يمكن فهم التوتر المستمر بين إيران و"إسرائيل" في سياق أن الأخيرة تعتبر نفسها "طليعة الحضارة الغربية" في المنطقة. وقد صرح بذلك ممثل" إسرائيل" في 14 آب 2024، خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن عقد لمناقشة قصف الكيان لمدرسة "التابعين "الذي أسفر عن استشهاد حوالي 100 مدني فلسطيني. وتزعم "إسرائيل" والغرب أنهم لن يتراجعوا عن خططهم حتى يتم إخضاع المنطقة بأكملها للاستعمار الجديد.
ترقب في الشرق الأوسط
تتجلى عقلية الفصل العنصري الأوروبية بشكل كامل في الصراع المستمر في الشرق الأوسط، ففكرة رد إيران على انتهاك" إسرائيل" لسيادتها وفقاً لتلك العقلية غير مقبول، ولكن استهداف "إسرائيل" لـ 40 ألف فلسطيني وتشريد أكثر من 1.9 مليون شخص أمر مقبول تماماً.. وفي هذا الشأن هددت بريطانيا وفرنسا وألمانيا إيران في 13 آب 2024، بالامتناع عن الرد على اغتيال" إسرائيل" لزعيم حركة حماس إسماعيل هنية في تموز 2024، والأمر الذي يشكل أيضاً انتهاكاً لسلامة الأراضي الإيرانية. ومع ذلك، لم تقم تلك الدول بإدانة جرائم" إسرائيل" تجاه اغتيال هنية أو إبادة سكان غزة، لكنها استمرت في تسليح والاستثمار في حرب "إسرائيل" الهمجية. وفي الوقت نفسه، وافقت الولايات المتحدة على بيع أسلحة بقيمة 20 مليار دولار لـ"إسرائيل" لمواصلة أو تضخيم الإبادة الجماعية في المستقبل.
إن موقف الفصل العنصري الذي لا يمكن إنكاره واضح، حيث يسمح الغرب لـ"إسرائيل" باستهداف وقتل من تريد بينما يمنع الضحايا من الدفاع عن أنفسهم، في خطوة محسوبة لإخضاع المنطقة بأكملها لسيطرة الغرب من خلال" إسرائيل".
مشروع " IMEC" ومهمة نتنياهو القذزة
وفي هذا السياق يعتبر الممر الاقتصادي المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) هو غطاء مناسب لهذه الخطة. إن مشروع الممر الاقتصادي المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو أداة مصممة لمنح الولايات المتحدة وأوروبا الغربية و"إسرائيل" القوة لاستخدام الهند وشبه الجزيرة العربية "لاحتواء الصين" و"عزل إيران". ومن المفترض أن مكاسب المشروع المزعومة للعرب والتي لن تتحقق أبداً ستشتري محاولة خضوعهم للإبادة الجماعية والتوسع الإسرائيلي نيابة عن العالم المتحضر.
تزعم" إسرائيل أنها المضطلعة " بمهمة التحضر" الغربية، كناية عن الاستعمار والنهب في المنطقة. ويمكن ملاحظة ذلك في خطاب نتنياهو في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة في أيلول 2023، عندما عرض خريطة تُظهر الهند وشبه الجزيرة العربية والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا وربطها بخط أحمر يدل على مشروع الممر الاقتصادي المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ، والذي تم الاتفاق عليه خلال قمة مجموعة العشرين السابقة في الهند.
من الواضح أن مشروع الممر الاقتصادي المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ليس إسرائيلياً في التخطيط أو الاستثمار بل غربياً. لذلك، فإن عرض نتنياهو يظهر دوره في دفع الأجندة الغربية في الشرق الأوسط. كما أن الخريطة التي قدمها كانت قد أزيلت منها الأراضي الفلسطينية، ولم ينزعج سوى عدد قليل من الدول من هذا الانتهاك الصارخ لقرارات مجلس الأمن من خلال العرض الذي يعني بأثر رجعي أن نتنياهو سُمح له بالتخلص من الفلسطينيين أو دفنهم تحت الأنقاض لتدشين الممر الاقتصادي المقترح بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا الحضاري.
واصلت الولايات المتحدة وأوروبا تسليح "إسرائيل" لتحقيق مثل هذا الهدف ومهاجمة وقصف الذين يعارضون، بما في ذلك قوات الجيش اليمني، والآن إيران التي قال نتنياهو إنه يجب تدميرها، وهو الآن يسعى إلى تحقيق مثل هذه الأهداف بينما يطلق الاستفزازات، وتعهد الغرب بالدفاع عن" إسرائيل" بدلاً من توبيخ تنمرها.
