بقلم: العميد د أمين محمد حطيط ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 23-07-2016 / 18:21:30 - 2031 بحثا في الانقلاب التركي الذي عجز أصحابه «المجهولون المعلومون» من الوصول الى السلطة وأنتجوا بيئة مناسبة لأردوغان، لا بل سعى إليها أردوغان ليطلق إعصاراً مرتداً على خصومه في مرحلة أولى، وضدّ كلّ معارضيه في مرحلة ثانية كما بدا يتهيأ، بحثاً في هذا الموضوع باتت هناك حقائق أولية يجب أخذها في الاعتبار لفهم ما يجري في تركيا وما سيؤول إليه الوضع بنتيجة الإعصار القائم فيها اليوم.
من هذه الحقائق انّ الانقلاب خطط ونفذ من قبل جماعة عسكرية قادرة على تحريك أكثر من نصف الجيش التركي، وأنّ القرار بالانقلاب كان قراراً تركياً بتشجيع أميركي، وعلم من دول خليجية وعدت بالدعم المناسب عند الحاجة، وأنّ الانقلاب حقق لدى انطلاقه أهداف المرحلة الأولى منه، وتمكّن الانقلابيون من الوصول الى المفاصل الرئيسية للدولة، ومنعوا مسؤولي الحكومة الأساسيين من ممارسة سلطاتهم ما أفقدهم لـ3 ساعات القدرة على التحكم بمنظومة القيادة والسيطرة في البلاد. ومن الحقائق أيضاً أنّ أردوغان كان يتمنّى حصول انقلاب فاشل او تركيب خطة انقلاب في البلاد لتتيح له الانتقال بالدولة وبشكل سريع ومضمون من علمانية أتاتورك العميقة الجذور، الى أصولية أردوغان المتشعّبة الامتداد، ومن نظام ديمقراطي برلماني الى نظام رئاسي يضع السلطة كلها بيده ويضعه على رأس الدولة من غير شريك، وهو أمر لا يكون إلا إذا أجرى عمليات تطهير جذرية شاملة في الجيش والقضاء والإدارة. ومن الحقائق التي تكشفت أيضاً انّ أردوغان علم بالانقلاب قبل ساعتين من حصوله، ولم يكن قادراً أو لم يبادر إلى منعه او فضحه ليسقط المفاجأة ويقطع الطريق عليه، بل اتخذ من التدابير الأمنية والسياسية ما يمكنه من إجهاضه أو التفلت من مخاطره إذا انطلق خاصة أنه اعتبر أنّ هناك هدية من السماء حلت عليه إذا تمكّن من احتواء المحاولة، وبالفعل هنا لعب أردوغان لعبة قمار خطرة يخسر فيها كلّ شيء، إذا خسر ويربح الدولة كلها، حسب اعتقاده إذا ربح، وهي لعبة جعلته بشكل أو بآخر شريكاً سلبياً في الانقلاب أو شريكاً مضارباً يستثمر في الانقلاب الذي حضّره سواه. أما أميركا كما تكشّف حتى الآن فقد كانت في موقع الرابح على الوجهين، وقد رأت أنّ نجاح الانقلاب يعني التخلص من عبء أردوغان الذي احترف السياسات الخاطئة، والذي لم يستطع أن يوفر لها نجاح مشروعها في سورية، وأنه في وجه من الوجوه بات على تناقض مع هذا المشروع القائم على مقولة التقسيم ودولة للأكراد تناقض الاستراتيجية التركية الرافضة أيّ نوع من أنواع الذاتية الكردية، اما إذا فشل فإنه سيجعل أردوغان ديكتاتوراً في الداخل على غرار الأنظمة الخليجية، ضعيف أمامها وأكثر استجابة لإملاءاتها. ولذلك أذنت أميركا بانطلاق الانقلاب وعندما رأت نجاح مرحلته الأولى أعلنت أنها على مسافة واحدة من أردوغان والانقلابيين، وعندما وجدت عثرات سياسية وشعبية في طريق الانقلاب تراجعت عن تأييدها وتنصّلت من أصحاب الانقلاب وأنكرت مجرّد علمها به، رغم أنّ وجود قائد قاعدة أنجرليك الجوية في خلية الانقلابيين يشي بعكس ما تدّعي أميركا من جهل بالحالة الانقلابية. هذا بعض ما تكشّف من حقائق حول الانقلاب التركي الذي لم يكتمل فصولاً ولم يُطِح أردوغان إلا لثلاث ساعات عاد بعدها الى السلطة بإعصار أمني سياسي انطلق في اليوم التالي ويستمرّ ولن يتوقف كما يبدو إلا في إحدى حالتين: الحالة الأولى حدوث انفجار داخلي يودي بأردوغان وبسلطته وأحلامه، وهو أمر غير مستبعَد بعد أن أحدث أردوغان مجزرة في الجيش والقضاء والإدارة وأخرج منها حتى الآن أكثر من 50 ألف موظف والعملية مستمرة. الحالة الثانية إذا تمكن أردوغان من إعادة تركيب الدولة كما يشاء وأن ينصّب نفسه عليها سلطاناً يتخذ من حزبه الإخواني قاعدة داخلية وفروع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الخارج سنداً وقواعد ارتكاز. وفي هذا السياق سيكون على أردوغان أن يراجع علاقاته في الخارج بدءاً من الإقليم و صولاً الى آخر دولة مؤثرة في النظام العالمي، وأن يُعيد صياغة هذه العلاقات بما يقفل باب الصراع التركي مع أي دولة قريبة كانت أو بعيدة، لأنّ المهمة الخطيرة التي يقوم بها تفرض عليه حشد كلّ الطاقات لإنجازها بنجاح، ولأنّ حجم التحديات لا يسمح له بالحرب على جبهتي الداخل والخارج في الآن نفسه، والمنطق يفرض أن يتقدّم ترتيب البيت الداخلي على أيّ شأن آخر، ولهذا سيكون موضوعياً أن تتجه تركيا في الأشهر الستة المقبلة وهي الفترة المرتقبة لإعادة صياغة الذات التركية أردوغانياً الى تجميد خلافاتها في الإقليم وتدخلها فيه، ما سينعكس على سورية والعراق بشكل خاص حيث يمكن أن نتوقع: 1 ـ سورياً: تراجع مستوى الدعم التركي للجماعات الإرهابية، ونقول تراجع دون أن نغالي ونقول وقف الدعم أو إقفال الحدود، خاصة أنّ الجماعات المسلحة التي تلتزم بقرار الإخوان المسلمين والعاملة في تركيا، بحاجة الى دعم ما حتى تبقى في الميدان ولا يُقضى عليها. وهنا قد يُستفاد مما قيل إنه اتفاق أمني روسي أميركي تقدّم فيه أميركا معلومات استخبارية عن داعش لضربها من قبل الطيران الروسي والسوري مقابل امتناع سوري روسي عن استهداف مَن تحتضنه أميركا من المسلحين وفيهم الجماعات الإخوانية تلك. إنّ مراجعة علاقة تركيا بالميدان السوري، وفقاً لما يرتقب لن تصل الى قطع الإمداد وتجفيف مصادر الدعم عن كلّ الجماعات الإرهابية، ومع هذا فإننا نعتقد بأنّ مجرّد خفض مستوى الدعم مقترناً بعدم التدخل العسكري التركي المباشر سيتيح للجيش العربي السوري وحلفائه السير قدماً في معركة حلب، وصولاً إلى إنهائها بالنار الكاملة أو بالعملية المركبة من نار وسياسة على الطريقة الحمصية التي أخرجت المسلحين من حمص بعد طول حصار. والجديد هنا أننا بتنا على مشارف طيّ ملف حلب، والمهمّ عدم تفويت الفرصة. 2 ـ عراقياً: ستنشغل تركيا عن العراق في فترة إعادة صياغة النظام التركي، الأمر الذي يدفع للقول بأنّ العراق سيكون أيضاً أمام فرصة ذهبية تمكّنه من الإطباق على الإرهابيين في الموصل والإمساك بطريقها الى سورية عبر تلعفر وإنتاج واقع يمنع فيه اتصال كردستان العراق بالحالة الكردية في سورية. وهو أمر يرتدّ إيجاباً أيضاً لصالح تركيا التي لا تحتمل مثل هذا التواصل. أما عن القوات العسكرية التركية في بعشيقه العراقية فقد لا يكون مستبعَداً وفي سياق الوعد الأردوغاني بجعل الخلافات مع دول الإقليم وراء الظهر أن يُقدم أردوغان على سحبها استجابة للمطالب العراقية ولتكون بادرة حسن نية تجاه العراق تفتح الطريق أمام تصحيح العلاقات معه. 3 ـ كردياً: سيكون الأكراد أمام تحدّ كبير حيث سيوضعون امام خيارات صعبة في الداخل التركي وخارجه. خاصة أنه قد تتجه أحلام بعضهم لاستغلال فرصة اختلال التوازن الداخلي وحالة عدم الاستقرار التي تعاني منها تركيا، ويقدمون على أعمال ذات طبيعة انفصالية أو بلورة ذاتية كردية ما، الأمر الذي سيستغله أردوغان ويدفعه الى البطش بهم بشكل غير مسبوق في ظلّ بيئة يعرض فيها عن الأخذ بأي نصيحة او الانصياع لأي تحذير. وقد يخشى الأكراد هذه البطشة ويلتزمون الهدوء ما سيمكّن أردوغان من محاولة تقييدهم بما يناسب نظامه الجديد. وفي النتيجة نرى أنّ ما جرى ويجري في تركيا بدءاً من الانقلاب وصولاً الى ما يقوم به أردوغان اليوم ليس شأناً تركياً داخلياً وإن كان يدور على الأرض التركية وتقلبه ظاهراً أيدٍ تركية، بل هو شأن إقليمي منفتح على أن يكون شأناً دولياً عاماً، سينعكس بآثاره على أزمات المنطقة كلها تسريعاً لحلها او تعقيداً لها، ولذلك ستكون المنطقة في الأشهر الستة المقبلة وهي أيضاً أشهر إنتاج رئاسة أميركية جديدة، ستكون المنطقة أمام فرص وتحديات يربح فيها مَن يبادر إلى عمل يُخطَّط له بإتقان ويحشد له القوة اللازمة للنجاح، أما المتردّدون الضعفاء فقد لا يجدون أنفسهم إلا وقوداً يستعمله الآخرون لإنضاج طبخاتهم. قول ينطبق أيضاً على تركيا التي هي الآن على مفترق طرق خطير ومقامرة ليست عادية، قد تقودها إلى حيث يشتهي أردوغان، او تجعلها وقوداً في نار المنطقة، نار تسوقها إلى التفتت، كما هو جوهر المشروع الأميركي. وهذا ما يفرض على تركيا إنْ أرادت إنقاذ نفسها أن تتخذ القرار الصعب بالانتقال من معسكر العدوان على المنطقة بالقيادة الأميركية وأن تغادر المركب الأميركي الى معسكر الدفاع عن المنطقة فهل تجرؤ؟ وهل تستطيع ؟ لا أعتقد..
لا يوجد صور مرفقة
|