بقلم: جمال أسعد ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 08-11-2017 - 1727 يحتفل العالم مع المسحيين البروتستانت هذا العام بمرور خمسمائة عام على حركة الإصلاح الديني، التي قادها الراهب الكاثوليكي مارتن لوثر ضد الكنيسة الكاثوليكية فى روما عام 1517، حيث قام لوثر بتعليق بيان يشمل خمسة وتسعين اعتراضاً ضد ما كان يسمى بصكوك الغفران، حيث السلطة الدينية الباباوية التي كانت تحتكر القرار الديني والسياسي والاجتماعي، بل كانت تسيطر على كل مناحي الحياة باسم الدين، فلم تكن صكوك الغفران وبيع مساحات فى السماء غير مظهر ونتيجة لتلك الممارسات الكهنوتية التي احتكرت الكتاب المقدس، حتى أنه كان ممنوعاً على الشعب المسيحى قراءة الإنجيل، وهذا ملخصه فحواه ومعناه هو السيطرة على النص الدينى قراءة وتفسيراً وتأويلاً، وهنا يتحول الإنسان المسيحي حين ذاك إلى متلقى لا يملك غير تلقى ما يملى عليه، وهذا بلا شك مقدس كل التقديس، حيث المرسل هو مقدس فهو يملك الرتبة الكهنوتية والسلطة الكنيسة والقرار السياسى، وهو من يدخل الإنسانية السماء أو الجحيم، هنا لا مكان لدى هذا المتلقى غير إبطال وتوقيف وتمويت العقل المفكر، وعندما يتوقف العقل عن التفكير والتفعيل فى الإطار الدينى، يكون كل ما هو دينى وما هو من طرف الدين ورجاله مقدسا لا يحتمل الرأى ولا النقاش ولا الحوار، وهنا يحدث خلط واختلاط بين الشخص والفكرة أو الاجتهاد.
كان لوثر رجل دين داخل الكينسة، فعرف ومارس ثم فكر وأعمل عقله، فكان الاجتهاد الذى أوجد رؤية، ورأى فيما هو قائم، وفيما يجب أن يكون متسقا مع القيم والأهداف العليا للمسيحية حتى لو كان هذا ضد رجال الدين المقدسين وضد تفاسيرهم واجتهاداتهم وتراثهم، فهل كانت هذه الاجتهادات وتلك الثورة، التى قد أصبحت تاريخياً ثورة للإصلاح الدينى من عنديات مارتن لوثر كشخص منبت الصلة بينه وبين ما يموج فى المجتمع المحلى فى ألمانيا والمجتمع الخارجى فى أوروبا. لا شك إذا كان لوثر تعرف ومارس ما هو داخل الكنيسة، ولكنه انفتح وعرف واطلع وتأثر بما هو قائم وحادث في عموم المجتمع، ليس على المستوى الدينى فحسب، ولكن على كل المستويات الأخرى السياسية والاجتماعية، والأهم هنا الفكرية والفلسفية فى ذلك الوقت، ومن المعروف والمعلوم أن وحدة الإنسان والإنسانية تجعل الفكر البشرى والإنسانى على مر التاريخ، وفى كل الميادين هو ملك للإنسان وللإنسانية فى كل زمان وكل مكان وكل الأديان، حيث إن الفكر هو رؤية ومنهج يمتلكه الإنسان تجاه الآخر فكر أو عملاً فيحدث التأثير والتأثر، فعندما تظهر بوادر التحرك والانتقال من المجتمع الإقطاعى إلى المجتمع الصناعى، بكل ما يصاحب هذا الانتقال من أفكار ورؤى وفلسفات، هنا لا بد أن يحدث التأثير على الفكر والممارسة، عندما يتم الانتباه إلى فلسفة ابن رشد فى إعمال العقل واحترامه فى التأويل، وعندما يدعو ابن رشد إلى أن العقل لا يتناقض البتة مع النص، حيث إن النص نور الله والعقل نور الله فلا يتصادم النوران بل يتكاملان. هنا بلا شك فقد تأثر الفلاسفة في أوروبا وحتى الآن بفكر ابن رشد حتى وصل هذا الفكر إلى مارتن لوثر، وهنا لا نقول إن ابن رشد مسلم ولوثر مسيحى، فلا تناقض، فإعمال العقل والاجتهاد فى النص، فهذه طرق للتفكير واحترام العقل بإعمال العقل يكون مع التوارة والإنجيل والقرآن، فالنص إلهى، والفكر والعقل إنسانى، والنص جاء من أجل الإنسان، فهو الذى يؤمن به ويفسره ويؤله ويتأثر به، وبتلك التفاسير سواء كانت تحمل الخطأ أم الصواب، يتكون ويكون الفكر الدينى أى فكر البشر فى التعامل مع النص الدينى. ولذلك عندما تتم الدعوة لتصحيح الفكر الدينى، وليس الخطاب الدينى حتى ولو كانت هذه الدعوة قد وجهت إلى الفكر الدينى الإسلامى، ولكن الدعوة للفكر الدينى الإسلامى والمسيحى، حيث إن هذا الفكر هو الذى يشكل عقيدة وفكرا وسلوكيات المنتمى، وهذا يعنى أن هذا الفكر أو ذلك سيؤثر بشكل مباشر، كما نرى فى المصريين مسلمين ومسحيين، وذلك يصبح تجديد وتصحيح الفكر الدينى قضية وطن، وقضية التجديد البروتستانتى وبالرغم من أنها كانت ضد الفكر الدينى الكاثوليكى، ولكن طبيعة الأمور خاصة التطور وتلاقح الأفكار وتحاور الثقافات جعل الكنيسة الكاثوليكية تعيد صياغة فكرها الدينى فى أساسيات مهمة للغاية، حتى أنها عقدت المجمع الفاتيكانى الثانى فى ستينيات القرن الماضى، ذلك المجمع الذى أطلق على قراراته أنها إعادة صياغة جديدة للكاثوليكية. ولذا فنحن نحتاج إلى ثورة دينية وثورة إصلاحية ليس فى الفكر الدينى فقط، لكن فى كل مجالات الحياة، نحن نحتاج إلى ثورة فى الفكر التعليمى والفكر الإعلامى والفكر الثقافى. مجالات الحياة وحدة واحدة تؤثر وتتأثر بعضها مع البعض الآخر، مع العلم أن هناك من يستفيد من تجميد هذه الأفكار، وتلك الثقافات، وهناك من يتاجر بما هو قائم وما هو موروث ليس لصالح هذا الموروث، ولكن لمصالح ذاتية تحت شعار الادعاء بالحفاظ وحماية الدين، فالدين والنص الدينى غير التفاسير والتأويلات والتراث فى كل الأديان، فالأديان كلها تتكامل حول العقيدة الإلهية الربانية ومقاصدها العليا تتشارك لصالح الإنسان والإنسانية، حمى الله مصر وشعبها العظيم الذى عرف الدين والتدين قبل الأديان.
لا يوجد صور مرفقة
|