حصان طروادة الحديث في الشرق الأوسط ومركز تحصيل الرسوم
إن مشروع "IMEC" هو حصان طروادة غير عملي يهدف في المقام الأول إلى احتواء الصين، وعزل إيران وإخضاع الشرق الأوسط لأهواء الولايات المتحدة. إن التأكيدات بأن كل من الصين وإيران ليس لهما الحق في التواصل والتجارة بحرية مع الجيران، ولكن الولايات المتحدة لديها مثل هذه الحقوق، بما في ذلك السيطرة على مناطق أخرى، كما هو موضح في تقرير مركز أبحاث المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR). وفي مقال توماس فريدمان حول مشروع" IMEC" هي تجسيد للعنصرية. وبالمثل، فإن التلميحات من قبل الغرب بأن" إسرائيل" يجب أن تكون قادرة على قصف أي طرف يسعى إلى تحقيق مصالحه وليس مصالح الغرب هي شوفينية.
يقدم المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مشروع " IMEC" باعتباره مشروع اتصال بقيادة الولايات المتحدة مصمم لربط الهند بأوروبا عبر الخليج، مضيفاً أن الحرب الجارية في غزة أوقفت هذا المشروع. ومن المثير للصدمة أن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية يتجاهل حقيقة أن مشروع "IMEC "و خطاب نتنياهو في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة كان من الممكن أن يؤديان إلى اندلاع الحرب.
لقد مُنحت "إسرائيل" الحرية في القضاء على سكان غزة رداً على عملية طوفان الأقصى، وحتى الكاتب والصحفي الأمريكي فريدمان اعترف بأن هجوم السابع من تشرين الأول الذي شنته حماس كان بسبب بناء" إسرائيل" المتهور للمستوطنات، والمعاملة اللا إنسانية للفلسطينيين، والتعدي على الأماكن الدينية، لكنه لا يزال يصف الهجوم بأنه "إرهابي"، وهو ما يُظهِر سياسة الفصل العنصري.
لا يستطيع الغرب أن يقبل فكرة أن "إسرائيل" مخطئة، لأن فريدمان لا يزال يجد طريقة لإلقاء اللوم على إيران فيما تسببت فيه "إسرائيل"، ويؤكد على ضرورة تنفيذ " IMEC" حتى لو اضطرت الولايات المتحدة إلى مهاجمة إيران.
إن النفاق الصريح في ادعاء" المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" بأن الممر المائي الدولي سيربط الهند بأوروبا يمكن ملاحظته في أن هناك حالياً طريقاً بحرياً مباشراً بين الهند وأوروبا، عبر المحيط الهندي والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
يعتبر الطريق الحالي أسهل من الممر المائي الدولي المقترح، والذي يستلزم تحميل الحاويات على السفن في الهند، للإبحار إلى الإمارات العربية المتحدة، وتفريغها وتحميلها على القطارات للانتقال عبر المملكة العربية السعودية والأردن و"إسرائيل"، فقط لتحميلها مرة أخرى على السفن في رحلة أخرى عبر البحر الأبيض المتوسط إلى الموانئ الأوروبية، وهو خيار لا معنى له منطقياً، والمبرر الوحيد للممر المائي الدولي هو أنه حيلة لجعل "إسرائيل" مركزاً للتجارة في المنطقة، وبالتالي محطة رسوم أمريكية لنهب أرباح تجارة المنطقة من خلال استضافة البنوك الأمريكية والأوروبية، ومراكز المقاصة، و"الأمن"، بمعنى جعل العرب يدفعون ثمن بقائهم على قيد الحياة.
ويمضي المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تفصيل مزايا هذا الممر للأطراف، فيقول: " تهدف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من خلال ممر" IMEC"، إلى تقريب الهند ومواجهة النفوذ الصيني"، موضحاً كيف أن الغرض الرئيسي من الممر هو خدمة مصالح الولايات المتحدة وليس الشرق الأوسط.
ويمضي التقرير في الادعاء بأن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تتبنيان المشروع لأنه يمكن أن يجعلهما جسراً بين الشرق والغرب، مما يُظهر الفهم الضعيف للجغرافيا. يقع الجسر بين الشرق والغرب في آسيا الوسطى، الأناضول، أو العراق وسورية. وكما كشف فريدمان فإن ممر" IMEC" هو تحالف واسع النطاق لإدارة جو بايدن لاحتواء الصين وعزل إيران.
الفصل العنصري والمال هما الدافع
يقترح فريدمان أنه على "إسرائيل" الاستمرار في تدمير غزة، وتشكيل تحالف مع السلطات الفلسطينية لتسريع عملية إنشاء " IMEC"، وهو عرض صادم بطريقة واضحة لرغبة الغرب في صناعة المال والنفوذ حتى ولو على حساب حياة البشر، فما يهم بالنسبة لهم ليس فقط ارتكاب إبادة جماعية في غزة ولكن أيضاً جر إيران إلى صراع وتدمير المزيد من الأرواح، من أجل المال والنفوذ.
لذلك، فإن تصور الغرب بأن السلام في الشرق الأوسط يتوقف على فشل إيران في الرد على الاستفزاز الإسرائيلي يخفي حقيقة مفادها أنهم سيواصلون الحرب بأي ثمن،وسوف يصعدون الصراع حتى لو لم ترد إيران على الاستفزاز الأخير.