بقلم: عبير بسام
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 04-10-2024 - 157 صحيح أن كلمة السر حول ساعة الصفر في الحرب على لبنان خرجت منذ بضعة أيام، ولكن القرار الأمريكي- الصهيوني مبيت منذ سنين. ولم تبدأ التحشيدات الصهيونية لحظة تقدم الدبابات وقوات العدو باتجاه الحدود اللبنانية، بل مع بدء تجاوز الخطوط الحمراء باغتيال القائد فؤاد الشكر. فـ"إسرائيل" كانت تدفع نحو التصعيد والمزيد من التصعيد، وصولاً لعمليات "البيجر" الإرهابية واغتيال القادة العسكريين، وصولاً إلى اغتيال الشهيد القائد السيد حسن نصر الله في عملية إرهابية كبرى في الضاحية الجنوبية. أهداف الصهيونية العالمية تتجاوز الحرب من أجل إعادة المستوطنين، وما خلف اغتيال القادة كبير جداً، إنها حرب توسع "إسرائيل" من أجل فرض ما تحدث عنه نتنياهو حول "تغيير الشرق الأوسط"!. نذكّر هنا بما قاله رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، في 23 أيلول 2023، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي حمل فيها خريطته ليعرض الدول العربية التي ارتبطت معه بعلاقات استسلام أو تطبيع باللون الأخضر وترك وباقي دول ما يطلق عليه تعبير "الشرق الأوسط" بلون رمال الصحراء. حتى في اختيار اللونين كان هناك إشارات سياسية رمزية مهددة، تدل على ما ينتظر من لم يطبع مع العدو الصهيوني. فالأخضر دليل ازدهار، وأما الباقي فأجرد كالصحرء، فيما جاء لون الكيان على الخريطة مميزاً بالأزرق، طبعت به نجمة داوود، وحدود "إسرائيل" مرسومة بالخطين الأزرقين: نهر الفرات ونهر النيل. والكيان الأزرق لا وجود فيه لدولة فلسطينية فالضفة الغربية وغزة ضمن حدوده.. وفي زرقته نتحدث عن السماء وما تعنية من قدرات إلهية، وودلالة على رمز الحياة على الأرض، ألا وهو الماء. فرسائل الكيان بعد طوفان الأقصى لم تكن مشفرة، بل كانت موجهة وواضحة وأما آلية التنفيذ فكانت عبر المجازر التي تصاعدت مستوياتها رويدًا رويدًا، مصحوبة بدعم أميركي وغربي غير محدود. ومنذ أيام أعاد نتنياهو عرض خريطته، لكن هذه المرة في طبعتين الأولى ملونة بالأخضر كُتب عليها كلمة "النعمة" وتشمل دول التطبيع أي السعودية ومصر والأردن.. والثانية وسمت بـ"اللعنة" ولونت بالأسود وتشمل إيران والعراق وسورية ولبنان. ما يعيدنا بالذاكرة الى مهنة التصنيف الأميركي ما بين محاور خير وشر كما تردد على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش في خطاب ألقاه في 29 يناير 2002 ووصف حكومات كل من: العراق، وإيران، وكوريا الشمالية، بأنها محور الشر. إذاً نتنياهو عرض خطته كاملة في ذلك اليوم، ولم يبق سوى تأمين الأمن لكيانه، بعد أن باشر عملية تسوية المخيمات بالأرض في الضفة الغربية. فالمخيمات الفلسطينية، في كل مكان، ترمز لحق العودة والمقاومة المشتعلة ضد الكيان. ولكن العدو لم يكتف بمسحها، بل عمل منذ بداية المعركة على إنهاء القيادات الفلسطينية وقيادات المقاومات العربية التي وقفت مساندة لغزة في كل من لبنان واليمن والعراق، وضمن هذه السلسلة كان اغتيال الشهيد أبي حيدر الخفاجي، المستشار العسكري في الحشد الشعبي في سورية. وقد شهدنا خلال الأيام الماضية تمادي العدو في قصف الضاحية ومناطق لبنانية متعددة امتدت من شماله إلى جنوبه ومعها عمليات اغتيال لقيادات حماس والجماعة الإسلامية والقيادة الشعبية في صيدا وشمال لبنان والكولا في بيروت على التوالي. فما المراد صهيونياً وأميركياً بهذا تحديداً؟ بالتأكيد ليس سلام الشرفاء، بل فرض الإذعان والاستسلام. وبحسب ما نشرته منصة "عمانيون ضد التطبيع"، فإن: "تقديرات للمخابرات التركية تفيد بأنه إذا لم يتم إيقاف الاحتلال وثنيه عن الاجتياح البري للبنان، فإنه لن يتوقف في لبنان وسيكون له هدف جديد وهو ممر من الجولان "ممر داوود" يصل إلى حدود العراق". وعلى طريق هذا الممر تتموضع القواعد الأميركية الحالية في سورية، مما يعني أن الممر يقع تحت السيطرة الأميركية. وتكمل تغريدة المنصة: "هذا الممر هو اللبنة الأولى لحلم الاحتلال في مشروع دولته الكبيرة". وهنا يمكننا الوقوف على خلفيات اغتيال القادة خلال هذه المرحلة والمراحل السابقة. بعد اغتيال أبي جهاد الوزير في تونس، في العام 1988، وهو أحد محركي الانتفاضة الأولى في فلسطين، والذي رفض ما سمي بـ"معاهدات السلام" جملة وتفصيلاً، ذهب الفلسطينيون لتوقيع معاهدة "أوسلو" 1993. بالنسبة للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان الاتفاق بمنزلة عودة لوضع موطئ قدم في الضفة الغربية، ولكن بعد انتفاضة الأقصى الثانية والتي حرر فيها ياسر عرفات المقاومين من السجون بعد حصار رام الله، والدخول في عمليات ضد الصهاينة، اغتيل ياسر عرفات مسمومًا، وظهرت بوادر التفكك الفلسطيني. ثم ابتدأ الفلسطينيون من خلال حركات المقاومة بإعادة لم الشمل، فاغتيل مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين ومن ثم قائدها عبد العزيز الرنتيسي وقبلهما قائد حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي وغيرهم الكثيرون وخلال مفاصل زمنية متلاحقة. وحتى تبدأ المقاومة بالتقاط أنفاسها من جديد بقيادة جديدة، يكون العدو قد ربح قليلاً من الوقت لتنفيذ مآربه. وهذا هو بالتحديد ما خطط له العدو بعد اغتيال سيد المقاومة حسن نصر الله، فهو يعتقد أن لبنان بات ضعيفاً، وأنه من الممكن تنفيذ مخططاته بإنهاء إسناد غزة عبر استهداف حركات المقاومة وأولها المقاومة الإسلامية في لبنان واحتلال جنوب لبنان بهدف القضاء على مقدراتها التسليحية بشكل خاص. مما سيتيح للكيان بدء تنفيذ فصول الخطط – القديمة الحديثة- بعنوان "شرق أوسط جديد"، بمعنى استنساخ نتنياهو تجربة وزيرة الخارجية الأميركية في حرب تموز 2006 كونداليزا رايس. وهذا ما كان خلف خطابه في الكونغرس عندما شبّه نفسه بتشرشل وطلب من الأميركيين تزويد "إسرائيل" بما تحتاجه من إمكانيات لحماية الحضارة الغربية، وتم تنفيذ ما أراد، بتزويد الكيان بطائرات أف35، وبالصواريخ الخارقة للأماكن المحصنة والتي اغتيل بها الشهيد القائد، وقبله ثلة من القادة العسكريين في محيط مسجد القائم. قيادة جبهة المقاومة في اليمن كما في أي مكان تعي هذه الحقائق، ولذلك فإن قصف عمق فلسطين المحتلة في"تل أبيب" وحيفا من قبل الجبهة بأكملها وخاصة قصف إيران للكيان مؤخرًا بمئات الصواريخ، ردًا على اغتيال سيد المقاومة القائد السيد حسن نصر الله وعلى اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد إسماعيل هنية، حمل في طيات قالبه الجمعي، ضربات تحذير بأن المخطط لن يمر و"ممر داوود" لن يمر في سورية والعراق، وفي هذا الإطار تأتي ضربات المقاومة للقواعد العسكرية الصهيونية في الجولان المحتل. ضمن هذا الوعي المتكامل لما يحدث من مخطط صهيوني، اجتمع عليه الغرب والصهيونية، علينا أن نفهم أن ما حدث في غزة ويحدث اليوم في لبنان سيسقط على أسوار لبنان المنيعة. والعدو يعرف تمام المعرفة بعد مواجهة الأيام الأخيرة أنه خاسر لا محالة حتى لو جن جنونه، ويعلم نتياهو أنه ليس على قدر الوعود التي أطلقها في الكونغرس وفي اجتماعات الأمم المتحدة، وأنه يتجه إلى مزبلة التاريخ والجغرافيا.
لا يوجد صور مرفقة
|