بقلم: سركيس أبو زيد
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 16-10-2016 - 1707 منذ اللحظة الأولى للتوقيع على الاتفاق الأميركي - الروسي، برزت شكوك في إمكانية تنفيذ هذا الاتفاق وما تضمنه من تفاهمات ميدانية معقدة، وبمدى التزام واشنطن وموسكو بما توصلا إليه وخصوصا بمدى قدرة الأولى على متابعة الملف السوري واتخاذ القرارات في مرحلة انتخابية متقدمة لا تكبل أيدي الإدارة القادمة.
كل هذا جعل موسكو تدرك أنها في سباق مع الوقت وأن النافذة تضيق لإنجاز حل قبل نهاية ولاية أوباما، الذي وإن كان يسعى بجد لإنجاز حل للأزمة السورية، إلا أنه لن يفوّت على نفسه فرصة انتزاع أكبر قدر ممكن من المكاسب، وهو يحتاج هذه المكاسب لتمرير الاتفاق في واشنطن. أما بوتين فقد استخدم أوراقه بما فيها القوة العسكرية بتبعاتها السياسية والقانونية و"الأخلاقية" للضغط على إدارة أوباما ودفعها لإنجاز اتفاق ثنائي. وكان له ما أراد مستفيدا من ضعف سياسة أوباما الذي سلّمه مفتاح الحل في سوريا ووافق على التفاوض الثنائي وإبعاد حلفائه عن جوهر المفاوضات التي بقيت طي الكتمان. موسكو راهنت على الاتفاق ورأت فيه إنجازا يُبنى عليه، وبأن الحل وُضع على السكة وسيقطع شوطا كبيرا قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض، لكن، حدثت خروقات واسعة وخطيرة في الهدنة: -غارة أميركية في دير الزور ضد موقع للجيش السوري أوقع عشرات القتلى واتهمت بها الولايات المتحدة. -انهيار الوضع العسكري في حلب ما جعل أوباما محرجا أمام حلفائه (تركيا والسعودية وأوروبا) وأمام المعارضين في الداخل الأميركي لفكرة التعاون مع روسيا وصار واقعا تحت ضغوط قوية قبل الانتخابات. مما دفعه إلى التحرك غاضباً وملوّحا بخيارات وبدائل لوضع حد للاستفزازات الروسية، وهي: -السماح للدول الداعمة للمعارضة بتقديم أسلحة وأنظمة عسكرية متطورة . -تنفيذ ضربات جوية ضد قواعد جوية للجيش السوري . -فرض حظر طيران جزئي فوق حلب. -إضافة الى سلسلة عقوبات سياسية واقتصادية ودبلوماسية منها وقف التفاوض والتعاون مع روسيا وطرد سوريا من الأمم المتحدة، إلخ... التصعيد الأميركي هذه المرة طال موسكو مباشرة ولم يقتصر على دمشق. رد الروس مستخدمين لغة التحدي ايضا ليصبح العالم على حالة من "التوتر" بين الأميركيين والروس، يعد الأول والأشد منذ اندلاع الأحداث السورية،إلا أن التوتر، وما تبعه من تهديدات لفظية أميركية، لا يعني بالضرورة أن يجد تعبيراً ميدانياً، برغم كل الحديث التصعيدي والتلويح بخيارات عسكرية ودعم تسليحي للجماعات المسلحة. فكلام الرئيس الاميركي باراك أوباما، عن الحاجة إلى التعقل بشأن إرسال قوات الى سوريا، إشارة إلى أن المواقف الاميركية التصعيدية جاءت نتيجة اختلاف رؤى في الإدارة نفسها، أكثر من كونها رد فعل على موقف روسيا المتعنت، وفشل الديبلوماسية الأميركية في انتزاعها من محورها. مصادر مطلعة تقول إن أوباما وبالتنسيق مع وزارة الدفاع (البنتاغون) يبحث في خيارات الضغط على روسيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد . بينما يرى المحللون والخبراء في شؤون الشرق الأوسط إن رهان البيت الأبيض على تفاهم مع الكرملين سقط. وباب الخيارات الجديدة التي يدرسها لرفع التحدي يكاد يكون مقفلا. لا أحد يتوقع أن يعمد أوباما إلى استخدام القوة لا في حلب ولا في غيرها. فإدارة أوباما تريد الظهور بأنها تدرس الخيارات العسكرية في سوريا أو على الأقل تحاول إرسال إشارات لروسيا أن القوة العسكرية خيار مطروح على الطاولة. صحيفة "واشنطن بوست" نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه ليس هناك اجماع على الخيارات التي يجب أن تطرح على أوباما، مضيفين أن منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط روبرت مالي وموفد اوباما في التحالف الدولي بريت ماكغورك يعارضان أي تصعيد عسكري ضد الحكومة السورية. كما استبعدت صحيفة "نيويورك تايمز" إقدام الإدارة الأميركية على أي خطوة في الوقت المتبقي لأوباما في البيت الأبيض، ورأت أن الطرف الروسي يستفيد من هذا الوقت من أجل فرض أمر واقع على الأرض أمام الرئيس