بقلم: عماد خشمان
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب 16-10-2023 - 377 طالعنا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بعد وصوله العاجل إلى الكيان الغاصب في فلسطين بخطابه في إثر لقائه رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو، حيث أرسل “بلينكن” سلسلة من الرسائل المضمرة والتهديدات المباشرة لقوى المقاومة في المنطقة مقدِّمًا الولايات المتحدة شريكًا في أعمال “إسرائيل” الوحشية والإجرامية ومؤكدًا على أنها إلى جانب هذا الكيان المجرم والدفاع عنه في عدوانه على شعوب المنطقة وقد فات السيد بلينكن أنَّ ذاكرة أمريكا في شرق المتوسِّط مليئة بذكريات الخيبة والفشل والاندحار وأنَّ ذاكرة الشعوب ليست مثقوبة، ولم يفت الوزير بلينكن أن يذكّرنا بيهوديته قبل أن يكون أمريكيًّا معطيًا أبعادًا دينية للصراع القائم ووجوديًا لهذا الكيان ومشروعيةً لدعم الولايات المتحدة لهذا الكيان العنصري الهجين في إطار الصهيونية العالمية التي ترعى سياسات التوحّش وجرائم العدوان في فلسطين والمنطقة. أرسل الوزير بلينكن رسائله التهديدية إلى محور المقاومة وإلى حزب الله في لبنان بشكل واضحٍ وصريح محددًا أهداف القدوم إلى المنطقة على عجل وهي التصدّي لحزب الله ومحاولة منعه من الدخول طرفًا في الصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والعدو الإسرائيلي المعتدي المجرم، معرِّضًا مصالح أمريكا والأمريكيين في المنطقة بأسرها للخطر والتهديد ومقترعًا بدماء الفلسطينيين لولاية جديدة للرئيس الأمريكي الصهيوني (وفق إقراره) الخرِف والهزيل جو بايدن، وفي دلالة واضحة على مدى الكراهية المختزنة في نفسه على الشعب الفلسطيني ومقاومته، وأطلق نعوتًا وأوصافًا على عملية “طوفان الأقصى” وبأنها عملية إرهابية توازي أو تزيد ضخامة عن هجمات الــ11 من سبتمبر من العام 2001م (تدمير برجي التجارة العالميين في نيويورك) متناسيًا معاناة الشعب الفلسطيني والتنكيل اليومي به منذ العام 1948 في الضفة الغربية والقدس الشريف وتهديد المقدسات في المسجد الأقصى وفي قطاع غزة من الحصار اللاإنساني الظالم والمجحف والقاتل بكل المعايير التي بنيت على أساسها شرعة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جينيف وبروتوكولاتها. تأتي الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة بكامل عدتها الحربية مترادفة مع حشدٍ عسكريٍّ بريطاني إضافي في محاولة جديدة لإعادة استيلاد شرق أوسط جديد تشكل فيه إسرائيل نقطة جذب محورية كواحة “أمنٍ وسلام وديموقراطية” في المنطقة، هذا الكيان الذي بني على القتل والإجرام والاغتصاب والظلم والعدوان والاحتلال منذ نشوء عصابات الهاغاناه وآرغون وشتيرن ايَّام الانتداب البريطاني في بدايات القرن الماضي وطرد شعبٍ بأكمله من أرضه ومقدّساته في تزوير لا نظير له في التاريخ يدور حول كذبة أرض الميعاد مستندةً إلى رواية تافهةٍ مختلقةٍ وخادعة لا جذور لها ولا أساس من الصحّة مضفية عليها مسحة أخلاقية مزيفة يكشفها حجم المأساة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني والمجازر المروّعة المرتكبة اليوم والأمس بحقِّه ويمارسُ فيها العدو الصهيوني طقوسًا إجرامية هي في صلب عقيدته