بقلم: عمر معربونی
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 12-05-2017 - 1643 إنّها معركة البادية السورية وخطّ الإمداد الإستراتيجي، وهي المعركة الفصل بعد مسار طويل سلكته الحرب على سوريا وهذه المعركة رغم الكثير من الضجيج الذي يترافق معها حتى قبل انطلاقها تأتي بعد فشل أميركا من تنفيذ أهدافها في العمق السوري وفي قلب سوريا.
وللإضاءة على ما يحدث الآن، لا بدّ من توضيح معالم الميدان وتموضع القوى وشكل السيطرة الحالية قبل الدخول الى مقاربة الوقائع الميدانية المستجدة، وهو ما لا غنى عنه لفهم طبيعة الإجراءات التي يقوم بها طرَفي الصراع على الأرض السورية، سواء سوريا وحلفاؤها او اميركا وادواتها. الآن وبعد مرور ست سنوات على الحرب، يمكننا القول إنّ سلسلة معارك الهجوم المضاد التي نفّذها الجيش السوري ارست معالم سيطرة رسمت مسار بداية نهاية الحرب ووضعت المشروع الأميركي في حالة إخفاق، ولكنها – اي معارك الهجوم المضاد لم تنهِ الحرب ولم تهزم المشروع الأميركي نهائيًا. المشهد الميداني الحالي يؤكد سيطرة الجيش السوري على منطقة الثقل الإستراتيجي للدولة، والتي تضّم المدن الكبرى وطرقات الربط بينها واغلب المنشآت الحيوية للدولة من مطارات وموانئ ومناطق صناعية، اضافة الى العامل الأهم وهو الكثافة السكانية تحت سيطرة الدولة. لهذا وصل الأميركي الى قناعة بعدم جدوى الإستمرار بالطريقة والآليات السابقة وضرورة الإعتماد على آليات جديدة لتنفيذ اهدافه الأصلية عبر تدخله كأصيل بعد وصول ادواته الى مرحلة العجز عن تنفيذ مخطط تفكيك وتقسيم سوريا. آخر المحاولات للضغط على منطقة الثقل الإستراتيجي كانت في جوبر وريف حماه الشمالي، وهي معارك أدّت إلى نتائج عكسية على غير ما كان يرغب الأميركي وأدواته، حيث تم سحق الجماعات الإرهابية بالآلاف سواء في جوبر او في ريف حماه الشمالي، اضافة الى ما تحقّق في ريف حلب الشرقي وتدمر والإنتهاء من اعلان الحدود اللبنانية – السورية منطقة سيطرة كاملة للجيش السوري وحلفائه باستثناء جيب جرود قارة – عرسال المحاصر وجيب بيت جن ومزرعة بيت جن عند سفوح جبل الشيخ. لهذا بدأنا نرى مشهدًا متوقعًا من قبل القيادة السورية والخبراء حول حتمية تعديل الأميركي لآلياته، وهو ما يحصل في المنطقة الشرقية من خلال تعاون الإنفصاليين الأكراد مع الأميركيين، وما تقوم به ايضًا الجماعات الإرهابية في الجنوب السوري من تعاون مع الأميركيين. الهدف الأميركي الآن مزدوج ويتمثل في اقامة نموذجين انفصاليين، هما الكانتون الكردي وإقليم حوران من جهة والسيطرة على خط الحدود السورية – العراقية من جهة أخرى. بما يرتبط بالكانتونان، تحاول أميركا من خلالهما تقديم نموذج للتقسيم على اساس إثني- قومي في مناطق سيطرة الإنفصاليين الأكراد ومذهبي من خلال اقليم حوران، يكونان مقدمة لكانتونات أخرى يحاول التركي ايضًا ان يستفيد من المرحلة ليضيف له المنطقة الممتدة من اعزاز حتى جرابلس ومنطقة ادلب، ويبدو أنّ الملك الأردني يطمح لما يماثل الطموح التركي في بعض مناطق الجنوب والبادية. بالنسبة للسيطرة