بقلم: محمد سيف الدولة
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 04-03-2018 - 1482 كتبت هذا المقال عقب اعلان نتنياهو عن صفقة بيع الغاز الاسرائيلى لمصر، وأردت ان انشره فى جريدة ورقية لمخاطبة دوائر اوسع من الراى العام المصرى فى قضية أراها تمس الامن القومى للبلاد، فقمت بمراجعته واعدت صياغة بعض الفقرات وتخفيف بعض الكلمات والعبارات حتى يكون قابلا للنشر فى احد الصحف الورقية. ولكن رغم ذلك لم تجرؤ الجريدة على نشره خوفا من اغضاب السلطات ومخالفة تعليمات وتوجيهات اجهزتها الرقابية والمعايير والمواصفات التى وضعتها للآراء والتوجهات الصالحة للنشر. والتى أصبح من محظوراتها مناهضة اسرائيل وعلاقاتها الاستراتيجية الدافئة مع الادارة المصرية الحالية.
على غرار اغنية شادية المشهورة " سيناء رجعت والله لينا .. ومصر اليوم فى عيد" صرح نتنياهو فى كلمة متلفزة ان اسرائيل اليوم فى عيد بسبب اتفاقية استيراد مصر للغاز الاسرائيلى بقيمة 15 مليار دولار على عشر سنوات، فقال ((أرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي تم الإعلان عنها للتو والتي تقضي بتصدير غاز طبيعي إسرائيلي إلى مصر. هذه الاتفاقية ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة وستصرف هذه الأموال لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين..و ستعزز أمننا واقتصادنا وعلاقاتنا الإقليمية لكن فوق كل شيء آخر، وتعزز المواطنين الإسرائيليين. هذا هو يوم عيد)). *** لنتنياهو الف سبب وسبب يجعله يحتفى بهذه الاتفاقية، فهى تدعم الاقتصاد الاسرائيلى وتضخ مليارات الدولار فيه، وتنتصر للاكاذيب التى يحاول ترويجها ليل نهار على المستوى الدولى من ان قضية فلسطين لم تعد تشكل اهمية لدى الحكام العرب، وان عديد من الدول العربية الكبرى اصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وان المخاوف الاوروبية والعالمية من قرار ضم اسرائيل للقدس وما يمكن ان يترتب عليه من مزيد من الصراعات والاضرابات فى المنطقة ليس لها محل من الاعراب، فها هى اكبر دولة عربية توقع معه اتفاقية بهذا الحجم بعد اسابيع قليلة من قرار ترامب وبالتزامن مع زيادة النشاط الاستيطانى فى القدس والضفة الغربية ومع تصريحاتهم المتتالية برفض الانسحاب من اى ارض محتلة. بالإضافة بالطبع الى ان الاتفاقية جاءت له على "الطبطاب" فى وقت تنهال عليه اتهامات داخلية رسمية بالفساد. *** ولكن اذا كان نتنياهو و(اسرائيل) سعداء الى هذا الحد، فاننا فى مصر بالطبع لسنا كذلك، وحين اتكلم عن مصر فانا اقصد مصر الشعبية وليس مصر الرسمية. فمنذ زمن بعيد وهناك شرخ وطنى حاد فى مصر بين انصار كامب ديفيد والسلام مع (اسرائيل)، وبين مجمل الشعب المصرى وقواه الوطنية التى لا تزال تصر على ان الارض الواقعة على حدود مصر الشرقية هى فلسطين وليست (اسرائيل) التى يعتبرونها كيانا استعماريا استيطانيا عنصريا باطلا، يستهدف مصر والامة العربية بقدر ما يستهدف فلسطين، وان اتفاقية السلام معه لم تكن سوى سلخ لمصر من الصراع العربى المصيرى فى مواجهة المشروع الامريكى الصهيونى، وان نتائجها كانت كارثية على القضية وعلى المنطقة وعلى مصر ذاتها، حيث ادت الى ان تتحول (اسرائيل) بعد انسحاب مصر من المعركة الى القوة الاقليمية الأولى وتبتلع مزيد من الاراض الفلسطينية وتعربد كما تشاء فى المنطقة. ولكن لا تقتصر أسباب الرفض الشعبى المصرى لصفقة الغاز الاخيرة، على هذه المبادئ والثوابت الوطنية بل لأسباب اضافية عديدة نفصلها فيما يلى: • فهو يرفض التوجهات العامة فى السنوات الاخيرة نحو بناء علاقات خاصة دافئة غير مسبوقة مع اسرائيل، يتم توصيفها دوليا واقليميا على انها تخطت مرحلة التنسيق الامنى المنصوص عليه فى المعاهدة