حقاً، أي نوع من الكائنات البشرية يحكم «اسرائيل». لا حاجة بعد كل ذلك الخراب للضربة النووية. الفيلسوف الكاثوليكي غابرييل مارسيل قال «ليكن زمن الله لا زمن الآلهة»، ألسنا في القرية الكونية، وهو المصطلح الذي صاغه الباحث الكندي مارشال ماك لوهان في الستينات من القرن الماضي، على أنه التكريس الفلسفي لمصطلح العولمة، قبل أن ينبّه ريجيس دوبريه الى «عدم السقوط في جاذبية المصطلح»، ألذي أثار الخيال الأميركي لتبرير الاستراتيجية الخاصة بـ "احتواء العالم»؟
لا مجال لاغفال ما حققته وما تحققه التكنولوجيا من أهوال. غداة قنبلة هيروشيما قال ياسوناري كاواباتا، الياباني الحائز نوبل في الاداب، «لعل الجنرال دوغلاس ماك آرثر يريد منا أن نرفع صلواتنا الى الشيطان». هو من تكهن بأن أميركا « بالأحذية الثقيلة تحاول أن تشق طريقها نحو ادارة العالم الآخر». أليس هذا ما تفعله «اسرائيل»، الآتية من وراء الغيب (من فضلكم عودوا الى التوراة)؟ أن تحكم الشرق الأوسط بأمر من الرب...
لنتساءل، وبعدما غسل ألأوروبيون أيديهم «من ثقافة الفايكنغ» في الحرب العالمية الثانية، وتحول افريقيا الى الالدورادو (طريق الذهب المشرع أمام آلهة القرن)، لماذا آسيا هي الضحية؟ من قنبلة هيروشيما، الى تفكيك كوريا وفيتنام، ثم الى أفغانستان والعراق. الآن دور كل من يرفع القفاز في وجه الهيكل.
كثيراً استفز لقب «آية الله» الفيلسوف اليهودي الفرنسي آلان فينكيلكروت، الذي اعتبر أن الايرانيين ابتدعوا اللقب لاضفاء «هالة الهية» على النظام، ما يجتذب الشيعة حيثما وجدوا. تاليا الاستعانة بهم لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية والجيوسياسية، التي في نظره لم تبارح ذاكرة ورثة قوروش وداريوس وكسرى أنو شروان.
الباحثون في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» ـ ويفترض أن نتعرف من خلالهم الى طريقة تفكير «اللوبي اليهودي» ـ يقولون ان آيات الله الذين رفعوا منذ اللحظة الأولى السيف في وجه «الشيطان الأكبر»، انما اضطلعوا على أفضل وجه بالدور الذي تريده أميركا. نبش القبور لاقامة جدار النار بين الفرس والعرب. الأشد هولاً، جدار النار بين السنّة والشيعة.
يلاحظون أن كل البلدان التي لعب فيها الايرانيون تحولت الى حطام (بالمطرقة الأميركية حتماً)، ناهيك بخروج تلك الكائنات الغرائبية والمبرمجة بدقة، من كهوف تورا بورا لتعمل على التفكيك الايديولوجي والسوسيولوجي للمجتعات السنيّة على أنواعها.
أجل أي نوع من الكائنات البشرية تحكم «اسرائيل»؟ كثيرون أخذوا على المقاومة ربطها الجبهة اللبنانية بجبهة غزة، كما لو أن بنيامين نتنياهو لم يكن يخطط لسحق كل القوى المعادية «لاسرائيل»، كمدخل الى تغيير الشرق الأوسط. الآن رئيس «الموساد» دافيد بارنياع يبلغ مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليم بيرنز، بأن «أي اتفاق لوقف النار في لبنان ينبغي أن يتضمن ايضاً اتفاقاً لاطلاق سراح الرهائن». هل من شرط أكثر غرابة من ذلك؟
هذه هي استراتيجية تلك الثلة من الذئاب، التي تحاول الافادة من الهيستيريا الانتخابية في الولايات المتحدة، وحيث تبلغ الزبائنية السياسية ذروتها. واذا كان الأميركيون قد وجدوا (أو استحدثوا المفهوم الشائع للعولمة من أجل «احتواء العالم»)، جاءت تصريحات بسلئيل سموتريتش بالغة الوضوح، ليس فقط حول «احتواء الشرق الأوسط»، بل حول ادخاله في الحظيرة «الاسرائيلية».
الغرب كله مع «اسرائيل». المواقف الرائعة لكل من اسبانيا وبلجيكا والنرويج تغيّر شيئاً. فلسفة القوة هي التي مثلما تحكم البشرية تحكم التاريخ. المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي يحاول غسل يديه من آثار المحرقة، كان يفترض أن يكون أول المعارضين لبنيامين نتنياهو، باعتباره نسخة عن أدولف هتلر، هو أكثر من يساند الجنون «الاسرائيلي»، بذريعة اخلاقية «تحرير المنطقة من ثقافة الخنادق وثقافة الكهوف»، وحتى ثقافة القبور.
بوضوح ظهرت هشاشة المحور الروسي ـ الصيني، الذي عقد معه الايرانيون معاهدات استراتيجية، لتبقى تلك الشعلة في جنوب لبنان آخر ما تبقى لنا في الصراع.
نذكر بأن ايهود باراك قرر الخروج من «الجحيم اللبناني» عام 2000 بسبب سقوط جندي، على الأقل كل يوم. الآن، كم جندي وكم ضابط يسقط في اليوم...؟!