على خط الحدود، الغالبية تعرف ان هذا الأمر كان مطلبًا "إسرائيليًا" وجاء ضمن توصية رسمية وطلب رسمي ضمن قنوات الإتصال الأميركية – "الإسرائلية" يرتبط بمنع حدوث عملية الربط بين طهران وبيروت عبر العراق وسوريا، وهو ما تعمل عليه فعلًا القوات الأميركية ومن يتحالف معها. المعركة الأولى للسيطرة على نقاط الحدود جاءت بعد فشل هجوم وانزال ما يسمى بـ"جيش سوريا الجديدة" على البوكمال، ليتم تعديل الخطط فيما بعد والبدء بتنفيذ مسارات مختلفة نشهد هذه الأيام احد سيناريوهاتها المتمثلة في الحشود المرتبطة بمناورة "الأسد المتأهب" والتي قد يتم استخدام القوات المشاركة فيها لتنفيذ عملية خرق داخل البادية السورية تذهب في اتجاه تثبيت نقاط سيطرة لمصلحة تحالف اميركا على كامل خط الحدود السورية - العراقية، وهو الأمر الذي تنبّهت له القيادة السورية وحلفاؤها وتعمل الآن بعد توقيع اتفاقية "مناطق خفض التصعيد" على تنفيذه، وهو التوجه نحو دير الزور وهو ما يتم العمل على استكمال متطلباته، والإندفاع نحو الحدود العراقية من اتجاه شمال شرق دمشق، حيث قطعت وحدات الجيش السوري وخلال عملية خاطفة وسريعة مسافة 46 كلم ابعد من نقاط تمركزها السابقة ووصلت الى السبع بيار ورجم ابو قبر على خط الطريق الرابط بين دمشق وبغداد، كما يتم تحسين شروط التثبيت والسيطرة في نطاق مطار السين حيث سيطرالجيش السوري على تلة المدارج ونقاط أخرى جنوب شرق أم السرج القبلي. إذن، الجيش السوري وحلفاؤه يدركون تمامًا طبيعة الأهداف الأميركية ويذهبون باتجاه القيام بإجراءات تمنع في المرحلة الأولى الأميركي من تنفيذ عملية الربط، في اشارة الى ان العملية التي نفّذها الجيش السوري نحو السبع بيار ورجم ابو قبر هي الوثبة الأولى من عملية مستمرة لقطع الطريق على القوات الأميركية ومنعها من القيام بمناورات حرة والتواصل مع الشمال لمنع الجيش من تنفيذ عمليته باتجاه دير الزور. وفي حين أنّ الحذر مطلوب من امكانية استخدام أميركا للقوات التي ستشارك في مناورة "الأسد المتأهب" من خلال عملية داخل الأراضي السورية، وهو أمر وارد إلّا أنّ المعركة بالنسبة للأميركيين لن تكون بالسهولة التي يتصورونها، ولهذا فإنّ اية عملية ستكون ضمن مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية سواء في الجنوب او في اية اماكن أخرى، ولأنّ منطقة جنوب درعا ومحيطها هي المنطقة الرابعة من "مناطق خفض التصعيد" والتي تخضع لمعايير ضبط بضمانة روسية فلا اعتقد ان اميركا ومن معها سيغامرون في دفع قوات الى هذه المنطقة ما قد يؤدي الى مواجهة غير محسوبة، لهذا سيقتصر اي تقدم برأيي على مناطق البادية التي لا تخضع لمعايير ضبط "مناطق خفض التصعيد". وحتى لا يتحول الحذر الطبيعي من التحركات المشبوهة للأميركيين الى هواجس، فلا بد من الإشارة الى ان خوض هذه المعركة لن تتم بمعايير الأميركي فقط، فها هي القيادة السورية وحلفاؤها يبدأون بتنفيذ عملية باتجاه الحدود وبشكل خاطف سيتم استكمالها، ما يعني أنّ المعركة لن تكون حرّة وسهلة وهو ما ستؤكده الأيام القادمة.
لا يوجد صور مرفقة
|