وثقافته الدينية والمبنية على الدم بالدم والنفس بالنفس في محاولة لتعديل ميزان خسائره في الارواح التي تكبّدها منذ انطلاقة عملية “طوفان الأقصى” بقتلٍ وحشي للمدنيين الآمنين والعُزَّل من نساءٍ وأطفال وعجزة في قطاع غزة وأمام صمتٍ دوليٍّ مريب وعربي وإسلامي مُعيب، حيث قضت غارات الطائرات الحربية والقصف المدفعي الواسع والمركّز وعلى مدار الساعة على عائلات بكافة أفرادها ومسحتها من سجلات الأحياء ومن الوجود ودمّرت مناطق عمرانية وتجمعات سكانية بأكملها في قطاع غزّة وحولتها إلى أنقاض فوق رؤوس ساكنيها. تأتي أمريكا اليوم لتشارك مباشرة وفور وصولها في القصف والتدمير والعدوان على أهل غزّة الصامدين ولتعطي جرعة دعمٍ ومساندة لكيانٍ على شفير الهاوية ويقف على أرضٍ مضطربة تزلزلت بفعل مقاومة مشروعة خرجت من رحم المعاناة والمأساة ولتدخل أمريكا كما هي العادة شريكًا في الدماء المسفوكة للشعوب المستضعفة ظلمًا وقهرًا، هذا الدعم اللامحدود يضع المنطقة بأكملها فوق صفيحٍ ساخن ويفتح الأمور على مصراعيها آخذًا الوضع برمّته نحو المجهول ومشرِّعًا الأبواب على سيناريوهاتٍ مرعبة ستجر الويلات على الكيان الغاصب وتضعه أمام مأزقٍ وجودي بدأت تلوح تباشيره في الهجرة العكسية من داخل الكيان إلى خارجه والتي ازدادت وتيرتها في الأيام السابقة وستتضاعف حتمًا حين تبدأ الصواريخ المنهمرة من كل حدبٍ وصوب في اللحظة التي يتجرّأُ فيها العدو على تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها قوى المقاومة ألا وهي تهديد المقدسات في القدس الشريف ومحاولات سحق المقاومة ووجود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. يدرك الأمريكي أن تهديداته جوفاء وخرقاء في مواجهة محور المقاومة وخاصة في لبنان وهو الذي يعرفها وخبِرها في بداية الثمانينيات من القرن الماضي حين دخل إلى لبنان داعمًا ومؤازرًا الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982م وخرج يجر أذيال الخيبة ويلملم أشلاء قتلاه ومختبئًا داخل بوارجه ومدمراته وسفنه الحربية مقابل شواطئ بيروت حين طغى واستكبر وأمعن في الاعتداء على المستضعفين والمقهورين في لبنان وفشل فشلًا ذريعًا في حماية الاحتلال وفي فرض الإذعان وخياراته ورؤاه السياسية على الشعب اللبناني المقاوم، هذه المقاومة المختلفة ظروفها وأوضاعها عن المقاومة في الضفة والقطاع على المستوى الكمّي والنّوعي، ووفقًا للتقارير تتميز بقدرات صاروخية استثنائية جوًّا وبرًّا وبحرًا – ما لا يقل عن 150 ألف صاروخ ومن مديات متفاوتة وقدرات تدميرية مختلفة مع عددٍ غير معروف للصواريخ الدقيقة ومنظومات دفاع جوّي ومسيّرات استطلاعية قاذفةٍ وتدميرية وأسلحة ضدَّ الدروع وصواريخ أرض بحر وعشرات الآلاف من المقاتلين المدرّبين تشكِّلُ “قوّة الرضوان” رأس الحربة فيهم، مقاتلون أشدَّاء راكموا خبرات تخطيطية وتكتيكية وميدانية في قتال المحتل الإسرائيلي والجماعات التكفيرية في سوريا والسلسلة الشرقية لجبال لبنان، قواتٌ تمتلك إمكانية المناورة في مساحات جغرافية واسعة ومريحة ومساعدة على الانتشار والاستتار والتمويه في أي مواجهة مقبلة مما يضع الأمريكي والإسرائيلي ومن معهم على حدٍّ سواء في مأزقٍ لا قدرة له على التفلُّت منه