم التعامل معكم في قبب السجن عندما تقومون بإضراب لاستنكار قرارات بحق وطنكم او اعتداءات عليكم؟.
الأسير المقت: بخصوص الشق الأول من السؤال والمتعلق بمدى اهتمام المنظمات الدولية بالشكاوي المقدمة اليها، فقد وضحت في سياق اجابتي عن السؤال الأول بأن هذه المنظمات غير فاعلة واسرائيل لا تُقيم أي وزن لها، ونحن الاسرى داخل سجون الاحتلال لا نُحس بوجود هذه المنظمات، وحده الصليب الاحمر الدولي يُرسل مندوبين الى داخل سجون الاحتلال مرة بالسنة، بحيث يقومون بزيارة شكلية وبروتوكولية خالية من أي مضمون فعلي، يستمع المندوب لبعض شكاوي الاسرى ويغادر السجن في اقل من ساعة، وبعد سنة يُرسل الصليب الاحمر الدولي مندوب اخر لا يعلم أي شيء عن جولة من سبقه، ويستمع مرة اخرى لذات الشكاوي ويسجل ويغادر السجن وهكذا في كل مرة، ومع مرور السنين تحولت زيارات الصليب الاحمر إلى ما يشبه النكتة والمزاح بين الاسرى، فهي فرصة لبعض الاسرى المدخنين لتدخين سيجارة من دخان مندوبي الصليب أو الحصول على القلم الذي يكتب به بعد الانتهاء من جولته، لان دخانه وقلمه من النوع غير المتوفر عندنا اضافة لذلك يوزع لكل اسير رزنامة جيب صغيرة كي يعد الايام والشهور والسنين داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي، ومن الضروري هنا التأكيد على ان هذه المنظمات الدولية لم تتمكن من اطلاق سرح اسيراً واحداً من سجون الاحتلال الاسرائيلي، ولم تُخرج اسيراً واحداً من العزل الانفرادي، بل اكثر من ذلك علينا ان ندرك ان هذه المنظمات لا تتبنى مطلب اطلاق سراح الاسرى السوريين والفلسطينيين والعرب من سجون الاحتلال الاسرائيلي، وهنا من المفيد عرض بعض الارقام امام القارئ العربي.
يتواجد داخل سجون الاحتلال الاسرائيلي حوالي 4700 اسير، منهم حوالي 500 اسير معتقل اداري "معتقل من دون لائحة اتهام"، وحوالي 250 اسير طفل تحت سن 18، وحوالي 47 اسيرة، وحوالي 525 اسير محكوم مؤبد أو أكثر، وعدد شهداء الحركة الأسيرة 224 شهيد، وحوالي 700 اسير مريض منهم 30 اسير مصاب بمرض السرطان وحوالي 56 اسير ممن امضوا فوق 20 سنة داخل الاسر، وحوالي 14 اسير ممن امضوا فوق 30 سنة داخل الاسر.
لا شيء يُخرج هؤلاء الاسرى من سجون الاحتلال الاسرائيلي سوى عمليات تبادل الاسرى، اكرر عمليات تبادل اسرى، اما مناشدة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لإطلاق سراح الاسرى فما هي الا مضيعة للوقت واسقاط واجب لا اكثر، لا ادعوا الى مقاطعة المنظمات الدولية، وانما أدعوا الى عدم الاعتماد عليه.
