إبان ما سُمي بـ ثورات الربيع العربي، برزت تحديات جمة شكلت في ماهيتها مسارات مختلفة شكلا و مضمونا، عن طبيعة التحالفات و الاصطفافات التي كانت سائدة قُبيل الدخول في متاهات الربيع الأمريكي، الأمر الذي فرض توافقات دولية جديدة تقتضي الدخول في مرحلة إعادة بناء التحالفات الإقليمية و الدولية، وفقاً للتغيرات التي طرأت مع دخول الشرق الأوسط مرحلة بالغة التعقيد لجهة رسم معالم النظام العالمي الجديد، و لعل أبرز ما وسم هذه المرحلة، هو التركيز على محاولات دمج الكيان الصهيوني في التكتلات الإقليمية، حيث تم التركيز على إعادة حشد الدول المنخرطة في التحالف الأمريكي ضد ما يتم الترويج له حول ضرورة مواجهة "النفوذ الإيراني"، لترتفع بناء على ذلك وتيرة اللغة السياسية خاصة مع تعاظم قوة محور المقاومة، و بروز القوة الإيرانية بوصفها عاملا مؤثرا على الصعد كافة، فـ مع انجلاء غبار الحروب من سوريا و العراق و اليمن، تأكد و بالقطع أن إيران و طبيعة علاقاتها الإقليمية و الدولية فرضت على واشنطن و محورها، تغيير الاستراتيجيات لتتوافق مع طبيعة المستجدات التي فرضتها سوريا و ايران في الاقليم، ومع القرار الأمريكي المتعلق بالانسحاب من سوريا، توضح المشهد الناظم لماهية التحالفات الجديدة التي تسعى واشنطن لإعادة صوغها بُغية مواجهة الأخطار المحدقة بالنفوذ الأمريكي على المستويين الإقليمي و الدولي.
القرار الأمريكي غايته بلورة تحالفات جديدة مع التوجه نحو تقليص الوجود الأمريكي العسكري في المنطقة، فبعد التطورات السورية و التي جاءت ممهورة بتوقيع الدولة السورية و جيشها، و ما تبعها من تعاظم الدور الروسي بالتوازي مع صعود إيراني بارز، كُسرت معادلات أمريكية كانت لعقود طويلة ناظمة لكافة المسارات السياسية و العسكرية إقليميا و دوليا، و هذا ما أصاب العقل السياسي الأمريكي بـ " الشيزوفرينيا" أو الفصام أو الاضطراب النفسي، لتبدا بذلك مرحلة دراسة الجدوى من المردود الحقيقي الذي جنته واشنطن من حروبها و تدخلاتها في معظم أقطار العالم، هذا الأمر سيدفع العقل السياسي الأمريكي لـ بناء استراتيجية جديدة قوامها التدخل عن بُعد مع صفر خسائر، من أجل مواجهة و تحجيم الدور الروسي الإيراني المتعاظم في المنطقة، فضلا عن البحث في كيفية احتواء ما أنتجته الحرب على سوريا، لا سيما ان سوريا و محورها باتوا نقطة تحول بارزة في خارطة النفوذ الإقليمي.
النقطة المحورية التي شكلت في جزئياتها تباينا واضحا في مشهدية صراع المحاور، تمثلت في القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا، الأمر الذي أحدث قلقا سياسيا لدى حلفاء واشنطن، و لهذا السبب يتم التفكير في كيفية التعامل مع المستجد البارز و المؤثر على هيكلية التحالفات و الاصطفافات في القادم من التطورات، في هذه الأجواء، و بعد مراكمة البيانات السياسية و الميدانية، تقترب الدولة السورية و حلفاءها من حسم المعطيات و نتائجها، هي نتائج لا تعرقلها الاعتداءات الاسرائيلية، أو المناورات الأمريكية و الأوربية، و بالتالي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يتم عرقلة مسار التطورات السورية و التي تفرض توازنا إقليميا يقابله اختلال في ميزان التوازن الدولي، ليتم نقل محور واشنطن إلى غرفة إنعاش سورية روسية ايرانية، أما تركيا التي تبحث صيغ التداول السياسي مع طرفي استانا و سوتشي، فالواضح أنها تتماثل للشفاء مع عناية مركزة روسية، و هذا يترتب عليه حُكما توافقات حول اللجنة الدستورية السورية، و ملفي إدلب و شرق الفرات، و هذا أيضا مرتبط بدوره بما تم فرضه من ثقل سياسي و عسكري سوري لجهة تطوير المسارات و تشبيك التحالفات، و عليه فإن صفو التحالفات الجديدة لن تُعكره صراعات جانبية، طالما أن الهدف الاستراتيجي السوري يسير وفق خطة وضعت بذكاء قل نظيره، و عليه فإن القادم من التحالفات و الاصطفافات إقليميا و دوليا، ستكون مرتبطة بشكل مباشر بما يخلص إليه الشأن السوري.
نجاح دمشق و موسكو وطهران ميدانياً، سيتم استثماره تفاوضياً و فرضه سياسياً، على الرغم من السخونة الدولية المتوقعة جراء تخبط واشنطن، و التي قد تؤدي إلى مفاجأة أميركية من العيار الثقيل، لاستعادة الثقة بتأثير القوة حتى بغياب التلويح بها، و هنا لا يُستبعد أي احتمال خاصة مع الرؤية الأمريكية التي تؤسس لمواجهة التمدد الإيراني بحسب التوصيف الأمريكي، لكن في مقابل ذلك يبدو أن الفضاء السياسي المرتبط بالتوازنات السورية الروسية الايرانية، سيكون كفيلا بوضع صراع المحاور الإقليمية و الدولية الناجم عن تداعيات الانتصار السوري، في مسار العداء السياسي بمعناه الإيجابي، اي جذب المتخلفين عن الركب الأمريكي إلى الحلف الثلاثي الصاعد "دمشق-موسكو-طهران"، مع الأخذ بعين الاعتبار أي هزات ارتدادية من قبل واشنطن، لاسيما أن واشنطن بدأت بانسحاب أو إعادة انتشار متوافقة بذلك مع البناء على معادلة سوريا المنتصرة.