في استعراض ميداني للنصر الآتي لا يقبل التردّد ولا التشكيك، حصل ليلة الأحد 17 مارس/ آذار 2024 عندما دخلت قافلة من المساعدات الإنسانية الى شمال غزة مكوّنة من 12 شاحنة يرافقها مسلحون ملثمون، 6 منها وصلت الى جباليا، دون ان يتجرّأ المحتلّ الإسرائيلي على اعتراضها…
أكد ذلك بيان رسميّ صادر باسم الجبهة الداخلية يشكر فيها تعاون الأهالي في رفح وخان يونس مع المقاومة لإيصال هذه المساعدات من الجنوب الى الشمال.
المواكبون لما جرى ويجري يقولون إنّ هذا الأمر لم يكن ليحصل لولا حصول ثلاثة أمور هامة على أرض الواقع:
الأول، حتى الآن ما زالت منظومة القيادة والسيطرة، وقدرات مجاهدي القسام متماسكة، وتستطيع إدارة حرب استنزاف لشهور إنْ لم يكن لسنوات، وسبب تقلّص خسائر العدو مؤخراً مرتبط بانسحابه من معظم المناطق، وتركيز قواته في مناطق محددة.
الثاني، هو أنّ المقاومة تمكنت عملياً من تدمير 40% من القدرات العسكرية الإسرائيلية، التسليحية والبشرية، الأمر الذي دفع حكومة الحرب من الاقتراب من قبول مقترحات حماس… ولو بشكل غير مباشر وأسلوب مُوارب.
الثالث، بسبب رفض معظم قادة الجيش خيار البقاء في غزة، ويُصرّون على ضرورة طرح حلّ سياسي بالتعاون مع جهات محلية أو إقليمية وربما السلطة، فهذا هو الحلّ الكفيل بنظرهم الذي قد يؤدّي الى القضاء على المقاومة من خلال تطبيق عقيدة «الضفة الغربية» على قطاع غزة (أيّ من خلال نشر قوات محليّة عميلة) بعد فشل الخيار العسكري، وغرق الجيش الفعليّ في مستنقع قطاع غزة.
وهو ما جعل الهوة بين حكومة تل أبيب وواشنطن تصل إلى نهاياتها المحتومة، ما جعل صراخ السيد الأميركي وصاحب الكيان يصل الى كلّ ردهات مطبخ صناعة القرار والحرب الإسرائيلية: لقد منحناك كلّ الفرص يا نتن ياهو ففشلت، وبلغ السيل الزبى…
في هذه الأثناء فإنّ تماسك المستويين السياسي والعسكري لدى مجلس الحرب «الإسرائيلي» نفسه وصل هو الآخر إلى أدنى مستوياته:
فهل يُعقل أنّ كلاً من وزير الحرب ورئيس الأركان يدعوان الى اجتماع مجلس الحرب فيرفض نتن ياهو قبول الدعوة بحجة أنّ السبت يوم عطلة وحرام فيضطر الجيش والأركان والأجهزة ان يجتمعوا من دونه، لأنهم يعتقدون بأنّ الوضع كارثيّ وانّ رئيس الحكومة يكذب ويتهرّب…
أما السبب الأساس والحقيقي لكلّ هذا التصدّع في مجلس الحرب فهو الصمود الأسطوري للمقاومة في الميدان.
المقاومة التي مع كلّ محاولة توغل جديدة ـ تل الهوى أو حي الزيتون مثلاً ـ ظلت تواجه العدو خلالها مقاومة ضارية كبّدته خسائر بشرية دفعته للانسحاب بعد أيام.
ذلك أنّ استراتيجية المقاومة التي اتبعتها في هذه المواجهة غير المتكافئة هي الاقتصاد في القدرات البشرية والعسكرية، وليس الزجّ بكلّ ما لديها من إمكانات، وذلك استعداداً لحرب طويلة الأمد.
فالمقاومة لم تخطط قتالها على أساس أيّ خطة دفاعية على أسلوب «الصدّ الدفاعي أو الجبهوي الثابتة» والذي تقوم به الجيوش عادة، بل على نمط الإغارات والكمائن السريعة تناسباً مع قدراتها، وبالتالي فإنّ معايرتها بسقوط مناطق أو تمركز قوات مدرّعة هائلة التسليح في مدن ومحاور معينة محض هراء.
هذا الأسلوب المرن والحكيم من جهة والواعي والجسور والأداء المذهل من جهة أخرى، في مواجهة مغامرات جيش متهوّر مدجّج بكلّ أنواع القتل المتطور، هو الذي صنع معجزة حرب الأشهر الستة الأسطورية حتى الآن والتي تنبئ بنصر عظيم مقبل بإذن الله، ان بالمفاوضات الجارية في الدوحة، والتي يُقال إنها ستجري خلال الساعات المقبلة رأساً برأس ايّ مرة أخرى أشبه بالميدان، أيّ بالمسافة صفر، حيث ستجلس حماس في غرفة مستقلة والإسرائيلي في غرفة مجاورة وساعي البريد سيكون القطريّ بينهما كما تتواتر التقارير والأخبار. وهو الخيار الأرجح حتى الآن بسبب اضطراب الساحة الأميركية.
أو من خلال حرب طويلة الأمد قد تستمرّ حتى نهاية العام لتسقط نتن ياهو وبايدن معاً.
الصوت العالي الذي صدر من زعيم الأغلبية الديمقراطية اليهودي تشاك شومر في وجه نتن ياهو قبل أيام، مطالباً إياه بالرحيل، يؤشر على وصول الأمور الى خواتيمها عند زعيم واشنطن سواء بسبب تداعيات ذلك على حرب الداخل المحتدمة لديه مع غريمه، ترامب الذي يهدّد بحمام دم، أو بخصوص الخارج الذي ينبئ بقرب سقوط حلفه عند بوابات كييف ونهاية حلم الناتو بإنهاء روسيا، روسيا التي ستكون على مقربة من حدود النورماندي في نهاية حربها المنتصرة في أوكرانيا.
وهكذا يكون محور المقاومة انطلاقاً من 7 أكتوبر المجيد قد تحوّل إلى لاعب دولي أساسي، بل وبيضة القبان في عالم متعدد الأقطاب.
وتعود القضية الفلسطينية الى بداياتها وتحديداً الى ما قبل نكبة 1948، بعد أن سقط زيف فكرة «إسرائيل» التي لا تقهر جيشاً ومستوطنات.
وأما بعد التفويض الذي منحه سيد المقاومة باسم المحور لحماس ثمّة مَن يتوقع ما هو أبعد من ذلك ألا وهو حصول محادثات مباشرة بين حماس والولايات المتحدة على شاكلة محادثات واشنطن مع حركة طالبان التي عُقدت في الدوحة، قد تجري في نهاية عملية طوفان الأقصى لتعيد كلّ أمور فلسطين إلى نصابها قضية عادلة تستحق كلّ الاهتمام، ولا مستقبل للعالم الجديد من دون عودة الحق لأصحابه فيها.
ولا ينبئُك مثل خبير،
بعدنا طيبين قولوا الله