تخرج علينا أصوات عربية نشاز بين حين و آخر لا تقلّ خطورة عن اتهام محور الشرّ الصهيوني حماس بالإرهاب والفلسطينيّ المقاوم ، المدافع عن أرضه وعرضه وحرّيته بالإرهابيّ . تدعو إلى التأمّل قبل رمي الحصى في الماء ، وأخذ مسافة من الحذر قبل التلبّس بالقضية والهتاف بالنصر !!.
هذه الأصوات باتت تتحدّث عن مخاوفها من أسْلمة المقاومة ، وتتساءل عن غزّة ما بعد الحرب ، ومآلها ما بعد انتصار حماس ومدى تأثيرها على المستقبل السياسي "للإخوان " بالمنطقة العربية . هذا الغول الذي سمّنه الصهاينة ليأكل الوحدة العربية و تسهل عليه عملية التفتيت من الداخل و تشكيل الشّرق الأوسط العظيم .
إنّ الخوف هنا حالة إنسانية مشروعة بعد تجارب فشل كثيرة للإخوان المسلمين الذين دمّروا وخرّبوا وصادروا الحرّيات وقتّلوا وعاثوا في الأرض فسادا باسم الدين الإسلامي بما في ذلك تونس التي عاشت عشرية سوداء جرّاء توغّل الإخوان في مفاصل الدولة ، لكنّ من الضروري التنبيه إلى أنّ الآلة الصهيونية كانت وراء نشر حالة الفوبيا أيضا حتّى تجعل من الإسلام أخطبوط الشرّ الذي وجب قطع أرجله لمنعه من التمدّد، والحال أنّها هي من جاءت به و زرعته و ساعدته على التغلغل والتوغّل وحوّلته إلى معول لهدم الأنظمة لإعادة هندستها من جديد وضرب الإسلام في العمق.
ونحن نواجه اليوم "مخاوف" كثير من المثقفين العرب و عديد الدول العربية والإسلامية في طرحهم للسؤال "المرعب" : أيّ مصير ما بعد انتصار حماس؟ نشمّ رائحة الخيانة والتواطؤ الضّمني مع العقول المدبّرة لرحى الإبادة في غزّة ، فهؤلاء يستعيرون عن قصد أو دونه نفس المنطق الذي يبرّر به الجزّار نتانياهو والسفّاح بايدون جريمة الحرب المرتكبة في غزّة ، ويترجمون مخاوفهم الوهمية من " إسلام الإرهاب" ورُهاب الإسلام المُوظّف من طرفهم خطأ خدمة لمشروعهم الصهيوني بالشرق الأوسط الجديد الممتدّ من الماء إلى الماء .
ففي مواجهة هذه المخاوف الغريبة في وقت يُباد فيه الحجر والبشر والشجر ، وتخوض فيه المقاومة حرب بقاء ووجود مصيرية تحت أطنان القذائف وإزالة كل مقوّمات الحياة ، يسهل علينا فهم حالة الخرس العجيبة لعديد من الدول العربية والإسلامية وتواطؤها بالصمت والتفرّج المذل والطأطأة المخزية أمام الكيان العدوّ و تسليم رقابها لرؤوس الشرّ المُلقمة لمحرقة الفلسطينيين . فهذه الدول بدورها صدّقت أنّ حماس الابن الشرعي لمنظومة الإخوان تتستّر بمباركة إيران الأب الروحي ، وأنّ انتصارها يعني تغوّل إيران.
وهي في الحقيقة نفس حالة الخوف المرضي المعشّش في فكر الكيان الصهيوني الذي سعى بالحديد والنار والتهديد والوعيد والإغراء إلى تذييل صفوف الخونة وراءه من الدول المطبّعة والدول المتردّدة أمام مشروع التطبيع وإن كانت بمواقفها الجبانة تضع يدها في عجين الدّم الذي يخبزه نتانياهو بأصابع بايدون منذ شهرين.
لا حجّة ل"للنخبة العربية " اليوم في إثارة هذه المخاوف والتحوّل إلى ببغاء الآلة الصهيونية الغاشمة ،فجميعنا في حرب وجود ، نسير على المسامير في مرحلة يقتضي فيها المنطق والوجدان و سلطة الحقّ والعدل والإنسانيّة أن نكون مع فلسطين ظالمة أو مظلومة حتى لا تدور الدوائر على كلّ العرب ويطحنون دفعة واحدة في نفس الرّحى.