بقلم: الدكتور نواف ابراهيم ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 16-08-2016 / 12:26:43 - 2010 تتقدم حلب واجهات وسائل الإعلام بكافة أشكاله تحت عناوين كثيرة، على رأسها عنوان: حلب —عاجل، منها ما يبعث الأمل، ومنها ما يبعث التخوف والترقب الحذر من أن تفلت حلب من يد هذا الطرف أو ذاك، وهنا لا نقارن أبداً بمعنى هذا الطرف أو ذاك مع الدولة السورية أو الجيش السوري، لأن الدولة السورية هي المالك الشرعي وفق جميع القوانين والشرائع المحلية والإقليمية للأرض السورية التي تدور عليها حرب العصر الحديث، والجيش السوري هو الحارس الأمين المكلف بحماية هذه الملكية الشرعية بديموغرافيتها وجغرافيتها وبكل مايتصل وينفصل عنها وبها ضمن هذه الحدود الشرعية للدولة السورية.
ويحق للدولة السورية أن تطلب العون من أي قوة أو حليف يشاركها المصير، للحيلولة دون انتصار قوى الإرهاب والشر الظلامية في هذه الحرب التاريخية ضد الإنسانية جمعاء، التي تديرها قوى الإمبريالية والاستكبار العالمي، بالتعاون مع بعض القوى والحكومات الإقليمية الخارجة هي أصلاً عن الشرعية بكافة أشكالها كياناً واسماً ومضموناً، ونقصد بالدرجة الأولى هنا السعودية وقطر وتركيا، والأب الروحي للإرهاب في المنطقة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية من خلفهم. وبالعودة إلى جبهة التاريخ الحمراء المغطاة بسواد الإرهاب العالمي، والمغموسة بدماء شهداء سورية وحلفائها المقاومين، نرى أن هناك الكثير من الخفايا والمستجدات على هذه الساحة الساخنة، التي تدور على أرضها حرب طاحنة لم يشهد لها التاريخ، حتى أننا لا يمكن أن نشبهها بحرب داحس والغبراء، لما فيها، بمعنى مجازي، من تشابك معقد قد يذهب العقل لوهلة إذا ما تعمقنا في تفاصيل ما يجري وكيف يجري، هذه حرب داعس الخرقاء، التي دعست فيها كل إنسانية العالم، وخرقت فيها كل القوانين والشرائع الدولية والأخلاقية والإنسانية، وحتى الحيوانية، لما تقوم به المجموعات الإرهابية من بقر البطون وتقطيع الأوصال وأكل قلوب البشر حية، والذبح تحت راية "الله أكبر" التي تبعد كل البعد عن الله وعن الإسلام، وكل هذا الأسباب بات يعرفها القاصي والداني، فهي حرب دموية لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية وجيوسياسية وفق مشاريع مسبقة الصنع، ولن ندخل هنا في تفاصيل تعابيرها ومضمونها وما يقف خلفها ومن ورائها على المدى القريب والمتوسط والبعيد، فيما لو نجحت في تنفيذها القوى التي أوكلت إليها عملية التنفيذ على الأرض المقدسة في سورية والمنطقة كلها. حلب كر وفر، انتصارات للجيش العربي السوري وحلفائه، وتحرير مناطق ومواقع استراتيجية حساسة كانت قد سيطرت عليها المجموعات الإرهابية سابقاً، ثم تعود المجموعات المسلحة بدعم لوجستي كبير وبأعداد هائلة لاسترجاع السيطرة على هذ المناطق، مرة ومرات وسبع وأكثر، والمحاولات تفشل حتى في تحقيق اختراق خجول في الطوق المحكم على حلب. مالذي يجري وماهي أسباب الإستماتة في القتال لأجل فتح ممر إلى بعض مناطق حلب في الجنوب الغربي والشرقي من المدينة ومناطق الطوق الأخرى؟ يسأل متابع مالذي يجري؟ الذي يجري في حقيقة الأمر شيء قد لايحتمله العقل العادي الذي لم يتعود على عصر نفسه بهذه الطريقة حتى يصل إلى نتيجة يقبلها العقل والمنطق انطلاقا من مجريات الأحداث على الأرض، الأمر وما فيه ومن خلال تحليل معمق مربوط بمجريات الأحداث في الميدان، والتجاذبات السياسية الإقليمية والدولية الحاصلة حالياً، تحليل أكثر من معقد يعتمد على العين المجردة وماخفي عن ناظرها من حراك مشبوه تقوده قوى ظاهرة وقوى خفية. ونبدأ بها من الحفرة التي حاولت الولايات المتحدة حفرها للدولة السورية وحلفائها وعلى رأسها روسيا الاتحادية، كونها الأسفين الأصلب في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الداعمين لهذا الإرهاب ومشروعه الاستثماري السياسي والاقتصادي في المنطقة ككل وليس في سورية وحدها، فعملت على إلباس "جبهة النصرة" الإرهابية لباس جديد يجبر العالم على الاعتراف بها ضمن ما يسمى بالمعارضة السورية المعتدلة، وكان ذلك أن غيرت "جبهة النصرة" تسميتها إلى "فتح الشام" أو "جيش الفتح" الأمر سيان في التسمية ولا خواص في تحديده لأن المضمون واحد دموي انتقامي إرهابي إيديولوجي مخترق ومفرغ من أي أخلاقية إنسانية. ولم تكتف بذلك بل سارعت إلى وضع يدها بتوجيه من العم سام مع المجموعات الإرهابية المسلحة التي يطلق عليها تسمية المعارضة المعتدلة، ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن هناك تداخلاً واختلاطاً عضوياً بين "جبهة النصرة" ومجاميع المعارضة المسلحة المعتدلة بين قوسين، التي عملت الولايات المتحدة بكل قوتها على منع روسيا من قصف مواقعها ومراكزها تحت طائلة المسؤولية والرد الأمريكي والدولي، وإلى ماهنالك من فوهات جاهزة ومحشوة بالتنديد والاتهام تجاه روسيا والدولة السورية، التي تدافع عن شعبها وأرضها، والقوات الروسية العاملة في سورية، في حال بدر أي خطر على جيوش الولايات المتحدة وحلفائها، والتي تدري بها روسيا بالكامل وبتفاصيل عملها وانتمائها ومهامها الموكلة إليها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، وبعد حادثة إسقاط أول طائرة حربية روسيا في 24 تشرين الثاني عام 2015 على الأراضي السورية من قبل تركيا، وما ترتب عليها من أزمة تركية روسية كادت أن تتطور إلى ماهو أسوأ بكثير مما يمكن أن نتوقعه، فتحولت إلى الفعل بطريقة جديدة وهي استخدام جيوشها المصغرة التي تعمل تحت شعارات ورايات المعارضة السورية المعتدلة، أمثال "لواء السلطان مراد"، و"حركة نور الدين الزنكي"، و"جيش التركمنستاني"، و"الخراساني" ومن لف لفهم، وروسيا تعلم، وتعلم جميع أجهزة الاستخبارات العالمية والمحلية، أن هذه المجموعات في حقيقة الأمر تركية، وتضم في قوامها ضباط وعناصر من الجيش وأجهزة المخابرات التركية، وهي لا تمت لسورية بصلة شعبية أو قومية، وهم ليسوا حتى من التركمان السوريين، إذا تركيا تحارب بجيشها الحقيقي تحت ستار سوري فصلته بنفسها بتوجيه من مشغليها في المنطقة. وبالعودة إلى الدور الروسي في القصف على بعض المناطق في حلب والحذر في مناطق أخرى، لأن روسيا تعلم تماماً الفخ الذي نصب لها من خلط "النصرة" ودمجها مع المجوعات الأخرى التي تعتبر معتدلة وفق القاموس الأمريكي الخليجي التركي، والتي تعتبر من المجوعات المعترف بها في محادثات جنيف، ومربط الفرس هنا في الحرب على مكتسبات الميدان ماقبل جنيف المزمع عقده في المرحلة القادمة، وهنا في حقيقة الأمر المعركة التي سوف تحسم لمن الكفة المنتصرة، لكن الحقيقة الأخرى أن الحسم الأخير لطريقة وأسس وموعد جنيف تحدده التوافقات الروسية الأمريكية في نهاية المطاف، ومهما كان الانتصار على الأرض لصالح الدولة السورية وحلفائها ضد الإرهاب، فلن يكون الحاسم بتحديد لقاء جنيف القادم، ولكن بنفس الوقت مهما غالت أمريكا وشطحت باللقاء الى أبعد وقت يناسبها، وهي محصورة في زوايا الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة، ولا تريد أن تترك إرث للقيادة القادمة إلا المتفق عليه والذي يضمن مصالح الولايات المتحدة