ونحن في الذكرى المئة لمجازر اليهود بحق الأرمن، على يد جمعية الاتحاد والترقي شكلاً، وبتخطيط من اليهودية العالمية أساساً، لا بدّ من الكشف عن حقيقة هذه الجمعية الطورانية، وبخاصة لجهة سيطرة اليهود عليها، ودورها في إحداث الخطوة الأولى من مخطط احتلال فلسطين والسيطرة على سورية الطبيعية والعالم العربي برمّته.
بدءاً، لا بد من تعريف «الدونمة»، فهي لفظة، تعني الظلمة أو الاستتار، اتخذها يهود سالونيك شعاراً لتحقيق أهدافهم في الإمساك بالدولة العثمانية، وإزالة المعوقات كافة من طريق وصولهم إلى القدس.
يقول المؤرخ Seton Watson: «إنّ الحقيقة البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي، إنها غير تركية وغير إسلامية، فمنذ تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من أصل تركي صاف، فأنور باشا مثلاً هو ابن رجل بولندي مرتد، وكان جاويد الأصل دافيد من الطائفة اليهودية المعروفة بالـ»دونمة». وكراسو Crasso من اليهود الإسبان القاطنين في مدينة سالونيك، وكان طلعت باشا بلغارياً من أصل غجري اعتنق الإسلام ديناً…».
ويضيف واطسون: «إن أصحاب العقول المحركة وراء الحركة كانوا يهوداً أو مسلمين من أصل يهودي، وأما العون المالي فكان يجيئهم عن طريق «الدونمة» ويهود سالونيك الأغنياء».
بناءً عليه، يكون أعضاء الدونمة هم من غير المسلمين الذين تظاهروا باعتناقهم الإسلام لتدمير الدولة العثمانية، والإمساك بمقدراتها وتوظيفها في خدمة المشروع اليهودي الجهنمي. «ولقد كان للدونمة في سالونيك دور بارز في الحياة السياسية والاقتصادية لتركيا الحديثة… وكان أهم تأثير سياسي لهم عليها تركيا الحديثة مشاركتهم الفعالة في جمعية الاتحاد والترقي، التي قادت الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني في بداية القرن العشرين 1908 ».
إن جمعية الاتحاد والترقي تمثل الترجمة السياسية والاقتصادية والثقافية لمضمون الدونمة، وكان بالتالي من البداهة أن يكون أركان هذه الجمعية من يهود الدونمة والماسونيين، ولأن لهذه الجمعية الدور الأساس في إخراج تركيا من روحها وشكلها، لا بدّ من الإشارة إلى زعماء هذه الجمعية، للإنارة على الدور اليهودي الأساس في التخطيط لإسقاط الدولة العثمانية من تاريخها، عبر عملية التتريك بالفكرة الطورانية، الفكرة التي ما زالت تمثل حتى اليوم روح القومية التركية.
وللإضاءة أكثر على ما جرى، لا بدّ من كشف حقيقة الفكرة الطورانية والشخصيات التي ابتكرتها.
يقول المؤلف البريطاني إيليو غريننيل ميرز في مؤلفه حول «تركيا الحديثة» في فقرة مأخوذة من تقارير دائرة البحوث البريطانية الصادرة سراً حول الحركة الطورانية: «إن الطورانية في نشأتها محبوكة أ- فنياً، ب أوروبياً، ولم يختلقها العثمانيون من الأدب الفارسي لمصلحتهم، بل هي موحاة إليهم من الأوروبيين وهم لم يخططوا لها، بل خُططت لهم، فالعثمانيون، إذن ليسوا مخططين، ولا متابعين لها، وإنما هم استغلوا كأداة ووسيلة وحسب».
وأيضاً فقد أورد سركيس كيفورك يورنسوزيان في دراسة بعنوان «ومضات من تاريخ كاراباخ» أن «مبتكري هذه النظرية الطورانية ليسوا أتراكاً، بل صهاينة يتحدر معظمهم من أصل يهودي، جعلوا لهذه النظرية عمداً وأساساً يرتكز إلى أن جميع الشعوب التركية تنحدر من أصل طوراني واحد الأتراك- التركمان- الأذريون- القرقيز- الأوزباك- الطاجيك…. ».
ولأهمية إبراز الدور اليهودي في عملية الاستيلاء على السلطنة العثمانية، وارتكاب المجازر باسم القومية الطورانية، لا بدّ من الإضاءة على أهم الكُتاب الذين أسسوا لهذا البناء الطوراني.
