بقلم: السيد محمد صادق الحسيني
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 20-01-2019 - 1413 تتقدم موسكو بخطوات ثابتة ودقيقة متعكزة على محور المقاومة بهدف الارتكاز على سواحل المتوسط والاستحمام في مياهه الدافئة في تحول استراتيجي مهم كانت ترنو اليه منذ قرون …! لا شك في ان قرار روسيا بالتدخل العسكري المباشر ، في الدفاع عن الدولة الوطنية السوريه والمحافظة على وحدة وسيادة البلاد ، لم يكن يهدف لا الى حماية الرئيس الأسد لأجل ذاته ،ولا طمعا في خيرات سورية وثرواتها الطبيعيه مهما كانت مغرية …!
اذ ان روسيا العظمى ، التي تبلغ مساحتها سبعة عشر مليون كيلو متر مربع ، ليست بحاجة الى خيرات احد ، وهي التي تملك احتياطيات هائله من كل المواد الخام اللازمه لها ولغيرها ، ولا هي تقيم علاقاتها مع الدول على اساس مواقفها من هذا الرئيس او ذاك. فلقد اتخذ قرار التدخل انطلاقاً من هدفين استراتيجيين هما :
اولا : التصدي لسياسة سيطرة القطب الواحد على العالم ، التي تمارسها الولايات المتحده ، والتي أدت الى نشر الفوضى والقتل والدمار في انحاء العالم كله وليس في بلد واحد منه ، الى جانب تجاهل الولايات المتحده لنصوص القانون الدولي ، التي تمنع اَي دوله في العالم من التدخل في شؤون الدول الاخرى الا اذا ما طلبت منها الدوله المعنيه ذلك التدخل ، وهو ما حصل في الحالة السوريه بين كل من الدولة الوطنية السوريه وكل من روسياوايران .
ثانيا : الدفاع عن اسوار موسكو والامن القومي الروسي انطلاقاً من حماية المصالح الاستراتيجية للاتحاد الروسي على صعيد العالم كله ، ومن ثم للدول التي تتعاون او تتحالف معها ، كالصين وإيران وسورية وغيرها من الدول العربيه وغير العربيه في العالم ، وذلك من خلال تعزيز التواجد العسكري ، وبالتالي الدبلوماسي والسياسي ، الروسي في منطقتنا العربية والاسلامية بشكل عام وعلى سواحل شرق المتوسط بشكل خاص . اَي تعزيز تواجدها العسكري في سورية كقاعدة ارتكاز استراتيجيه
، لعمل الاسطول الروسي في الخاصره الجنوبيه لحلف شمال الأطلسي ، اي في البحر المتوسط ، والذي يشكل مسرح عمليات للسفن الحربيه التابعه لدول حلف الأطلسي ، ومن بينها سفن الاسطول السادس الاميركي الذي تتم قيادته ، الى جانب الوحدات البحريه لدول الحلف الاخرى ، من القاعده البحريه الاميركيه في مدينة نابولي الايطاليه . وبالنظر الى السياسات العدوانيه للولايات المتحده الاميركيه ، تجاه روسيا وحلفائها في الصين وإيران بشكل خاص ، اضافة الى سورية طبعا ، فان واشنطن تواصل العمل على ما يلي :
اولا : استكمال الحشد العسكري ، ذو الطبيعه الاستراتيجيه ، على حدود الصين الغربيه وفِي بحار الصين والمحيط الهادئ ، الى جانب مواصلة واشنطن حشد العديد والعتاد على حدود روسيا الغربيه ، بهدف تطويقها وتهديدها استراتيجيا . علما ان هذه الحدود الغربيه لروسيا تمتد من استونيا ، شمال شرق بحر البلطيق وبالقرب من مدينة لينينغراد الروسيه ، عبر دول لاتفيا ولتوانيا وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وبلغاريا ، وجميعها أعضاء في حلف شمال الأطلسي ، الى تركيا التي تشارك بلغاريا ورومانيا و أوكرانيا وجورجيا في شواطئ البحر الأسود . وهي دول معاديه لروسيا ، حتى لو كان بعضها ليس عضوا في الأطلسي كجورجيا و أوكرانيا .
