في العاشر من أيار 2018، وقبل حلول ذكرى النّكبة ببضعة أيام، أراد قادة الكيان الصهيوني تحقيق انتصار رمزي في سوريا التي تحتل أمريكا وتركيا والحلف الأطلسي (إضافة إلى الكيان الصهيوني) أجزاء منها، وأحدثت صواريخ العدو الصهيوني أضرارًا وخسائر بشرية ومادّية ولكنها لم تُحقِّق أهدافها، بل أنتجت ردود فعل لم يتوقّعها قادة العدو، عبر صليات الصواريخ السورية التي أصابت الجولان المحتل ومنطقة الجليل (شمال فلسطين)، وبالتالي تقويض "ثقافة الغطرسة" والتّفوق العسكري الذي يجعل مجتمع المُسْتَوْطِنِين يشْعُرُ بالإطمئنان لأنه "مُحَصّن وخارج التهديد وبعيد عن دوائر النار والاستهداف"، ولا يجرؤُ أحد على المساس بالمُسْتوطنين القادمين من وراء البحار... لم يُحقّق الجيش السوري انتصارًا عسكريًّا ولكنه كَسَر حواجز نفسية ومادية وأحْدَثَ صدْمَةً في وعي مُجْتَمَعِ المُسْتَوْطِنِين قُبَيْل الذكرى السبعين لإعلان تأسيس كيانهم، وقبل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس...
في ذكرى النّكبة، تسارعت خطوات التطبيع من جانب الأُسَر الحاكمة في الخليج (وخارج الخليج أيضًا) التي اقترحت تمويل حرب أمريكية صهيونية ضد إيران وضد سوريا ولبنان، إضافة إلى اليمن والعراق وليبيا وغيرها، وأصبح الإعلام الذي تُموله السعودية والإمارات وقَطَر، مجرّد صدى للإعلام الصهيوني، ويرَدِّدُ ويَتَبَنّى بدون أي حَرَج تصريحات الناطق باسم جيش وحكومة العَدُو، كما يُبارك العدوان على سوريا واحتلال أجزاء من أراضيها، ويُمول ويُسلح حكام الخليج المجموعات الإرهابية في سوريا وكافة أرجاء الوطن العربي، وبلغت الوقاحة حد تصريح وزير خارجية البحرين: "إن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، وهو ترديد لتصريحات القادة الصهاينة ومعهم قادة أمريكا وأوروبا...
في ذكرى النّكبة نشرت هيئات فلسطينية بعض الأرقام، منها إن أكثر من نصف عدد الفلسطينيين يسكنون في بلادهم، منهم 1,56 مليون في الأراضي المحتلة سنة 1948 وحوالي 2,9 مليون في الضفة الغربية بما فيها محافظة القدس (حوالي 435 ألف نسمة بنهاية 2017، حيث يهدم الإحتلال نحو مائة مَبْنَى سنويًّا في القدس بهدف تهجير أصحابها)، وحوالي 1,9 مليون نسمة (66% منهم من اللاجئين) في قطاع غزة الذي يُعَدّ أكثر مناطق العالم اكتظاظًا.
