بقلم: عبد القادر فارس
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 13-05-2018 - 1836 لعل الدارس لطبيعة المجتمع الإسرائيلي، يلاحظ تلك الملائمة والتوافق القوي بين أهداف التربية اليهودية من جهة وأهداف الحركة الصهيونية وحاجات المجتمع الإسرائيلي من جهة أخرى، فلقد كانت التربية اليهودية بخلفيتها الدينية والتوراتية التلمودية العنصرية، وبفلسفتها المستمدة من تعاليم الصهيونية العدوانية، هي الوسيلة الأولى والأهم التي استخدمت لتحقيق أهداف الصهاينة في إنشاء دولة (إسرائيل) وبقائها. ونحن حين ننظر إلى أشكال العنصرية التي ظهرت في العالم نرى أنها كانت تعتمد على مسألة الفصل العنصري، وذلك كما وصفت النازية في ألمانيا ونظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، "فالأمر الهام لدى النازية كان هو خلق النقاء الآري، وإزالة كل من لا يتوفر فيهم هذا النقاء حيثما يوجد العرق الألماني بوسيلة أو بأخرى، وهكذا كان يفسر الفصل العنصري على أنه تطهير الأرض الآرية وتوسيعها لتشمل كل الآريين"(2)، ويفهم نظام الأبارتهايد بوضع الناس مختلفي الألوان في مناطق إقامة مختلفة وهو ما شاهدناه في زيمبابوي (روديسيا سابقاً) وجنوب أفريقيا قبل القضاء على النظامين العنصريين هناك وتسلم المواطنين الأفارقة الحكم في بلادهم. مصادر فلسفة التربية اليهودية أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العملي لمنهاج مؤسسها ثيودور هرتزل والمتمثلة في النقاط التالية: وقد كان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية، بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث مطلبهم يتمثل في تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين. أما الصهيونيون الثقافيون فكانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان اليهودي، وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني، والأيديولوجية الصهيونية بشكل عام(5). "ولقد شكلت الحركة الصهيونية لجاناً ومنظمات وهيئات هدفها، بث الدعوة الصهيونية بين اليهود في أوروبا، وكانت تأخذ شكل دروس في العبرية وفي التلمود وفي الفكر السياسي الصهيوني. وكانت بوتقة التعليم بالنسبة لدعوتهم العمود الفقري لنجاحهم في استقطاب الآلاف من اليهود الذين كانوا يعيشون في الجيتو روحاً وجسداً"(6). من خلال ما تقدم نلاحظ كيف كانت الحركة الصهيونية أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظراً لما قدمته من أفكار ونظريات وخدمات تعليمية من أجل وضع أسس تربوية خاصة تستطيع من خلالها تطبيق أهدافها الأيديولوجية والتربوية بين صفوف اليهود في كل مكان. ثانياً: الديانة اليهودية: تعتبر الديانة اليهودية مصدراً هاماً من مصادر الفلسفة التربوية عند اليهود، فلقد اعتمدت التربية اعتماداً كبيرا على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة اليهودية. "وقد ركزت تلك التعاليم على ترسيخ مفهوم الوطن القومي اليهودي الذي يعيش فيه شعب يهودي امتدت صورته الروحانية والدينية والقومية والرسمية عبر التاريخ"(7)، وقد تضمنت تلك الفلسفة من تعاليم أبناء اليهود المفاهيم الدينية التالية: 2ـ اعتبار الشعب اليهودي هو "شعب الله المختار" الذي هو فوق كل الشعوب التي سخرت لخدمته، وأن جميع الحضارات والثقافات هي وحي من هذه الديانة وهذا الشعب. 3ـ ملء المناهج الدراسية بالبطولات الخارقة والأساطير التي وردت في الكتب الدينية، وأن الله وعدهم باستخلافهم في الأرض. 