بقلم: الدكتور عصام نعمان ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 16-09-2024 - 216 ثمة حالة لافتة من اللاقرار تسود دول وقوى في الشرق والغرب ذات صلة ودور مباشرين ومؤثرين في تحوّلات الصراع في فلسطين وعليها.
لا حدود زمنية واضحة لهذه الحال ، وإن كانت الفواعل المحتدمة في كبرى الدول ذات الصلة والدور الأكثر تأثيراً ، الولايات المتحدة ، توحي بأنها قد تبدأ بالإنحسار مع إنتهاء الإنتخابات الرئاسية ومباشرة الرئيس الجديد سلطاته في النصف الثاني من شهر كانون الثاني /يناير 2025.
تبدو "اسرائيل" اللاعب الأكثر نشاطاً والأقسى تضرراً في آن بين اللاعبين المتنافسين في دول الشرق . فهي تعاني من إنقسام ايديولوجي وسياسي حادّ في صفوف نخبها الحاكمة ، ومن تراجع كبير في قدراتها الإقتصادية وفرص الإستثمار في مرافقها ، وإرهاقٍ متنامٍ في فعالياتها العسكرية ، وإنخراط عميق ومؤذٍ في إشتباكات قتالية واسعة ومكلفة على ساحات فلسطين كلها.
ثمة لاعب أقدر إقتصادياً ، وأوسع دوراً جيوسياسياً ، ايران ، منخرطٌ هو الآخر في الصراع بالتعاون مع حليف قوي ومتمكّن ومثابر : حزب الله في لبنان ، وحليف جريء وواسع الشعبية وعلى درجة لافتة من الإقتدار العسكري والإستيعاب التكنولوجي : انصار الله في اليمن ، وحليف صاعد في إلتزامه المقاومة وإستعداده المتوثب لإنخراط اوسع في الصراع : قوى المقاومة في العراق.
أقدم اللاعبين في حلبة الصراع وأرسخهم إلتزاماً وصبراً ومثابرة هي فصائل المقاومة الفلسطينية عبر عصور التاريخ ولا سيما في القرن الحادي والعشرين ، وعلى وجه الخصوص مع إندلاع ملحمة طوفان الأقصى في 7 تشرين الاول/ اكتوبر 2023 ، وفي طليعتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي .
أقوى اللاعبين الإقليميين في ساحات الصراع منذ إندلاع ثورتها سنة 1979 هي جمهورية ايران الإسلامية التي ما زالت عرضةً لعقوبات اميركية قاسية منذ ولادتها، ولاسيما بعد إتضاح دورها في دعم المقاومة الفلسطينية ودعوتها الى إزالة الكيان الصهيوني الغاصب.
أقدم وأقوى اللاعبين قاطبةً ، إقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً ونفوذاً مع حلفائها الأطلسيين في اوروبا هي الولايات المتحدة . إنها الراعي والحاضن والحليف الراسخ للكيان الصهيوني ، والطامع المزمن بموارد العرب النفطية والغازية ، والعدو اللدود لحركات التحرر والنهضة في عالم العرب والمسلمين .
الى ذلك ، ثمة ظاهرة لافتة في حمأة الصراع وحال اللاقرار التي تسود مختلف دول الشرق والغرب المعنية بالصراع في فلسطين وعليها هي تعاظم تأثير موازين الإرادات وتقدّمها على موازين القوى وبالتالي غلبة دور الإيديولوجيا نسبياً على دور السلاح في صناعة القرار لدى النخب الحاكمة وفي اوساط الجماهير لدى معظم الدول والقوى المعنية بالصراع في فلسطين وعليها. ففي "اسرائيل"، ثمة صحوة لقوى الصهيونية الدينية العنصرية في اوساط الجمهور وسيطرة مريحة لها على مقاليد السلطة . وفي الولايات المتحدة ، تتنامى النوازع العنصرية للرجل الأبيض ضد الملوّنين والآسيويين والمسلمين . وفي عالم العرب ، تتصف الفصائل الناهضة بمقاومة الصهيونية والهيمنة الاميركية بطابع ايديولوجي إسلامي إنما غير معادٍ لسواها من قوى المقاومة.
