ثمان سنوات على انطلاقتها، بالتأكيد لم تكن فجرا لينير الدرب لتحقيق الافضل وفق المتوفر من الامكانيات المادية الهائلة وما تم تكوينه من آلاف الكوادر في مختلف العلوم الانسانية والتطبيقية، لكنها وللأسف كانت ولا تزال تمثل كابوسا يجثم على صدور العامة، من قبل مجموعة من المجرمين والفاسدين الخارجين عن كل الاعراف والأديان ونواميس الطبيعة.
اسقطوا النظام الشمولي الذي اتهموه بعدم قيام دولة المؤسسات طيلة فترة حكمه، لكنهم قضوا على كل مظاهر(الدولة)، الوزارات الخدمية لم يعد لها وجود، مجرد يافطات، اكوام القمامة في مختلف الميادين والساحات والطرقات تقف شاهدة عيان على مدى احتقار المسئولين للعامة، وما تسببه من امراض في ظل قطاع صحي متهالك، المشافي والمستوصفات خاوية على عروشها، المعدات تمت سرقتها وبيعها الى القطاع الخاص، اما عن الادوية فانه يقوم بتوريدها تجار غير مهنيين، فهي اما معيبة التصنيع او منتهية الصلاحية.قطاع التعليم العام، المباني في حالة يرثى لها من حيث حاجتها للصيانة، اما عن المناهج التعليمية فانه تم تزوير الحقائق التاريخية وحشوها في المناهج لتعلق في ذهن النشء، اضافة الى ان الكتب تصل جد متأخرة فلا يتم الاستفادة منها بشكل جيد.بخصوص الطرق داخل المدن فانه لم يتم صيانة المتهالك منها فما بالك عن ما كان مخطط لتنفيذه.
الدستور الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم او ما يسمى بالعقد الاجتماعي فانه ورغم مرور اكثر من اربع سنوات إلا انه لم يبصر النور، لأن من يسيطرون على مقاليد الامور يرون في وجوده نهاية عصرهم الذهبي، وربما احالتهم على القضاء ليقول كلمته فيهم، وبالتالي يضعون كل العراقيل في طريقه، ولتتوالد الفترات الانتقالية ما امكن الى ذلك سبيلا.
وزارة الداخلية وعلى لسان من توالوا على ادارتها، لم تتمكن من القيام بأبسط الاعمال لصالح المواطن الذي قامت (الثورة) من اجله!.بسبب تغوّل المليشيات التي تمتلك من العتاد والوجاهة (قادتها)، ما يجعلها تعيث في البلاد فسادا، واليوم يتولى الوزارة احد مجرمي الحرب بعد ان انضمت الميليشيات الى الوزارة بقرار رئاسي، فأصبحت بامتياز وزارة للمجرمين.
مع مرور الوقت اتضح ان القضاء على المؤسسة العسكرية التي لم تكن في احسن احوالها، لكنها كانت تمثل اللحمة الوطنية وتحمي البلد من أي عدوان خارجي، كان الشغل الشاغل للثورجيين، فتعرضت مراكزها للتدمير الممنهج على مدى ستة اشهر متتالية، من قبل حلف الناتو وعملائه المحليين والإقليميين من عرب وعجم.
لقد استطاع الاسلام السياسي، وبفعل تآمره مع الغرب الذي امّن له الغطاء السياسي في حربه لإلغاء نتائج انتخابات 2014 التي جاءت مخيّبة لآماله، فكان الدمار الشامل لقطاع النقل الجوي، ومن ثم استيلائه على العاصمة وأصبح يدير دفة البلاد، صاحبه اتفاق الصخيرات الذي اصبغ عليه صفة الشرعية، فأصبح رموزه الفاسدين وان حاول بعضهم تغيير ملامحهم-جلودهم ، يتجولون في اروقة الكونغرس (معقل ألديمقراطية)، انه العهر السياسي الذي يمارسه هؤلاء.
