تَصَدّر موضوع “المهاجرين واللاجئين” أخبار أوروبا، بينما اختفت أو خَفَتَت التعليقات حول تهديدات الرئيس الأمريكي بزيادة الرسوم على واردات أمريكا من السلع الأوروبية، وأوامره بزيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، لشراء عتاد أمريكي، ضمن برامج الحروب العدوانية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، الرّامية إلى تخريب وتفتيت دول يَضْطَرُّ سُكانها للخروج بحثًا عن عمل أو مكان آمن في أوروبا، إذ تُعْتَبَرُ دول أوروبّا مسؤولة عن (ومُشارِكَة في) كافة الحُروب العُدوانية الأمريكية (كل حُروب أمريكا عُدْوانية ولم تَخُضْ حربًا دفاعية واحدة في تاريخها القصير)، ويُتوقّع أن ترتفع النزعة العنصرية والعدوانية ضد شعوب جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط بعد اجتياح اليمين المُتَطَرّف (بمقاييس أوروبا) كافة البرلمانات والحكومات، وأصبح يحكم عديد الدول ضمن ائتلافات فضفاضة مع اليمين التقليدي أو “المُعْتَدِل” (بمقاييس أوروبا أيضًا)، في بولندا والمجر والنمسا وإيطاليا وأوروبا الشمالية وهولندا… يُعْتَبَرُ موضوع وجود المُهاجرين واللاجئين في أوروبا مُصْطَنَعًا وشَمّاعَةً تُعلِّقُ عليها الحكومات فشَلَها في حل مشاكل الفقر وارتفاع حدة الفوارق الطّبقية والبطالة وأزمة السكن، وغيرها من المشاكل الحقيقية التي وجب إيجاد حلول عاجلة لها، خاصة في البلدان التي لا توجد فيها هجرة أَصْلاً مثل المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا، والتي يحكمها اليمين المتطرف، أما عن موضوع الهجرة وبث مشاعر الخوف والعداء لكل ما هو أجنبي، فتُشِير البيانات والأرقام إلى انخفاض أعداد المهاجرين الوافدين إلى الإتحاد الأوروبي بنسبة 50% خلال النصف الأول من سنة 2018، مقارنة بالفترة المماثلة من سنة 2017، ولم يتجاوز عددهم 33 ألف وافِد، إلى قارة تضم قرابة نصف مليار نسمة، استفاد اقتصادها من العَمالة الرّخيصة التي يُشكّلُها المُهاجرون، واستغلت مليشيات الإرهاب في ليبيا تجارة تهريب المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وكان معمر القذافي قد نَبّهَ أوروبا إلى ذلك قبل اغتياله من قِبَل المخابرات العسكرية الفرنسية، وأبرمت حكومة اليسار المزعوم في إيطاليا صفقة مع المليشيات الإرهابية في ليبيا سنة 2017، لِصَد اللاجئين في الموانئ الليبية قبل سفرهم، مقابل حصولها (المليشيات) على المال والسلاح وأجهزة المراقبة والتّنصّت، وأنشأ الإتحاد الأوروبي (بدعم من حلف الناتو) شرطة خفر السواحل، وضغط الإتحاد الأوروبي -وخصوصا حكومات ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا- على حكومات المغرب العربي والدّول المُحيطة بالصحراء الكبرى لإقامة معتقلات ومُحْتَشَدات جديدة إضافة إلى البعض الموجود في ليبيا وتونس والمغرب، بدل الحوار والتّشاور مع هذه البلدان، ويرفض الإتحاد الأوروبي دراسة حلول أخرى غير الحل الأمني، وزيادة الإنفاق على الدوريات العسكرية، وعلى السّجون والمعتقلات والرحلات الجوية لطرد اللاجئين والمهاجرين، وأنفق الإتحاد الأوروبي قرابة 6,5 مليار يورو سنويا، في اتفاق مع تركيا لوقف هجرة الاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان (وتحتل الجيوش الأوروبية إلى جانب أمريكا هذه البلدان) واتفقت حكومة إسبانيا مع حكومات المغرب والسنغال