بقلم: حسن ابراهيم الناصر
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 11-05-2016 / 20:37:06 - 2742 أربعون من العشق من صباحات الياسمين وحقك ما ارتويت ..إليك "يا شآم "... بي الكثير من الحرائق ،كأرض داهمها اليباس ، لو كان لي صبر باتساع البحر . لأكتب عن القمر والغروب والحب، على عتبة البوح .. عند الفجر يتكسر الأسى، كحال موج البحر يحت صخرة وجدت منذ تشكلت الأرض ، ندان تناكفا جولان الملح والماء والرمل ؟! كم أنت مدهش يا بحر . ألا يرتبك موجك حين غاصت في الموج ، جسد من مرمر وعسجد و صلصال ؟ ذات اشتهاء ، قبل الشمس بهنيهنات ،أتيت أشكو إليك وجع السنون الباقيات ، مرت نسمة بحرية ندية ، أنعشت داخلي المنشغل بالوجع ، امرأة يغفو الورد على خديها ، جلست ليس بعيد عني . جمالها مشغول على مهل . شيء لا أعرف سره شدني إليها ، أنا الطالع " من تحت ركام الزمن ، والنعنع البري ،ارتدي قميص الأسئلة ولون الحنطى "؟.. أخرجت كأس بلور على شكل زنبقة ، سكبت شراب ملون ، وراحت ترتشف الشراب بلذة و تطلق دخان سيجارتها في الهواء . ابتسمت وهي تنظر باتجاهي ما رأيك ان تشاركني الشراب . لم أتردد ، تركت يدي في كفها ،ضحكت، هنا لا نحتاج للمقاعد يمكنك الجلوس حيث تشاء ، مد يدها إلى حقيبتها وناولتني كأس مرسوم عليه حبات توت شامي ، و سألتني لماذا أنت وحيد على الشاطئ ؟ رشفت رشفتين متتاليتين من الشراب .. ورشقتها نظرتين مشغوفتين بالجمال وقلت ..."كانت لنا أيام , في مدينة لا تنام ، قبل ان أجيء إلى هنا ، ما أجمل تلك الأيام ، ملؤها المحبة والصفاء وراحة البال ،على الرغم من شظف العيش فيها ، كنا نتلهف للقاءات الحميمة مع كل شمس . صداقات ومقاهي وحوار ، تكشفت لنا الحياة كالأحلام المؤجلة ، نلوذ في الحارات القديمة كحال العشاق في ظلال الياسمين ، بعيداً عن الضجيج ورقابة العادات المتسائلة ، مدينة .. يمشي في شوارعها نهر كما يمشي الدم في شرايين الجسد . مروجها أشجارها من اللوز والمشمش والدراق والتوت ، تبدو الشام .. في نداوة الفجر .. كأغاني فيروز ..مدينة أتقن رسم معالمها "الله ". كلما اكتشفت سر من أسرار فتنتها أدهشك جملها الأخاذ ،وازدت فيها تحيراً وإغواء ،حتى ارتكاب حماقات العشق ، وكلما أزحتِ ستارة من ستائر الليل عن علاقاتها وتفاصيلها المدهشة .. تتعشقتها حتى أدق تفاصيل صباحات الياسمين .لا أدري إذا ،كانت تسمعني .. أم هي تسخر مني. سمعتها تغني كلمات من قصيدة رائعة للشاعر نزار قباني ... " في الشام تتغير جغرافية جسدي، تصبح كريات دمي خضراء .. ...كانت تحكي عن المدينة كأنها تتقمصها... ... أدخل صحن الجامع الأموي ..أتحول في بساتين الخط الكوفي ..وأقطف أزهار جميلة من كلام الله ... حيّ على الياسمين ..حيّ على الياسمين ....."؟؟؟؟..و..تراقصت حبات الرمان على الشفاه مستبقا ، ثمة طيف تشتاقهُ حتى لو كان معك ،هي مدينة تسكنني ؟ قالت ... بتعرف " تغني" ..أومأت برأسي .. لا . طيب ، بتعرف تعزف .قلت ... لا . نظرت إلى وجهي ملياً وتناولت كأسها .."شفت "منه رشفة رقص الورد على شفتيها طرباً وقالت : أرى معك قلم و أوراق .. بتعرف تكتب ؟ قلت مرتبكاً .. يعني إلى حد ما ،أنا هاْوٍ كتابة القصص ، . طيب "أكتبلي " قصيدة غزل . مرت برهة من " صمت " . لم أعد احتمل كسرت هذا الصمت المقيت . قلت لكِ أنا أكتب قصص وليس قصائد شعر . نظرت في عينيها الموشاة بلون البحر وقلت... طيب شو رأيك يكون اسمك "غزل " واكتب لك قصة بحرية ؟. ضحكت ، لا أدري هل أضحكها كلامي أم حالتي المرتبكة؟ قالت حدثني عن "الشام ". يا شآم ... حارات يتسابق إليها الضوء والشمس والنهارات والمطر والليل والريح الشتوية والصيفية والربيعية ..هي الفصول ومدارات الكون وجولان السنين .. تلك الشوارع الضيقة ..تفيض بالحكايا .. تتسع للمحبين وللعاشقين وللطيبين ولهواة الآثار والتاريخ والحضارة والجمال كأنها المدينة "الفاضلة " التي كتب عنها " أفلاطون ". بمآذنها وترانيم أجراس كنائسها وأزقتها الضيقة وحوانيتها العتيقة ورائحة التوابل ..عليكِ ان تحفظي إيقاع الحياة الهانئة فيها . في المساء تبدو مجموعات من المجرات علقتها يد السماء على علو جبل قاسيون . تشع متلألئة مثل الأنجم العشيقات المحتشدات من حول القمر . تدلي قناديلها كالعناقيد الحانية . كانت تستمع بإصغاء وقد تدحرجت حبات اللؤلؤ من عينيها الواسعتين ، وهي تلاحق سيجارتها التي لا تنطفئ . تنبهت ان رائحتها تشبه رائحة الشام حين كنت أذهب إلى عملي مروراً بباب شرقي وباب توما حتى مقهى النوفرة والحميدية ... التفت نحوها هل أنت "شامية "؟ ضحكت كلنا في الأسى سواسية يا صديقي ..ألسنا أصدقاء البوح والبحر والشوق والمحبة ، والخراب ؟! دمروا "هؤلاء المجرمين الظلاميين"؟! بيتي الدمشقي .. تركت قلبي هناك وأتيت إلى كتف البحر أنشد الأمان إلى أن أعود إليه من جديد . أومأت برأسي موافقاً . تابعت ... لذلك معاناتنا واحدة أشواقنا متشابهة ..أحزاننا متشابهة ..وحكايانا متشابهة .. كل الاحتمالات واردة أخذت رشفة من الكأس ، وهي تنظر بعمق للموج قالت ... كم تحب الشام ؟ نظرت في وجهها حتى أشبعت ظمئي . أخذت كمشة من الرمل وألقيتها إلى البحر وأنا أردد..ما قاله الشاعر نزار قباني فيها ... "إني أحب ....وبعض الحب ذباح "؟!.
لا يوجد صور مرفقة
|