العصر-يصنف الصراع بين المسلمين واليهودالصهاينة على ارض فلسطين بانه من نوع الصراعات المتصلبة ،والصراعات المتصلبة بحسب عالم النفس ديفيد بارتال هي تلك التي تمتد لاكثر من جيل وتنطوي على مواجهات عديدة عبر الزمن تنتج الكثير من الكراهية والبغضاء وتتسم بعنفها الشديد وتتجاوز قتل الجنود والمعارضين المسلحين الى قتل المدنيين بما في ذلك النساء والاطفال وتدمير الممتلكات واقتراف الفضائع وتخلق مشكلة لاجئين ،تتصف هذه الصراعات ايضا بانها من النوع الذي يصعب معالجته لانها تكون شاملة للوجود المادي ،الارض ،الموارد ،المياه ،والوجود غير المادي ،كالهوية والقيم والمقدسات والدين ،تصعب تسوية هذه الصراعات لانها ذات طبيعة صفرية ،Zero sum ,فهي تنطوي على نفي الاخر وكل مكسب يحصل عليه طرف يمثل خسارة للطرف الاخر ،وتحتل قضايا هذا الصراع المركزية في التفكير والاهتمامات لانها تتعلق بالامن والوجود والحاضر والمستقبل والفرص والتهديدات ،ولذا تنتقل من جيل الى اخر ،فالشعب الفلسطيني الذي عانى من الاحتلال صار يعرف اجياله على النحو التالي ،جيل النكبة 1948،وجيل النكسة 1967،وجيل الانتفاضة 2000 ،وكل جيل يحمل في ذاكرته قضايا مأساته التاريخية مستذكرا قسوة الطرف المعادي وظلم المجتمع الدولي وتغطيته لجرائم الاحتلال ،الذي اقتلع شعبا من ارضه بالتهديد والتشريد والقتل الجماعي ليصل الى مرحلة الابادة الجماعية .والابادة تعريفا هي الفعل المؤدي الى محو مجموعة بشرية كاملة عن طريق قتلهم قصدا وعمدا وخلق الظروف المواتية لموتهم او منع تناسلهم عبر التجويع ونشر الامراض وتحطيم الوجود كليا او جزئيا .يرى عالم النفس ارفين ستوب ان القتل الجماعي هو محطة على طريق الابادة الجماعية ،وقد قاومت المجموعة الدولية بزعامة الولايات المتحدة تعريف ماحصل في رواندا عام 1994 بانها ابادة جماعية لعرقية التوتسي للتنصل من الالتزام الاخلاقي الذي يفرض التدخل الفعال لمنع الابادة الجماعية .
لاتحصل الابادة الجماعية الا بعد ان يصبح الصراع شاملا وصفريا ،اما نحن او هم ،وعلاقة النفي بين الانا والاخر تستلزم تعبئة نفسية تقوم على الكراهية الشديدة وتمتد على متصل نفسي طرفه الاول رفع قيمة الذات وتمجيدها وطرفه الثاني تبخيس الاخر والحط من قيمته وتجريده من صفاته الانسانية لنبذه وتصوير عملية ابادته بانه عمل مشروع واخلاقي لانه (همجي ، وحشي ،ارهابي ،قاتل ،بربري ) ويمكن اسباغ صفات سياسية معاصرة عليه كونه نازي،فاشي، مخرب ،ان هذا التبخيس يقوم بوظيفة نفسية هي نزع الشرعية كما يسميها بارتال ، اذ يساعد نزع الشرعية على التخفيف من التوتر والقلق وعذاب الضمير المرتبط عادة بالافعال العنيفة التي يمارسها الانسان ،فيحتاج الى اقناع نفسه واقناع الاخرين بان مايقوم به عمل مشروع للدفاع عن النفس والقضاء على التهديد ،ويتعزز ذلك بلوم الضحية وتحميله المسؤولية عما يحصل له ،
ان الابادة الجماعية التي تحصل في غزة منذ يوم 7 اكتوبر ،لم تكن رد فعل ضد تهديد امني فحسب ،بل كانت عمل ينم عن ايديولوجيا التفوق المتسم بشحنة عدوانية كبيرة مصحوبة بجنون الانتقام والثأر لما قامت به حماس يوم 7 اكتوبر /تشرين الاول ،وماكانت عملية الابادة لتتم بهذه الفضاعات دون تفويض سياسي من القوى الدولية الحامية للدولة العبرية ،فقد سمح لهذه الابادة ان تستمر بدعوى القضاء النهائي على تهديد حماس واقتلاع مؤسساتها وسلطاتها وبناها التحتية ،واصبح شعب غزة ومؤسساته الخدمية مستحقا للقتل والموت والتشريد والتحطيم لانه (حيوانات بشرية )بوصف وزير الحرب يوآف غالانت ،فيما لم يتردد وزير التراث وشؤون القدس عمحاي شلومي في الترويج لخيار القنبلة الذرية لتدمير غزة وانهاء التهديد على طريقة قنبلتي هيروشيما وناكازاكي التي القتهما الولايات المتحدة عام 1945 لحمل اليابان على الاستسلام ،وكان الجدل الاخلاقي يومها وبعدها يدور بين القبول بمشروعية قتل 140 الف انسان ياياني لوقف الحرب ، او الاستمرار في الحرب ومقتل عشرات الالاف او اكثر ، ولم يكن الجدل يتركز على المشروعية الاخلاقية لاستخدام وسائل التدمير الجماعي واسلحة الدمار الشامل من عدمها ،المثير في حرب غزة ان الكثير من الساسة الغربيين عاد يبرر الابادة الجماعية التي مارستها حكومة الحرب الاسرائيلية وواصلوا سياسة رفض وقف الحرب مكتفين بالدعوة الى هدنة مؤقتة وادخال المساعدات لانهم يريدون لجيش الاحتلال ان يقضي نهائيا على تهديد الحركات الاسلامية حتى لوكانت الكلفة البشرية القضاء على عشرات الالاف من المدنيين وتحطيم وجودهم ،وهذا تكريس لنظرية ومنطق الاستبعاد الاخلاقي والانساني (للاخر )كما تقول عالمة النفس الامريكية سوزان اوبوتو ،بل هو تبرئة للمجرم ومكافئته على فعله, بذريعة قيامه باداء (واجب اخلاقي)!!!!؟ ،لكن ماذا عن وجهة النظر المنطقية التي عبر عنها الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرش (احداث غزة لم تأت من فراغ ) ؟ لاشيء غير الصمت من زعماء الغرب ،اما وزير الخارجية الاسرائيلي فقد اعتبرها كفرا سياسيا لايجوز النطق به ،فواجب العالم اجمع حسبما يقول هو الوقوف مع دولته في الصدمة النفسية والامنية التي تعرضت لها ،ولان عقدة التفوق وحيونة الاخر Dehumanization هي المهيمنة على العقل السياسي والديني الصهيوني فقد استمرت حرب الابادة (حتى على اطفال غزة الخدج ) كاشفة عن عقيدة عسكرية تحتقر الحياة البشرية لمن تصنفهم خصوما لها دونما وازع اخلاقي او خشية من مسائلة بل ان غالبية المجتمع صار معبئا بايديولوجية الابادة ، ينطق عنهم وزير الحرب موجها جنوده للقتال والقضاء على حماس : (انتم تعرفون كيف تفعلون ذلك بطريقة فتاكة ).!