بقلم: تغريد سعادة
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 19-04-2017 - 1700 شكّل الاستيطان الإسرائيلي معضلة أساسية رافقت المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، المعروف باتفاق أوسلو، في الثالث عشر من سبتمبر/ أيلول 1993، وكان جديدها المفاوضات المباشرة، التي توقفت في إبريل/ نيسان الماضي، بعدما كانت قد استؤنفت بعد توقف دام ثلاث سنوات للسبب نفسه. وليكون القرار الإسرائيلي، أخيراً، بمصادرة أربعة آلاف دونم من جنوب الضفة الغربية، واعتبارها "أراضي دولة"، أي أراضٍ إسرائيلية، وتقع قريبة من حدود الضفة الغربية مع الأراضي المحتلة في 1948، وتلامس الخط الأخضر، والذي قبل به الفلسطينيون ليكون حدود دولتهم على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 242، ما يعني نسف حل الدولتين، ونسف أي أمل للتوصل إلى حل سياسي. ولطالما آمنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بمختلف توجهاتها، ومنذ نشأة إسرائيل، بسياسة الاستيطان وسلب الأرض الفلسطينية، والتي شكلت العمود الفقري للدولة العبرية. وفي المفهوم الإسرائيلي، يعمد الاستيطان إلى إحلال اليهود، وإسكانهم في الأراضي التي احتلوها بالقوة العسكرية، وبمصادرة الأراضي جبراً وقهراً، ليحلوا مكان أصحابها الفلسطينيين. وتهدف إسرائيل من ذلك إلى إحداث واقع جغرافي وسياسي جديد، يؤثر في نتائج مفاوضات الوضع النهائي لصالحها، يستفيد منه المفاوض الإسرائيلي، بحيث يستطيع أن يدعي أن الواقع على الأرض لا يسمح له بتقديم تنازلات. وإسرائيل تعمل على جعل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية تشوّه خريطة الدولة الفلسطينية العتيدة، بحيث تقطع أوصال المناطق الفلسطينية، وتعرقل التواصل الجغرافي بينها. تصعيد استيطاني متواصل منذ توقيع اتفاق أوسلو في 13 من سبتمبر/ أيلول 1993، وإسرائيل تصعّد من وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس. ووفقاً لإحصاءات رسمية فلسطينية، ضاعفت إسرائيل عدد المستوطنين منذ الاتفاق حتى نهاية العام 2013 خمس مرات. وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية، عام 2000، وصل عدد المستوطنين 210 آلاف، وفي 2012 صاروا 340 ألف. ويتبيّن من ذلك أن إسرائيل استخدمت الحرب والسلام لتعزيز وجودها في الضفة الغربية ومنع أية إمكانية للتوصل إلى السلام. وحسب مركز الدراسات العربية في القدس، كان عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عند توقيع اتفاق أوسلو 105 آلاف، وفي 2013 بلغوا نحو 600 ألف مستوطن. كما بلغ عدد المستوطنين في القدس الشرقية المحتلة في العام نفسه أكثر من 200 ألف، وهو عدد يقترب من عدد المقدسيين الذي يبلغ 280 ألفاً. وتفيد البيانات نفسها بشأن نسب النمو الطبيعي للمستوطنين في الضفة الغربية، أن هذه النسب أعلى بثلاث مرات من نسبة اليهود في الدولة العبرية، وأكثر من نسبة الزيادة في صفوف الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث وصلت نسبة النمو في صفوفهم إلى 5.8% عام 2012، في حين تبلغ نسبة النمو الطبيعي في إسرائيل 1.8%، وفي صفوف الفلسطينيين 2.9%، أي ضعف نسبة النمو في صفوف الفلسطينيين، ما يؤشر إلى حجم الاستهداف الذي تتعرض له أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية. وتصل نسبة تجنيد المستوطنين في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى 61% مقارنة بِـ36% من المجندين في تل أبيب ومنطقتها. وقد رفع هذا الوضع نسبة كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي من المستوطنين إلى 47%، وهو مؤشر آخر على تراجع فرص السلام في المنطقة، وارتفاع مؤشرات الحرب فيها. وكشفت معطيات فلسطينية، شبه رسمية، الشهر الماضي، عن أن مجموع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية بلغ 503 مستوطنات للعام الجاري، 2014، وأن عدد المستوطنين في هذه المستوطنات يزيد عن مليون. وأوضحت بيانات نشرها مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، أخيراً، أن البناء الاستيطاني الإسرائيلي الجديد زاد في الضفة الغربية في 2013 بنسبة 71.23% عن العام السابق له. ووفقاً لهذه البيانات، بدأت إسرائيل في بناء ألفين و534 وحدةً سكنية في الضفة الغربية، مقارنة بألف و133 وحدة في عام 2012. من جهة أخرى، كان هناك انخفاض كبير بنسبة 19% في عدد الوحدات السكنية التي شيّدت في تل أبيب. بينما شهدت القدس زيادة بنسبة 3.4% في عدد الوحدات. ويذكر أنه في "إعلان المبادئ"، (اتفاق أوسلو)، جرى الاتفاق على التفاوض بالسنوات الخمس التي تلي توقيعه على مناقشة قضايا الحل النهائي، وهي الاستيطان والقدس والأمن والحدود واللاجئين والمياه، تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما تهرّب منه الاحتلال، وعمد إلى سلب الأرض الفلسطينية، ونهبها، لاستكمال مخططاته، من دون الاكتراث بأي اتفاقٍ قد يقود للسلام. المستوطنات تتصدّر الإنفاق الحكومي وتولي الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية، برئاسة بنيامين نتنياهو، أهمية كبرى لتسريع الاستيطان، على مبدأ ضم المستوطنات في الضفة الغربية والقدس إلى "أراضي إسرائيل"، وهو ما يطلقون عليه "يهودا والسامرة". وبيّنت معطيات نشرتها الدائرة المركزية الإسرائيلية للإحصاء، أخيراً، أن المستوطنات تصدّرت قائمة الإنفاق الحكومي الإسرائيلي، وهيمنت على قائمة العشر الأوائل. وبيّنت المعطيات أن عدد الذين ينتقلون للسكن في مستوطنات الضفة الغربية يزيد عن عدد الذين يغادرونها، وهو ما يسمى إسرائيلياً "التوازن الإيجابي". وأفادت المعطيات بأن مستوطنة "معليه أفرايم" تصدّرت رأس قائمة الإنفاق الحكومي الإسرائيلي، ثم "عمنويل" وكدوميم وكريات أربع، على التوالي. ويبرر التقرير أن المدن الرئيسية الكبيرة، والقوية اقتصادياً، مثل تل أبيب، لا تحتاج دعم الموازنة، كالبلدات التي ليس لديها مصدر دخل. من هنا، تأتي تلك المدن في ذيل قائمة الدعم الحكومي الإسرائيلي، لكن المقارنة مع الدعم الذي تحصل عليها بلدة عربية، داخل الخط الأخضر، كالطيرة مثلاً، يظهر أن مستوطنة معليه أفرايم تحصل على ثمانية أضعاف. وتسمح إسرائيل بإقامة البؤر الاستيطانية إلى جانب المستوطنات التي تعتمدها. ففي مدينة الخليل، يقيم المستوطنون أحياءً وبؤراً في قلب المدينة القديمة، فيما تحيط المستوطنات بالمدينة من الخارج. وكذلك نابلس محاطة بالمستوطنات والمعسكرات من الشرق والجنوب والجنوب الغربي. ويبلغ عدد المستوطنات في مدينة قلقيلية 22 مستوطنة، وتفوق بذلك عدد التجمعات الفلسطينية وقراها. أما بيت لحم، فهي محاطة بسلسلة مستوطنات، ويفصلها عن مدينة القدس جدار الفصل العنصري الذي ابتلع مئات الدونمات من الضفة الغربية. وفي مدينة أريحا والاغوار، والتي تشكل 28% من مساحة الضفة، أقيمت المستوطنات فيها للسيطرة على منطقة الغور، وتضم هذه المنطقة 27 مستوطنة، تبدأ من مستوطنة ميحولا في منطقة طوباس، إلى مستوطنة متسبية شاليم، على الشاطئ الغربي للبحر الميت في بيت لحم، وهذا حال جنين وطولكرم ورام الله. إجراءات تعسفية منذ الإعلان عن وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، سارعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى نشر مزيد من مخططات التهويد والاستيطان، حيث نشرت "سلطة أراضي إسرائيل" نتائج عطاءات لبناء مئات الوحدات الاستيطانية في مستوطنة غيلو، جنوبي مدينة القدس. وبموجب نتائج العطاءات، سيجري بناء 708 وحدات سكنية في المنطقة الغربية من الحي الاستيطاني، جيلو، كما جرى إقرار خطة واسعة لبناء مئات الوحدات الاستيطانية، إضافة إلى ما أقرّ في المناقصات أخيراً، والتي تأتي ضمن المخطط الاستيطاني الذي تطلق عليه حكومة الاحتلال اسم المنحدرات الغربية الجنوبية لمستوطنة جيلو، والذي سيعمل على توسيع المستوطنة باتجاه قرية الولجة الفلسطينية، وأراضي مدينة بيت جالا. وتبلغ مساحة الأراضي التي ستستخدم للمشروع