بقلم: العميد د أمين محمد حطيط ✅
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 22-02-2016 / 21:29:43 - 1854 بدأت تركيا انخراطها في الحريق العربي قبل خمس سنوات ممنية النفس بان تستعيد الإمبراطورية العثمانية البائدة منذ قرن، وفي التطبيق فشل المشروع التركي مع فشل خطة الاقواس الثلاثة التي اعتمدت على الاخوان المسلمين التنظيم الذي عول عليه اردغان ليوفر لتركيا فرص تحقيق الطموح، وتراجعت تركيا في أهدافها لتحصرها في سورية والعراق او جزء منهما خاصة بعد ان انكشف تنافر أهدافها مع كل من مصر التي أطاحت بحكم الاخوان والسعودية التي تنظر لهم بأنهم منافسون للمشروع الوهابي الذي تتخذه أساسا لبناء فضائها الاستراتيجي.
لكن صمود الجيش العربي السوري ودخول حلفاء سورية من محور المقاومة جعل الحلم التركي يصطدم بصخره الواقع وشعرت تركيا بالخيبة للمرة الثانية، فانخفض سقف طموحها الى المناداة بإقامة منطقة آمنة يفرض فيها حظر جوي وتمتد على طول الحدود وبعمق يتراوح بين 50 و100 كلم وفقا لطبيعة المنطقة وجغرافية المكان منطقة تكون واقعيا تحت سيطرتها الأمنية تمهيدا لإقامة دويلة تحت هيمنتها إذا نجح مشروع تقسيم سورية.
و مرة ثالثة تفشل تركيا في مشروعها فتتراجع و ينخفض سقف طموحها الى طرح إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية من جرابلس على الفرات شرقا الى عفرين غربا بعمق يتراوح بين 45 و 20 كلم ، و لكن فشلت تركيا في النسخة الرابعة من المشاريع ضد سورية فتراجعت اليوم للتمسك ووفقا لنظرية الامن الإسرائيلي ، بإقامة حزام امني على طول المنطقة المتقدم ذكرها و بعمق لا يتعدى 10 كلم مهمته كما تزعم منع اكراد سورية في عفرين من الاقتراب من حدودها و منعهم أيضا من التواصل مع عين العرب و ما يليها شرقا حتى الحسكة و القامشلي ، و تدعي تركيا انها تقوم بتدبير استباقي يحول دون قيام الاكراد بأنشاء كردستان سورية شبيه بكردستان العراق ، ما قد يشجع ال 16 مليون كردي في تركيا على الاقتداء بهم و تهديد و حدة تركيا.
لقد تراجعت تركيا في تدخلها العدواني في سورية بشكل انحداري فهبطت من طموح عالي السقف يتضمن السيطرة على جزء واسع من العالم العربي من تونس الى العراق، لتصل اليوم لاتخاذ موقف دفاعي بدافع خوفها كما تزعم على امنها القومي " ووحدة الأراضي التركية “، وهنا يبدو ان تركية الخائبة و "الخائفة "، لم تستطع ان تقنع حلفاءها في الناتو بموقفها، حيث نسجل ردة فعل غربية تكاد تكون متناقضة في جزئياتها.
ففي الوقت الذي رفضت فيه المجموعة الغربية ادانة تركيا لاعتداءاتها بالقصف المدفعي المتكرر على أراضي السورية، كما كان رفض سابقا توجيه اللوم الى تركيا في دعمها المتعدد الاشكال لداعش، نجد خلافا للرغبة التركية دعم أميركي لقوات حماية الشعب الكردي الذين تقصفهم تركيا في محيط اعزاز السورية كما نرى موقف الناتو الصريح برفض الانجرار وراء تركيا في مواجهة روسيا مهما كانت الردود الروسية على الاستفزاز التركي. فضلا عن استمرار الرفض الغربي لفكرة الحزام الأمني رغم شذوذ في الموقف الألماني عن هذا الرفض.
