الأوضاع المعيشية تزداد تأزماً، مبيعات النفط تخطت حاجز المليون برميل يومياً، ناهيك عن أنبوب تصدير الغاز الذي لم يتوقف تدفقه، أما عن الإيرادات، فاسأل عنها كبريات النزل وأماكن الترفيه الصيفية والشتوية بمختلف الدول وخاصة المجاورة لنا، متصدري المشهد السياسي جالوا على مختلف الدول بهدف إيجاد حلول للازمة في ليبيا، ولكنهم في الحقيقة يسعون وبكل ما أوتوا من دهاء وبلادة وقلة حياء، للاستحواذ على أكبر كمية من أموال الشعب الليبي وإيداعها في حساباتهن الخاصة بالدول التي نصبتهم، فالقرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود الذي نتمنى أن يأتيهم قريباً، وتنتهي مأساة شعب بأكمله.
ربما طيبة الشعب وعدم لجوئه لاستخدام السبل المؤدية الى التغيير سلمياً (التظاهر والوقفات الاحتجاجية) كان السبب الرئيسي في إيصاله إلى هذا الوضع، البعض لم يعد يقوى على العيش البسيط فأخذ يشحذ على الطرقات، آخرون لم يستطيعوا الانفاق على أبنائهم لأجل مواصلة الدراسة فأجبر هؤلاء الأبناء على أعمالٍ لا تتناسب وبنيتهم الجسمية والعقلية، وأصبحوا عرضة للوقوع في أحضان تجار المخدرات وأعمال الرذيلة، أي أن جيلاً بأكمله يسقط من الركب وتتوقف عملية البناء، عندها لن تكون هناك فائدة من عملية اعادة الاعمار التي يترقبها الكثيرون، فبناء الانسان يحتاج الى وقت ليس بالقصير ان كانت هناك فعلا نية للتكفير عن الجرائم التي ارتكبتها الدول التي شاركت في تدمير البلد، وعملاءها الذين هللوا وكبروا لمقدمها.
هناك مسؤولون لم يعجبهم حديث أحد الوزراء في تونس عن الاتفاقيات بين رجال أعمال من القطرين عندما قال عبارة (النفط مقابل الغذاء) أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وطلبوا من الوزير التوضيح أو الاعتذار لأن هؤلاء المسؤولين لا يعيشون واقع طبقة الفقراء التي أخذت تتسع بفعل استنزافهم المذهل لمقدرات الشعب، فرواتبهم الخيالية وضعتهم في خانة الاثرياء، ونعتبر غضبتهم مجرد جعجعة لن تخلف طحينا، لإيهام الرأي العام الذي اصبح يدرك مدى فسادهم وفداحة أعمالهم بأنهم يولونه كل اهتمام ولا يسمحون للغير بالتطاول عليه(غضبة مضريه).
الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الاساسية للعيش، يجعل البعض يتمنى ان تتولى الامم المتحدة مسؤولية اعاشة الليبيين والكف عن السؤال وطلب السيولة النقدية، حيث يتم تجميد الاموال المتبقية الى ان تقوم الدولة ومن ثم التصرف فيها، الاكيد انهم وصلوا الى درجة اليأس من تصرفات الحكام واللعب بقوت الناس، ربما فات هؤلاء البسطاء ان برنامج النفط مقابل الغذاء له عيوب، فالأمم المتحدة (في حال موافقتها على ذلك) ستعهد الى شركات معينة بتوريد السلع الضرورية وهذه الشركات ليست نزيهة (كما حصل بالعراق)فستذهب جل الاموال الى جيوب السماسرة من اجانب ومحليين اضافة الى ان السلع لن تصل الى مستحقيها، بل يوزع بعضها وتتم المتاجرة بالبعض الاخر ويفرخ رأسماليون جدد، وبالتالي لن يتحسن الوضع المعيشي بالشكل المطلوب، قد يكون اخف وطأة ولكنه لن يقضي على المشكلة.
يبقى القول بأن سلبية المجتمع هي التي جعلت الطبقة الحاكمة الفاسدة المنتهية الصلاحية تمعن في احتقار البشر وإذلالهم، ولا حل إلا باستبعاد متصدري المشهد جميعهم وتشكيل حكومة ازمة لا تضم في صفوفها أيا من الرموز الحاليين(الحديث عن اعادة تشكيل المجلس الرئاسي انما هو لإطالة امد الأزمة-أي تمديد عمر اجسام كان الاجدر توقفها عن الحياة السياسية منذ فترة وإحالتها الى القضاء) والدعوة الى انتخابات برلمانية ورئاسية برعاية اممية ويكون الحكم هو صندوق الانتخابات وإجبار كافة الاطراف المتصارعة على القبول بنتائج ألانتخابات عندها تكون الامور قد هدأت والنفوس قد اطمأنت، ومن ثم العمل على كتابة دستور جديد للبلد، فالدساتير تكتب في زمن السلم والتوافق بين مكونات الشعب لا زمن الاحتراب.