بقلم: مايكل روبرتس
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 08-05-2018 - 1796 في 14 سبتمبر 1867، تمكن كارل ماركس أخيرا من نشر أول مجلد لرأس المال: نقد الاقتصاد السياسي. وكان ماركس قد اعتكف في غرفة القراءة في مكتبة المتحف البريطاني لأكثر من عشر سنوات من أجل تقديم عمله العظيم في الاقتصاد السياسي في ظل ظروف قاسية من الفقر ومرض وموت أفراد من الأسرة بالإضافة إلى الجهد المستمر في محاولة تطوير منظمة أممية عمالية من أجل النضال من أجل العمال ضد رأس المال.
جاء الكتاب في البداية باللغة الألمانية، قبل سنوات من ظهوره باللغتين الفرنسية والإنجليزية. وقد تم استقباله بشكل عام بالصمت والجهل. كانت عروض الكتاب قليلة وتأتي على فترات متباعدة، وبعضها أضطر صديق عمره وزميله فريدريك انجلز لكتابته بنفسه ليثير بعض الاهتمام. ولكن الآن بعد 150 عاما، فإن رأس المال كتاب، حتى ولو لم يكن قرأه الكثرون، فقد سمع به الملايين، ليس فقط الاقتصاديين، حتى. ليس من السهل قراءة أو فهم أجزاء معتبرة من الكتاب وخاصة في فصوله الأولى، ولكن في أجزاء أخرى فإن الكتاب يقدم رصدا قويا للمظالم والطبيعة المستغلة للرأسمالية والتي تشبه مصاصي الدماء مقدما وصفا وتحليلا للقاعدة الصناعية الصاعدة وقتها والاقتصاد الرأسمالي الرائد ألا وهو بريطانيا العظمى. وكما يقول ماركس قبيل نهاية الكتاب “وإذا كانت النقود تجيء إلى الدنيا وعلى خدها لطخة دم بالولادة ، فإن رأس المال يولد وهو يقطر دماً وقذارة، من جميع مسامه، من رأسه وحتى أخمص قدميه”. ماذا يخبرنا كتاب ماركس رأس المال عن عالم عام 1867 وكذلك عام 2017؟ أولا وقبل كل شيء، يظهر ماركس أن جميع الأشياء والخدمات التي نحتاجها تأتي من ممارسة العمل. وكما علق ماركس في رسالة عن كتابه: “كل طفلٍ يعرف أن أيّ أمّة إنْ توقفت عن العمل، لن أقول لسنة، بل حتى لأسابيع قليلة، ستهلك. وكل طفل يعلم، أيضًا، أن كُتل المنتجات تستلزم كُتلًا مختلفة ومُحدّدة كمّيًا من مجموع عمل المجتمع”. وحده العمل هو الذي يخلق القيمة، ولكن أكثر من ذلك فإن ما يقوله كتاب رأس المال لماركس هو أن القيمة لا يخلقها هؤلاء الناس الذين يتحكمون في إنتاجها واستخدامها. فملكية وسائل إنتاج القيمة، في ظل النظام الرأسمالي للإنتاج، في يد مجموعة قليلة بينما لا يملك السواد الأعظم سوى قدرتهم على بيع قوة عملهم. وبناءاً عليه فإن القيمة التي يحددها الرأسماليين كفائض على القيمة يجب أن تحافظ على قوة العمل حية وقادرة على الإنجاز. والسلطة على الاستثمار والأجور والعمالة هي سلطة رأس المال لا سلطة قوة العمل. وفائض القيمة هذا يتم تقسيمه فيما بعد على الرأسمالية الصناعية كأرباح والرأسمالية المالية كفوائد وأصحاب العقارات كإيجارات. وهنا يصبح ماركس في معارضة مباشرة مع النظرية الاقتصادية السائدة التي يروج لها المدافعون عن النظام الرأسمالي الذين يعتبرون أن الأرباح هي مكافأة الرأسماليين على مخاطرتهم في الاستثمار والفائدة مكافأة المصرفيون على الإقراض المحفوف بالمخاطر والإيجار هو مكافأة للمالك على السماح باستخدام الأرض. ويبين كتاب رأس المال أن كل ذلك هراء، فالأرباح والفوائد والإيجار كلها نتاج استغلال الأيدي العاملة والاستيلاء الخاص على القيمة التي يخلقها العمل. بالنسبة لماركس إذن فإن رأس المال ليس شيئا، مثل مصنع أو رجل آلي أو مبلغ من المال، بل هو علاقة اجتماعية محددة. فالمصنع ملكية خاصة وعلى العامل أن يعمل فيه دون أن يكون له رأي في تشغيله. بل إن رأس المال هو أيضا علاقة اجتماعية عابرة حيث أن القيمة يخلقها العمال ويقوم الرأسماليون بتدويرها لتحديد المزيد من القيمة أو المال.