الى بناء تحالفات ثنائية واقليمية تهدد الأمن القومى لمصر وللامة العربية. • كما يرفض هوجة التطبيع العربى الاسرائيلى الجارية اليوم، من اجل تصفية القضية الفلسطينية ودمج (اسرائيل) فى المنطقة لمواجهة ما يسميه ترامب بالمخاطر المشتركة وعلى رأسها الخطر الايرانى. • وهو يشعر بان هناك ردة هائلة على الخط الذى تبنته ثورة يناير، حين قدمت حسنى مبارك الى المحاكمة بتهمة تصدير الغاز لاسرائيل. • وهو لا يقتنع بالادعاءات الرسمية التى تقول ان القطاع الخاص هو صاحب الصفقة الاخيرة وانه ليس للدولة علاقة بها، لانه يدرك جيدا من تجربة "حسين سالم" وآخرين ان الدولة هى الفاعل الرئيسى على الدوام وأن ما عدا ذلك من شركات خاصة أو رجال اعمال مصريين ما هم الا واجهات لها لتجنب غضب الرأى العام. وأن لا أحد فى مصر يملك ان يقدم على مثل هذه الصفقات الا بتوجيه من الدولة او بمباركتها على اضعف الايمان. وهو ما جعل كثير من المراقبين يربطون بين اصدار الدولة لقانون جديد للغاز يفتح آفاقا واسعة للقطاع الخاص فى الأسواق المحلية والدولية، وبين الصفقة الأخيرة، وكأنها كانت بمثابة تمهيد لها. • كما ان هناك شعورا جارفا بان ما قامت به الدولة من اغلاق المجال السياسى وتاميم الاعلام والهيمنة على البرلمان، ليس له علاقة بحديث الارهاب وحماية الدولة، بقدر ما له علاقة بتمرير اتفاقيات وصفقات مرفوضة شعبيا ووطنيا، مثل تيران وصنافير واستيراد الغاز من (اسرائيل) والرضوخ لتعليمات صندوق النقد الدولى فى تعويم الجنيه والغاء الدعم ورفع الاسعار وفرض مزيد من الضرائب. • كما ان هناك استفزازا عاما من عمق الثقة والطمأنينة التى تمتلكها (اسرائيل) لكى توقع على صفقة من هذا النوع لمدة عشر سنوات، وكأنها تضمن استمرار السياسات والتوجهات الحالية الدافئة بينها وبين مصر لعقد قادم، رغم أن صفقتها السابقة مع حسين سالم، لم تصمد طويلا امام الغضب الشعبى المصرى الذى تفجر فى ثورة يناير. • كما ان هناك غضبا مشروعا من تكبيل مصر بمزيد من الاتفاقيات والقيود مع (اسرائيل) التى قد تورطها فى دفع مزيد من التعويضات فيما لو تم تفجير خطوط الغاز كما حدث من قبل ابان ثورة يناير، وما ترتب على ذلك من الحكم على مصر بغرامات لجهات أجنبية منها رجال اعمال اسرائيليين، آخرها بمبلغ 1.03 مليار دولار. • كما هناك رفضا قطعيا للخطاب الرسمى فيما يذهب اليه من تحليل الصفقة من منظور المكاسب المالية والاقتصادية الضيقة، مع عدو يوظف كل دولار فى خزانته لقتل مواطنا فلسطينيا و بناء مستوطنة جديدة و احتلال مزيد من الارض، أو لقصف اهدافا سورية و لبنانية وتونسية و سودانية وعراقية..الخ، أو لبناء ترسانة من أسلحة الردع يثبت بها تفوقه العسكرى على مصر والدول العربية مجتمعة. فقضايا الأمن القومى لا تناقش بمنطق حسابات "البيزنس". • كما ان هناك غضبا مكتوما على هذه الفئة من المصريين التى دأبت على تحدى الاجماع الشعبى والثوابت الوطنية وضوابط الأمن القومى والمصالح العليا، من أجل مصالحها وأرباحها الخاصة، واقصد بها فئة رجال الاعمال الذين عقدوا صفقات الغاز والبترول والكويز والشتلات الزراعية والانشطة السياحية ..الخ مع (اسرائيل). ليذكرونا بتجار "الأورنس" المتربحون من مخلفات الجيش البريطانى زمن الاحتلال. • وبالطبع قبل كل هذا وبعده فان هناك حالة من الذهول والغموض والريبة والشك حول كل ما تم الترويج له منذ أيام قليلة حول حقل "ظهر" للغاز الذى قيل أنه سيحقق لنا الاكتفاء الذاتى ويغنينا عن استيراد الغاز الى أبد الآبدين، ليصدَم الناس فجأة بأننا عدنا الى استيراد الغاز! وبكل هذه المبالغ الطائلة! ومن اسرائيل عدونا اللدود! والتى كنا لبضعة سنوات قليلة نصدر لها الغاز بثمن بخس. فماذا نحن فاعلون؟
لا يوجد صور مرفقة
|