اعتقد أعداء سورية أنّ جيشها لن يقاتل، وأنه لا يملك الإيمان ولا الجاهزية للقتال، وأنه سرعان ما سينهار ويتفكّك مع شنّ الحرب الإرهابية الشرسة عليه، والتي استهدفت بث الرعب والخوف في صفوفه عبر جرائم الذبح والقتل التي اقترفها الإرهابيون على مرأى من العالم أجمع، وذلك في ظلّ حرب نفسية وإعلامية واسعة وغير مسبوقة لخلخلة صفوفه وإضعاف معنوياته وإيمانه بقدرته على المواجهة وتحقيق النصر…
لهذا شكل صمود الجيش العربي السوري وتماسكه وبسالته في ميدان القتال، ونجاحه بسرعة في احتواء كلّ أنواع الحروب الإرهابية التي استهدفت تدميره، ومن ثمّ نجاحه في الانتقال إلى تطوير قدراته ووسائله القتالية وتحقيق الانتصارات على جيوش إرهابية درّبت على أحدث أنواع القتال وزوّدت بأحدث الأسلحة وحظيت بالدعم من أقوى دول العالم، مالياً وسياسياً ودبلوماسياً، شكّل كلّ ذلك مفاجأة لكلّ الدول المعتدية على سورية، وأثار التساؤلات لدى الكثير من المحللين والخبراء والأكاديميين العسكريين والمراقبين بشأن سرّ هذه القوة والقدرة التي يمتلكها الجيش العربي السوري، رغم ما تعرّض له من ضغوط كبيرة ومهولة، إنْ كان على مستوى الميدان والقتال على مئات الجبهات في نفس الوقت، أو على مستوى مناعته في مواجهة الإغراءات المالية والحرب النفسية والإعلامية لإحداث الانقسام في صفوفه والنيل من عزيمته وتصميمه على الدفاع عن وحدة وسيادة واستقلال سورية ووصولاً إلى محاولة دفعه للتمرّد والانقلاب على نظام الرئيس بشار الأسد وإسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة لمصلحة أعدائها، الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية وكيان العدو الصهيوني والنظام التركي والأنظمة العربية الرجعية…
والأسئلة التي تطرح في هذه السياق هي:
ـ كيف أمكن للجيش العربي السوري المحافظة على وحدته وتماسكه ونجح في إحباط كلّ محاولات شقّ صفوفه على مدى أكثر من سبع سنوات ونصف السنة، وبالتالي التصدي والصمود في مواجهة أشرس حرب إرهابية استعمارية تعرّضت لها دولة في التاريخ؟
ـ ما هي العوامل التي مكّنت الجيش العربي السوري من الصمود ومواصلة التصدي والقتال على مدى نحو خمس سنوات من الحرب قبل أن يحظى بالدعم العسكري الروسي المباشر الذي مكّنه من أخذ زمام المبادرة والانتقال إلى الهجوم.
ـ كيف تمكّن الجيش العربي السوري من تكريس قواعد جديدة للاشتباك مع العدو الصهيوني خلال الحرب الإرهابية وقبيل تحقيق النصر النهائي فيها؟
ـ ما هي نتائج وانعكاسات الحرب الكونية الإرهابية على الجيش العربي السوري من جميع النواحي وما هي دلالاتها؟
أولاً: العوامل التي مكّنت الجيش العربي السوري من الصمود والحفاظ على وحدته وإحباط المخططات التي استهدفت دوره الوطني والقومي في حماية سيادة ووحدة واستقلال سورية…
مراكز الدراسات الأميركية التي كانت ترقب الوضع في سورية عن كثب وتتوقع انهيار وتفكك الجيش العربي السوري سريعاً فوجئت بعدم حصول ذلك، لا بل أنها صدمت من قوته خلال الحرب.
