كانت الراسمالية نقلة تقدمية في التاريخ حيث هزمت التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الإقطاعية في جزء من العالم والخراجية في آخر، والإقطاع العسكري في ثالث...الخ وكان لها حينذاك حق التفاخر بنقل أجزاء من العالم نقلة واسعة إلى الأمام "أوروبا الغربية بداية ثم المستوطنات الراسمالية البيضاء وبعض بلدان المحيط وصولا إلى تعميمها على الكوكب تقريبا وبنسب ترسمل متفاوتة". نعم بدأت الرأسمالية كتشكيلات اجتماعية إقتصادية جديدة أكثر تطوراً بل وحتى تقدمية.
"...هذا ما أسماه كل من فيبر وسومبارت ب "الروح/الأخلاقيات الرأسمالية" - حيث نسبا إليها
نشأة الرأسمالية الحديثة مصحوبة بسيادة الأخلاق البروتستانتية ونظام من القيم الاجتماعية حيث حسن التدبير والاقتصاد في استعمال الثروة، ورأيا ان هذه تم التعبير عنها في العلاقة الحميمة بين صعود البروتستانتية والتزمت من جهة وبين نشأة وتطور الرأسمالية من جهة أخرى ، وهي العلاقة التي تعبر عن نفسها ليس فقط في تغييرات عميقة في الإيديولوجية المهيمنة ، ولكن أيضًا في التخفيض الهائل في حصة الفائض الاقتصادي الذي استوعبته الكنيسة. ورغم أن هذه منسوبة إلى ماكس فيبر، إلا أن ماركس كان قد اشار لها من قبل على شكل الزهد الخاص لدى شريحة الراسمالية ونكرانها لذاتها - تضحيتها الذاتية – ... إنها تنطوي على السعي لتحصيل الكنز الدائم. ومن هنا كانت الصلة بين البروتستانتية الإنجليزية وأيضًا البروتستانتية الهولندية التي تسعى لكسب المال "[1]
ولسنا هنا بصدد رفض هذا التفسير ( من فيبر وسومبارت) لانتقال بريطانيا ومن ثم هولندا أولاً من الإقطاع إلى الراسمالية، وهو جدال طويل شارك فيه العديد من المفكرين الماركسيين حيث رأى بعضهم أن السبب الرئيس في الانتقال من الإقطاع إلى الراسمالية ناجم عن عوامل داخلية ، رودني هيلتون مثلاً، في حين راى بول سويزي أن العوامل الخارجية هي السبب الأهم أي التجارة البعيدة ، هذا مع أن هذا التطور ناجم عن جدل العاملين معاً . وبأن المهم ليست المسالة الدينية الثقافية هي سبب الانتقال الرئيسي بل العوامل المادية أي الاجتماعية الطبقية.
لكن الرأسمالية على صعيد عالمي قد انتقلت إلى طورها الاحتكاري ولا سيما ما آلت إليه في القرنين الماضي والحالي حيث السباق بين الراسماليين على الربح اللامحدود، الأمر الذي أدى إلى مضاعفات خطيرة على البشرية نشير من بينها إلى دورها في التخريب المتعلق بمناخ هذا الكوكب.
لقد أدى الإنفلات الراسمالي في استهلاك الطاقة الملوثة للبيئة والتي ترفع درجة حرارة الكوكب وعدم تقيُّد الأنظمة الراسمالية التي تندمج فيها مصالح الدولة مع مصالح الشركات بما تؤكده المؤسسات الدولية التي تحذر من تلويث الجو وتطالب بالتزام الدول الصناعية خاصة التي تساهم بشكل كبير في التلوث.
تتصدر الولايات المتحدة دول العالم في رفضها التقيد بالحفاظ على المناخ وعدم المساهمة في رفع درجة حرارة الكوكب، الأمر الذي تدفع البشرية ثمنه من حياة الناس جميعا، .
ولكن تتفاوت حدة التأثير في هذا الصدد بين بلد وآخر وبشكل خاص بين طبقة وأخرى.
رفع درجة حرارة الكوكب إلى حد خطير، حتى الآن يقود إلى موت الفقراء من الحر،كما تدفع الأكثرية الشعبية في العالم نقوداً أكثر ثمنا للطاقة للحصول على التبريد سواء البدائي (المراوح) أو التبريد بالتكنولوجيا المتقدمة وذلك على حساب حاجاتها للتغذية والتعليم والطبابة والرفاه، وتذهب هذه الأموال أرباحاً للرشكات الراسمالية التي لرجال السلطات السياسية حصصاً فيها، ويذهب جزء منها إلى أنظمة معادية للبشرية وخاصة أنظمة الريع النفطي العربية. كما تتحالف الأنظمة الراسمالية الغربية والشركات وأنظمة الريع النفطي في إثارة الحروب والفتن ضد الأمم الفقيرة لإبقاء الاستعمار والنهب والتبادل اللامتكافىء، وهنا تنشط شركات بيع السلاح لتمويل وحشية المتحاربين.
وعليه، تتسع القاعدة الشعبية المتأذية من راس المال لتصبح أكثرية البشرية وبالمقابل تتقلص الطبقة الراسمالية على صعيد عالمي حتى لتكاد توصف بأنها فئة مقارنة بمليارات الأنفس من الطبقات الشعبية والوسطى.
هنا يحضرني السؤال: ترى اين يجب أن يصطف محور المقاومة؟ وكيف عليه ترتيب وضع بلاده الداخلي؟ هل يتمسك بالنظام الراسمالي المتوحش وبالتالي يساهم في توسيع قاعدة الطبقة المفقَّرة عالمياً سواء بسوء التغذية أو الإيذاء بحياة ملتهبة نظرا لتدمير الراسمالية للطبيعة ؟ أم تذهب باتجاه قطاع عام وتعاوني وتنمية بالحماية الشعبية ليعيش مواطنها حياة كريمة تدفع مواطن المركز الراسمالي لرؤية كم هي راسمالية بلاده متوحشة.
ننهي بالقول بأن الرأسمالية كنظام اقتصادي إجتماعي ثقافي وسياسي قد وصل نهايته، وبان محركه اي نمط الإنتاج الراسمالي القائم على علاقات إنتاج تتقلص قاعدتها الشعبية ويتزايد تطور قواها الإنتاجية ويتعاظم شبقها للربح غير آبهة بحياة البشرية، إن هذه الرأسمالية اصبحت مثابة مومس تخلى عنها جمالها لكن شبقها يتصاعد مما يزيد توحشها.
وهذا يؤكد للقوى التقدمية في العالم ولمحور المقاومة تحديداً بأن طريق تطورها ورفاه البشرية هو في فك الارتباط مع النظام الراسمالي العالمي والشغل على جنوب يحاول فك الارتباط وتبني التنمية بالحماية الشعبية.