جامعة الأمة العربية
جامعة الأمة المقاومة

×

الصفحة الرئيسية التقارير والمقالات

التجريد الخلاّق.. أو الذكاء الاصطناعي كانكشاف | بقلم: ادريس هاني
التجريد الخلاّق.. أو الذكاء الاصطناعي كانكشاف



بقلم: ادريس هاني  
استعرض مقالات الكاتب | تعرف على الكاتب
17-09-2023 - 489

ولا زال البندول يتأرجح، ولمّا يتواسط بعد، وسيكولوجيا الاستعجال غير الاستشرافي لآماد الحركة الجوهرية للعقل، هي العقبة السيكولوجية الكأداء للمعرفة. وزمن الفلسفة ليس زمن الإنطباعات الاستعجالية التي تقع ضمن مقولة “أن ينفعل”، بل زمانها تحدده الخبرة الشعورية بالفينومين.

فسُلّم المدارك أو تاريخ الوعي في تقصّيه الترانسندنتالي، هو من يُحدِّد ويُقارب الزمن القصدي، زمن يصعب ضبطه بالإيقاع والمؤشر الميكانيكي للحركة.

تأخّر العقل العربي كثيرا ليُنتج نُخبا رخوة، مهما تمادت في نظراتها، لا تملك فنّ المسافة. والمسافة لا تعني البعد قدر الإمكان عن الذّات. فلا معرفة دون الوعي بتماس الذات بالموضوع. المسافة هنا بتعبير جوليان، هي البعد الموضوعي الذي يحقق الإراءة داخل الموضوع نفسه. لنقل هو النفوذ ما بين اللّحم والعظم بمُدى حادّة، النفوذ بين طبقات وتعقيدات الظاهرة نفسها.

وعند وعي ظاهرة التقنية، علينا توخّي هذه المسافة لكي نفهم، وننفذ لا لنبتعد ذُعرا من الذّاتي. الانقلاب الهيغلي على الذُّعر الكانطي بخصوص استبعاد الموضوع المكنون، واستجهال النومين، كما هو انقلاب هوسرل على اليسار الهيغلي بخصوص استبعاد الوعي الخالص، وإن كان لا أحد خرج من التجريد، لأنّ التجريد هو بحسب مقصوده وقاصده، تجريد غبيّ وتجريد ذكيّ قابل للترييض.

بالعودة إلى تطور التقنية وصولا إلى الاغتراب السيبراني، يحضر التجريد، وهو وسيلة الذات نفسها للانعتاق من الاغتراب. الوعي الخالص يعيد إنتاج الموقف الفينومينولوجي من الظاهرات. ما الذي يا ترى يجعل الإنسان يقرأ في التمظهر التقني انبهارا جارفا، سوى أنّنا نقع دائما ضحية للموقف الطبيعي. لا قيمة للعقل ما قبل التحليل الفينومينولوجي للوعي ومداركه، حيث العقل لحظة من لحظاته، ونبذة من تاريخه.

سعى غاستون باشلار للبحث عن مادية المادة، لنقُل: نسيان المادة، إذن، اليس جدير بنا أو أما آن الأوان للبحث عن عقلانية العقل؟ استيعاب المجال الترددي لتاريخ الأفكار، يعفينا من الوقوف في منتصف الطريق. لا زلنا نسلّم بالعقل كأقنوم وليس كمرحلة في تاريخ الوعي الفينومينولوجي، كمرتبة في سُلّم الوعي. إنّنا داخل المختبر ننقل صور الظاهرة الماثلة أمامنا، ثم ننقلها إلى مختبر الوعي، وهنا وحده عالِم الطبيعة والتقنية يدرك مهمّة التجريد وقيمة اللغة الرياضية.

العقل المشبع بالمعادلات الرياضية ولغتها، وحده يدرك قيمة الخيال والحدس في إنجاز المهمة العلمية.

هل التقنية تقنية في المبتدأ والخبر، أم أنّ أصل التقنية غير تقني حسب هيدغر؟ لنذهب بعيدا ونقول بأنّه ليس أصل التقنية فقط غير تقني، بل حتى غايتها غير تقنية، وهنا لا بدّ من وقفة تأمّل.

مع أنّ التقنية هنا من منظور الدازاين الهيدغيري، شكل من استفزاز الطبيعة لمزيد من الإظهار والانكشاف لإمكاناتها، وتدبير هذه الإمكانات في نسق من العلاقات، تنتهي بابتكار التقنية التي هي وسيلة الإنسان لتحقيق أغراضه. لسنا إزاء هيمنة على الطبيعة بالمعنى الديكارتي، بل استعمال إمكاناتها الدفينة وتحقيق ظهور قواها. التقنية لا تستغني عن قوى الطبيعة، وعبر الابتكار البشري تتحوّل قوى الطبيعة إلى انكشاف، إلى تقنية.