ثانيا : تنفيذ مشاريع سكك حديدية ، تمتد من حيفا في فلسطين المحتله وحتى عُمان ، وذلك في اطار الاستعدادات الاميركيه لاحتمال قيام ايران باغلاق مضيق هرمز وقيام الجيش اليمني واللجان الشعبيه باغلاق مضيق باب المندب ، ما يعني وقف الملاحه عبر قناة السويس ، الامر الذي يجعل البحث عن بديل لهذه الممرات البحريه أمرا ذو اهمية استراتيجية عاليه . وهو ما دفع الولايات المتحده للتفكير بمشروع السكك الحديدية ، وطرحه للتداول عبر الشريك الاسرائيلي( هنا تظهر اهمية المخلب الصهيوني الذي رمي اخيرا على سلذنة عمان) ….! وفِي ضوء كل هذه التطورات المتسارعة ، على الصعيدين “الاقليمي” والدولي ، وعلى الرغم من تحسن العلاقات الروسيه التركيه ،والنمو المتسارع لعلاقاتهما الاقتصادية والتجاريه ، وحتى الأمنية والعسكرية ، في حدود تنحصر في معالجة مشاكل إقليمية ، تتعلق بالوضع السوري على وجه الخصوص ، وفِي ضوء ان تركيا هي الدوله ذات السياده على مضائق البوسفور والدردنيل ، التي تربط البحر الأسود بالبحر الابيض المتوسط ، وذلك بموجب اتفاقية مونتري Montreux ) بلده في سويسرا ) الموقعه بتاريخ ٢٠/٧/١٩٣٦ بين الدول المعنيه وهي تركيا واليونان ويوغوسلافيا والاتحاد السوفييتي ورومانيا وبلغاريا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا واليابان ، نقول انه وفِي ضوء إعطاء السياده الكامله على هذه المضائق لتركيا ، ورغم وجود نظام محدد يحكم حركة الملاحه ، بما فيها السفن العسكريه ، في هذه المضائق ، فلا بد لروسيا ان تفكر دائما في بديل لإمداد أسطولها العامل في البحر المتوسط والذي يتم حاليا من قواعدها في البحر الأسود عبر المضائق المشار اليها اعلاه . كما ان عليها ان تتخذ الاجراءات اللازمه لضمان تدفق الإمدادات لقواتها الجوفضائيه العامله في سورية ايضا .
خاصة وان تفاصيل تنظيم حركة السفن التجاريه والحربيه ، للدول المشاطئه وغير المشاطئه للبحر الأسود ، وعلى ارضية سيادة تركيا الكامله على تلك المضائق ، فان تركيا تتمتع بهامش كبير جدا في التحكم بحركة وحرية العبور في فترات الحرب . وعلى الرغم من استبعاد حصول اية حروب بين تركيا وروسيا في المدى المنظور ، وعلى الرغم من العلاقات الاخرى المتنامية ، الا ان تأمين طريق امداد بديل ، للقوات الروسيه في المتوسط وسورية ، يبقى أمرا استراتيجيا هاما جدا وذلك في ضوء ان يقوم طرف ثالث ، في حالة وقوع نزاع دولي مسلح ، باغلاق تلك المضائق او تقييد حرية الملاحه فيهما وخاصة السفن الروسيه . من هنا ، وفِي ضوء التحركات العسكريه الاميركيه المريبه ، في العراق بشكل عام وفِي محافظة الأنبار بشكل خاص ، ومواصلة البنتاغون محاولات اقامة قواعد ونقاط قيادة وسيطرة اميركيه في المنطقه الممتدة من التنف السوريه وحتى مدينة القائم العراقيه …، بهدف قطع التواصل الجغرافي البري بين موسكو ودمشق ، اَي قطع طريق الامداد الروسي البديل هذا والمبيَّن اعلاه ، فان روسيا ومعها ايران وسورية وقوى المقاومه في العراق ولبنان لا يمكن لها ان تتخلى عن هذا التواصل البري وجاهزيتها لان تمنع الجيش الاميركي من السيطرة على تلك المناطق حتى لو بالقوة العسكريه ، وهي التي لن تتوانى عن الانتقال الى استخدام ذلك لهزيمة المحتل الاميركي وإجباره على الانسحاب منها .اي من شرق سورية وغرب العراق وذلك لافشال مخططاته في ربط محافظات العراق الشماليه والتي يطلق عليها البعض ” اقليم كردستان العراق ” ، مع اسرائيل ، عبر الاْردن الذي يعج بالقواعد العسكريه الاميركيه والأوروبية والمنفتح ، تنسيقا وتعاونا مباشرا ، على الكيان الصهيوني . وخير دليل على ذلك ما يتم تسريبه عبر الدوائر الاستخباريه ووسائل الاعلام الاسرائيليه عن زيارة عدة وفود عراقيه لفلسطين المحتله في الاونه الاخيره . بالاضافة الى القرار الذي اصدره وزير الماليه الاسرائيلي ، كحلون ، يوم امس ألغى فيه كون العراق دولة معادية وسمح بالتالي بسفر الاسرائيليين الى العراق وإقامة علاقات تجاريه في هذا البلد ….! وهو الامر الذي سبق ان عمل على تحقيقه المدعو خالد
سلام / او محمد رشيد / الكردي الأصل ، والذي كان عميلا اسرائيليا اعتقلته الجبهه الديموقراطيه لتحرير فلسطين في بيروت سنة ١٩٧٧ ، بهذه التهمه وسجنته في بئر في بلدة الدامور جنوب بيروت لمدة ثلاثة اشهر ، ثم افرج عنه في ظروف غامضه . الى ان اصبح يطلق على هذا الشخص لقب المستشار الاقتصادي للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حتى نهاية سنة ٢٠٠٣ عندما انقلب عليه ، بناء على أوامر مشغليه ، وانتقل الى العمل في أربيل وقام بأنشاء العديد من الشركات بالتعاون مع مسعود برازاني وابنه وبتوجيه مباشر من الموساد الاسرائيلي …! وبالعودة الى الأهمية الاستراتيجيه لحماية التواصل البري الاستراتيجي بين موسكو ودمشق، فاننا نُذَكِرُ بقيام دول الحلفاء باحتلال ايران ، خلال الحرب العالمية الثانيه ، لتامين الإمدادات الحيويه لجيوش الاتحاد السوفييتي ، عبر بحر قزوين ونهر الفولجا الروسي.تلك الجيوش التي كانت تقاتل ما مجموعه ٦٧٪ من الجيوش الألمانية كاملة وعلى جبهة تمتد من ستالينغراد في الجنوب حتى لينينغراد في الشمال ( على بحر البلطيق ) .