1 – المستشرق اليهودي أرمينيوس فامبيري، صديق حميم للسلطان عبد الحميد الثاني هو من أصل هنغاري .
2 – المستشرق اليهودي الألماني فرنزفون ويرنر، كتب تحت اسم مستعار مراد أفندي .
3 – المستشرق اليهودي البولوني قسطنطين برجتسكي، الذي كتب بِاسم مستعار مصطفى جلال الدين باشا ، نشر كتاباً عام 1889 «الأتراك القدامى والجدد».
4 – المستشرق اليهودي الفرنسي ليون كاهون، كتب كتاب «مقدمة لتاريخ آسيا».
5 – اليهودي آلبرت كوهين، كتب بِاسم مستعار تكين ألب .
6 – خالدة أديب مشكوك في أصلها ، ولكن توجهها صهيوني واضح، في كتابها «دولة بني طوران الجديدة»، لنلاحظ الشبه مع تعبير دولة بني صهيون ، تدعو فيه إلى سيطرة تركيا على الشعوب المجاورة، وقد سميت برسول الطورانية و»ملليت أناسي» أي أم الملكة.
7 – الكاتب ضياء كوك ألب من ديار بكر نشر كتاباً بعنوان «الأسس التركية» 1923 أثبت فيه توجهه الصهيوني.
يظهر من خلال ما ورد، أن إبداع الفكرة الطورانية كان بفعل اليهود والماسونيين، وما كانت جمعية الاتحاد والترقي إلا الإطار التنظيمي لمشروع اليهود القاضي بإسقاط الدولة العثمانية والسيطرة على مقدراتها بواسطة يهود أظهروا إسلامهم، والجمعية لم تتأسس حتى بقرار من هؤلاء اليهود الذين تزعموها، بل كان ذلك بقرار صهيوني رفيع.
يقول المؤرخ Seton Watson: «كانت هذه الجمعية إحدى إفرازات المجلس الصهيوني العالمي، كما كان قادتها وزعماؤها من الدونمة والماسونيين… أنشئت، بأمر من المجلس الصهيوني العالي بتمويل صهيوني عن طريق جاويد David اليهودي والصهيوني العريق».
ولقد اعترف أحد أعضاء الدونمة، قرة قش زادة محمد رشدي، وهو كان عضواً سابقاً فيها وأمام مجلس الأمة التركي في الثلث الأول من القرن العشرين: «بأن الدونمة ما هم إلا يهود باطنيون ولا يمتون إلى الإسلام بصلة».
كان لا بدّ من الإضاءة على المواضيع التي وردت، حتى يمكننا إظهار الصلة الوثيقة بين الصهيونية العالمية والأحداث التي أدت إلى سقوط الدولة العثمانية، وإبادة الأرمن وغيرهم من السريان والآشوريين، وبالتالي حكم تركيا عبر أحد أبرز قادة الدونمة مصطفى كمال.
كان لا بد من إبادة الأرمن في نظر يهود الدونمة، حتى تقوم القومية التركية، وقد لعب يهود الدونمة دورهم بالكامل ونفذوا المجزرة بشكل وحشي، لم يشهد التاريخ البشري مثيلاً له، والناظر إلى أسماء الذين أوكل إليهم أمر الإبادة، يدرك مدى التماهي بين الصهيونية والطورانية والذي ما زال قائماً حتى اليوم.
وهم: جمال باشا السفاح، طلعت باشا، أنور باشا، د. ناظم باشا، بهاء الدين باشا، شاكر باشا، عزيز بك، جواد بك، عاطف رضا بك. وكانوا جميعاً من يهود الدونمة.
يقول رشيد رضا: «إنّ زعماء جمعية الاتحاد والترقي كلهم من شيعة الماسونية وإن من لوازم تشيعهم للماسونية قوة نفوذ اليهود فيهم وفي الدولة. وذلك يقتضي فوز الجمعية الصهيونية في استعمار بلاد فلسطين…» .
لقد أردنا من إلقاء الضوء على طبيعة حكام تركيا في بداية القرن وأصلهم اليهودي، لنربط في حلقات مقبلة، كيف أن الدور الذي رسمه اليهود للدولة التركية في بداية القرن، ما زالت تلك الدولة تقوم به حتى اليوم تحت مسميات عديدة.
يجب أن لا ننسى أن تركيا هي أول دولة إسلامية اعترفت بـ»إسرائيل»، وتركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المنخرطة في حلف شمالي الأطلسي، وتركيا هي معبر لأفعى التقسيم اليهودية، الذي تعمل له على مدى سورية الطبيعية.
ولا تنسوا كيليكيا والإسكندرون.