أبرز هذه المراكز، معهد كارنيغي الأميركي، الذي قال في دراسة له، «لم يكن حسب رأيه الجيش السوري متهيّئاً قتالياً عندما اندلعت الأزمة الحالية في البلاد في ربيع العام 2011 .. ومع ذلك استطاع الجيش أن يصمد بعد خمس سنوات في وجه ما وصفه ثورة شعبية حاشدة وحرباً متعددة الجبهات وعشرات آلاف الانشقاقات».
أضاف المعهد يقول» تأتي قدرة الجيش على الإمساك بالأراضي التي تتسم بأهمية حيوية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد نتيجة مفارقةٍ غير متوقَّعة، ويرى المعهد أنّ «العوامل التي سلبت الجيش قدرته القتالية في حقبة السلم أصبحت قوته الرئيسية في خضمّ الحرب وتحوّلت إلى سلسلة موازية من القيادة تشدّ عضد النظام، والواقع أنّ هذا الأخير استطاع من خلال سحب الجيش من خطوط أمامية محدّدة أن يعزّز قاعدته الاجتماعية والسياسة والمجتمعية المحلية بعد أن جنّد قوات دفاع شعبية مؤقتة لتلبية احتياجاته من المشاة.. سلسلة القيادة الموازية هذه أتاحت للنظام أن يكيّف استراتيجية للتفاعل مع ديناميكيات الصراع المتغيّر بسرعة»…
هذا الكلام لمعهد كارنيغي يحمل في طياته إقراراً لا لبس فيه بعدة نواحي تعكس سوء التقدير والصورة الخاطئة المرسومة في أذهان صنّاع القرار في واشنطن والعواصم الغربية عن الجيش العربي السوري:
الناحية الأولى: الصدمة التي أصابت الغرب نتيجة صمود الجيش العربي السوري في وجه حرب متعدّدة الأشكال والأنماط وعلى مئات الجبهات مما يكشف أنّ المعهد الأميركي وغيره من مراكز الأبحاث لم يكن لديهم صورة حقيقية عن واقع الجيش العربي السوري قبل الحرب، ذلك أنه لا يمكن لأيّ جيش أن ينجح في الصمود في مواجهة حرب إرهابية كونية من دون أن يكون لديه جاهزية قتالية وبنية متماسكة وقيادة واعية… وهي أمور من الصعب أن تتوافر فجأة في لحظة المواجهة والحرب فهي تحتاج إلى سابق إعداد وعملية بناء مديدة متعدّدة الجوانب، الجانب المتعلق بالجاهزية والاستعداد للقتال واحد منها، وهو ما لم يدركه المعهد وصنّاع القرار في واشنطن، مما جعل معهد كارنيغي يعترف بأنّ صمود الجيش العربي السوري وقدرته على الإمساك بالأرض التي تتسم بأهمية حيوية كانت بنظره «مفارقة غير متوقعة».
الناحية الثانية: اعتراف المعهد بنجاح قيادة الجيش السوري في رسم استراتيجية مواجهة تقوم على إحباط خطط العدو للنيل منه وإضعاف قدراته القتالية، وضرب معنويات ضباطه وجنوده. هذه الاستراتيجية عمدت إلى تجميع الوحدات العسكرية في المناطق الحيوية التي يمكن الدفاع عنها وحمايتها واحتواء هجمات العدو الإرهابي الذي كان يسعى إلى توجيه ضربات لوحدات الجيش المتفرّقة والتي لا يمكنها الصمود في مواجهة هجمات إرهابية كبيرة ومباغتة.. وهو ما حصل لبعض الوحدات في بدايات الحرب، مثل وحدات الدفاع الجوي.. التي شكلت إحدى استهدافات الإرهابيين في سياق الخطة الصهيونية لإفقاد الجيش العربي السوري قدرته على حماية أجواء سورية واستطراداً حماية وحداته من استهدافات الطيران الصهيوني…
الناحية الثالثة: إحياء قوات الدفاع الوطني، وهي شكل م