بقلم: محمد عبود - مصر
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 10-08-2015 - 5810 قال «ديان» بعد ٢٥ ساعة من حرب أكتوبر: علينا الهروب أو الاستسلام لأن القاهرة ودمشق لن توقفا القتال حتى تدمرا إسرائيل | افرجت الرقابة العسكرية الصهيونية عن مزيد من المحاضر والوثائق التي تتعلق بحرب أكتوبر ، حيث سمحت وللمرة الاولى، بنشر محاضر مداولات "سرية جداً" بين رئيسة الحكومة جولدا مائير ووزير الدفاع آنذاك موشيه ديان. ووفق هذه المحاضر توقع ديان أن يهزأ العالم بإسرائيل كـ "نمر من ورق" جراء عدم صمودها أمام الهجوم العربي الأول رغم تفوقها النوعي. وكان رد مائير: "لا أفهم أمراً- لقد ظننت أنكم ستبدؤون بضربهم لحظة يجتازون القناة، ماذا جرى و رد ديان: " دباباتنا ضربت وطائراتنا لا يمكنها الاقتراب بسبب الصواريخ، فهناك ألف مدفع مصري سمحت للدبابات بالعبور ومنعتنا من الاقتراب هذا نتاج ثلاث سنوات من الاستعدادات".
كما أفرجت هيئة أرشيف الدولة في إسرائيل أمس، عن محضر اجتماع عاصف دار داخل مقر مجلس الوزراء الإسرائيلي بعد مرور ٢٥ ساعة فقط على اندلاع حرب أكتوبر، وهى الخطوة التي أثارت حالة من الاستياء في الأوساط السياسية والعسكرية في تل أبيب، لما تتضمنه الوثيقة من تشويه لقيادات الدولة. ويوضح محضر الاجتماع الذى دعت إليه رئيسة الوزراء آنذاك، جولدا مائير، وحضره وزير الدفاع موشيه ديان، ورئيس الأركان دافيد بن اليعزر، وعدد من قادة إسرائيل، حالة الارتباك وروح الهزيمة التي سيطرت على قادة إسرائيل بمجرد اندلاع الحرب، واستسلامهم لفكرة الهزيمة من اليوم الأول، الأمر الذى دفع موشيه ديان لوصفها بيوم القيامة، حسب نص الوثيقة. وكشفت الوثيقة، التي حصلت «المصري اليوم» على نسخة كاملة منها، عن أن ديان طالب بترك جنوده الجرحى خلف الخطوط المصرية، ونصح قواته بالهروب من الجيش المصري إلى ما وراء خط المضايق على عمق ٣٠ كيلومتراً داخل سيناء، أو الاستسلام للقوات المصرية، كما كشفت عن أنه أصيب بحالة انهيار عصبي، وتعرض لضغوط نفسية شديدة، دفعته إلى الجزم بأن المصريين والسوريين لن يوقفوا الحرب حتى يحرروا فلسطين بالكامل، ويدمروا إسرائيل، ووصف بلاده بأنها «نَمِرٌ من ورق". وتتكون الوثيقة العبرية التي تعتبر واحدة من ٣ نسخ فقط في الأرشيف الإسرائيلي، من ١٢ صفحة من القطع المتوسط، تتصدرها عبارة «سرى للغاية»، وعنوان «محضر اجتماع في مقر مجلس الوزراء بتاريخ ٧ أكتوبر ١٩٧٣، الساعة الثانية و٥٠ دقيقة ظهرا»، أي بعد مرور حوالى ٢٥ ساعة على بدء المعارك، واستمر الاجتماع ساعتين بالضبط، حيث انتهى عند الساعة الرابعة، و٥٠ دقيقة بتوقيت إسرائيل. ويبدأ سكرتير عام الحكومة الإسرائيلية، إيلي مزراحى، تسجيل نص الاجتماع على لسان ديان الذى يعترف بالهزيمة، ويوجه كلامه إلى مائير: «هذا ليس الوقت المناسب لمحاسبة الذات، أنا لم أقدر جيداً قوة العدو ووزنه القتالي، وبالغت في تقدير قواتنا وقدرتها على الصمود، والعرب يحاربون هذه المرة بشكل أفضل بكثير مما مضى، ولديهم سلاح كثير، وهم يعطلون دباباتنا بالسلاح الشخصي، ويستعينون بالصواريخ لإقامة مظلة دفاعية يصعب على سلاحنا الجوي تدميرها، وأنا لا أعرف ما إذا كنا قد قمنا بضربة وقائية، فهل كان ذلك سيغير من الوضع بشكل كبير أم لا»، وأضاف: «كان لدى شعور بأننا سندمرهم في الطريق، وكانت لدينا تقديرات مبنية على الحرب السابقة ولم تكن صحيحة، كانت لدينا ولدى الآخرين تقديرات غير صحيحة عما سيحدث إذا حاولوا العبور". ويعترف ديان بانهيار خط بارليف، وتساقط حصونه الواحد تلو الآخر، وأخذ يقدم وصفاً تفصيليا لسقوط المواقع والتحصينات الإسرائيلية على طول خط قناة السويس، مقترحاً انسحاباً إسرائيلياً حتى منطقة المضايق بعمق ٣٠ كيلومترا بعيداً عن قناة السويس، وترك الجرحى الإسرائيليين داخل المواقع التي سقطت في الهجوم، قائلا: «لأنه لا يمكننا إنقاذهم يجب تركهم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مواقع أخرى، ومن يقدر منهم على مواصلة طريقه وصولاً للمواقع الإسرائيلية فليفعل، ومن يريد الاستسلام يستسلم، وعلينا أن نقول لهم إننا لا نستطيع أن نصل إليكم، حاولوا التسلل أو استسلموا»، ويضيف محبطا: «نتائج هذه الحرب ستؤدى إلى سخرية العالم من إسرائيل، وسينظر لنا الجميع باعتبارنا نَمِراً من ورق انهار مع أول هجوم عليه". وتدخلت مائير قائلة: «هناك شيء واحد لا أفهمه، لقد فهمت منكم أننا سنبدأ بالهجوم عليهم - تقصد القوات المصرية - فور عبورهم القناة، فماذا حدث؟»، فرد ديان عليها: «لقد تحركت دباباتنا فعلا، لكنها تعرضت لنيران المدفعية المصرية الثقيلة، فتحطمت دباباتنا، وطائراتنا لا يمكن أن تقترب بسبب حائط الصواريخ، لقد استخدم المصريون ١٠٠٠ فوهة مدفع لتأمين عبور قواتهم للقناة، ومنعنا من الاقتراب، إنها الطريقة المصرية، والتخطيط الروسي، لا شك أن ما حدث نتيجة ٣ سنوات من الاستعداد". ويواصل ديان تقديره للموقف العسكري على الجبهتين المصرية والسورية قائلا: «العرب سيواصلون القتال، يريدون احتلال إسرائيل، إنه سيناريو يوم القيامة»، فردت مائير: «ألن يوقف العرب الحرب؟»، فأجاب ديان: «إنها حرب على وجود فلسطين، إنها الجولة الثانية بعد حرب ٤٨، لن يوقف العرب الحرب، وإذا أوقفوها ووافقوا على وقف إطلاق النار، فإنهم سيستأنفون القتال مجدداً، لقد وصلوا معنا إلى الحرب الوجودية وإذا انسحبنا من هضبة الجولان فإن هذا الأمر لن يحل شيئا". وتتفق مائر مع وزير دفاعها، وتقول: «فعلا، لا يوجد سبب يدفعهم للتوقف، لماذا لا يستمرون، إنهم يشتهون رائحة الدم»، فرد ديان: «يريدون (احتلال) فلسطين وإبادة اليهود، أنا متأكد أن الأردن ستدخل الحرب، لا يمكننا السماح لأنفسنا بالتراخي، هناك حاجة لاستعدادات، على الأقل الحد الأدنى، ويجب علينا أن نفحص الاحتياط، ويجب أن نعد قوة تتصدى لأى محاولة أردنية لاقتحام الضفة الغربية، وربما يسمح الأردن (للمخربين) بالعمل ضدنا". وحدثت مشادة بين مائير، وديان، وقيادات الاستخبارات الإسرائيلية، واشتكت مائير من تقارير الموساد التي ظلت تؤكد أن السادات لن يجرؤ على دخول الحرب، وأشارت إلى أن جاسوس مصري رفيع المستوى، أكد لإسرائيل أن السادات يعلم أن أي حرب يدخلها ضد إسرائيل ستنتهى بهزيمة مصرية. ورداً على تساؤل لمائير إن كان ديان يقترح أن تطلب إسرائيل وقف إطلاق النار فورا، ويحافظ كل طرف على النقطة التي يقف فيها، رد الأخير بانفعال: «نحن لا نقف أصلا»، فاقترحت مائير طلب مساعدة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، فوافق ديان، وطلب التوجه إلى الولايات المتحدة لشراء ٣٠٠ دبابة، وكمية معقولة من الطائرات، واختتم طلباته بقوله: «يجب أن نستعد لحرب طويلة". وأنهى موشيه ديان عرضه للموقف العسكري أمام الحكومة بالتلميح إلى ضرورة استخدام وسائل أخرى لصد الهجوم ودفع الخطر عن إسرائيل، قائلا: «إن كميات الأسلحة لديهم (المصريين والسوريين) كبيرة وفعالة ومؤثرة، وتفوقنا المعنوي لا يصمد أمام هذا الكم وهذه الأعداد الضخمة جدا". وأثار قرار نشر الوثيقة دون حذف أو تعديل، حالة من الاستياء في الأوساط السياسية والعسكرية في إسرائيل، لما تتضمنه من تشويه لقيادات الدولة، وطرق إدارتهم للأزمات المفصلية التي تواجها تل أبيب، وفى الوقت الذى تلقفت فيه الصحف العبرية، الوثيقة وقدمت قراءات مختلفة لها، هاجمت عضو الكنيست السابقة ياعيل ديان، ابنة وزير الدفاع موشيه ديان، قرار الإفراج عن الوثيقة، وقالت لصحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية إن أبيها لم يكن ليسمح بالتخلي عن جنوده، وتركهم فريسة للمصريين في سيناء، وللسوريين في الجولان، واعتبرت قرار النشر «محاولة غير مبررة لتشويه والدها».
لا يوجد صور مرفقة
|