في حال اللاقرار السائدة ، ماذا يمكن ان يفعل أصحاب السلطة بما تبقّى لهم من فرص وقدرات على إتخاذ قرارات ؟
ظاهرُ الحال يشير الى ان "اسرائيل" المنقسمة على نفسها ، جمهوراً وحكومةً، غير قادرة في ظل حكومة بنيامين نتنياهو على إتخاذ قرارات دراماتيكية تُخرجها من وضعها المأزوم داخلياً وخارجياً . غير ان نتنياهو ما زال يبدو مصمماً على مواصلة حربه الإبادية ضد الشعب الفلسطيني ، وقد مدّدها اخيراً لتشمل الضفة الغربية بكل مخيمات الفلسطينيين في طولكرم ونابلس وطوباس وقلنديا والخليل . هو يعتقد ، بدافعٍ من إيديولوجيته العنصرية ، بأن وقف الحرب يعني عملياً تكريس نهايته السياسية وربما بدء محاكمته وزجّه في السجن لإرتكابات جنائية إقترفها خلال وجوده في السلطة.
يبدو انه سيتابع رهانه على متابعة الحرب لحين إعلان فوز ( ؟ ) حليفه دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الاميركية . لكن ، ماذا لو إستشعر ان ترامب لن يفوز وان منافسته الفائزة كمالا هاريس لن تجاريه في حربه الإبادية ضد الشعب الفلسطيني، بل ربما قد تمارس جهوداً ولو محدودة في إطار ما يسمى "حل الدولتين" مع الحرص والمثابرة على إعتماد موقف "حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها " ولكن ليس عن "فتوحاتها " في الأراضي الفلسطينية التي كرستها مختلف القرارات الأممية حقاً خالصاً للفلسطينيين دون غيرهم ؟
لعل ابرز مزايا حال اللاقرار انها لجمت أصحاب الرؤوس الحامية ، لا سيما الإسرائليين العنصريين منهم ، عن المجازفة بشن حربٍ واسعة ومفتوحة على حلفاء المقاومة الفلسطينية الملتزمين نصرتها كحزب الله في داخل لبنان ، وعلى ايران خاصةً في سياق محاولةٍ لتعطيل برنامجها النووي . لكن ، الى متى تُتيح حال اللاقرار تأخير إقدام رجل كنتنياهو ، بات يُصنّف مأزوماً وموتوراً ، عن إتخاذ قرار جنوني بغزو لبنان لإبعاد حزب الله الى شمال نهر الليطاني بغية " تأمين " إعادة عشرات الآف الإسرائيليين من سكان المستعمرات الصهونية في الجليل الفلسطيني المحتل الى بيوتهم؟
يتردد في وسائل الإعلام الإسرائيلية ان الأميركيين نصحوا نتنياهو بالإقلاع عن تنفيذ خطة غزو لبنان لأن حزب الله يمتلك من القدرات الصاروخية المتطورة ما يمكّنه من تدمير المرافق الصناعية والبنى الإقتصادية الكبرى والقواعد العسكرية والموانيء والمطارات الإسرائيلية في منطقة "غوش دان" الممتدة بين حيفا ويافا المحتلتين . كما يتردد ايضاً ان نتنياهو المأزوم يميل الى الإستعاضة عن ضرب العدو الأقرب ، حزب الله ، بضرب العدو الأبعد ، ايران ، في اثناء حال اللاقرار التي تسود الولايات المتحدة خلال مرحلة الإنتخابات الرئاسية ما يعطّل إحتمال قيام الرئيس جو بايدن ، الصهيوني قلباً وقالباً ، بإتخاذ تدبير سلبي ضد "اسرائيل" مخافةَ خسارة اصوات اليهود الاميركيين المؤيدين في معظمهم للحزب الديمقراطي ومرشحته كمالا هاريس.
لنفترض ان تخمينات نتنياهو غير الواقعية وتمسكه الشديد بالسلطة قد يدفعانه الى المجازفة بضرب ايران ، فهل لديه من دون مشاركة الولايات المتحدة القدرة على ان يفعل ذلك منفرداً ؟
نعم ، لديه القدرة ... القدرة النووية ، أٌقلّها تدميراً سلاحٌ نووي تكتيكي ، فهل يبلغ به الجنون حدّ الإقدام على إرتكاب هذه الجريمة الفظيعة ؟
أهل المنطق كما معظم المراقبين يجزمون بإستبعاد هذا الإحتمال الجنوني . لكن أحداً هذه الايام لا "يكفل" مجنوناً من طراز نتنياهو !
الأرجح ان يبقى كل أطراف الصراع خلال حال اللاقرار في وضع إشتباك حربي دائم الى حين إنتهاء الإنتخابات الرئاسية الاميركية وتبخّر أوهام نتنياهو الخرافية .
لا يوجد صور مرفقة
|