وموريتانيا لوقف هجرة فُقراء إفريقيا الغربية نحو أوروبا، ويعمل الإتحاد الأوروبي على زيادة المُعتقلات داخل وخارج أوروبا، وترحيل مزيد من المَطْرُودين من أوروبا نحو أوطانهم التي تقصفها جيوش أوروبا وحلف شمال الأطلسي، مع إغراء حكومات بعض البلدان برشاوى لن يستفيد منها الشعب، لكي تتحول بلدان المغرب العربي إلى مراكز تحقيق ومُحْتَشَدات لِفُقراء البُلْدان الواقعة تحت الهيمنة (قرارات قمة قادة الدول الـ 28 الأعضاء في الإتحاد الأوروبي في بروكسل يومي الخميس 28 والجمعة 29 حزيران 2018)… كانت رُدُود فعل المنظمات الإنسانية والحقوقية الأوروبية مائعة ودون مستوى انتهاكات أوروبا للمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان، بينما يُشَكِّكُ نقابيو ومناضلو المغرب العربي في جِدّيّة رفض حكومات بلدانهم للقرارات الأوروبية التي اعتبروها “استعمارًا جديدًا”، ويتوقعون قبولها إذا تَلَقّت دعمًا مالِيًّا أكبر، وسبق توقيع اتفاقيات بين أوروبا ودول المغرب العربي منذ بداية القرن الحالي بشأن قُبُول مواطنيها المُرَحّلِين من أوروبا، ويكمن الخلاف في قبول مواطنين من بلدان أخرى، من أفريقيا جنوب الصحراء، بشكل خاص، وكانت حكومة الإخوان المسلمين و”الدّساترة” في تونس قد قبلت مبدأ قَبْض 265 مليون يورو، مقابل توقيع اتفاقية مع حكومة ألمانيا في شهر آذار/مارس 2017، بشأن “تسريع إجراءات ترحيل التونسيين الذين لا يستجيبون لحاجة الإقتصاد الألماني، وتقوية التعاون الأمني للتحقق من هويات هؤلاء التونسيين، ومَدّهِم بالوثائق اللازمة لترحيلهم”، وتلَقّت حكومة الإخوان المسلمين في المغرب وكذلك إحدى الحكومات الثلاث (غير الشرعية جميعها) في ليبيا، دعما أوروبيا لتوقيف المهاجرين القاصدين أوروبا عبر البحر المتوسط… عن أ.ف.ب + د.ب.أ + منظمة “بْرُو أَزِيلْ” 28 و29/06/18
أمريكا– ديمقراطية رأس المال: تظاهر آلاف المواطنين ضمن أكثر من 750 مسيرة في كافة الولايات الأمريكية الخمسين، من بينها حوالي 80 مسيرة في ولاية “كاليفورنيا” لوحدها، احتجاجًا على تقسيم العائلات، من خلال فصل الأطفال عن أهاليهم من المهاجرين “غير النِّظامِيِّين”، وذلك بعد ثلاثة أيام من اعتقال نحو 600 من المتظاهرين الذين تجمّعُوا أمام مبنى الكونغرس، في مسيرة كبرى في العاصمة “واشنطن”، وكان الرئيس “دونالد ترامب” قد تراجع عبر توقيعه مرسوما رئاسيا لوقف فصل 2,5 مليون من أطفال المهاجرين عن والديهم، لكن معظم هؤلاء الأطفال لا يزالون ينتظرون العودة إلى أهاليهم، ما أثار غضب حقوقيين وأوساط اجتماعية واسعة، مع الإشارة أن مجلس النواب لم يتبن أي مشروع لتعديل سياسة الهجرة… في باب السياسات القَمْعِيّة أيضًا، تُنَظّم أمريكا باستمرار حملات إعلامية ضد الصين وإيران وغيرها، بسبب أحكام الإعدام، وعدم احترام حقوق الإنسان وغير ذلك من التّعِلاّت، لكن الولايات المتحدة من أكثر البلدان عنصرية وتشدُّدًا ضد الفُقراء والمواطنين السود الذي تقتلهم الشرطة، دون عقاب، ويأمر القضاء بسجن الفقراء وكثير من الأبرياء، دون تخصيص الوقت الكافي لدراسة القضايا أو الإلمام بعديد الجوانب التي تُحيط بالقضايا المطروحة أمام القُضاة، ويعيش في الولايات المتحدة نحو 5% من سُكّان العالم، لكن يوجد بها 25% من إجمالي عدد سُجناء العالم، وهناك أكثر من مليونَيْ سجين، أو واحد من كل 743 شخص يعيش في أمريكا، وهو