4ـ إن اليهود أمة واحدة لذلك لا بد من جمع جميع اليهود في فلسطين على أساس الدين واللغة العبرية، وإعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح اليهودية والثقافة اليهودية وحياً من الدين اليهودي، وتهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً واجتماعياً وانفعالياً وعقلياً عن طريق قصص من التوارة وأسفارها. وفي هذا يقول حاييم وايزمن أول رئيس لدولة إسرائيل "عندما بلغت ما لا غنى عنه لأي طفل يهودي، وخلال السنوات التي قضيتها في مدارس الدين تلك، كان علي أن أدرس أشياء من أصول الديانة اليهودية، والذي ملك علي لبي هو سفر الأنبياء"(8) ونورد هنا بعض التعاليم والأحكام التي يحتويها التلمود، حيث صيغت بمهارة فائقة تدل على أن واضعيها كانوا على قدر من الفطنة والذكاء: ثالثاً: دولة (إسرائيل): دولة (إسرائيل) التي قامت على جزء من فلسطين في 15/5/48بتحالف بين الحركة الصهيونية وقوى التحالف الغربي واعتماداً على العنصر اليهودي، تعتبر اليوم أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظرً لاعتمادها لمصدرين سابقين، الصهيونية والدين ا ليهودي في مؤسسات التربية لعدد كبير من اليهود والذين هم سكان دولة إسرائيل حالياً والبالغ عددهم حوالي خمسة ملايين نسمة. وتستمد التربية أصولها من الفلسفة السائدة في المجتمع الإسرائيلي فهي انعكاس لمطالبه واحتياجاته. ففلسفة التربية في (إسرائيل) تهدف إلى : ومن ضمن فلسفة التربية القائمة اليوم في دولة (إسرائيل) الاهتمام بالتعليم الزراعي، حتى أن أول مدرسة تأسست في فلسطين المحتلة كانت ثانوية زراعية: "لأن الهدف الرئيس لديهم هو ربط يهود العالم بوطن، وهذا الوطن هو أرض فلسطين، وهذا الربط لا يتم إلا بالرجوع إلى الأرض واحتراف الزراعة، حتى أن بن غوريون رئيس وزراء أول حكومة إسرائيلية كان يذهب إلى قرية زراعية في صحراء النقب للعمل في الزراعة بعد تخليه عن الحكم"(14) ولذلك نرى هذه الهجمة الاستيطانية الشرسة على الأراضي الفلسطينية. وقد نادت كثير من الأصوات القيادية في دولة إسرائيل بابتعاد اليهود عن أعمال التجارة والربا والأعمال المالية التي يشتهرون بها اليوم، والرجوع إلى الأرض لكي يشعر اليهود بقيمة الأرض التي أقاموا عليها دولتهم. رابعاً: الحضارة الغربية: لقد كانت الحضارة الغربية وماتزال، أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود، حيث كان تساؤلهم دائماً: كيف يمكن أن تقوم لليهود دولة عصرية؟. ولقد جاء الجواب على ألسنة زعماء الصهاينة اليهود الذين هم زعماء دولة إسرائيل، ومعظمهم من اليهود الغربيين، والذين يمثلون الغالبية العظمى في فلسطين قبل عام 1948 والذين يمتازون بارتفاع مستواهم الثقافي والاجتماعي ويعيشون في المدن أكثر من القرى، وكان من الطبيعي أن يقوموا ببناء دولتهم على أسس عصرية غربية، ومن هنا كان الاهتمام كبيراً من ناحيتين: إن النفوذ الواسع للجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا وخاصة في مجال الإعلام والأموال، جعل الكثير من المناصب الهامة تقع في أيديهم مما ساعدهم في الاطلاع على الكثير من خفايا الحضارة الغربية وأسرارها، وجعلهم يستفيدون بأكبر قدر ممكن في سبيل جعل هذه المؤسسات الغربية الهامة في خدمة الكيان الصهيوني في مجالات التربية والتعليم والتكوين والإعلام، وبذلك استطاعوا أن يعتمدوا الحضارة الغربية كمصدر من مصادر فلسفتهم في التربية، بل وأن يسخروها في خدمة أهدافهم التربوية لبناء مجتمع صناعي وحضاري على نمط الصيغة الغربية المتقدمة عن العالم الثالث، وهكذا فإن هذه المصادر تشكل ترابطاً وتشابهاً فيما بينها بحيث يشكل الدين اليهودي تجسيداً لمعتقدات اليهود وحاملاً لتراثهم عبر التاريخ، في حين تمثل الحضارة الغربية، العقلانية العلمية "من هنا نلاحظ أن الحركة الصهيونية هي خلاصة تاريخية للتفاعل بين المصدر الثاني (الدين اليهودي) والمصدر الثالث (الحضارة الغربية)، وتمتزج هذه المصادر الثلاثة لتشكل لنا صورة المصدر الرابع، وهو دولة (إسرائيل) التي يعتبر وجودها كمصدر متمم للمصادر السابقة، إذ أنه بدون تكوين مجتمع موحد من اليهود لا يمكن تحقيق أهداف التربية التي صاغتها المصادر الثلاثة الأخرى"(16).
لا يوجد صور مرفقة
|