بقلم: الدكتور عصام نعمان ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 07-08-2024 - 186 الجماهير وقادتها الملتزمون في عالم العرب يتلهفون الى تسديد ضربة ثأرية قاصمة لـِ "اسرائيل" لإغتيالها القائد المجاهد فؤاد شُكر في ضاحية بيروت الجنوبية وبعده بسبع ساعات القائد المجاهد اسماعيل هنية في قلب طهران.
الأمين العام لحزب الله في لبنان السيد حسن نصرالله تعهّد وأكّد ان المقاومة "سترد حتماً بغضبٍ وعقلٍ وحكمة" . المرشد الأعلى السيد علي خامنئي وقائد الحرس الثوري في ايران تعهدا بتسديد ضربة قاصمة تجعل مجرمي "اسرائيل" يندمون على فعلتهم النكراء . الى ذلك ، سرّب قادة في قوى المقاومة العراقية ان طهران دعت اطراف محور المقاومة الى عقد اجتماع لإقامة غرفة عمليات موحّدة وآلية متفق عليها للردّ بفعالية على "اسرائيل".
في المقابل ، تبدو "اسرائيل" في شلل كامل وقلق شديد وهي تترقب الضربات الثأرية من اطراف محور المقاومة . منذ ثلاثة ايام ينام الإسرائيليون في الملاجيء إتقاءً من النار والدمار. مع ذلك ، أظهرت غالبيتهم إبتهاجاً بنجاح عمليتي الإغتيال وإن كانت لا تكفّ عن المطالبة بعقد اتفاقٍ مع حماس لتبادل إطلاق الأسرى.
يحذّر كثيرون في الشرق والغرب من مغبّة تطوير الردود الثأرية المتبادلة بين العرب المقاومين واليهود الصهاينة الى حرب إقليمية ، والحال أن الحرب الإقليمية وقعت فعلاً مذّ ردّت "اسرائيل" بوحشية شديدة على طوفان الأقصى الذي فاجأتها به حماس فجر 7 تشرين الاول/اكتوبر 2023. ألا تكون الحرب إقليمية عندما يشارك فيها أطراف عدّة في الإقليم : "اسرائيل" ، فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة ، حزب الله في لبنان ، انصار الله في اليمن ، فصائل المقاومة في العراق ، وايران منذ 14 نيسان/ابريل الماضي ردّاً على قيام "اسرائيل" بتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق وإستشهاد اللواء زاهدي ورفاقه ، ناهيك عن الدور السياسي والعسكري الفاعل في الإقليم الذي تلعبه الولايات المتحدة دعماً للكيان الصهيوني ضد قوى المقاومة في دول الجوار العربية ؟
كل هذه الواقعات والتطورات والملابسات تطرح سؤالين :
- لماذا قامت "اسرائيل" بإغتيال كبير قادة المقاومة الإسلامية على مقربة من عاصمة لبنان ، ثمّ إغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران؟
- هل تتحوّل الحرب الإقليمية الراهنة حرباً شاملة في المستقبل القريب ؟
بنيامين نتنياهو ليس غبياً . هو يدرك ان التجرؤ على إغتيال قائد كبير في المقاومة الإسلامية في ضاحية بيروت الجنوبية ورئيس حركة حماس في قلب طهران يشكّل كل منهما تحدياً سافراً وإستفزازاً شديداً لحزب الله وحماس وايران ما يستوجب ردّاً حتمياً ، فلماذا أقدم على إرتكاب هاتين الجريمتين المدوّيتين ؟
في الجواب عن هذا السؤال يقتضي أن نضع في الحسبان حقيقتين : الاولى ان نتنياهو يعتقد، إرثاً من أبيه ، أن "ارض إسرائيل" توجد توراتياً على ضفتي نهر الأردن الأمر الذي يجعله صهيونياً عنصرياً متعصباً متعطشاً الى سفك دماء المقاومين الفلسطينيين شأن وزيريه إيتمار بن غفير ويسرائيل سموتريتش . الثانية انه كان قبل ايام معدودة في زيارة لواشنطن وانه تلقّى هناك تأييداً جارفاً في الكونغرس من أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري . كما تردّد أنه أجرى مقابلات عدّة مع قياديين نافذين ، بينهم اركان الدولة العميقة ، ايّ القادة في كلٍّ من هيئة الاركان المشتركة ووكالة الإستخبارات المركزية CIA وأعمدة الرأسمالية الأميركية في وول ستريت Wall Street .