لم تكن الرأسمالية موجودة منذ الأزل بل أنها لم تكن طريقة مهيمنة على الإنتاج، وبالتالي فهي ليست أبدية ولا هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها البشر إدارة مجتمعهم مهما قال منظروها من الاقتصاديين. يوضح رأس المال أسباب كون الرأسمالية نظام زائل. فهناك تناقض جوهري بين إنتاج السلع والخدمات التي نحتاجها، ويسميها ماركس (القيمة الاستعمالية) وبين احتياج ملاك أدوات الإنتاج والمتحكمين في قوة عملنا أن يحققوا أرباحا، وهو ما يسميه ماركس (القيمة التبادلية). إن رأس المال نظام لتحقيق الأرباح المالية لا للإنتاج من أجل سد الاحتياجات الاجتماعية، إلا أن هذا التناقض بالتحديد هو الذي يقود إلى انهيار منتظم ومتكرر في النظام الرأسمالي. فبينما يتنافس الرأسماليون لتحقيق المزيد من الأرباح والحصول على نصيب أكبر من السوق فإنهم يحاولون تقليص استخدام الأيدي العاملة واستبدالها بالمزيد من الآلات والتكنولوجيا. ويؤدي هذا الاندفاع تجاه تحقيق الأرباح من خلال زيادة إنتاجية الأيدي العاملة في نهاية المطاف إلى تحقيق أرباح أقل على رأس المال المستثمر. وبهذا فإن رأس المال يخلق بنفسه أسباب انهياره. ولكن الأنظمة الاجتماعية يمكن أن تظل مهيمنة لفترة طويلة. اقتصاديات الرق القديمة استمرت لعدة مئات من السنين والأنظمة المطلقة في الهند والصين بآسيا بقيت أكثر من ذلك، كما بقي نظام الإقطاع في أوروبا لأكثر من ألف عام. عندما نشر كارل ماركس رأس المال في عام 1867 كانت الرأسمالية قد أصبحت النظام المهيمن في بريطانيا إلا أن الأمر استغرق مئة سنة أخرى قبل أن تصبح الرأسمالية هي النظام المسيطر على أوروبا وأمريكا الشمالية وأجزاء من آسيا. في الواقع فقط الآن وبعد مرور 150 سنة على نشر كتاب رأس المال للمرة الأولى يمكننا أن نتحدث عن الرأسمالية كنظام عالمي. ولكن ماركس في كتابه رأس المال يتنبأ بما نسميه اليوم العولمة من خلال حديثه عن احتياج رأس المال الحتمي إلى التوسع من أجل مواجهة انهيار الربحية. وهكذا في عام 2017 لدينا اقتصاد عالمي تهيمن عليه الآن دول امبريالية غنية مثل الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وكذلك قوى رأسمالية صاعدة مثل الهند والبرازيل وباقي آسيا وأمريكا اللاتينية. أصبح رأس المال الآن عالميا وكذلك قانون القيمة كما وصفه ماركس في كتابه رأس المال قبل 150 عاماً. كان التطور متداخلا وغير متكافئ، فبريطانيا الاستعمارية استعمرت الهند واستغلت عمالها لقرون، ولكن الآن يقوم الرأسماليون الهنود مع رأس المال الأجنبي باستغلال الطبقة العاملة الصناعية من خلال شروط العمل المجحفة رخيصة الأجر واستخدام التكنولوجيا الحديثة. ولكن الأدلة على مدار الـ150 عاما السابقة إلى أن كتاب رأس المال لماركس كان على حق. لا تستطيع الرأسمالية تحقيق هدفها الخاص باعتصار المزيد من الأرباح من العمال وفي نفس الوقت إنقاذ الإنسانية من عالم يسيطر عليه الفقر والبطالة والانحطاط. أكد الركود العظيم في عام 2009 أن الأزمات في ظل الرأسمالية لا تختفي، بل إنها أصبحت أكثر قسوة كما أصبحت الآن متزامنة على صعيد عالمي. فهذا النهم من أجل المزيد من فائض القيمة والذي يشبه نهم مصاصي الدماء إنما يدمر الكوكب من خلال التلوث والاحتباس الحراري. ولكن يوجد تناقض واحد في الرأسمالية هو أيضا الحل، فكما بين ماركس في كتابه، فإن رأس المال يخلق عدوه بنفسه ألا وهو البروليتاريا. قد تكون الطبقة العاملة الصناعية البريطانية التي يصفها ماركس في كتابه رأس المال قد صغرت من حيث الحجم ولكن الطبقة العاملة الصناعية في العالم لم تكن يوما أكبر مما هي الآن بوجود البلايين من الأيدي العاملة في الهند والبرازيل والصين وأفريقيا. لم يكن العمل في أي وقت أقوى في صراعه مع رأس المال مما هو الآن بعد مرور 150 على أول نشر لكتاب ماركس “رأس المال”. ترجمة: دينا سمك
لا يوجد صور مرفقة
|