رقم قياسي عالمي، وَأورد الكاتب “ديف هوغز” (Dev Hugs) في “مُدَونة السّجون” إن عدد المساجين في الولايات المتحدة لم يبلغ 300 ألف سنة 1972، وارتفع إلى مليون سنة 1992، وإلى أكثر من مليونين سنة 2017، ويعود هذا الإرتفاع إلى خصخصة السّجون، وارتباط الشركات التي تُدِيرُها بأجهزة الشرطة والقضاء، وبوسائل الإعلام، لتسليط أحكام طويلة، لزيادة أرباح الشركات، حيث العمل المجاني في السجن شبه إجباري، لأن تكلفة الأكل والملبس ومشاهدة التلفزيون أغلى بكثير من الأسعار المعمول بها خارج السجن (وهو نفس الشيء في أوروبا بشأن الأسعار)، ويُنتج السُّجناء في السجون المخصخصة في الولايات المتحدة نسبة 100% من الخوذات العسكرية، ومن أحزمة الذخيرة والسترات الواقية من الرصاص، والشارات، والقمصان والسراويل والخيام والحقائب وأدوات الطبخ والطعام، الخاصة بالجيش الأمريكي في أرجاء العالم، أي أن الجيش الحكومي يعتمد على السجون الخاصة للتّزَوّد باللوازم وبعض العتاد، بأقل التكاليف، وتنتج السجون 93% من جميع “الدّهانات” والفراشي، و 92% من مواقد وأَفْران المطبخ، و36% من مجموع التجهيزات المنزلية، و30% من السماعات و مكبرات الصوت، و 21% من الأثاث المكتبي (هذه النّسب من إجمالي ما يُنْتَجُ في الولايات المتحدة، وهي نفس النسب تقريبا منذ قرابة عشرين سنة)، ويتصل المُشرفون على السجون بالشرطة والقضاء ليحصلوا على العدد المناسب من العُمال العبيد، وبذلك فإن المساجين يُشَكّلون مصدر ربح وفير للشركات التي تتعاقد مع السجون، ولها مصانع داخلها (أو خارجها أحيانًا)…
إذا كانت نسبة السجناء في الولايات المتّحدة هي الأعلى في العالم، فإن نسبة تسجيل الناخبين هي من بين الأدنى في الدول الصناعية، حيث تحتوي قائمات من المُسَجّلِين على 64% من السكّان في سن التصويت، مقابل 91% في كندا وبريطانيا، و99% في اليابان… وردت هذه البيانات في دراسة صدرت عن (Left Business Observer)… عن صحيفة “غارديان” + شبكة “سي إن إن” + موقع “برافدا” 29 و30/06/18 (لمزيد من التفاصيل يُرجى مراجعة: الطاهر المُعز- “قُوّة المنطق في مواجهة منطق القوة”- في نشرة “كنعان” 26/10/2010 – الرابط: https://kanaanonline.org/2010/…/قوة-المنطق-في-مواجهة-منطق-القوة)
فوارق طَبَقِيّة: تُعادل ثروة ثمانية أشخاص من أثرى أثرياء العالم ممتلكات و”ثروات” 3,6 مليارات شخص، أو 50% من سكان الأرض، وتُحَقِّقُ خمس شركات أميركية من أصل 293 شركة، نحو 28,5% من الأرباح التي تحققها مجمل الشركات، دون تسديد أي ضريبة، لأنها مُسَجّلة في الملاذات الضريبية سنة 2017 وقُدِّرَت مجمل الأرباح (ل293 شركة) بنحو 2,6 تريليون دولار، لتبلغ أرباح خمس شركات فقط 740,344 مليار دولارا، وتضاعفت أرباح هذه الشركات خلال سبع سنوات، وعلى سبيل المثال فقد حققت فُروع شركة “آبل” في الملاذات الضريبية أرباحًا صافية خالية من الضرائب بقيمة 246 مليار دولارا، وشركة “فيزر” للمختبرات والعَقَاقِير نحو 199 مليار دولارا وشركة “مايكروسوفت” 142 مليار دولارا، ولا تبلغ نسبة موظفي هذه الشركات في الملاذات الضريبية سوى 4% من مجمل القوى العاملة الأجنبية في هذه الشركات، وهي لا تمثّل سوى 7% من مجمل استثماراتها الأجنبية، مما يُظْهِرُ التناقض الفاضح مع قيمة ونسبة الأرباح المُحَقَّقَة (أو المُسَجّلَة) في الملاذات الضريبية، التي يُعرّفها أهل الإختصاص ب:”هي دولة أو إقليم أو منطقة أو ولاية هي دولة أو ولاية لا تشترط القيام بأي نشاط فعلي لقاء تسجيلها في سجل الشركات، وتنخفض أو تنعدم فيها الضرائب، وتُحافظ مصارفها على السرية المالية”…