لنجرّب مثلا في الحقبة السيبرانية أن نوقف الكهرباء، وذلك عبر إيقاف مضخّ الطاقة ومنتجها، السدود، والمروحيات، سيتوقف كل شيء. كل جزء من هذه التقنية الأولى بما فيها البدائي، هو مؤثر في قوة ومصير التقنية، بما فيها السيبرانية. حتى المطرقة التي نحتاجها في بناء المنصات التي نحتاجها ايضا في طواحين الهواء، في السدود، في محطات توريد الكهرباء، وصولا إلى الحاسوب الذي لا يستغني عن المواد الطبيعية. هكذا وجب أن نفهم دورة التقنية كاستفزاز وإعادة توجيه لفعل الطبيعة عند هيدغر.

يتجاوز هيدغر الحديث عن التقنية في تمظهرها المادي، ويبحث ماهيتها، من حيث أصلها اللاّتقني، باعتبار أصل التقنية غير تقني، هكذا ترتسم قدرية دازاين داخل حتمية رؤية العالم عبر منظور التقنية بالعودة إلى أرسطي في الأخلاق عند نيقوماخوس، يستلهم هيدغر مفهوم الـ(techné: (τέχνη ، بمعنى كشف عن الحقيقة.

التقنية إذن كشف، إظهار، لنقل هي كشف لمكنونات القوة الطبيعية، يستطيع الإنسان إعادة توجيه الطبيعة وقواها، لنقل تدبير قوى الطبيعة، جعلها تشتغل بشكل مختلف ومختزل لصالح ما يحتاجه، عبر عملية استفزاز. إحكام السيطرة عبر تعزيز المراقبة والتفتيش والصعود، وفق تعبير هيدغر، نوع من”un arraisonnement de la nature”، مفهوم يحيل على عملية الإيقاف والصعود الذي تقوم به قوات البحرية للسفن قصد تفتيشها. السيطرة على الطبيعة هيدغيريا تتمّ عن طريق فعل الصعود أو الإيقاف الدوري ذلك.

لا شيء من حيث الماهية يتغير، فالتقنية المعاصرة هي كيفية أخرى، رياضية، لتحقيق هذا التوجيه والاستفزاز للطبيعة لتكشف عن قواها لصالح الإنسان. لكن لحظة انقلاب الوضعية يصبح الإنسان مستلبا في التقنية ، ومن هنا خطورتُها. تحويل الطبيعة عبر فعل الصعود إلى رصيد خاص. شيء لا يملك الإنسان الفكاك عنه، وقد تنقلب الوضعية فيصبح _لهذا السبب _ الإنسان ضحية التقنية، وهو ما يعني الاغتراب.

إنّ المخرج الهيدغيري من حالة الاستيلاب تلك، تكمن في المخرج الأنطولوجي، في استعادة الوعي بالوجود. القدر الممكن من السعادة، استحضار أصالة الوجود، وحدها تعفينا من هيمنة التقنية لأنها قدرنا ولا نستطيع أن نتخلّى عنها، لأننا نحن من أتى بها في نهاية المطاف. إنّه سؤال التقنية الذي يفرض أن ينطلق الحلّ من الفعل التّأمّلي لماهيتها.

نسيان الوجود يجعل الإنسان يغترب في التقنية التي يجهل ماهيتها، وقد ينتهي الأمر إلى ذُهان فيتيشي كما يبدو اليوم إزاء الذكاء الاصطناعي، متجاهلين أنّ لا شيء من هذا منفصل عن قوى الطبيعة نفسها، بعد إعادة توجيهها، ترى، ماذا بمقدور الذكاء الاصطناعي أن يفعل لو أنّ بُرغيّا انفلت من إحدى السدود المولدة للكهرباء، ألا نحتاج يومها، بل يتوقف كل شيء، على مطرقة يدوية؟ ماذا لو استنزفنا الموارد الطبيعية، فلا معادن بها تكتمل دورة التقنية نفسها انطلاقا من رصيد وخزّان القوى، التي يُنتج بها الإنسان كلّ هذا الذي ينقلب عليه، نتيجة غفلته عن ماهية الأشياء.

إن كان مبدأ التقنية غير تقني، لأنّها قدر بروميثيوسي، أو لنقل حتمية أن تكون نظرة الدازاين _كما نفهم من هيدغير_ للعالم هي نظرة تقنية بالضرورة، فإنّ غاية التقنية لا يمكنها أن تحول دون هذا الذُّهان التقني، من هنا أنّ الاغتراب التقني هو طريق انتحار كائن في تيه عن استيعاب ماهية الأشياء، وفي حافة نسيان الوجود، تتغّير بها غاية التقنية.