أما فيما يتعلق بتعامل إدارة سجون الاحتلال معنا داخل الاسر، فبودي التأكيد اولاً على أن كل ما نتمتع به من انجازات وظروف حياة وهي بالحد الادنى، فإننا تمكنا من انتزاعها خلال عقود من الزمن، وعبر سلسلة طويلة من الاضرابات عن الطعام، كل انجاز حصلنا عليه كان ثمنه معاناة طويلة واضرابات طويلة وشهداء ارتقوا اثناء الاضرابات وما بينها، لم تُحقق لنا المنظمات الدولية أي انجاز وانما نضالات الاسرى والتفاف الشعب حولهم هو الذي كان يُجبر ادارة السجون على الاستجابة لبعض المطالب، وعندما يبدأ الإضراب تباشر ادارة السجون اجراءاتها في قمع الاضراب من خلال سلسلة من الخطوات، سحب كل الانجازات التي بين ايدينا وتحويل الغرف المضربة عن الطعام الى زنازين عزل جماعي، عزل الاسير المُضرب عن الطعام عن العالم الخارجي كلياً، عزل السجون والاقسام المضربة عن بعضها البعض، عزل قيادة الاضراب في عزل انفردي، تنقلات مرهقة يومية بين الغرف والاقسام والسجون المضربة، الاستهتار بالإضراب وبمطالب الاضراب واظهار عدم المبالاة والاكتراث بالإضراب، جلب سجناء يهود للطبخ داخل اقسام الاسرى المُضربين بهدف اطلاق روائح طعام مثل شوي اللحم، ممارسة حرب نفسية من خلال مكبرات الصوت داخل الاقسام، مساومة بعض الاسرى المُضربين بهدف دفعهم لإنهاء اضرابهم، تجنيد عيادة السجن بهدف الضغط على الاسرى لفك الاضراب، القيام بضرب الاسرى المُضربين بشكل وحشي لبث الرعب والخوف داخل الاسرى.
نحن الاسرى القدامى نعرف جيداً هذه الممارسات الوحشية، ونقوم بتوضيحها للأسرى الجُدد قبل البدء بأي اضراب، ان دائرة السجون تُمارس هذه الاساليب بهدف كسر الاضراب وانهائه، ولكن بعد ان تدرك فشل هذه الاساليب تضطر الى التفاوض وتكون مجبرة ومرغمة على ذلك، وهكذا كنا نراكم الانجاز تلو الانجاز والاستعداد للإضراب القادم.
سادساً – ما يخافه الكيان الصهيوني هو تنامي قوة فصائل المقاومة، وما تم إصداره في 8/10/2018 بحقكم ليأمنوا وجودكم في غياهب السجن لمدة 11عاما لأكبر دليل على خوفهم من الروح والعقلية القومية والعربية النضالية التي تتمتعون بها، هل لك ان تحدثنا عما يخافه الاحتلال الاسرائيلي وهو الذي يدعي القوة بشقيها العسكري والسياسي؟.
الأسير المقت: الجهة التي ستحسم الصراع في سوريا ستُحدد مستقبل المنطقة لعشرات السنين، وانتصار الدولة السورية بشعبها وجيشها ورئيسها ومعها الحلفاء والاصدقاء، سيكون بمثابة الكابوس والكارثة الكبرى، والسيناريو الاشد سوءاً على الكيان الصهيوني، لهذا لجأوا منذ اللحظة الاولى وتطبيقاً لخطط وسيناريوهات مُعدة مسبقاً للمنطقة منذ سنين، لجأ هذا الكيان الى اطالة عمر الازمة واشعال الساحة السورية بكل انواع الحروب، ولتحقيق ذلك قام الكيان بمد الجزء الاكبر من تلك العصابات وخاصة التي كانت تتواجد في الجنوب السوري، بكل مستلزمات البقاء والاستمرارية في كافة المجالات، ليس مهماً بالنسبة للكيان ما طبيعة تلك العصابات، وكيف يصنفها المجتمع الدولي، او كيف يصنفها هو، المهم تسليح تلك العصابات والاستمرار في قتال الجيش السوري بهدف استنزافه وتدمير الدولة السورية وبنيتها التحتية وتفكيك المجتمع السوري الى طوائف ومناطق ومجموعات، كلها متصارعة كمقدمة لإسقاط الدولة السورية.
في البداية كان برنامج الدعم بشقيه المدني والعسكري سري بنسبة مائة بالمائة، ويدّعي الكيان انه لا يتدخل بالأزمة السورية، وعندما بدأنا انا والعشرات غيري نوثق صور جرحى العصابات العاملة في الداخل السوري وهم يعالجون في مستشفيات العدو مستشفى صفد نهاريا وطبريا وكذلك صور سيارات الاسعاف وهي تنقل هؤلاء الجرحى من منطقة السياج الى المستشفيات الاسرائيلية وكذلك صور عملية ارجاع الجرحى الى الداخل السوري بعد علاجهم، عندها اعترف الكيان أنه يُعالج جرحى هذه العصابات مدّعياً انه يقوم بذلك بدوافع انسانية، وقبل حوالي ثلاثة سنوات اعترف الكيان انه أقام داخل الجيش الاسرائيلي وحدة ارتباط قامت بتقديم مساعدات ذات طابع مدني مثل" علاج جرحى، ادخال اجهزة ومواد طبية، ادخال منتوجات وادوات زراعية، محروقات وقود الخ"، ولازال حتى الان لا يعترف الكيان بالشق العسكري من برنامج دعم العصابات، وهذا يشمل تزويد هذه العصابات بالسلاح والعتاد العسكري "نقاط توجيه وادارة في الداخل السوري، تدخل المدفعية والصواريخ والطيران الاسرائيلي بشكل مباشر لضرب مواقع الجيش السوري لإتاحة المجال امام هذه العصابات لاحتلال تلك المواقع".