وعلى اهمية هذا التواصل البري ، من الناحية الاستراتيجية عسكريا ، الا ان اهميتة الاقتصادية والسياسية لا تقل في حجمها عن تلك العسكريه اطلاقا.
اذ ان هذا التواصل ، وبالنظر الى تحسن العلاقات الاقتصاديه التركيه الروسيه ونظرا الى الإمكانيات الهائله ، من موارد طبيعيه وثروة ماليه وتكنولوجيا متقدمه وعدد سكان كبير ، يصل الى حوالي ٤٠٠ مليون مواطن ، لكل من روسيا وتركيا وإيران ، الى جانب امكانيات العراق الكبيرة والسوق السوري الواعد ، والذي سيسجل اعلى نسبة نمو في العالم لسنة ٢٠١٩ ، حسب تقديرات الجهات الدوليه المختصه ، نقول انه بالنظر الى هذه الوقائع فان توجهات روسيا وقوى حلف المقاومة ، مضافا اليها الصين ومشروعها المعروف بمشروع الحزام والطريق ، ستشكل منعطفا استراتيجيا غاية في الأهمية لتعزيز الثقل الاقتصادي وبالتالي السياسي لهذه المجموعة في العالم ، ما سيؤدي الى تغير جذري في موازين القوى الدوليه وفِي تراجع دور سياسة الهيمنه الاميركيه والسيطرة الاحادية الجانب ،المستنده الى قانون الغاب وليس الى القانون الدولي …! اخيراً على امريكا واذنابها واتباعها الذين خاضوا في دماء شعوبنا لسنوات طوال بان الاندماج الاقتصادي ، وليس الحروب والدماء ، هو الطريق الذي تبحث عنه قوى حلف المقاومة والصديقة روسيا وهو الطريق الوحيد القادر على ضمان الاستقرار والنمو الاقتصادي في منطقتنا والعالم وهو الكفيل بان يقودنا الى مزيد من التطور والتقدم .
فيما التمترس وراء اوهام ، او حتى اهداف لا تتحقق الا بالوسائل العسكريه وبالعدوان ، كما هو موقف تركيا بالمقابل لاسيما نوع تعاطيها مع القضية السورية بوجه عام ومع مسألة الأكراد بوجه خاص ، لن يقود الا الى مزيد من التوتر والتصعيد والدمار…! نقولها ونحن في خواتيم القضاء على احلامهم الامبراطورية والجهنمية بان الحل لكل القضايا المتعلقة بالخلافات على الخدود او حقوق الامم والشعوب وتقرير المصير لا يكمن الا في احترام سيادة الدول وإقامة تعاون مشترك على هذه القاعدة . واخيرا وليس لا اخرا لا خلاص ولا امن ولا استقرار ولا نجاح لكل ما تقدم من مشاريع الا بتفكيك القاعدة العسكرية الامريكية المزروعة على ارض فلسطين والمسماة ” اسرائيل ” وترحيل كل عديدها ومعداتها مع سائر قواعد الطغيان والعدوان الامريكي الاخرى لانها اصل البلاء وبذرة الشر المطلق. قيامتنا تقترب بزوال هذه الغدد السرطانية وشرط نجاح كل مشاريع السلم والتعاون لدينا رهن بذلك. بعدنا طيبين قولوا الله
لا يوجد صور مرفقة
|