ثمّ، إنّ ما يميز الإنسان تقنيا، هو قدرته الفائقة على استعمال الذكاء بخلاف من يشاركه الحياة على الكوكب، عبر التجريد. يا لها من ملكة خلاّقة، بالتجريد يتمّ هذا التوجيه الاختزالي لقوى الطبيعة نفسها. إنّ ما يبدو ذكاء اصطناعيا، هو في نهاية المطاف امتداد للذكاء الإنساني، وشكل من الانكشاف الفائق لقوى الطبيعة نفسها.

من هنا نمسك بناصيةالبدايات. فإن فرضية ما بعد-الإنسان، هي هذا الشكل الذي يخرجنا من نسيان الوجود إلى تناسيه، إلى لحظة تعبير سيكولوجي عن إنسان مهزوم ماهويّا، مُدلّل بوصفه مميزا في ذكائه وقلقه، ربما اعتبر البعض هذه الفرضية (كما يصفهم “كلين”) “إنسان أتعبه أن يظلّ إنسانا”، وها هو يفعل ذلك عبر التقنية نفسها.

لا يوجد صور مرفقة
   المقالات المنشورة في الموقع تمثل رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي أسرة الموقع   


بيان بشأن الشعب الليبي الشقيق
بقلم: جامعة الأمة العربية

عندما يقع الارهاب الاخواني والداعشي .. فى حب إسرائيل !!
بقلم: الدكتور رفعت سيد أحمد



اضغط هنا لقراءة كل مواضيع الكاتب ادريس هاني |


تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي
Facebook
youtube

جميع الحقوق محفوظة
لموقع جامعة الأمة العربية
© 2013 - 2024
By N.Soft

حمل تطبيق الجامعة لأجهزة آندرويد
Back to Top

       64 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       فلسطين- غزة:ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 41118//وزارة الصحة الفلسطينية: 13 شهيداً جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق متفرقة في قطاع غزة منذ فجر اليوم//وسائل إعلام فلسطينية: شهيدان جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلاً بحي الزيتون جنوب شرقي مدينة غزة//خمسة شهداء في قصف الاحتلال حي الزيتون ومخيم جباليا//       ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة، واصفاً الحادثة بالمروعة.// سابق يوم جديد من عملية طوفان الأقصى.. أبرز التطورات التالي العدو الإسرائيلي يواصل اعتداءاته على الجنوب اللبناني//       القوات الروسية تطهر 10 بلدات وقرى من قوات نظام كييف في كورسك//تنديد دولي باستهداف الاحتلال الإسرائيلي لموظفي الأمم المتحدة في غزة//       أحبار الأمة والعالم :المقاومة اللبنانية تستهدف مستوطنتي روش هانيكرا ومتسوفا بالصواريخ//كوبا تدعو المثقفين السوريين لدعم الرسالة المناهضة لإعادة إدراجها على قائمة الدول الراعية للإرهاب//       ستشهاد مواطنين اثنين جراء عدوان إسرائيلي بمسيرة على ريف القنيطرة//       المقداد لـ مانزي: نرحب بالعمل مع الوكالات الأممية وتسهيل عملها//تمديد فترة قبول طلبات المشاركة في منافسات الموسم الجديد من الأولمبياد العلمي السوري//الزراعة تناقش آليات دعم بذار القمح والأعلاف واستبدال بساتين الحمضيات الهرمة//       الاحتلال الإسرائيلي يسلم الصليب الأحمر جثامين 84 شهيداً قتلهم خلال عدوانه على قطاع غزة//المقاومة الفلسطينية توقع عدداً من جنود الاحتلال قتلى ومصابين جنوب قطاع غزة// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا)// سابق المقاومة اللبنانية تستهدف العدو الإسرائيلي في مستوطنة (أفيميم) وموقع (بركة ريشا) التالي وسائل إعلام لبنانية: استشهاد ٤ أشخاص جراء غارة لطيران العدو الإسرائيلي على بلدة مفيدون جنوبي لبنان//       نزوح قسري لآلاف الفلسطينيين من شمال قطاع غزة//39653 شهيداً منذ بدء الاحتلال عدوانه على قطاع غزة//وزارة التربية الفلسطينية: أكثر من 10 آلاف طالب استشهدوا منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة//المكتب الإعلامي في غزة يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية في اختطاف الاحتلال لجثامين الشهداء وسرقة أعضائهم//       فلسطين:شهداء وجرحى جراء عدوان الاحتلال المتواصل لليوم الـ 306 على قطاع غزة//حماس تعلن اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي//24 شهيداً جراء مجازر الاحتلال في قطاع غزة خلال الساعات الـ 24 الماضية//       مذكرة تفاهم بين جامعتي البعث والبترول التكنولوجية الإيرانية // وضع مركزي تحويل كهربائيين جديدين بالخدمة في السويداء//صحة السويداء تستلم سيارات إسعاف لتلبية احتياجات المواطنين//