الأميركي الجديد. مصادر دبلوماسية ترى أن أكبر المشاكل التي تواجه الولايات المتحدة هي أنها ليس لديها خطط بديلة للعمل في سوريا. ولقد بدا ذلك واضحا في شهادة نائب وزير الخارجية بلينكين أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حول ما إذا كانت الإدارة الأميركية تملك خططا بديلة أو الخطة "ب"، إذ قال: "إن تكثيف القصف في سوريا سيدفع الدول الداعمة للمعارضة السورية إلى ضخ المزيد من الأسلحة إلى منطقة الصراع". في المقابل تبدو روسيا مستعدة للـ"خطة ب" في سوريا في حال انهيار اتفاقها مع أميركا، ووفق معلومات وتقارير، فإن خطة روسيا العسكرية تقوم على العناصر التالية: -تحصين دمشق عبر وضع جيوب المعارضة المسلحة بين خيارين: الخروج بشروطنا أو الاستعداد لقصف وحصار لا يحتملان. -تحقيق انتصارات عسكرية وتكرار "نموذج غروزني" الذي تعتبره وزارة الدفاع الروسية ناجحا. ويشمل هذا مد السيطرة على مناطق اخرى في "سوريا المفيدة" خصوصاً حلب. -تعزيز وضع الجيش السوري في مناطق سيطرته، وفي مناطق أخرى مثل حمص وإخراج جميع مقاتلي المعارضة وتطبيق اتفاق التسوية في حي الوعر، بحيث ينتهي أي وجود للمعارضة في "عاصمة الثورة". -ترك ريف حلب الشمالي لتركيا ضمن تفاهم روسي – تركي، وضمن نتائج اللقاء الأمني الذي جرى في بغداد بين مسؤولين أمنيين سوريين وأتراك الشهر الماضي، بحيث يجري طرد "داعش" من شمال حلب الى حدود تركيا مع ضبط حدود تمدد فصائل سورية معارضة باتجاه مدينتي الباب ومنبج، مع الاستمرار في مراقبة حدود التدخل التركي، وما إذا كان سيشمل التمدد الى الرقة شرقاً لطرد "داعش" من دون دور عميق للأكراد. -ترك "جيش الفتح" الذي يضم فصائل اسلامية بقيادة "فتح الشام" و"أحرار الشام"، إضافة الى فصائل إسلامية أخرى مثل "جند الأقصى"، تسيطر على محافظة إدلب. فوفق قول ديبلوماسي روسي الى سفير أوروبي، إن "التعاطي مع هؤلاء مؤجل الى مرحلة لاحقة". أما على المستوى السياسي فإن خطة روسيا تقوم وفق المعلومات على العناصر والبنود التالية: 1 - رعاية حوار بين ممثلين للنظام والمعارضة، على أن تجري في موازاة المفاوضات الرسمية في جنيف مفاوضات عملية أمنية - ميدانية في قاعدة حميميم العسكرية الخاضعة للسيطرة الروسية. 2- تشكيل حكومة وحدة وطنية بدلا من حكومة انتقالية تضم ممثلين عن المعارضة والنظام، على أن يشغل وزراء النظام الوزارات الأساسية، خصوصا الدفاع والداخلية التي لها وصاية على الأجهزة الأمنية والعسكرية. 3 - تحدد أطراف المعارضة المشاركة في الحوار والحكومة في الشخصيات والقوى المقربة من موسكو والقاهرة، إضافة الى معارضة الداخل، ولا تكون محصورة بالمعارضة المحسوبة على تركيا والسعودية. 4- يتم استحداث ثلاثة مناصب لنواب الرئيس: نائب رئيس للشؤون الخارجية، وآخر للشؤون السياسية، وثالث للشؤون الاقتصادية. 5- تنظم حكومة الوحدة الوطنية انتخابات عامة ينبثق عنها برلمان جديد يتولى وضع دستور جديد. 6 - تنظم على أساس الدستور الجديد انتخابات رئاسية على أن يكون متاحا للرئيس بشار الأسد ترشيح نفسه، ويكون القرار والاختيار للشعب السوري. لكن، هذه الخطة الروسية تصطدم مع الولايات المتحدة في موضوع الرئيس بشار الأسد، التي تريد أن يذهب مع نهاية المرحلة الانتقالية، وتصطدم مع تركيا التي تريد موقعا ودورا للإخوان المسلمين وأن يكون لهم ثلث الحصة المخصصة للمعارضة. من الواضح أخيراً، أن بوتين يعتمد استراتيجية تقوم على التصرف بقوة وسرعة واغتنام الفرص خلال الأشهر الفاصلة قبل تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، إذ يرجح بوتين أن اوباما لن يتدخل خلال هذه الفترة في الصراع المحتدم في سوريا. لذلك تُسارع روسيا إلى مساعدة الجيش السوري لاستعادة حلب بما يُمكّن موسكو من إجراء محادثات حول مستقبل سوريا وفق شروط أقوى. لأنه مع مجيء رئيس جديد الى البيت الأبيض لن تكون مهمة بوتين سهلة، فعندها يمكن أن ينتقل من راعٍ للحل الى جزء من الأزمة في سوريا، وأن ينزلق في المستنقع السوري وأن يتفاقم سوء الوضع الاقتصادي في روسيا بسبب تكاليف الحرب السورية والعقوبات الدولية
لا يوجد صور مرفقة
|