ناقش الرئيسان بوتين وترامب في قمة هلسنكي مسألة الأضرار الناجمة عن الحرب، وقد بات من المعروف أن دونالد ترامب يختلف اختلافاً شديداً مع الأيديولوجية البوتانية، والرأسمالية المالية والإمبريالية الناتجة عنها. وهو يعتقد أن بلده ليس مجبراً على تحمل عواقب جرائم أسلافه من الرؤساء، التي كان شعبه ضحية لها أيضاً. ويؤكد أن هذه الجرائم ارتكبت بتحريض من النخب المالية لصالح نخب مالية عابرة للأوطان. ولذلك فهو يرى أن على هذه النخب أن تدفع الثمن، بيد أن أحدا لايعرف حتى الآن كيف سيتمكن من إجبارها على تقبل هذا الأمر.
كما اتفق الرئيسان على تسهيل عودة اللاجئين إلى سورية. وبذلك، نسف دونالد ترامب خطاب سلفه القائم على مقولة أن هؤلاء اللاجئين، فروا من /القمع الدكتاتوري/، وليس من اجتياح الجهاديين لبلدهم.
كما جرى استقبال الوزير سيرغي لافروف، وفاليري غيراسيموف بعيداً عن الأضواء في الاتحاد الأوروبي.
الجنرال غيراسيموف في الخطاب الرسمي الغربي هو محتل، غزا شبه جزيرة القرم، وألحقها ببلاده، لذلك فرض عليه الاتحاد حظر دخول أراضيه. ونظرا لتعذر شطب اسمه من لائحة العقوبات بسبب ضيق الوقت، وزيارته المفاجئة، فقد قرر الاتحاد الأوروبي التغاضي عن مبادئه الأساسية، والسماح بدخول استثنائي لبطل إعادة توحيد شبه جزيرة القرم مع الوطن الأم، روسيا.
وبحكمة بالغة، امتنع الوفد الروسي عن المطالبة بمحاسبة كل دولة عن دورها في الحرب، ودعا بدلا من ذلك، إلى المساعدة في إنهائها، من خلال الوقف الفوري للحرب السرية، وإيقاف كل صنوف المساعدات للجهاديين، وعودة اللاجئين، وإعادة فتح السفارات. وأكد الوفد للأوربيين إمكانية أن يشارك الجميع في إعادة الإعمار، من دون تمييز.
لكن بمجرد مغادرة الوفد الروسي عاصمة الاتحاد الأوروبي، اتصل كل من المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والرئيس إيمانويل ماكرون بوزارة الدفاع الأمريكية يسألانها، ببراءة ساذجة، ما إذا كان صحيحا ما يشاع بأن الرئيس دونالد ترامب يعتزم إجبار بعض الشركات العابرة للحدود ( مصرف كي.كي.آر، أو شركة لافارج) على دفع تعويضات لسورية، وبالطبع كان هدفهما زرع البلبلة في الضفة المقابلة من الأطلسي.
موقف الرئيس ماكرون، القادم من الوسط المصرفي، له دلالاته المؤسفة، لاسيما بعد أن قام بخطوة رمزية جسدت حسن نواياه حين قدم 44 طنا من المساعدات الإنسانية للشعب السوري، تم نقلها عبر الجيش الروسي.
مع ذلك، تمكن الوزير لافروف، وغيرسيموف من الإعلان عن إنشاء خمس لجان في الشرق الأوسط لتنظيم عودة اللاجئين، تضم كل واحدة من هذه اللجان الموزعة في كل من مصر، ولبنان، وتركيا، والعراق، والأردن، ممثلين عن الدولة المضيفة، ومندوبين روساً، وسوريين.
بيد أنه لم يجرؤ أحد على طرح السؤال المثير للغضب : لماذا لم يتم إنشاء مثل هذه اللجان مع الاتحاد الأوروبي؟
ويبقى القلق الإسرائيلي إزاء رحيل المستشارين العسكريين الإيرانيين وحزب الله من سوريا، معلقا.
هنا، لابد من التذكير بسخرية غيراسيموف من مطالبة الإسرائيليين المهزومين، برحيل الإيرانيين المنتصرين من سورية.
لكن موسكو حلت المعضلة على أكمل وجه، حين قامت الشرطة العسكرية الروسية بالمساعدة في نشر قوات الأمم المتحدة على طول الشريط الحدودي بين سورية وإسرائيل، الذي كانت قد طردت منه قبل أربع سنوات. كما قامت روسيا بإنشاء ثمانية مراكز مراقبة عسكرية. وبهذه الطريقة، صار بوسع موسكو أن تضمن لسورية عدم عودة الجهاديين إليها، ولإسرائيل عدم مهاجمة إيران لها، انطلاقا من الأراضي السورية.
تييري ميسان
ترجمة
سعيد هلال الشريفي