أكثرنا من المقارنة بين أدولف هتلر وبنيامين نتنياهو. الأول الذي حاول أن يغسل العار الذي لحق ببلاده ابان الحرب العالمية الأولى فاذا به يذهب بها الى الخراب، بعدما امتلأ رأسه بالضجيج الفلسفي للعباقرة الألمان. الثاني حاول أن يغسل العار الذي لحق ببلاده في حرب 2006، فاذا به يذهب بها الى الجحيم، بعدما امتلأ رأسه بالضجيج الايديولوجي لأنبياء التوراة.
تماماً مثلما فعلت النازية باليهود تفعل الصهيونية بالعرب. هو الشعور بالتفوق العرقي، الى حد ازالة الآخر، لينتهي الزعيم النازي في أحد الأقبية، ولينتهي الزعيم الصهيوني مثلما انتهى مرشده الروحي مناحيم بيغن في بطانية الصوف، ولينتهي استاذه في القوة العمياء آرييل شارون في الغيبوبة. يائير لابيد ينتظر نهايته اما في الزنزانة أو في المقبرة...
لن ننسى رغبة الفوهرر في تغيير العالم، ما لم يستطع أن يفعله الأنبياء (الذين نجحوا في تفكيك العالم)، ورغبة بي بي في تغيير الشرق الأوسط، ما لم يستطع أن يفعله الضباع في أميركا، اذا ما عدنا الى جورج دبليو بوش الذي ضاع، وضباعه، بين حقول الأفيون في أفغانستان.
لنقرأ ما قاله التاريخ في صعود الرايخ الثالث في الثلاثينات من القرن الفائت، وعن صعود اليمين المتطرف في الربع الأول من القرن الحالي. ألمانيا في ذروة تألقها التكنولوجي، كذلك اسرائيل. ولكن لنتوقف هنا. من أين تلك القاذفات، وتلك القنابل، الهائلة التي يقتل بها الاسرائيليون اللبنانيين والفلسطينيين.
فتش عن أميركا التي اكتشف قادتها أن اسرائيل هي ضالتهم الكبرى في المنطقة التي قال فيه هيرودوت انها تقع على خط الزلازل، ووصفها برنارد لويس بـ "العربة العتيقة التي تجرها آله مجنونة". من هم الآلهة المجنونة الآن والذين لا بد أن تكون نهايتهم في العدم، كما نهاية الآلهة الاغريق الذين كانوا يتلذذون بتحويل ضحاياهم الى رماد ؟ ألا يمشي بنيامين نتنياهو فوق جثث العرب كما لو أنه يمشي بين شقائق النعمان...؟
انه الشبق التوراتي الى الدم والنار، لكأن السيد المسيح لم يظهر لوقف هيستيريا القتلة (أنا الهيكل)، وكما لو أن النبي محمد لم يبعث لتكون للكون لغة الله لا لغة شيوخ القبائل. بالرغم من كل ذلك، مشكلتنا، بل مصيبتنا، في اسرائيل أم في أميركا التي طالما قلنا انها انتزعت، عنوة، أكثر صلاحيات الله (انظروا كيف أن وجودها في العالم يكاد يتعدى وجود الله)، قبل أن نكتشف أنها انتزعت، عنوة، أكثر صلاحيات الشيطان، وهي الأمبراطورية التي كان باستطاعتها أن تغزو العالم بالقيم، بعدما كنا قد استعدنا قول المفكر الفرنسي ريمون آرون ان الله أرسل الى أميركا دفعة واحدة بسيعة أنبياء هم من صاغوا الدستور.
ليبقى سؤالنا "لماذا يقتل الأميركيون العرب"؟ بمنتهى السذاجة نسأل أيضاً "هل كانت بحاجة الى اسرائيل لتفعل ينا ما تفعل، وهم الذين يعلمون اننا نعيش تحت خط الزمن دون أن نلامس، حتى برؤوس اصابعنا، مقتضيات القرن، حتى لنستورد ملابسنا الداخلية من الآخرين.
كثيراً ما اشرنا الى تقرير البنك الدولي، عام 1964، الذي وصف شبه الجزيرة الكورية (المنسية) بالمنطقة الميؤوس منها لافتقادها الموارد البشرية والطبيعية على السواء. أين هو الجنوب الكوري الآن، وبات تكنولوجياً في الصفوف الأولى، وأين هو الجنوب الكوري الذي يهدد الولايات المتحدة بالضربة النووية؟
حقاً لماذا الذراع الاسرائيلية لتكديس جثثنا في ذلك العراء العظيم ـ الخواء العظيم ـ ما دام العرب يحلمون بمرقد عنزة أو بمرقد ذبابة في البلاط الأميركي، لتصل الأمبراطورية الى تلك اللحظة التي تواجه فيها مقاومة لم تكن تنتظرها قطعاً، بعدما وصفنا وليم كريستول بـ "المستنقع الآسن".
ألا يبدو الأميركيون، والاسرائيليون، بتلك الترسانات العسكرية الهائلة، كما لو أنهم يخوضون صراع البقاء أو اللابقاء في الشرق الأوسط؟
ها هو رئيس هرتسي هاليفي على وشك الدعوة الى الخروج الفوري من جهنم، لويد أوستن يتصل بيؤاف غالانت لوقف النار قبل أن "تصل الى غرف نومكم".
لكنه، وكما قلنا، الشبق الى الدم والنار. نتنياهو استند الى النص التوراتي لازالة أعدائه من الوجود. لعله لا يحصي العدد اليومي من الضباط، والجنود، القتلى والجرحى على أرضنا التي كانت، وتبقى، مقبرة الآلهة المجنونة. أقل بكثير من أن يكون الهاً مجنوناً...