مشاريع متوقفة (سكنية وخدماتية) ذات نسب انجازات مختلفة تفوق قيمتها المائتي مليار دولار، لم تقم الحكومات المتعاقبة باستكمالها رغم توفر الاموال بالخزينة العامة لأنهم لم يأتوا للاعمار، بل للخراب ونهب كل ما يقع تحت ايديهم او في مرمى بصرهم، بل جعل من الشركات المنفذة للمشاريع تقوم برفع دعاوى على ليبيا وتربح القضايا لاستنزاف الاموال المجمدة، أي السعي لإفقار البلد وجعلها رهينة البنك وصندوق النقد الدوليين.
رئيس المجلس الرئاسي المستحوذ على كافة المناصب(رئيس الدولة، رئيس الحكومة، القائد الاعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع)، اصابه مؤخرا الذعر من انتصارات الجيش في الجنوب وترحيب الاهالي به، فعمد الى تكليف رئيس جديد لأركان قواته (الميليشياوية) ومعاون له، وآخر امرا لمنطقة سبها، قبول هؤلاء المناصب يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك بان اجتماعات القاهرة بشان توحيد المؤسسة العسكرية كانت عبثية من قبل الرئاسي لربح الوقت ومحاولة بث الفرقة بين ابناء المؤسسة العسكرية.كما ان السيد رئيس المجلس الرئاسي قام بمكافأة اقطاب الصخيرات الذين دفعوا به الى سدة الرئاسة، بتعيينهم في وظائف دبلوماسية(سفراء وقائمون بالأعمال وملحقون)، منذ ايام قليلة اصدر السراج قرارا بتعيين، جمعة القماطي صاحب حزب التغيير ليس ممثلا بالبرلمان، ليكون مبعوثا شخصيا له لدى دول المغرب العربي، كما قام باستجلاب بعض اركان النظام السابق (الذين اصبحوا بلا مأوى ويبحثون عمن يتبناهم) للعمل معه حيث اصدر حديثا قرارا بتكليف ابوبكر المنصوري وزيرا للزراعة.
الثورجيون وفي ذكرى تدميرهم البلد وتشريد اهله والسطو على مقدراته، وبفعل النكسات التي اصيبوا بها على يد القوات المسلحة التي عملوا المستحيل لتدميرها، اصابهم الذعر، لقد اصبحوا اجساما غير مرغوب فيها، بفعل تفطن الشعب الى اعمالهم الاجرامية، فعمدوا الى تنظيم ملتقى لهم في غريان، يعلنون فيه ان اهداف 17 فبراير لم تتحقق، وإنهم سيسعون الى تحقيقها بكل السبل والثورة مستمرة، انها ولا شك محاولة بائسة وطائشة وشعورهم بدنو اجلهم المحتوم، رقصة المذبوح في لحظاته الاخرة.
ليس المهم ان تحتفلوا بذكرى استيلائكم على السلطة، فالأضواء المبهرة والألعاب النارية التي تحاولون اقامتها بالميادين والساحات، تقابلها الشموع الخافتة التي يتحملق حولها ابناءنا لمذاكرة دروسهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي ولساعات طويلة، رغم اهداركم بلايين الدولارات لأجل شراء مولدات الطاقة الكهربائية، قد تستقبلون وفودا من الدول التي نصّبتكم والتي ساهمت في تدمير الوطن وتفرشون لهم البسط الحمراء، لكنكم تظلون ارخص العملاء، وستشهد بذلك السرايا الحمراء، الأرشيف باقِ فلا يغركم الثناء، وآخرون قد يحتفلون بالمناسبة خارج الوطن (السهرات ما لذ وطاب من الطعام والشراب) من ثرواتنا التي حرمتمونا إياها، وبالكاد نستطيع الايفاء بالقليل لأجل البقاء على قيد الحياة.
مدننا ليست مملة كما ادعى البعض رغم قلة الامكانيات، لكنها ستظل رغم الجور والظلم والفاقة ارضا طيبة تحضن الغيورين عليها، وستزول المحن والشدائد رغم مرارتها، وتنعم البلاد بالحرية والخير والعطاء، وسيرحل العملاء، الى حيث ارتضوا العيش في كنف الاعداء، فلا نامت اعين الجبناء.