ويكف ماء وجهها على الساحة الدولية. الحسم على الأرض هو من سيجعل الدولة السورية وروسيا يضعان محاور وأسس وطريقة عقد حوار أو لقاء جنيف وفق الشروط التي يريدونها فقط، ومن هنا نرى الاستماتة في معركة حلب وطرق المكر والخداع التي تتبعها الولايات المتحدة ومن معها لتحقيق أي مكسب على الأرض، ونجحت الدولة السورية والقوات الروسية حتى اللحظة بعدم الوقوع في فخ حلب، وفخ إسقاط المروحية من قبل القوات الخاصة التركية التي تلبس لباس حركة نور الدين الزنكي، وروسيا تعلم تماماً أن من أسقط المروحية، التي كانت تنقل مساعدات إنسانية، وراح ضحية إسقاطها خمسة جنود وضباط روس، مثلت بهم وبأجسادهم هذه الحركة التركية الإرهابية التي تلبس العباءة السورية المزيفة لوناً ومادة، أغفلت روسيا عينها وقفزت فوق الفخ، وملف التجريم والاتهام الذي كان جاهزاً ضد الدولة السورية وروسيا عندما تضرب المعارضة المعتدلة القديمة ومعها "النصرة" بحلتها الجديدة. ثم أتت بعدها زيارة أردوغان إلى روسيا ولقائه مع الرئيس بوتين، الزيارة التي جاء بعدها وقبلها سيل هادر من التحليلات والتخمينات والتقديرات، التي لا نريد أن نتحدث هنا عن أحقيتها من عدمها في هذا الجانب أو ذاك، فزيارة أردوغان لم تأت كتحرك أو تصرف عاقل أو مطلوب، بل جاءت كنتيجة حتمية للانتصار الروسي السوري في الميدان، والقدرة على المراوغة السياسية مع مكر الولايات المتحدة وحلفائها، لم تنجح خطط معارك حلب، وأردوغان يقع الآن تحت وطأة الانقلاب بغض النظر كان هذا الانقلاب مفتعلا أم لا، ومن قبل من! ولصالح من! أردوغان يعيش حالة اهتزاز ميداني خارجي، وسياسي داخلي، في دولة لم يعد فيها قيادة سياسية موحدة بالرغم من الاختلاف أو الاتفاق على السياسة الخارجية لحكومة حزب "العدالة والتنمية"، ودولة فيها جيش يفتقد لقياداته وأركانه التي أقصاها أردوغان من مناصبها، ومن هنا نرى أن أردوغان يحاول أن يخفف من وطأة المواجهة وخطر المغامرة مع روسيا، بحيث يضمن بأن لا تحدث مواجهة مباشرة مع روسيا على الأرض السورية في الجبهة الشمالية، على أن تترك له روسيا متنفساً في هذه الخاصرة الهامة في معركة الفصل في سورية، على الأقل حسب اعتقاده أو حسب ما يرغب هو وينتظره من الجانب الروسي، وأردوغان لن يغير استراتيجيته تجاه سورية، ولن يغلق الحدود، ولن يتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية، وهو يبحث أو يحتاج إلى جبهة قتال جديدة تعطيه الفرصة لترتيب شأنه الداخلي، نكرر مرة أخرى، بعيدا عن المواجهة المباشرة مع روسيا. لذا يحاول أن يمد يد المصافحة مع الاعتذار من روسيا ومن الرئيس بوتين شخصيا، وباليد الأخرى يشعل نار ويفتح جبهة جديدة على الأرض السورية بين "داعش" والأكراد، فأردوغان يعتبر الأكراد ويعتبر مشروعهم أكبر خطر على دولته، ويبحث عن إضعافهم، وكذلك الأمر "داعش" بات خطراً على جيوشه الصغيرة التي يسحقها الجيس السوري وحلفائه، كالزنكي والبنغي وغيرهم من المجاميع المعتوهة، وإشعال الحرب بينهما هو الخيار الأفضل له حاليا ليرتب بيته الداخلي. وبالمقابل روسيا لن تتوقف عن دعم الدولة السورية والحكومة السورية والجيش السوري في متابعة الحرب على الإرهاب، ولن يقبل الرئيس بوتين أن يغير استراتيجية بلاده، في الابتعاد عن المواجهة المباشرة مع تركيا. من جهة أخرى، روسيا لاتريد أن تدخل في مواجهة مع الأكراد السوريين الذين قد يكون لديهم مشروع ما في سورية على سبيل المثال الفدرالية، لأن روسيا تعتبر الخلاف السياسي السوري الداخلي، بما فيه الخلاف مع الأكراد، شأن داخلي، ولاتريد أن تدخل في