الاستيطاني الجديد 228 دونماً، ومن المتوقع أن تبدأ الشركات العشر التي فازت بنتائج هذه العطاءات المباشرة بتنفيذ تحضيرات البنية التحتية، من أجل المضيّ في أعمال بناء الوحدات الاستيطانية. وحسب رصد المكتب الوطني للدفاع عن الأرض، يعتزم المجلس الاستيطاني (أفرات) في كتلة مستوطنات غوش عصيون، إخلاء الموقع الاستيطاني العشوائي، جفعات هادغان، قبل ديسمبر/ كانون الأول المقبل، بهدف إقامة مساكن دائمة لهم، فيما أعلن عن بناء أكثر من 50 وحدة استيطانية في مستوطنتي جبل أبو غنيم، هار حوما وبسغات زئيف. وسيقام عوضاً عن الأربعين مقطورة سكنية في الموقع خمسين وحدة سكنية، ما يعني زيادة عدد سكان أفرات بنحو 25%. وأصدرت ما تسمى "سلطة أراضي إسرائيل" عطاءات لإقامة 92 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة بسغات زئيف، شمال القدس، كما سيجري بناء مشروع جديد، يتضمن إقامة 142 وحدة سكنية في مستوطنة جبل أبو غنيم (هار حوماه)، وسيبدأ البناء والتسويق في المشروع في الأشهر المقبلة. كما يجري البناء في مشاريع أخرى في المستوطنة المذكورة، تتضمن بناء 60 وحدة استيطانية، ومشروع آخر لبناء 90 وحدة استيطانية، ومشروع ثالث يتضمن 40 وحدة استيطانية، ومشروع إضافي يتضمن بناء 80 وحدة. وصادق الكنيست الإسرائيلي، أخيراً، على توسيع نطاق رقابة لجان الكنيست على الضفة الغربية المحتلة، بما يتخطى الإشراف على أعمال القائد العسكري الإسرائيلي في المناطق، وفرض السيادة الإسرائيلية القانونية والسياسية عليها، تمهيداً لضمها، ما يعني معاملة مناطق الأغوار والأراضي المصنفة "سي"، كما تعامل مدينة بيسان أو أي مدينة في الداخل، في خطوة غير مسبوقة من نوعها لضم هذه المناطق. كما صعّدت سلطات الاحتلال إجراءاتها التهويدية في القدس، حيث صادقت ما تسمى "بلدية القدس" نهائياً، وبغالبية كبيرة، على إقامة مدرسة دينية يهودية ("مدرسة دينية ـ أور سميح")، في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. وحسب المخطط، سيجري بناء المدرسة، المؤلفة من تسعة طوابق، في قلب الحي الفلسطيني، حسب ما تقرر في "اللجنة المحلية للتنظيم والبناء"، بالتوازي مع إقرار نهائي بإخلاء عائلة شماسنة من منزلها في الحي نفسه، بداعي أن الأرض التي أقيم عليها منزل العائلة كانت في العشرينيات مملوكة ليهود. دعوات فلسطينية ودعت فصائل في منظمة التحرير وقوى إسلامية الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى التوقيع فوراً على "نظام روما" والانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وإلى نقل ملف الاستيطان إلى مجلس الأمن الدولي، مشددين على أنه لم يعد يقبل التأجيل، في ضوء القرار الإسرائيلي بتغيير واقع المنطقة، والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة ومتصلة وقابلة للحياة. ويؤكد خبراء قانونيون فلسطينيون أن الاستيطان، وفقاً للفقرة الثامنة من المادة الثامنة لنظام روما لمحكمة الجنايات الدولية، يندرج في إطار جرائم الحرب، ما يتطلّب سرعة التوقيع على نظام روما، والعمل وفقاً لذلك على حشد التأييد الدولي على المستويات الرسمية والأهلية، من أجل جلب مسؤولين إسرائيليين إلى العدالة الدولية لمحاسبتهم على جرائم الحرب في قطاع غزة وجرائم الاستيطان والتهجير والتطهير العرقي، والتي ترتكبها إسرائيل في الضفة الغربية، وعدم ربط الإقدام على هذه الخطوة برهانات خاسرة على احتمالات تطور في مواقف الإدارة الأميركية. ويتواصل الاستيطان في ظل تواطؤ الإدارات الأميركية المتعاقبة مع الحكومات الإسرائيلية، وخصوصاً بعد رسالة الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، إلى آرييل شارون في يونيو/ حزيران 2004، وصادق عليها، في حينه، مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة، فتحولت إلى سياسة رسمية للإدارة الاميركية، أضفت شرعية أميركية على سياسة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية.
لا يوجد صور مرفقة
|