بقلم: د. محمود حمد سليمان
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 03-06-2016 / 14:16:25 - 1557 في موضوع الأصالة والحداثة، في الوطن العربي، ينقسم الناس إلى ثلاثة اتجاهات:
أ- فريق يدافع عن الأصالة ويتعصب لها، جاهداً في إبراز التراث والحضارة وأهميتهما في بلورة الشخصية والهوية القومية للأمة في عصر تتعرض له هذه الهوية إلى هجمة شرسة من قوى الصهيونية والاستعمار الغربي مستهدفة طمسها وإلغاءَها بكل ما فيها من قيم الحق، وفضائل النفس، ومكارم الأخلاق... ويعتبر هذا الفريق أن الخطر يكمن بالالتحاق بالغرب واقتباس عاداته وتقاليده وثقافته ونمط حياته وسلوكه.. ولهذا فهو يقف من الحداثة موقف الحذر والريبة، ويتخذ منها موقف العداء والمقاومة، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. ب- أما الفريق الثاني، فهو مع الحداثة، داعياً إلى الأخذ بأسباب التطور والتقدم وأهميتهما في صياغة المستقبل المنشود، ومواكبة العصر الّذي نعيش فيه، وهو إلى ذلك، لا يرى مناصاً من التعامل مع أوروبة واقتباس ما عندها من علوم وفنون ووسائل عيش وحياة. رافضاً، في الوقت عينه التمسك بالتراث والأصالة وما يتفرع عنهما أو ينبثق منهما، معتبراً ذلك عودة إلى العيش في كهوف الماضي، وتأخراً عن اللحاق بالركب الحضاري للأمم والشعوب التي سبقتنا بأشواط بعيدة.. ج- أما الفريق الثالث، فهو الفريق الّذي يحاول التوفيق والمواءمة بين الأصالة والحداثة، أي أنه من جهة يتمسك بالأصالة والتراث، ومن جهة أخرى يدعو إلى التجديد والحداثة، وهو في ذلك، يحمل في مضمون طروحاته إزدواجية هي، بشكل عام، أقرب إلى التلفيق منها إلى التوفيق، حتى لتبدو نفاقاً وليس وفاقاً، سيما عندما تكون عن غير هدى ولا بصيرة، وقد لا يغادر المتعلم فيها مواقع الجهل، حتى ولو كان يحمل أعلى الشهادات المعاصِرة، ولا نظن شيئاً سيربحه الانسان وهو يحمل التناقضات في ذهنة ونفسه وتطلعاته.. إزاء كل ذلك، فما هو الموقف من هذا الصراع بين الأصالة والحداثة والّذي يدور منذ عصور وعصور؟؟ إننا نرى أن الخلاص من هذا المأزق لا يجب أن يكون اعتباطياً ناجماً عن تعصب من هنا وتعصب من هناك، وإنما يكون كما فعلت كل الأمم والشعوب، ومنها أمتنا في العصور الغابرة، عندما جاء علماؤها إلى الواقع الّذي يعيشون فيه في الزمن الّذي يمر بهم، ودرسوا هذا الواقع دراسة معمقة، فأحاطوا بمشكلاته وأزماته، واستنبطوا لها الحلول والعلاجات المناسبة، ثم حددوا الأولويات والاهتمامات الأكثر إلحاحاً.. وصاغوا، من كل ذلك، خطة شاملة لكل المجتمع، أو الأمة، على شكل مشروع حضاري واضح المعالم والغايات، ثم دعوا الجميع إلى حشد كل الامكانيات والطاقات لإنجاح هذا المشروع وإيصاله إلى أهدافه المرسومة وغاياته الموسومة.. إذ ذاك، أي عندما يكون لنا خطة استراتيجية، نعود إلى الأصالة والحداثة فنأخذ من هذه أو من تلك ما يساهم في نجاح هذه الخطة ويوصلها إلى شاطيء الأمان والنصر. ورب قائل يقول: وكيف يكون الأخذ من هذه ومن تلك؟؟ نقول على ضوء الخطة نفسها نحدد ماذا نريد من الحداثة وماذا نريد من الأصالة، ولنأخذ مثالاً على ذلك: فلو افترضنا أن الأولوية في هذه المرحلة كانت لتحرير الأرض من رجس الاحتلال أو الوقوف في وجه عدو طامع في احتلال الوطن واغتصاب الأرض والثروات، فإننا مجبرون في هذه الحال أن نسعى بشكل دؤوب إلى الأخذ من الحداثة بكل وسائل الدفاع والمكافحة من أسلحة حديثة وتقنيات علمية وقتالية والاستفادة من تجارب الآخرين، إن وجدت، وأساليبهم ووسائلهم وخططهم، وغير ذلك، ونحن في الوقت نفسه محتاجون للعودة إلى الأصالة واستحضار كل معاني الجهاد والتضحية والفداء، منها. بذلك نستفيد من العلم الحديث واكتشافاته وتجاربه وعلى كل الصعد، بما فيها طرق التموين والاستشفاء والامداد وسط المعارك وفي خضم الحروب... ونستفيد من تراثنا وحضارتنا بكل ما فيهما من قيم نعبيء بها النفوس ونستنهض بها الجماهير، ونحقق بالتالي، التكامل بين الآلة الحديثة والانسان الحضاري في الأمة التي قيل في مجاهديها يوماً: «إنهم فرسان النهار ورهبان الليل». و لنفترض أن الأولوية، في الخطة، في مرحلة أخرى، كانت لرفع الظلم الاجتماعي عن الفئات الشعبية المغبونة في وجه حكام جائرين على شعبهم، أذاقوه مرارة الفقر والجوع والجهل والمرض.. وغير ذلك. أو لدحر مؤامرات الصهيونية والإستعمار على وحدة أرضنا ووحدة شعبنا.. لا سيما في هذه المرحلة حيث ينصب الأميركان والغرب شراكهم لتجزئة الأمة وتفتيها من جديد .. تحت عناوين الحرية والديمقراطية ومحاربة الفساد.. في محاولة منهم لتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.. بعد أن تعثر هذا المشروع على غير صعيد .. فإننا في هذه الحال، نحتاج من الحداثة إلى علم التنظيم والادارة وتعبئة الطاقات الشعبية وتأطيرها، وكل ما توصل إليه النضال الشعبي في العالم المعاصر، وابتكره من إبداعات وأساليب ووسائل ووعي وطني وقومي، ونحتاج من الأصالة إلى استحضار قيم الحق والعدل والمساواة، وغيرهما، مما يساعد على استنهاض المتلهفين إلى الحرية والتقدم والوحدة والعدالة.. على قاعدة الوحدة الوطنية الشعبية في كل قطر من بلادنا .. دون الوقوع في أفخاخ الأعداء ولو تذرعوا بحجج واهية ودسائس لا تحقق سوى أهدافهم .. والخطط . و عليه، تصير الخطة/ المشروع المتسلحة بالوعي ، هي الحدّ الفاصل بين النجاح والفشل، بين النصر والهزيمة، و هي نفسها، التي تملي علينا الموقف الصحيح و السليم من الأصالة و الحداثة وعندها تنتفي عندنا الخشية من الحداثة وضروراتها، وينتهي عندنا الخوف من الأصالة ونفحاتها..
لا يوجد صور مرفقة
|