مضافًا إليها عمقًا إستراتيجيًّا يمنحها وحلفاءها اليد الطولى والقادرة على تهديد واستهداف المصالح الأمريكية والغربية المعتدية من الخليج الفارسي مرورًا بباب المندب وصولًا إلى غرب البحر المتوسط وعلى مساحة الشرق الأوسط عمومًا، مقاومةٌ لديها الجرأة والقرار والقدرة على تنفيذ تهديداتها عمليًّا إذا تطلّب الأمرُ ذلك. إنَّ الحشود العسكرية الصهيونية الكبيرة وغير المسبوقة على جبهة الشمال والحديث هنا يدور عما لا يقل عن 4 فرق من قوات الاحتياط مطعّمةً بكتائب من جنود النخبة والمظليين ومئات المدرعات ومنظومات دفاع جوّي بعد نقل الجهد الأساسي للقوات النظامية لجيش الاحتلال إلى جبهة قطاع غزّة، كما وقام بتحويل “مستعمرة المطلّة” على الحدود الفلسطينية اللبنانية إلى مركز قيادة للجبهة ونشر فيها الجنود والمدرعات حيث تمركزوا داخل منازلها وفي شوارعها، هذه الحشود تؤشِّر بل تؤكِّدُ على حجم الرعب القائم والأخطار المتوقَّعة على هذه الجبهة والخوف منها والتي دفعت العدد الأكبر من المستوطنين هناك للنزوح نحو الداخل الفلسطيني وجعلت الباقين منهم يرون أشباحًا سيَّارة وطيَّارة تدخلهم على عجلٍ إلى الغرف المحصّنة قبل أن يكتشفوا لاحقًا وهْمَ ما شهِدوه، وهنا تدخل على الخط لعنة التكنولوجيا في تقدير المخاطر والتهديدات وإطلاق الصواريخ المعترضة وصفارات الإنذارات الكاذبة خالقةً حالة من الإرباك والهلع والتي لم يعرف العدو بعد التعلُّم من أخطائها وفشلها. إن حالة المشاغلة والمشاغبة والإقلاق التي تجري حاليًا هناك وعلى مدار الساعة من ضربٍ للآليات واستهداف للجنود وزعزعة الاستقرار والأمان على الشريط الشائك والتي هي على ما يبدو وفق خطة مدروسة ومقصودة من قبلِ المقاومة وقيادتها، تلعب دورًا مهمًّا وأساسيًا في رفع مستوى التوتر والاضطراب العصبي والإرباك والتشويش والاستنزاف لدى قادة العدو وتشكِّلُ دفعًا معنويًّا للمقاومين في قطاع غزّة والضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة، كما وتخرج عمليًا جزءًا أساسيًا من جهد الجبهة وتحشيداتها لدى العدو من جنود الاحتياط و”قوات النخبة” وأرتالٍ من المدرعات والدبابات، وتبقيه واقفًا متأهبًا منتظرًا يعدُّ الساعات والأيّام وكما يقال بالعاميَّة (على إجر ونص) متلقّيًا الصفعة تلو الأخرى بانتظار المواجهة القادمة والمحتومة والتي ستضعه أمام خياراتٍ وسيناريوهات متعددة لا يحسد عليها وسيكون أحلاها بالنسبة إليه طعمُهُ مُرًّا. يبدو أنَّ السياسات الحمقاء المتبعة داخل الكيان الغاصب قد جرّت الأمريكيين والبريطانيين ومعهم الغربيين ودول التطبيع من الأنظمة الرجعية العربية إلى حافة الهاوية في المنطقة وأدخلتهم في عرائن الأسود وفضاءات الصقور وأعشاش الدبابير الذين لن يوفروا جهدًا أو وسيلةً لتلقين الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي المعتدي الدرس البليغ والقاسي والذي سيحفرُ عميقًا في ذاكرة الكيان والمستوطنين لسنواتٍ طويلة كما حفرت هزيمة السابع من تشرين الأول من العام 2023 هذا إذا قُيِّض للكيان أن يعيش طويلًا، وأيضًا ستترسَّخُ في وجدان الشعوب المستضعفة والمقاومة الإمكانية والقدرة على سحق العدوان وهزيمة الظلم والاستكبار وتحقيق الانتصار.
لا يوجد صور مرفقة
|