تعقيداته، وتتركه لما بعد القضاء على الإرهاب ودحره، تتركه للدولة السورية بمكوناتها التي اعتادت على التعايش السلمي فيما بينها على مر العصور، ولم يحدث أن حدثت خلافات بينية وصلت إلى حد الحرب الأهلية، التي يزعم البعض أنها قائمة في سورية، وهذا عار عن الصحة، وأكبر دليل على ذلك أن الدولة السورية مازالت قائمة بكل مكوناتها ومقوماتها الجغرافية والديموغرافية والإثنية والعرقية والقومية، التي تلتف حول الحكومة السورية والجيش السوري بغض النظر عن الخلافات السياسية التي من الطبيعي أن تكون موجودة في أي دولة. إذاً التعويل على اللقاء بين الرئيس بوتين والرئيس أردوغان لحل القضية السورية، لا يستحق الكثير من التفكير والنظر بأمل الحل السريع، لأن، لا أردوغان يريد ولا يمكنه أصلاً أن يغير استراتيجيته، ولا روسيا تقبل بأن تغير استراتيجيتها، والشيء الأساس الذي طغى على المحادثات هي العلاقات بين البلدين والمشاريع الاقتصادية الكبرى وخطوط النفط والغاز التي أوقفتها روسيا، والتي يحتاجها أردوغان، أكثر من أي وقت مضى، في ظل الاهتزازات التي تعيشها تركيا، وفي ظل وضع اقتصادي متهالك بعد تتابع الأحدث في بلده، ولكن وفق شروط روسيا هذ المرة، وليس وفق الشروط التركية كما كان من قبل يريد أردوغان. وفي نهاية المطاف، كل شيء بخصوص التسوية السورية في جنيف، يعتمد في حقيقة الأمر على ما سوف يتفق عليه الروسي والأمريكي، والأمريكي يعلم ذلك تماماً ويعلم أن الموقف الروسي أقوى من أي وقت مضى، بفعل انتصارات الجيش السوري وحلفائه وصمود الشعب، وبفعل الدهاء الروسي والقدرة على التعامل مع المتغيرات القسرية للأوضاع التي كانت تهدف إلى حصر روسيا في الزاوية، ومن هنا نرى أن الولايات المتحدة عادت الى إشعال مسائل الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية واستفزاز روسيا، وكذلك الأمر رش الزيت على الحريق الذي خمدت ناره، إلى حد ما، في خاصرة روسيا من جهة أوكرانيا، وعملت الولايات المتحدة إلى إشعال هذا الفتيل مرة أخرى، الذي يمكن أن يؤدي بالفعل إلى حرب مع أوكرانيا، لوجود قيادة فيها أكثر رعونة وغباء في السياسة من تركيا، ما قد يجعل القيادة الأوكرانية، الأمريكية الصنع، تذهب في هذا الاتجاه، اعتقاداً منها أن الولايات المتحدة تريد مصلحة أوكرانيا والشعب الأوكراني، هذه القيادة، التي لم يتخذ قادتها من تاريخ الولايات المتحدة الأسود أي عبرة، ولا درس من دروس ما يسمى بالربيع العربي. نعم تريد الولايات المتحدة إضعاف الموقف الروسي الداعم لسورية، وتريد أن تعقد محادثات جنيف وفق شروطها، أو على الأقل منع روسيا وسورية من فرض شروطهما بشكل كامل في التسوية القادمة، التي لم يعد هناك أي مفر منها خلال الفترة القريبة القادمة، وإما حرب قد تستمر إلى عقود. والأيام القادمة ليست فقط حبلى بالتطورات والمفاجآت، بل هي قنابل موقوتة، منها ما هو موزع بدقة وفق مخطط وضعته الأيادي السوداء التي تحاول السيطرة على هذه المنطقة بكل مقدراتها، ومنها ماهو من مفرزات الحرب الدائرة. وهذ المرحلة يمكن أن تعتبر المرحلة الأخطر والأكثر تعقيدا في صراع الجبابرة القائم على الأرض السورية، والمنتصر الحقيقي هو الدم السوري ودماء حلف المقاومة، الذي جابه الإرهاب العالمي وأنقذ البشرية من تمدده إلى العالم كله، ليفجر العالم من جديد ويعيد تكوينه كعالم متعدد الأقطاب، ليس فيه مكان لسيطرة قطب واحد تربعت على عرشه الولايات المتحدة لعقود طويلة، وهذا مايقض مضجع الإدارة الأمريكية وعبدة الدولار والبترول. المصدر: وكالة “سبوتنيك” الروسية
لا يوجد صور مرفقة
|