في ظل هذه التناقضات الدولية من تركيا ومواقفها وعلى ضوء التراجع التركي الانحداري او الهبوط التركي في السقف والطموح، ومع توافق روسي أميركي ظاهر على مد يد الدعم للأكراد في سورية واحتضانهم لتمكينهم من السيطرة على أرض في الشمال السوري خلافا للإرادة او الرضى التركي بل وبشكل مستفز أيضا، تنشأ هواجس وتطرح أسئلة حول حقيقة الموقف على الأرض وعن حقيقة المشروع الفعلي الذي تعمل به القوى العظمى بخصوص سورية والمنطقة. فالهواجس عند البعض كثيرة والأسئلة أكثر فكيف نفهم الأمور وكيف نوفق بين المتناقضات؟
قبل الإجابة و التفسير ، أرى ان اذكر بثوابت الموقف الوطني السوري المحتضن بقوة من قبل محور المقاومة ، احتضان و تأييد و دعم غير قابل للمراجعة ، ثوابت فيها ان السقوط و الرفض هو مصير أي مشروع يمس بوحدة سورية اوينتهك علمانية الدولة و وحدة الشعب السوري و يتعرض لموقع سورية على الخريطة الاستراتيجية في المنطقة , فهذه أمور ثابتة لا تنازل عنها مهما كان حجم التضحيات و الوقت اللازم لفرضها ، و بصيغة أخرى لا مخرج من الازمة ان كان الخروج يتضمن مسا باي من تلك الثوابت ، و بعد هذا التأكيد نعود الى الهواجس و الأسئلة و نرى ما يلي :
1) بالنسبة للموقف من الاكراد ودعمهم من قبل روسيا واميركا في الان نفسه نرى ان كل من الطرفين ينطلق من خلفية وهدف يختلفان عن الاخر:
- فروسيا التي فتحت للأكراد السوريين ممثلية لهم في موسكو و تقدم لهم في الميدان دعما ناريا جويا مؤثرا في معاركهم ضد داعش و النصرة ، تفعل ذلك من اجل زيادة حجم القوى المواجهة للإرهاب في سورية كما ترى فيهم رسالة ميدانية و سياسية تثير القلق و الاضطراب في النفس التركية التي امتهنت دعم الإرهاب والاستثمار به و استفزاز سورية ، و أخيرا ترى روسيا ان علاقة صداقة و ثقة مع الاكراد يمكنها لاحقا من لعب دور ايجابي في رسم علاقة الاكراد بالدولة السورية المركزية في دمشق دون ان تترك الأبواب مشرعة لأي متدخل خارجي خبيث.
- اما اميركا فأنها ترى حاجة ملحة للاحتفاظ بورقة مسلحة في الميدان السوري بعد افتضاح امر الإرهابيين الذين دعمتهم واستثمرت بهم خاصة بعد سقوط خطة حرب الاستنزاف التي اعتمدتها، ثم انها ترى ان الحاجة الى الاكراد ماسة اليوم في احداث توازن ما في منطقة محددة في سورية من اجل ابتزاز الحكومة السورية لاحقا عندما تطرح الحلول السياسية للخروج من الازمة، وقد يكون أيضا رغبة أميركية في استعمال الاكراد لضبط جنون اردغان وهياجه بعد فشل مشاريعه الإقليمية الكبرى والمحلية الصغرى.
2) اما عن الموقف من تركيا فأننا نرى بانها وصلت الى الدرك الأسفل من المواقع ولم تعد تملك تلك المؤهلات التي تجعلها ذات قدرة على التأثير والتغيير. لذا نرى ان للتناقض الظاهر في مواقف الغرب من سلوكياتها اسبابه التي نفسرها بوجود حاجات ومصالح غربية مختلفة تملي هذا التناقض الذي نراه في عمقه توزيع أدوار وتنويع مواقف تخدم أكثر من هدف في الان نفسه وبالتالي نرى:
- ليس الناتو على استعداد للدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا مهما كانت الظروف اليوم. فالناتو الذي التزم مفهوما استراتيجيا يغلق الجبهات في المنطقة منذ العام 2010 مستمر بالعمل بهذا المفهوم حتى العام 2020 لأسباب متعددة منها العملاني ومنها اللوجستي ومنها المالي الاقتصادي. لذلك ومهما انتحبت وعولت تركيا فلن تجد الناتو الى جانبها في حرب مع روسيا إذا انزلقت اليه ولو كان الناتو بصدد ذلك لفعل في ازمة القرم وجورجيا قبلها وأوكرانيا بعدها، وعلى هذا ان تجرؤ تركيا على الدخول العسكري الفعلي الى وسورية ولن تجعل نفسها في الميدان وحيدة.
- ترى المجموعة الغربية بقيادة أميركية انها فشلت في خططها السابقة في سورية و باتت تخشى من هزيمة استراتيجية تامة فيما لو تتابعت الأمور ميدانيا على النحو القائم اليوم لذلك سبق ان هددت على لسان تركي سعودي بالتدخل العسكري المباشر من اجل تجميد الميدان حيث هو لمنع انهيار إضافي يطيح بمواقعها على طاولة التفاوض من اجل الحل ، و ضمن الفهم ذاته فأنها تريد المحافظة على المخلب التركي الصغير المتمثل بالقصف المدفعي المحدود لأرض سورية ، لتوحي لمعسكر الدفاع عن سورية بانها جاهزة في الميدان و لن يثنيها قانون دولي او سيادة وطنية عن هذا التدخل و لهذا افشلت في مجلس الامن المسعى الروسي للجم تركيا.
3) ويبقى موقف سورية وحلفائها في محور المقاومة، فأنهم على علم وبينة من اهداف وخلفيات المواقف التي صدرت او تصدر، وهم ليسوا اقل قدرة على المناورة الميدانية او السياسية خدمة للأهداف الاستراتيجية الثابتة كما ذكرنا، ولذلك ورغم انه من المهم ان تعرف ما يخطط الاخر وكيف يمارس، يبقى الأهم هو ان تمتلك انت القدرات وإرادة مواجهة خطط الخصم لإفشالها، وعلى هذا نرى ان الميدان وما يرافقه من حركة سياسية لا يثير قلق معسكر الدفاع عن سورية رغم ان المقاتل يبقى على حذر دائم لان الاحتياط واجب.
لا يوجد صور مرفقة
|