يبدو انه إستنتج من مقابلاته تلك أنه ، في فترة إنشغال القادة السياسيين الاميركيين بالإنتخابات الرئاسية الى مطلع تشرين الثاني/نوفمبر القادم ، يكون القرار في ايدي اركان الدولة العميقة الذين يعتبرون "اسرائيل" إمتداداً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وبالتالي قاعدتها وأداتها في حماية مصالحها في الإقليم ما شجعه على الإقدام على إغتيال القائدين شُكر وهنية ، مطمئناً الى ان الدولة العميقة في واشنطن ستغطي فعلته النكراء ، ولن تتوانَ عن المشاركة في دعم "اسرئيل" وحمايتها اذا إقتضى الأمر.
هذا التحليل يعود بنا الى ما يمكن ان يكون عليه ردّ أطراف محور المقاومة ، منفردين او مجتمعين ، على فعلة نتنياهو النكراء . ذلك أن رئيس وزراء "اسرائيل" سيقرر حجم ردّه وفعاليته في ضوء ردّ محور المقاومة المرتقَب . لعله سيكتفي بردٍّ محدود نسبياً اذا وجد أن ردّ اطراف محور المقاومة ، منفردين او مجتمعين ، ممكن تحمله بلا تداعيات مؤلمة لاحقة . أما اذا جاء ردّ محور المقاومة عنيفاً ومزلزلاً ، فلا أعتقد أنه سيقوم بردٍّ أعنف وأشد فعالية ، خصوصاً في مواجهة ايران ، إلاّ اذا كان قد حصل مسبقاً على ضمانةٍ من الولايات المتحدة بأنها ستهرع الى نجدته حتى لو إقتضى الأمر تورطاً منها في حربٍ سافرة مع ايران . وعليه ، يتوقّف تحوّل الحرب الإقليمية الى حربٍ شاملة على مدى شدة وفعالية ردّ "اسرائيل" على ردود أطراف محور المقاومة .
إن تورط او توريط الولايات المتحدة في حربٍ مع ايران في وقت تقف شعوب عالميّ العرب والمسلمين مع الشعب الفلسطيني بشكل صارخ مسألة بالغة الصعوبة والتعقيد . لذا فإن نتنياهو يسعى جاهداً الى إستئخار تحويل حربه المحتدمة حاليّاً الى اخرى شاملة بكل الوسائل الممكنة ، أقلّه الى ما بعد إنتهاء معركة الإنتخابات الرئاسية الاميركية ، مؤمّلاً بأن يمنحه فوز ترامب (؟) بعدها هامشاً أوسع من حرية العمل والمناورة . اما اذا كانت لديه ضمانة موثوقة من الدولة العميقة في واشنطن بأنها ستكون الى جانبه في حال تدحرجت الحرب الإقليمية الراهنة الى حرب مفتوحة او شاملة ، فإن نتنياهو لن يتورع عن الردّ بقوة وقسوة على اطراف محور المقاومة ، خصوصاً على ايران ، مؤملاً بأن تكون هذه هي فرصته المنشودة للقضاء على ركائز البرنامج النووي الإيراني الذي تشيع "اسرائيل" بأن طهران بات لديها بفضله من اليورانيوم المخصب ما يمكّنها من صنع قنبلة نووية خلال اسبوعين.
اطراف محور المقاومة ، خصوصاً ايران ، غير غافلة بطبيعة الحال عما ينتويه نتنياهو ، لاسيما بما يتعلّق ببرنامج ايران النووي . وهي ، اي ايران ، وان كانت غير راغبة في انزلاق الإقليم الى حرب شاملة ، إلاّ انها مستعدة لمواجهتها اذا ما ركب نتنياهو رأسه وقرر إرتكاب حماقته . ذلك ان لديها ، كما لدى اطراف محور المقاومة ، من الصواريخ والمسيّرات والمقذوفات المدمّرة ما هو كافٍ للردّ على حماقة نتنياهو وتدمير منطقة غوش دان حيث يحتشد ما لا يقلّ عن 40 في المئة من "اسرائيل" سكاناً وعمراناً وصناعةً وزراعةً وتجارة وموانيء ومطارات وقواعد عسكرية. هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإن لدى اطراف محور المقاومة من الموارد والأسلحة بمختلف انواعها ناهيك عن الإرادة والنَفَس الطويل ما يمكّنها من شنّ حرب استنزاف مديدة وكفيلة بإرهاق كيان الإحتلال حتى حدود الزوال .
ترى ، هل إقترب موعد تحقيق نبوءة أشياخ اليهود بأن عمر دولة "اسرائيل" الثالثة لن يبلغ الثمانين ؟
لا يوجد صور مرفقة
|