على الصعيد الإقتصادي والإجتماعي، يعمل الإحتلال على القضاء على الزراعة وعلى القطاعات التي يمكنها توفير وظائف، ليستخدم الوضع الإقتصادي كورقة ضغط لكي يعمل جُزْءٌ صغير من السّكان الأصليين في منشئات العدو، بما في ذلك بناء المُستوطنات التي تُقام على أراضيهم المُصادَرَة، ولكي يُهاجر بقية السّكّان لِتَتَحَوّل أُسْطورة "أرض بلا شعب" إلى حقيقة، ويعمل الإحتلال على عزل المناطق المُحْتَلّة عن بعضها، عبر الحواجز الثابتة والمتنقِّلة، ومنع المُزارعين من الوصول إلى أراضيهم والإستيلاء على الأرض وعلى مصادر المياه وإقامة المناطق العازلة العريضة حول غزة بعمق 1,5 كيلومتر (حوالي 24% من مساحة قطاع غزة) واستولى الإحتلال على حوالي 15% إضافية من مساحة الضفة الغربية (الجدار)، وساهمت هذه السياسة المدروسة للكيان الصهيوني في ارتفاع معدل البطالة في قطاع غزة إلى حوالي 44% من القادرين على العمل (ما يُسَمّى "قُوّة العمل")، ونحو 18% في الضفة الغربية، وترتفع نسبة البطالة بين الشباب (للفئة العمرية 15-24 عاما) إلى قرابة 65%، وحَوّلَ الحصار عددا هاما من مُزارعي وصيادي غزة إلى عاطلين عن العمل، مما رفع نسبة الفقر إلى حوالي 53% من سكان غزة ونحو 14% من سكان الضفة الغربية (بيانات سنة 2017)، أما الوظائف المتوفرة فمعظمها في أجهزة سلطة الحكم الذاتي الإداري التي تموّلها المنح الدّولية مقابل السّهر على أمن العدو ومُسْتَوطِنِيه...
... تَمَيَّزَ الإستعمار الإستيطاني الصهيوني بطرد السكان الأصليين بالقوة فارتكبت العصابات الصهيونية قبل تأسيس دولتها أكثر من سبعين أدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني، والسيطرة على أكثر من 85% من مساحة وموارد فلسطين التاريخية (27 ألف كيلومتر مربّع)، ومنع عودة المُهَجَّرِين وتدمير قراهم وإزالتها من الوجود، وسيطرة الغُزاة على الأرض، وإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكان السّكّان الأصليين، وأدّى ذلك إلى نكبة الشعب الفلسطيني تجسّدت في تهجير ما بين 800 ألف و850 ألف فلسطيني (من إجمالي 1,4 مليون)، وقَدّر مكتب الإحصاء الفلسطيني عدد الفلسطينيين بنهاية سنة 2017 بنحو 13 مليون نسمة موزعين على مختلف مناطق العالم، وبقي معظم اللاجئين في الدول العربية المجاورة (إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة)، فيما فرض الإحتلال على فلسطينِيِّي الدّاخل عملية تهجير قَسْرِي بعد طردهم من منازلهم والاستيلاء على اراضيهم، ولا تزال عمليات الإستيلاء مُتواصلة في النّقَب (جنوب فلسطين) وفي الجليل وفي أحياء بعض المُدُن من بينها مُدن "حيفا" و"عكا"، وأصبحت مدينة "يافا" ضاحية لتل أبيب... بلغ عدد اللاجئين المُسَجّلِين في كانون الأول/ديسمبر 2017 في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) نحو 5,87 مليون لاجئ فلسطيني، يعيش حوالي 28,4% منهم في 58 مخيما تابعا للوكالة (10 في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 في لبنان، و19 في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة)، ويوجد لاجئون غير مسجلين، منهم من طردهم الإحتلال بين 1949 و 1967 كما لا يشمل هذا الإحصاء الدّولي الفلسطينيين (من غير اللاجئين) الذين رحلوا أو تم ترحيلهم على خلفية عُدوان 1967، وبلغت النسبة الرسمية للاجئين الفلسطينيين 42,5% من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وغزة بنهاية 2017.