تتعمّق الفَجْوَةُ أيضًا بين البلدان، وفي داخلها، فقد كانت حصة الفرد من الثروة الوطنية (من إجمالي الناتج المحلي) سنة 1970 تبلغ 18 ألف دولارا في أوروبا الغربية و2600 دولارا في إفريقيا جنوب الصحراء (أو الفارق من 7 إلى واحد) واتسعت هذه الفجوة ليصل حصة الفرد في أوروبا الغربية إلى أربعين ألف دولارا سنة 2015 مقابل 3500 دولارا في إفريقيا جنوب الصحراء، واتسعت الفجوة إلى 11 مقابل واحد… في داخل الدول الرأسمالية الصناعية المتطورة، كانت الولايات المتّحدة وأوروبا متقاربتان في مستوى عدم المساواة سنة 1980، حيث كانت نسبة 1% من السكان الأكثر ثراء يكسبون 10% من الدخل القومي، وارتفعت هذه النسبة سنة 2017، إلى 20% في الولايات المتحدة وإلى 12% من الدخل القومي في أوروبا، وارتفعت نسبة العُمّال الفقراء، والأُسر التي تحقّق دخلاً من العمل، لكنه ضعيف ولا يكفي لتغطية أبسط حاجات الأسرة، لتحصل هذه الأسر في الولايات المتحدة على مساعدات غذائية، وكانت نسبتها 19,6% من إجمالي الأُسَر سنة 1989 وارتفعت نسبتها إلى 31,8% سنة 2015، وقدّرت الأمم المتحدة عدد الفُقراء في الولايات المتحدة سنة 2016 بنحو أربعين مليون نسمة، من بينهم خمسة ملايين يعيشون في حالة فقر وحرمان مُطْلَق، بينما طاولت الضائقة المالية نحو 40% من الأميركيين، مما يجعلهم عاجزين عن تغطية نفقات الطوارئ (مثل العلاج أو الإصلاحات الضرورية في المسكن أو السيارة) والمقدرة بنحو 400 دولارا في المتوسط، من دون اقتراض الأموال أو بيع ممتلكاتهم، ولا يستطيع 20% من البالغين الأميركيين تسديد ثمن فواتيرهم الشهرية بالكامل، وتَغَيّب نحو 25% من الأمريكيين عن موعد رعاية طبية ضرورية سنة 2017 لعدم قدرتهم على تسديد التكاليف، ولا يملك 25% من البالغين الأمريكيين أي مُدّخَرات ولا معاشات تقاعدية، لأنهم لم يتمكنوا من تسديد الحِصص الدورية، فيما اقترض نصف الطلاب الجامعيين (تحت الثلاثين) للإنفاق على تسديد كلفة التعليم، ويتخلف 25% منهم عن التسديد في المواعيد المُحَدّدَة…
قُدِّرَ مجموع الثروات الخاصة أو الفَرْدِية (غير الشركات) في العالم بنحو 215 تريليون دولار، وإذا قَسّمنا المبلغ على سكان العالم، يكون النصيب الإفتراضي للفرد من الثروة 28,4 ألف دولارا، لكن هذه الثروة المُتراكمة في العالم ليست مُوزّعة بشكل عادل، بل يمتلك 15,2 مليون شخص ثروة صافية لا تقل عن مليون دولارا، ومن بينهم 2252 شخص يمتلكون ما لا يقل عن مليار دولارا، وارتفعت قيمة الثروة العالمية خلال سنوات عِقْد “الأزمة” (من 2008 إلى 2017) بنسبة 27% من 169 تريليون دولار بنهاية 2007 إلى 215 تريليون دولار بنهاية 2017، ويتوقّع أن ترتفع الثروة العالمية بنسبة 50% خلال العقد المُقبل لتبلغ 321 تريليون دولار بحلول سنة 2027، وكلّما ارتفعت قيمة الثروة في بلدٍ مَا، ارتفعت ازداد التّفاوت بين سكان نفس البلد، وتعتبر السعودية من أكثر البلدان تفاوتًا في الدّخل، تليها روسيا ونيجيريا والبرازيل وتركيا… عن تقرير “هجرة الثروة العالمية” + منظمة “أوكسفام” + تقرير الأمم المتحدة عن الفقر المُدقع حول العالم – الربع الأول من سنة 2018