ان ملف اعتقالي والقضية التي تم محاكمتي عليها ما هي الا بشيء بسيط جداً ونقطة في بحر من حقيقة الدعم الذي قدمه العدو لهذه العصابات، ضمناً لملف مليء بالوثائق والتسجيلات الصوتية، ولكنها تؤكد ان دعم الاحتلال لهذه العصابات يشمل الدعم العسكري والتسليحي ولا يقتصر على الجانب الانساني المُعلن، والاهم في الامر ان هذه المعلومات مصدرها جندي في جيش الاحتلال الاسرائيلي يخدم بسلاح المدرعات تم اعتقاله معي وحكم عليه بالسجن 34 شهراً، في حين حُكم عليّ بالسجن 11 عاماً، لقد شكلت هذه القضية فضيحة كبرى للعدو الاسرائيلي، في احدى جولات التحقيق معي من قبل المخابرات الإسرائيلية في معتقل الجلمة بجانب حيفا، خرج المحقق عن مهنيته وهدوئه الذي حاول اظهاره، واحمر وجهه وانتفخ وبدأ يصرخ عليّ بأنني قد ورطت دولة اسرائيل وورطت الجيش الاسرائيلي، يقصد ورطتهم بفضيحة دعم هذه العصابات بالسلاح، قلت له مستهتراً ان اعتقالي سيزيد من هذه الفضيحة عندما يعلم الرأي العام ان مصدر معلوماتي هو جندي في جيش الاحتلال، رد عليّ المحقق نعرف كيف نُسكت هذه القضية وبقرار من وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعالون، تم منعي من اختيار المحامي الذي سيدافع عني وأُجبرت على اختيار محامي من قائمة محامين خاصة بوزارة الدفاع الاسرائيلية، وتحويل القضية الي قضية سرية، وكل جلسات المحاكمة كانت تجري داخل قاعة مغلقة، وقام المحامي بالتوقيع على مستندات يلتزم من خلالها بعدم تسريب اي وثيقة أو أي ورقة من الملف، وهناك العديد من الوثائق حُجبت عني وأجزاء كبيرة من لائحة الاتهام تم تغطيتها باللون الاسود كي لا يستطيع احد من الاطلاع عليها، ويضم الملف ايضاً التسجيلات الصوتية بصوت الجندي الاسرائيلي وهو يشرح لي ما يجري على السياج بجوار البوابة، وتشمل شرح تفصيلي عن اللقاءات التي كانت تجري بين افراد هذه العصابات وبين الجيش الاسرائيلي، وكذلك صناديق السلاح التي يتم ادخالها الى الداخل السوري، وادخال الجرحى، كل هذه الاجراءات بهدف التكتم والتستر على هذه الفضيحة التي يحتويها هذ الملف والذي ما زال يخضع للسرية التامة.
هذا الملف و هذه القضية حظيت باهتمام من جانب الاعلام السوري والعربي، لكنها لم تحظى بأي اهتمام من الجانب الحقوقي السوري والعربي، وانني هنا اطالب نقابة المحامين السوريين والجهات الحقوقية والقضائية السورية والعربية، بدراسة هذا الملف والاهتمام به لجهة المعلومات والوثائق الخطيرة التي يتضمنها، وكذلك لجهة الخروقات والتجاوزات القضائية التي قامت بها المحكمة الإسرائيلية، والتي تتنافى مع ابسط قواعد المحاكم.
وشكراً .. صدقي سليمان المقت
إعداد وحوار | ربى يوسف شاهين / 5 - 8 - 2019