... بَيّنَتْ أرقام 2015 إن حوالي 61% من الأسر الفلسطينية تحتاج إلى بناء وحدات سكنية جديدة خلال الفترة 2016- 2025، لكن سلطات الاحتلال أصدرت خلال سنة 2017 أوامر بهدم أكثر من ألف وثلاثين مَبْنى في الضفة الغربية والقدس، ونفذ الإحتلال سنة 2017 عمليات هدم وتدمير433 مبنى (سكن ومنشآت)، 46% منها في مدينة القدس، ونتج عن ذلك تشريد 128 أسرة تتألف من حوالي 700 فرد نصفهم من الأطفال، فضلاً عن الخسائر الإقتصادية للأُسر في القدس بحوالي 51 مليون دولار خلال الفترة 2000-2017، وأقر الإحتلال العديد من العراقيل التي تُعَسِّرُ الحصول على ترخيص بالبناء، بالمقابل أنشأ العدو في الضفة الغربية 425 موقعا عسكريا (قواعد ونقاط مراقبة)، منها 267 مستعمرة وبؤرة استعمارية لنحو 636,5 ألف مستوطن مستعمِر، وفق بيانات 2016، وترافقت عملية الإستيلاء على الأراضي وهدم المباني وتسريع بناء المستوطنات، مع تكثيف عمليات القمع، فاعتقلت سلطات الإحتلال نحو مليون فلسطيني منذ 1967، ويوجد في سجون الإحتلال حاليا أكثر من 6,5 آلاف فلسطيني، من بينهم 350 طفلا، و62 امرأة (ثمانية قاصرات)، واعتقل الإحتلال خلال أربعة أشهر من سنة 2018 نحو 2,4 ألف فلسطينيا (بينهم 459 طفل و 47 امرأة)، وفرض الإقامة المنزلية على 300 طفل في القدس بين تشرين الأول 2015 و30 نيسان 2018.
... بعد سبعة عقود من الإحتلال والإحْلاَل الإستيطاني وإنكار وُجود شعب فلسطيني، يشارك الشباب من الجيل الرابع أو الخامس في كافة الإنتفاضات، ويُجَنِّدُ العدُو مئات القَنّاصَة بغرض قتل وإصابة العدد الأكبر، فبلغ عدد الشهداء حوالي 10,5 آلاف شهيد 10,463 شهيدا، خلال الفترة 29/9/2000 وحتى 31/12/2017، وبلغ عدد شهداء مسيرات العودة في غزة 49 شهيدا منهم 6 أطفال وصحفيين (بين 30/03/2018 و 10/05/2018) وأكثر من 9,52 آلاف جريح منهم 800 طفل، و283 امرأة، و163 مسعفا من الطواقم الطبية...
لم تَكْتَفِ الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، بدعم حكومات الاحتلال، بل تبنت رؤيتها لفرْض تصفية القضية الفلسطينية نهائيًّا وبسرعة (عكس سياسات التصفية عبر مراحل) ولكن الشعب الفلسطيني تمكّن من تحويل الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض (30 آذار/مارس 1976 في الأراضي المحتلة سنة 1948) والذكرى السبعين للنكبة إلى مرحلة نضالية عبر تنظيم "مسيرات العودة"، وإعادة طرح موضوع اللاجئين وإزالة القُرى وطَرْد السّكّان الأصلِيِّين بالقوة، ويمثل موضوع اللاجئين العمود الفقري للقضية الفلسطينية، ولا معنى للحديث عن أي "تسوية" أو "حل الدّولتين" أو دولة واحدة يُهَيْمِنُ على اقتصادها المُسْتَوْطِنُون أو غيرها، دون العودة إلى المُربّع الأوّل وهو احتلال مجموعات من المُسْتوطِنين المدعومين من الإمبريالية البريطانية والأوروبية بشكل عام، لأرض (وطن) كان شعبها يرزح تحت الإحتلال العُثْماني ثم البريطاني، ولا حَلّ بدون هزيمة الإحتلال التي تُؤَدِّي إلى عزُوف المهاجرين الجدد عن استيطان الأرض وعزوف الرأسماليين والمصارف والشركات عن الإستثمار وتحويل الهجرة إلى هجرة مضادة بخروج المُسْتوطنين الذي لا يشعرون بالإطمئنان والأمن، ليتمكن اللاجئون من العودة لبلادهم ولأراضيهم، وتنظيم حياتهم السياسية كشعب مُسْتقل...
وردت الأرقام في بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووكالة "وفا" وبوابة "الهدف"